توابع فعلي الشرط والجواب: دليلك الشامل لفهم أسرار النحو العربي

تُعَدُّ دراسة التوابع في اللغة العربية من أهم الأبواب النحوية التي تُثري فهمنا لأساليب التعبير والبلاغة. ومن بين هذه التوابع تبرز التوابع الخاصة بفعل الشرط وجوابه، حيث تتجلى دقة اللغة العربية ومرونتها في التعبير عن المعاني المختلفة. في هذا المقال، سنغوص في عالم توابع فعل الشرط والجواب، نستكشف أنواعها وأحكامها، ونستعرض الأمثلة والشواهد القرآنية والشعرية التي تُبرز جمالياتها وأهمية استخدامها في التركيب اللغوي. انضموا إلينا في هذه الرحلة النحوية المثيرة لتتعرفوا على كيفية تسخير التوابع لزيادة فعالية التعبير ودقة المعنى في اللغة العربية.
تابع فعل الشرط
التوابع في اللغة العربية خمسة، هي: العطف، والبدل، والتوكيد، والوصف، وعطف البيان. واثنان من هذه التوابع لا يكونان في الأفعال وهما الوصف وعطف البيان، أما العطف، والبدل، والتوكيد فتكون في الأفعال والأسماء. في سياق فعل الشرط، تظهر أهمية هذه التوابع كـ توابع لفعل الشرط.
أ –التوكيد: يُعد التوكيد من توابع فعل الشرط، حيث يؤكد فعل الشرط توكيداً لفظياً، تقول: إن تأتني تأتني أعطيك. فقولك: (تأتني) الثانية توكيد لفظي لا محل له من الإعراب، وهو تابع لفعل الشرط.
ب –البدل: يُعد البدل أيضاً من توابع فعل الشرط، ويشترط في البدل أن يكون أوضح من المبدل منه، قال الشاعر:
متى تأتنا تلممْ بنا في ديارنا ** تجدْ حطباً جزلاً وناراً تأجَّجَا
فالفعل (تلمم) بدل من الفعل (تأتنا)؛ لأنه أوضح منه، ولذلك تبعه في حركته الإعرابية، ويُعتبر تابعاً لفعل الشرط.
ج –العطف: يُعطف على فعل الشرط بأحد أحرف العطف التالية: (الواو، والفاء، وثم، وأو)، والوجه في المضارع المعطوف الجزم. قال تعالى: {إن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبْكم به الله}. {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم}. فالفعلان (تخفوها) و(تؤتوها) معطوفان على فعل الشرط، وهما مجزومان، ويُعدان من توابع فعل الشرط.
ومن يكُ ذا فضلٍ فيبخلْ بفضلِهِ ** على قومِهِ يُستغنَ عنه ويُذمَمِ
فالفعل (يبخل) معطوف على فعل الشرط (يك) بالفاء، وجاء مجزوماً، وهو تابع لفعل الشرط.
ويجوز نصب الفعل الواقع بعد الواو أو الفاء بتقدير (أن) المضمرة، ولكن ذلك نادر. قال زهير:
ومَنْ لا يقدِّم رِجْلَهُ مُطْمئنّةً ** فيثبتَها في مُستوى الأرضِ يَزْلَقِ
فنصب الفعل (يثبتها) بأن المضمرة بعد الفاء، وهو تابع لفعل الشرط. وقال آخر:
ومن يقترب منّا ويخضعْ نُؤْوِهِ ** ولا يَخشَ ظُلماً ما أقامَ ولا هَضْما
فنصب الفعل (يخضع) بأن المضمرة بعد الواو، ويُعتبر تابعاً لفعل الشرط.
تابع جواب الشرط
يُؤَكَّدُ جواب الشرط توكيداً لفظياً، ويُبدَل منه، ويُعطَف عليه. فإذا أُكِّد أو أُبدل منه وجب جزم الفعل المضارع التابع، ويُسمى حينها تابع جواب الشرط. تقول: إن تزرني أكرمْك أكرمْك. وقال تعالى: {ومن يفعل ذلك يَلْقَ أثاماً يضاعفْ له العذابُ}، فالفعل (يضاعف) بدل من جواب الشرط (يلق)؛ لأنه أوضح منه في الدلالة على المعنى، وهو تابع لجواب الشرط.
أما إذا كان التابع معطوفاً بالواو أو الفاء، جاز فيه وجهان على الاتباع، هما الجزم والنصب على إضمار (أن) الناصبة، وجاز وجه ثالث، هو الرفع على الاستئناف، وعندها لا تكون الواو أو الفاء حرف عطف بل حرف استئناف. قال تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبْكم به الله فيغفرُ لمن يشاء ويعذبُ من يشاء، والله على كل شيء قدير}، قُرئ الفعل (يغفر) بالجزم والنصب والرفع، وهو بذلك تابع لجواب الشرط. وقال تعالى: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفِّرْ عنكم سيئاتكم}، فالفعل (يكفِّر) يُعتبر تابعاً لجواب الشرط.
وقال الأعشى:
ومن يغتربْ عن قومه لا يزالُ يرى ** مصارعَ مظلومٍ مجرّاً ومسحبا
وتُدفَنُ منه الصالحاتُ وإن يُسِئْ ** يكنْ ما أساء في رأسِه كبكبا
رُوي الفعل (وتدفن) بالرفع والنصب، وهو تابع لجواب الشرط.
وقال النابغة:
فإن يهلكْ أبو قابوس يهلكْ ** ربيعُ الناسِ والبلدُ الحرامَ
ونمسكُ بعده بذِبابِ عيشٍ ** أجبّ الظهرَ ليس له سنامُ
رُوي الفعل (نمسك) بالرفع والنصب والجزم، ويُعد تابعاً لجواب الشرط.
أما إذا كان حرف العطف (أو) فلا يجوز إلا الجزم. قال تعالى: {إن يشأ يُسكنِ الريحَ فيظللنَ رواكدَ على ظهره. إن في ذلك لآياتٍ لكل صبّارٍ شكور * أو يوبقْهن بما كسبوا ويعفُ عن كثيرٍ ويعلَمَ الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص}.
فقد عُطف الفعل (يوبقْهن) بالأداة (أو) فجُزم، وجُزم الفعل (يعفُ)، ونُصب الفعل (يعلمَ) لأن العطف كان بالواو، وتُعتبر هذه الأفعال توابع لجواب الشرط.
ويجوز حمل المضارع على محل جملة جواب الشرط المعطوف عليها وهو الجزم، فقد قرأ بعضهم قوله تعالى: {من يُضللِ اللهُ فلا هادي له، ويذرْهم في طغيانهم يعمهون}، بجزم المضارع (ويذرْهم)، وهو تابع لجواب الشرط.
خاتمة
تُظهِر دراسةُ توابعِ فعلِ الشرطِ والجوابِ عمقَ اللغةِ العربيةِ ودقّتَها في التعبيرِ عن المعاني والأفكارِ المتنوعة. من خلالِ التعمّقِ في التوكيدِ والبدلِ والعطفِ في سياقِ الشرطِ والجوابِ، ندركُ كيفَ تسهمُ هذه التوابعُ في تعزيزِ الروابطِ النحويةِ وتوضيحِ المعاني المقصودةِ بشكلٍ أكثرَ دقةً وإبداعاً. الأمثلةُ القرآنيةُ والشعريةُ التي تناولناها تُبرهنُ على جمالِ الاستخدامِ اللغويِّ للتوابعِ وأهميتِها في إبرازِ البلاغةِ والفصاحةِ في النصوصِ العربية. إنَّ إتقانَ هذه التوابعِ يُمكِّنُنا من استخدامِ اللغةِ بأسلوبٍ أكثرَ تأثيراً وجاذبية، ويعززُ قدرتَنا على التواصلِ الفعّالِ والتعبيرِ الدقيقِ. لذا، فإنَّ مواصلةَ دراسةِ هذه الجوانبِ النحويةِ وتطبيقِها تساهمُ في حفظِ تراثِنا اللغويِّ والارتقاءِ بمستوى الكتابةِ والخطابِ العربيِّ في مختلفِ المجالات.
الأسئلة الشائعة
أ -ما هي التوابع التي تأتي مع فعل الشرط؟
التوابع التي تأتي مع فعل الشرط في اللغة العربية هي: التوكيد، والبدل، والعطف. هذه التوابع تُستخدم لتأكيد الفعل أو توضيحه أو إضافة فعل آخر مرتبط به، وتكون تابعة له في الإعراب.
ب -هل يمكن أن يكون التوكيد تابعًا لفعل الشرط؟ وكيف ذلك؟
نعم، يمكن أن يكون التوكيد تابعًا لـفعل الشرط من خلال التوكيد اللفظي. فمثلاً: “إن تأتني تأتني أُكرمك“. هنا الفعل الثاني “تأتني“ هو توكيد لفظي للأول، وهو تابع فعل الشرط ولا محل له من الإعراب.
ت -ما دور البدل في فعل الشرط؟
البدل يعمل كـتابع لفعل الشرط حيث يستبدل الفعل بفعل آخر أوضح منه في الدلالة. مثال ذلك قول الشاعر:
“متى تأتنا تلمِمْ بنا في ديارنا ** تجدْ حطبًا جزلاً ونارًا تأجَّجا“
الفعل “تلمِم“ هو بدل من “تأتنا“؛ لأنه أكثر وضوحًا، وبالتالي يُعرب كـتابع فعل الشرط.
ث -كيف يُعطف على فعل الشرط وما أحرف العطف المستخدمة؟
يُعطف على فعل الشرط باستخدام أحرف العطف: الواو، الفاء، ثم، أو. الفعل المعطوف يكون مجزومًا، مثال: “إن تُبدوا ما في أنفسكم أو تُخفوه يحاسبْكم به الله“. هنا “تُخفوه“ معطوف على فعل الشرط “تُبدوا“.
ج -هل يجوز نصب الفعل المضارع بعد العطف على فعل الشرط؟
يجوز نصب الفعل المضارع بعد العطف على فعل الشرط بتقدير “أن“ المضمرة، ولكن هذا قليل الاستخدام. مثال قول زهير:
“ومن لا يُقدِّمْ رِجله مُطمئنّةً ** فيثبِتَها في مستوَى الأرض يزلَقِ“
هنا نُصب الفعل “فيثبِتَها“ على أنه تابع فعل الشرط بتقدير “أن“.
ح -ما هي التوابع التي تأتي مع جواب الشرط؟
التوابع التي تأتي مع جواب الشرط تشمل: التوكيد، البدل، والعطف. تستخدم هذه التوابع لتأكيد جواب الشرط أو توضيحه أو إضافة أفعال أخرى مرتبطة به كـتوابع جواب الشرط.
خ -كيف يُؤكَّد جواب الشرط؟
يُؤكَّد جواب الشرط بالتوكيد اللفظي. فمثلاً: “إن تزرني أُكرمْك أُكرمْك“. الفعل الثاني “أُكرمْك“ هو توكيد لفظي للأول، وهو تابع جواب الشرط يُعرب توكيدًا لفظيًا.
د -ما حالات الفعل المعطوف على جواب الشرط؟
عند العطف على جواب الشرط بالواو أو الفاء، يجوز في الفعل المعطوف ثلاثة أوجه:
- الجزم: على أنه تابع جواب الشرط. مثال: “فيغفِرْ لمن يشاء“.
- النصب: بتقدير “أن“ المضمرة. مثال: “فيغفِرَ لمن يشاء“.
- الرفع: على أنه فعل مستأنف. مثال: “فيغفِرُ لمن يشاء“.
ذ -لماذا يجزم الفعل بعد العطف بـ”أو” في جواب الشرط؟
لأن العطف بـ“أو“ في جواب الشرط يقتضي الجزم فقط. مثال قوله تعالى:
“أو يُوبِقْهُنَّ بما كسبوا ويعفُ عن كثير“.
هنا جُزم الفعل “يُوبِقْهُنَّ“ لأنه تابع جواب الشرط معطوف بأداة العطف “أو“.
ر -كيف يُحمَل المضارع على محل جملة جواب الشرط؟
يمكن جزم الفعل المضارع بحمله على محل جملة جواب الشرط المعطوف عليها، فيُعرب كـتابع جواب الشرط. مثال قراءة بعضهم لقوله تعالى:
“من يُضلِلِ اللهُ فلا هادي له ويذرْهم في طُغيانهم يعمهون“.
هنا جُزم الفعل “ويذرْهم“ بحمله على محل جواب الشرط.
ز -ما أهمية فهم توابع فعلي الشرط والجواب في اللغة العربية؟
فهم توابع فعل الشرط وجواب الشرط يساعد على تحليل التراكيب اللغوية بدقة، ويُمكِّن من استخدام الجمل الشرطية بأسلوب صحيح ومؤثر. كما يُضيف ثراءً بلاغيًا للنصوص ويُبرز جمال اللغة العربية وقواعدها النحوية.