النحو

أسلوب التوكيد: تعريفه وأقسامه، التوكيد اللفظي والتوكيد المعنوي

التوكيد أو التأكيد أسلوب من أساليب العربية يرمي إلى تقرير المعنى بتكراره أو إلى أن متبوعة حقيقي لا مبالغة فيه ولا مجاز، وعلى هذا فالتوكيد قسمان: لفظي ومعنوي:

١ -التوكيد اللفظي

هو تكرار اللفظ السابق بنفسه كقول قطري بن الفجاءة:

فصبراً في مجالِ الموتِ صبراً * فما نيلُ الخلودِ بمستطاعِ

أو بلفظ آخر مرادف له نحو: نَعَمْ جَيْرِ. (جير هنا هي بمعنى نعم).

والمؤكد قد يكون اسماً أو حرفاً كما في المثالين السابقين، وقد يكون فعلاً، نحو: (ذهب ذهب الذين أحبهم)، أو جملة اسمية أو فعلية، نحو: (تأكد النجاح تأكد النجاح)، (الفوز مضمون الفوز مضمون لمن بذل الجهد في الجد)، أو اسم فعل، كقول الشاعر:

هي الدُّنيا تقولُ بِمِلْءِ فيها * حَذَارِ حَذَارِ مِنْ بطشي وفتكي

 وللتوكيد اللفظي أحكام أبرزها:

أ -المؤكد اللفظي يُؤتى به لمجرد التوكيد، ويعرب توكيداً لفظياً ولا يخضع لتأثير العوامل، نحو: (إنَّ زيداً إنَّ زيداً قادمٌ)، إن (الثانية) توكيد للأولى، زيداً: توكيد للأول، قادم: خبر إن الأولى.

ب -يجوز توكيد الضمير المتصل بضمير رفع منفصل مناسب له في الإفراد والتذكير وفروعهما، نحو: “فُزْتَ أنتَ، زرتني أنا، مررتُ بكَ أنتَ” ونقول في الإعراب: “أنت” توكيد للتاء مبني على الفتح، و”أنا” توكيد للياء مبني على السكون و”أنت” توكيد للكاف مبني على الفتح، ولا نقول في محل رفع أو نصب أو جر؛ لأن التوكيد غير خاضع للعوامل فلا محل له من الإعراب.

ج -إن كان المؤكَّد حرفاً من أحرف الجواب: (نعم، أجل، جير، إي، لا، بلى) . . . فتوكيده بتكراره وحده، وإن كان غير ذلك فتوكيده بتكراره مع ما اتصل به، نحو: “ليت الشعب ليت الشعب يدرك ما يحاك له من الدسائس” وقد ينوب عن الاسم الظاهر ضميره فنقول: ” ليت الشعب ليته يدرك . . . “

والتوكيد على غير هذه الطريقة شاذ أو ضعيف كقول مسلم بن معبد الوالبي:

فلا واللهِ لا يُلْغَى لِمَا بِي * ولا لِلِمَا بِهِمْ أبداً دَوَاءُ

٢ -التوكيد المعنوي

وله ألفاظ سبعة أصيلة هي:

آ -نفس، عين: ويسبقهما المؤكَّد، ويتصل بهما ضمير يعود عليه ويطابقه في التذكير والإفراد وفروعهما، والغاية من التوكيد بهما رفع الشك والاحتمال، وإرادة الحقيقة ودفع المجاز فنقول: (وصل البطلُ نفسُهُ، ورأيت الأميرَ عينَهُ، وفاز المتسابقون أنفسُهُمْ) . . . وتُراعى في التوكيد بالنفس والعين الأحكام التالية:

  • يجوز جرهما بالباء الزائدة كقول الشاعر:

هذا لعمركم الصَّغَارُ بعينه * لا أُمَّ لي إن كانَ ذاكَ ولا أبُ

(بعينه: الباء: زائدة. عين: توكيد للصغار مرفوع في التقدير).

  • يجوز أن نؤكد بهما الضمير المرفوع بعد توكيده بضمير منفصل يناسبه أو بإيقاع فاصل بينهما كقولنا: “فُزْتَ أنتَ نفسُكَ، أو فزتَ بالامتحانِ نفسُكَ”.
  • إن أكدنا بهما الجمع أُتي بهما مجموعتين على وزن أَفْعُل: “أنفُس، أعيُن” فنقول: (فتح أجدادُنا أنفسُهُمُ الشرقَ والغربَ)، وإن أكدنا المثنى فالأصح التوكيد بهما مجموعتين فنقول: “استشهد المحاربان أنفسُهُما” ويجوز القول: نفسُهُما أو نفساهُما.

ب -كلا، كلتا: ويراد بهما إثبات حقيقة التثنية ودفع توهم المجاز فيها. ويستعملان لتوكيد اسم سابق لهما، ويتصل بهما ضمير يعود عليه ويطابقه في التثنية، ويعربان إعراب الاسم المثنى؛ لأنهما ملحقان به، فترفعان بالألف، نحو: “جاء الصديقان كلاهُما” وتنصبان وتجران بالباء، نحو:” زرت المدينتين كلتيهِما، ومررت بالمتحفين كليهِما” فإن لم تُسبقا باسم مؤكد أُعربتا حسب مقتضى الكلام كقوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَينِ آتَتْ أُكُلَهَا} (كلتا: مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر).

ج -كل، جميع، عامة: ويراد بها إفادة التعميم والشمول حقيقة. كقولنا: “جاءَ الصَّحْبُ كُلُّهُمْ أو جميعُهُم أو عامَّتُهُم”.

ولابد من أن يسبقهما المؤكد، وأن تضاف إلى ضمير مطابق له في الإفراد والتذكير وفروعهما فنقول: (قرأت الكتابَ كلَّهُ، وصمت الشَّهر جميعَهُ، وفازت المجدَّاتُ كلُّهُنَّ . . . “.

اقرأ أيضاً:  المفعول به: تعريفه وأنواعه وحذفه ورتبته وحالات تقديمه وتأخيره

تنبيهات

آ -قد تقع ألفاظ التوكيد المعنوي كلها معمولة لبعض العوامل فتعرب حسب مقتضى الكلام، وذلك إذا لم تسبق بمؤكد كقوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وقوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَومَ الْقِيَامَةِ فَرْداً}، وقول أحد الأعراب وقد خُيِّرَ بين شيئين: “كِلَيهِمَا وتمراً” أي أعطني كليهما وتمراً.

ب -لا بد من اتصال الضمير بألفاظ التوكيد المعنوي ليربطها بالمؤكد، فإن فُقِدَ الضمير امتنع إعرابها توكيداً على بقاء معنى التوكيد وإفادته إياه كقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ}

“فجميعاً” حال ولا يصح إعرابها توكيداً لعدم وجود الضمير الرابط.

جـ -استعمل العرب ألفاظاً ألحقوها بالقِسم الثالث الدّال على الشمول، وهي: (أجمعُ وجمعاءُ وأجمعون وجُمَعُ)، ويغلب استعمالها مسبوقة بكلمة “كل” المؤكدة لتقوية معنى التوكيد فيها فنقول: “مضى اليومُ كلُّهُ أَجْمَعُ والسَّنةُ كلُّهَا جَمْعَاءُ، وأقبل الرِّفاقُ كلُّهُمْ أجمعونَ، وحَيَّيتُ الزَّائراتِ كلَّهنُّ جُمَعَ” وقد تقع هذه الألفاظ للتوكيد غير مسبوقة بـ “كل” كقولنا: “استوعبتُ الدّرسَ أَجْمَعَ وحفظتُ القصائدَ جُمَعَ”.

وقد يأتي بعد أجمع وفروعها كلمات أخرى تجري مجراها وتؤدي معناها في زيادة معنى التوكيد وهي: (أكتع، أبصع، أبتع، وكتعاء بصعاء بتعاء) على الترتيب فنقول: (وصل الضيوفُ كلُّهُمْ أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون) وهذه الألفاظ كلها لا تضاف مُطلقاً وتعرب كلها توكيداً للمؤكد الأول.

د -ألفاظ التوكيد المعنوي كلها الأصلية منها والملحقة معارف، فأما الأصلية (النفس والعين وأخواتها) فهي معرفة بإضافتها إلى ضمائر، وأما الملحقة (أجمع وما بعدها) فمعرفة بالعلمية؛ لأنَّ كل كلمة منها علم على جنس الإحاطة والشمول، ولذا لا يصحُّ نصبها على الحال على الصَّحيح، ففي قولنا: “استقبلْتُ العائدين أجمعين” نُعرب أجمعين: توكيداً منصوباً للعائدين، فإن قدرناها حالاً اختلف المعنى المراد من التوكيد المفيد للإحاطة والشمول، وأفادت معنى: مجتمعين.

اقرأ أيضاً:  الفرق بين النكرة المحضة وغير المحضة، والنكرة المقصودة وغير المقصودة

هـ -الأصل في المؤكَّد توكيداً معنوياً أن يكون معرفة، وأجازوا توكيد النكرة إذا دلت على زمن محدود بابتداء وانتهاء معنيين نحو: (يوم، أسبوع، شهر) على أن يكون التوكيد بلفظ من ألفاظ العموم والإحاطة كقولنا: (صمت أسبوعاً كلَّهُ أو جميعَهُ أو عامَّتَهُ)، وقول عبد الله بن مسلم الهذلي:

لكنَّهُ شَاقَهُ أنْ قِيلَ: ذا رَجَبٌ * يا لَيتَ عِدَّةَ حَولٍ كُلِّهِ رجبُ

ولا يصحّ أن يقال: قضيت زمناً كلَّهُ أو وقتاً جميعَه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى