المطابقة بين فعل الشرط وفعل الجواب: استكشاف تفصيلي للقواعد النحوية

في بحر اللغة العربية الغني والمتنوع، تتألّق تفاصيل نحوية دقيقة تعكس روعة التعبير وجمال التركيب. إحدى هذه التفاصيل البارزة هي المطابقة بين فعل الشرط وجوابه، والتي تمثّل مفتاحاً لفهم العمق البلاغي في نصوصنا الأدبية والتراثية. هذه المطابقة ليست مجرد قواعد جامدة، بل هي أداة تعبيرية تمنح اللغة مرونة وأناقة، وتضفي على الكلام نغمة خاصة تؤثر في المتلقي.
تأخذنا هذه المقالة في رحلة شيّقة نستكشف فيها أوجه المطابقة والاختلاف بين فعل الشرط وجوابه، مدعومة بأمثلة من القرآن الكريم والشعر العربي القديم. سنرى كيف أن التطابق الزمني بين الأفعال يساهم في تماسك الجملة وقوتها، وكيف أن الاختلاف أحياناً يضفي عمقاً وإيحاءً بلاغياً مميزاً. كما سنتناول ترتيب الجمل الشرطية وأثر التقديم والتأخير فيها، مما يكشف عن مرونة اللغة وقدرتها على التعبير عن أدقّ المعاني بأساليب متعددة.
هذه الرحلة ليست فقط للمهتمين بالنحو، بل لكل من يعشق اللغة العربية ويرغب في فهم أسرارها وجمالياتها. سنستعرض أيضاً تأثير هذه القواعد في الكتابات الحديثة، وكيف يمكن للمبدعين استغلالها لإبراز أساليبهم الخاصة وإيصال رسائلهم بفاعلية أكبر.
أحضّر نفسك لاكتشاف جانب جديد من لغتنا العربية الساحرة، حيث تتلاقى القواعد مع البلاغة، والتعبير مع الإبداع، لنرتقي معاً بفهمنا وتقديرنا لهذا الإرث اللغوي العظيم.
المطابقة بين فعل الشرط وجوابه
يكون فعل الشرط وجوابه مضارعين أو ماضيين، أو ماضياً فمضارعاً، أو مضارعاً فماضياً، والأحسن أن يطابق جواب الشرط فعل الشرط، ويقلُّ أن يكونا مختلفين، والفعل الماضي مجزوم محلاً إذا وقع فعلاً للشرط أو جواباً له.
-الفعلان مضارعان: هذه هي الصورة الفضلى، وحينئذ ينجزم الفعلان، قال تعالى: {وإلا تغْفرْ لي وترْحمني أكن من الخاسرين}، ففعل الشرط وجوابه مضارعان مجزومان.
-الفعلان ماضيان: يبنيان لفظاً، ويجزمان محلاً، قال الشاعر:
إنَّ اللِّثام إذا أَذْللْتَهُمْ صَلَحوا * على الهوان وإنْ أكرمْتَهم فَسَدوا
فأداة الشرط (إنْ)، وفعل الشرط وجوابه ماضيان، كلاهما في محل جزم.
-الفعلان ماض ومضارع: فالماضي مبني على محل جزم، والمضارع مجزوم.
قال الفرزدق:
دست إليه بأنّ القومَ إن قدِروا * عليكَ يَشْفوا صدوراً ذاتَ توْغيرِ
ففعل الشرط (قدروا) ماضٍ في محل جزم، وجواب الشرط (يشفوا) مضارع مجزوم.
وهذه الصورة قليلة، فالأكثر أن يكون جواب الشرط جملة مقترنة بالفاء، أو فعلاً مضارعاً مرفوعاً مقترناً بالفاء على تقدير مبتدأ محذوف، أو فعلاً مضارعاً مرفوعاً على نيّة التقديم. قال زهير:
وإنْ أتاه خليلٌ يوم مسغبة * يقولُ: لا غائب مالي ولا حَرِم
فقد جاء فعل الشرط (أتاه) ماضياً في محل جزم، وجاء جواب الشرط مضارعاً مرفوعاً (يقول).
وللنحويين في رفع الفعل (يقول) ثلاثة آراء هي:
١ -الفعل (يقولُ) ليس جواباً للشرط، لكنه متأخر، والأصل فيه التقديم، فالأصل: يقولُ لا غائب مالي ولا حرم إنْ أتاه خليل، وجواب الشرط محذوف.
٢ -الفعل (يقولُ) وفاعله جملة فعلية في محل رفع خبر للمبتدأ المحذوف مع الفاء، والتقدير: فهو يقول. والجملة الاسمية في محل جزم، جواب الشرط.
٣ -الفعل (يقولُ) جواب الشرط لم يُجزم؛ لأن فعل الشرط غير مجزوم.
-الفعلان مضارع مجزوم وماضٍ: وهذه الصورة قليلة في النثر والشعر.
قال الشاعر:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً * منّي وما سمعوا من صالح دفنوا
ففعل الشرط (يسمعوا) مضارع مجزوم، وجواب الشرط (طاروا) ماضٍ في محل جزم، قال الشاعر:
إن يعملوا الخير أخفوه، وإن عملوا * شراً أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا
الرتبة: الأصل أن تأتي أداة الشرط، فتتصدر جملة الشرط؛ لأن لها الصدارة، فتتبع جملة الشرط الأداة، فيأتي جواب الشرط بعد فعل الشرط.
ولا بد لنا من أن نوضح أن اسم الشرط قد يكون مضافاً، فيأخذ المضاف موقع الصدارة؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة، تقول: كتابَ من تقرأْ تستفدْ.
ويجوز في حرف الشرط (أنْ) غالباً، وفي غيرها في أداة الشرط نادراً أن يتقدم الاسم على فعل الشرط، فيكون معمولاً لفعل محذوف يفسره المذكور إذا الاسم مرفوعاً، أو منصوباً مشتغلاً بضميره. قال تعالى: {وإنْ أحد من المشركين استجاركَ فأجرهُ حتى يسمعَ كلامَ الله، ثمَّ أبلغْه مأمنهُ، ذلك بأنهم قوم لا يعلمون…}.
فالاسم (أحد) فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور؛ لأن أدوات الشرط كلها إلا (لولا) مختصة بالدخول على الجملة الفعلية. قال الشاعر:
عاوِدْ هَرَاةَ وإنْ ممعورها خربا * وأسْعِدِ اليومَ مشغوفاً إذا طَربَا
فالاسم (معمورها) فاعل الفعل محذوف يفسره المذكور، وليس مبتدأ خبره الجملة التي بعده، وليس فاعلاً متقدماً للفعل المتأخر، قال الشاعر:
لا تجزعي إنْ مُنْفِساً أهلكته * فإذا هَلَكْتُ فعند ذلك فاجزعي
فالاسم (منفساً) مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور؛ لأن الفعل قد اشتغل بضمير الاسم المتقدم.
–الربط: جواب الشرط إما أن يكون فعلاً مجزوماً أو في محل جزم، وإما أن يتصل بالفاء الرابط للجملة بعدها بفعل الشرط، وتقوم (إذا) الفجائية مقام الفاء أحياناً، وتعرب الجملة حينئذ في محل جزم، جواب للشرط.
خاتمة
في ختام هذا الاستكشاف العميق لموضوع المطابقة بين فعل الشرط وجوابه، نرى بوضوح كيف أن اللغة العربية بتراكيبها وقواعدها تمثل لوحة فنية متكاملة. إن فهمنا لهذه المطابقة ليس مجرد فهم لقاعدة نحوية، بل هو انغماس في بحر من الجمال البلاغي والدقة التعبيرية التي تميز لغتنا. من خلال الأمثلة القرآنية والشعرية التي استعرضناها، يتجلّى لنا كيف يستخدم الأدباء والبلغاء هذه الأدوات اللغوية لإضفاء تأثيرات خاصة، تعكس مشاعرهم وأفكارهم بأكثر الطرق تأثيراً وإبداعاً.
إن التعمق في تفاصيل المطابقة بين فعل الشرط وجوابه يفتح أمامنا أبواباً لفهم أعمق للغة، ويساعدنا على تقدير المرونة والثراء الذي تحمله. كما أنه يبرز أهمية الالتزام بالدقة النحوية وأثرها في إيصال المعاني بشكل صحيح وجميل. وفي عصرنا الحديث، يبقى التوازن بين الحفاظ على قواعد اللغة الأصيلة والسعي نحو تبسيطها لتسهيل تعلمها موضوعاً يحتاج إلى نقاش مستمر وواعي.
في النهاية، تبقى اللغة العربية بجمالها وتعقيداتها إرثاً ثقافياً يستحق الاهتمام والدراسة. ودورنا هو الاستمرار في استكشاف أغوارها، ونقل هذا الشغف بها إلى الأجيال القادمة، لضمان بقاء هذه الجوهرة اللغوية متألقة على مر العصور.
الأسئلة الشائعة
- ما هي الحالة الفضلى للمطابقة بين فعل الشرط وجوابه في اللغة العربية؟
الحالة الفضلى هي عندما يكون فعل الشرط وجوابه كلاهما مضارعين مجزومين. هذا التطابق يعزز التناغم النحوي والبلاغي في الجملة الشرطية. مثال على ذلك قوله تعالى: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
- هل يمكن أن يكون فعل الشرط وجوابه ماضيين؟ وكيف يُعربان في هذه الحالة؟
نعم، يمكن أن يكونا ماضيين. في هذه الحالة، يُبني الفعلان على الفتح لفظًا، ويُجزمان محلّاً. أي أنهما في محل جزم باعتبارهما فعلَي الشرط والجواب. مثال ذلك قول الشاعر:
إن اللثام إذا أذللْتَهُم صلحوا * على الهوان وإن أكرمتَهم فسدوا
هنا، فعل الشرط وجوابه ماضيان في محل جزم.
- ما الحكم إذا كان فعل الشرط ماضياً وجوابه مضارعاً، أو العكس؟
إذا كان فعل الشرط ماضياً وجوابه مضارعاً مجزوماً، فالفعل الماضي يُبنى على الفتح في محل جزم، والمضارع يُجزَم. هذه الصورة أقل شيوعاً، وتُستخدم لتحقيق تأثير بلاغي معين. مثال:
دَسَتْ إليه بأن القوم إن قدِروا * عليك يَشْفوا صدورًا ذات توغير
فعل الشرط “قدروا” ماضٍ في محل جزم، والجواب “يَشفوا” مضارع مجزوم.
- ما المقصود بتقديم الاسم على فعل الشرط في بعض الحالات؟
في بعض الحالات، يُقدَّم الاسم على فعل الشرط، خاصةً إذا كانت أداة الشرط حرفاً مثل “إن”. يكون الاسم حينها معمولاً لفعل محذوف يُفسِّره الفعل المذكور. مثال:
وإنْ أحدٌ من المشركين استجارك فأجره
“أحدٌ” فاعل لفعل محذوف تقديره “استجارك”، وفعل الشرط “استجارك” يُفسِّر الفعل المحذوف.
- كيف تُعرب الأفعال الماضية في جملة الشرط وجوابها؟
الأفعال الماضية تُبنى على الفتح لفظاً، لكنها في محل جزم إذا جاءت فعلاً للشرط أو جواباً له. هذا يعني أنها تأخذ حكم الجزم من حيث المحل، رغم أنها مبنية.
- ما دور الفاء في ربط جواب الشرط بفعل الشرط؟
الفاء تُستخدم لربط جملة جواب الشرط بفعل الشرط عندما يكون الجواب جملة اسمية أو فعلاً مضارعاً غير مجزوم. تُسهم الفاء في توضيح العلاقة الشرطية وتأكيد ترتب الجواب على الشرط. مثال:
إن تدرسْ فأنت ناجحٌ
- ما هي أهمية المطابقة بين فعل الشرط وجوابه من الناحية البلاغية؟
المطابقة تُعزِّز التناغم والتناسق في الجملة، مما يجعلها أكثر سلاسة وتأثيراً على المتلقي. كما أنها تُسهِّل فهم العلاقة بين الشرط والنتيجة، وتُضفي جمالاً بلاغياً على النص.
- هل هناك حالات يُختلف فيها فعل الشرط وجوابه في الزمن؟ وما أثر ذلك؟
نعم، هناك حالات يكون فيها فعل الشرط مضارعاً وجوابه ماضياً، أو العكس. هذا الاختلاف يُستخدم لإبراز معنى معين أو لإحداث تأثير بلاغي. مثال:
إن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحاً
هنا، فعل الشرط “يسمعوا” مضارع مجزوم، والجواب “طاروا” فعل ماضٍ في محل جزم.
- كيف يُعرب الفعل المضارع المرفوع في جواب الشرط إذا لم يقترن بالفاء؟
إذا جاء الفعل المضارع مرفوعاً في جواب الشرط دون اقترانه بالفاء، يُعتبر خبراً لمبتدأ محذوف تقديره “هو”. وفي بعض الآراء النحوية، يُعتبر الجواب محذوفاً أو متقدماً. مثال:
وإن أتاه خليلٌ يومَ مسغبةٍ * يقولُ: لا غائبٌ مالي ولا حرم
هنا، “يقولُ” فعل مضارع مرفوع، والآراء تختلف في إعرابه.
- ما أهمية فهم هذه القواعد للمساهمة في تطوير مهارات اللغة العربية؟
فهم هذه القواعد يُتيح للمتعلمين والكتّاب استخدام التراكيب النحوية بشكل صحيح وفعّال، مما يُعزِّز قدرتهم على التعبير بدقة وبلاغة. كما يُعمِّق فهمهم لجماليات اللغة ويُمهِّد لهم الطريق لإبداع نصوص أكثر تأثيراً.