النحو

الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً: دليلك الشامل لفهمها وإعرابها

تُعد الأفعال المتعدية جزءاً أساسياً من قواعد اللغة العربية، وفهمها يفتح آفاقاً جديدة للإعراب الدقيق. هذا المقال هو دليلك لاستيعاب قسم هام منها يسمى الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً.

في رحاب النحو العربي الفسيح، تتنوع الأفعال وتتعدد وظائفها؛ فمنها ما يكتفي بفاعله لإتمام المعنى ويُعرف بالفعل اللازم، ومنها ما يتجاوز فاعله ليقع على مفعول به ويُعرف بالفعل المتعدي. ولا يقف التعدي عند هذا الحد، بل إن هناك طائفة من الأفعال لا تكتفي بمفعول به واحد، بل تحتاج إلى مفعولين لإتمام معناها. تنقسم هذه الطائفة بدورها إلى قسمين رئيسيين: قسم ينصب مفعولين كان أصلهما جملة اسمية مكونة من مبتدأ وخبر (وهي “ظن وأخواتها”)، وقسم آخر وهو محور حديثنا في هذا المقال الأكاديمي المفصل، وهو الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً، والتي تشكل باباً مستقلاً ومبحثاً نحوياً لا غنى عنه لكل طالب علم وباحث في جماليات اللغة العربية وقواعدها الدقيقة.

ما هي الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً؟

تُعرَّف الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً بأنها مجموعة من الأفعال التي لا يكتمل معناها إلا بوجود اسمين منصوبين بعدها، يُعرب الأول منهما مفعولاً به أول، والثاني مفعولاً به ثانياً. السمة الجوهرية التي تميز هذه المجموعة هي أن هذين المفعولين، إذا ما تم عزلهما عن الفعل والفاعل، فإنهما لا يشكلان جملة اسمية صحيحة وذات معنى مكتمل، وهذا هو معنى “ليس أصلهما مبتدأ وخبراً”. هذه الأفعال تدور في فلك معاني المنح والإعطاء، أو المنع والسلب، أو الكساء والإلباس، وهي بذلك تصف عملية انتقال أو تحويل شيء من طرف إلى آخر.

لفهم هذا التعريف بشكل عملي، لنأخذ المثال الشهير: “أعطى الغنيُّ الفقيرَ مالاً”. في هذه الجملة، الفعل “أعطى” نصب مفعولين، الأول هو “الفقيرَ” (وهو الآخذ)، والثاني هو “مالاً” (وهو الشيء المأخوذ). لو حاولنا أن نكوّن جملة اسمية من المفعولين بحذفهما مع الفعل والفاعل، سنحصل على “الفقيرُ مالٌ”، وهي جملة لا معنى لها ولا تستقيم في اللغة. هذا الاختبار البسيط هو الحجر الأساس للتفريق بين هذا الباب وباب “ظن وأخواتها”، حيث لو أخذنا مثالاً من الباب الآخر مثل “ظننتُ الجوَّ صحواً” وحذفنا الفعل والفاعل، لحصلنا على جملة اسمية سليمة هي “الجوُّ صحوٌ”. إذن، السمة الفارقة التي تحدد طبيعة الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبر تكمن في هذه العلاقة غير الأصلية بين مفعوليها.

التقسيم الدلالي لأفعال المنح والعطاء

لتسهيل دراسة وحفظ الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً، قام علماء النحو بتصنيفها في مجموعات دلالية متجانسة بناءً على المعنى الذي تؤديه. هذا التقسيم ليس مجرد ترتيب شكلي، بل هو إستراتيجية تعليمية فعالة تساعد المبتدئين والطلاب على استيعاب وظيفة كل فعل وربطه بمجموعة من الأفعال المشابهة له في المعنى، مما يعزز الفهم ويقلل من احتمالية النسيان. يمكن حصر هذه الأفعال في ثلاثة أبواب رئيسية: أفعال العطاء والمنح، وأفعال الكسوة والإلباس، وأفعال المنع والسلب، ويضاف إليها فعل رابع له خصوصيته وهو الفعل “سأل” إذا جاء بمعنى الطلب.

الباب الأوسع والأشهر ضمن هذه الأفعال هو باب “أفعال العطاء”، ويضم أفعالاً مثل: أعطى، منح، وهب، رزق، سقى، أطعم. أما الباب الثاني فهو “أفعال الكسوة”، ويتضمن فعلين رئيسيين هما: كسا، وألبسَ. والباب الثالث يأتي على النقيض من الباب الأول، وهو باب “أفعال المنع”، ويشمل أفعالاً مثل: منع، وحرمَ. إن فهم هذه الدلالات يمثل الخطوة الأولى نحو إتقان استخدام وإعراب الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً، حيث يصبح الطالب قادراً على توقع نوع المفعولين بناءً على معنى الفعل نفسه؛ فمع أفعال العطاء، يكون المفعول الأول هو المستقبِل والمفعول الثاني هو العطاء نفسه.

أفعال العطاء والمنح: دراسة تفصيلية

تُعتبر أفعال العطاء والمنح الفئة الأبرز والأكثر استخداماً ضمن الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً. الفعل “أعطى” هو عميد هذا الباب وأشهره، ويحمل معنى المناولة وتقديم شيء لشخص ما. يتضح عمله في المثال: “أعطى المعلمُ التلميذَ جائزةً”، حيث “المعلم” فاعل، و”التلميذَ” مفعول به أول (الآخذ)، و”جائزةً” مفعول به ثانٍ (الشيء المُعطى). وينطبق هذا التحليل على تصريفات الفعل المختلفة، سواء في المضارع (يُعطي) أو الأمر (أَعطِ)، فهي تعمل العمل نفسه وتنصب مفعولين.

وإلى جانب “أعطى”، نجد أفعالاً أخرى تحمل دلالات قريبة، مثل “منحَ” الذي غالباً ما يستخدم في سياق التكريم والتشريف، كما في قولنا: “منحتِ الجامعةُ المتفوقَ شهادةَ تقديرٍ”. والفعل “وهبَ” الذي يحمل معنى العطاء دون مقابل أو انتظار لرد، وهو كثيراً ما يُسند إلى الله تعالى، كما في المثال: “وهبَ اللهُ الإنسانَ عقلاً”. كذلك، يمكن إدراج أفعال مثل “رزق” و”سقى” و”أطعم” ضمن هذه المجموعة، فكلها تشترك في معنى تقديم شيء مادي أو معنوي إلى طرف آخر، مما يجعلها جزءاً لا يتجزأ من عائلة الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً.

تحليل أفعال الكسوة: كسا وألبس

تمثل أفعال الكسوة فئة دلالية واضحة ضمن الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً، وتختص بمعنى تغطية شيء بشيء آخر أو إلباسه إياه. الفعل “كَسا” هو المثال الأبرز في هذا الباب، ويتجلى عمله في الأمثلة الحسية والمجازية على حد سواء. المثال التقليدي هو: “كسوتُ الفقيرَ ثوباً”، حيث التاء هي الفاعل، و”الفقيرَ” هو المفعول به الأول الذي وقع عليه فعل الكساء، و”ثوباً” هو المفعول به الثاني الذي استُخدم في الكساء. ويتضح الاستخدام المجازي البليغ في قولنا: “كسا الربيعُ الأرضَ خضرةً”، فالفعل “كسا” هنا نصب “الأرضَ” كمفعول به أول، و”خضرةً” كمفعول به ثانٍ، في صورة فنية رائعة.

اقرأ أيضاً:  الجامد والمشتق: دليل شامل لتعريف أقسام الاسم وخصائصه الصرفية

أما الفعل “ألبسَ”، فهو مرادف دقيق للفعل “كسا” ويؤدي نفس وظيفته النحوية. يمكن استخدامهما بشكل تبادلي في كثير من السياقات، كما في قولنا: “ألبستِ الأمُّ طفلَها معطفاً”. في هذه الجملة، “الأمُّ” هي الفاعل، و”طفلَها” هو المفعول به الأول، و”معطفاً” هو المفعول به الثاني. وكما في بقية الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبر، لو حاولنا عزل المفعولين “طفلُها معطفٌ” لما وجدنا جملة اسمية مفيدة، مما يؤكد انتماء هذين الفعلين لهذه الطائفة النحوية. إن فهم أفعال الكسوة يضيف بعداً جديداً لقدرة الطالب على التعبير عن أفعال التغطية والإحاطة بأسلوب عربي فصيح وموجز.

أفعال المنع والسلب: فهم أعمق

على النقيض تماماً من أفعال العطاء والمنح، تأتي فئة أفعال المنع والسلب لتعبر عن معنى حرمان شخص من شيء أو عدم تمكينه منه. هذه الأفعال تشكل جزءاً أساسياً من منظومة الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً، لأنها تصف علاقة ثلاثية الأطراف: المانع (الفاعل)، والممنوع (المفعول به الأول)، والشيء الممنوع (المفعول به الثاني). الفعل “منعَ” هو الفعل الرئيسي في هذا الباب، ويتضح عمله في جملة مثل: “منعَ البخيلُ السائلَ العطاءَ”، حيث “البخيلُ” هو الفاعل، و”السائلَ” هو المفعول به الأول الذي وقع عليه المنع، و”العطاءَ” هو المفعول به الثاني، أي الشيء الذي حُرم منه السائل.

ويأتي الفعل “حرمَ” كمرادف قوي للفعل “منع” في كثير من السياقات، ويحمل نفس الوظيفة النحوية. يمكن أن نقول: “حرمَ العدوُّ الشعبَ حريتَهُ”، وفي هذه الجملة، “العدوُّ” فاعل، و”الشعبَ” مفعول به أول، و”حريتَهُ” مفعول به ثانٍ. إن دراسة هذه الفئة من الأفعال تمنح المتعلم القدرة على التعبير عن مفاهيم الحرمان والسلب بدقة نحوية، وتكمل الصورة العامة لمبحث الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً، حيث تغطي هذه الأفعال طيفاً واسعاً من المعاني، من قمة العطاء إلى الحرمان الكامل، وكلها تشترك في البنية النحوية ذاتها.

الفعل “سأل” كواحد من الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبر

يحتل الفعل “سأل” مكانة خاصة ضمن هذه المجموعة من الأفعال، حيث إن عمله كنصب لمفعولين مقيد بمعنى محدد. لا يعمل الفعل “سأل” هذا العمل في كل استخداماته، بل خصيصى عندما يأتي بمعنى “طلبَ” أو “استعطى”. أما إذا جاء بمعنى “استفسر” أو “استعلم”، فإنه يتعدى إلى مفعول به واحد بنفسه أو بواسطة حرف جر (مثل: سألتُ عن الأمر). هذا التمييز الدقيق ضروري لفهم صحيح لعمل الفعل “سأل” وتجنب الخلط.

عندما يأتي “سأل” بمعنى الطلب، فإنه ينضم إلى قائمة الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً. يتجلى ذلك بوضوح في الدعاء المأثور: “أسألُ اللهَ العافيةَ”. في هذا المثال، الفاعل ضمير مستتر تقديره “أنا”، ولفظ الجلالة “اللهَ” هو المفعول به الأول (المسؤول)، و”العافيةَ” هي المفعول به الثاني (الشيء المطلوب). وبالمثل، في جملة “سألَ الفقيرُ الغنيَّ صدقةً”، نجد أن “الفقيرُ” فاعل، و”الغنيَّ” مفعول به أول، و”صدقةً” مفعول به ثانٍ. إن إدراك هذا الشرط الدلالي لعمل الفعل “سأل” يعد علامة على الفهم العميق والدقيق لقواعد النحو العربي وتفريعاته، وهو ما يميز الطالب المتقدم عن المبتدئ في هذا الباب.

الخصائص الإعرابية لهذه الأفعال

تتميز الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً بمجموعة من الخصائص الإعرابية الثابتة التي تحكم عملها في الجملة، وفهم هذه الخصائص ضروري للتحليل النحوي السليم.

نصب المفعولين: الخاصية الأساسية والأكثر وضوحاً هي أن هذه الأفعال تنصب اسمين بعدها، يُعرف الأول بـ “المفعول به الأول” والثاني بـ “المفعول به الثاني”، وكلاهما يكون في حالة النصب.
دلالة المفعولين: في الغالب، يدل المفعول به الأول على الطرف الآخذ أو المستقبِل للفعل (سواء كان عطاءً أو منعاً)، بينما يدل المفعول به الثاني على الشيء نفسه الذي تم إعطاؤه أو منعه.
عمل التصريفات المختلفة: لا يقتصر عمل هذه الأفعال على صيغة الماضي فقط، بل إن صيغتي المضارع والأمر منها تعملان نفس العمل وتنصبان مفعولين أيضاً. فكما نقول “أعطى زيدٌ عمراً كتاباً”، نقول أيضاً “يُعطي زيدٌ عمراً كتاباً” و “أعطِ عمراً كتاباً”.
اتصال الضمائر: إذا اتصل بهذه الأفعال ضمير من ضمائر النصب المتصلة (مثل هاء الغيبة، كاف الخطاب، ياء المتكلم)، فإنه يُعرب في محل نصب مفعول به أول، ويأتي المفعول به الثاني اسماً ظاهراً بعده. مثال ذلك: “الكتابُ أعطاكَهُ المعلمُ”، فالكاف مفعول أول والهاء مفعول ثانٍ.

كيفية التمييز بين نوعي الأفعال المتعدية لمفعولين

يعد التفريق بين الأفعال التي تنصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر (ظن وأخواتها) والأفعال التي تنصب مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً (أعطى وأخواتها) من المهارات الأساسية التي يجب على كل دارس للنحو إتقانها. الخلط بين هذين النوعين يؤدي إلى أخطاء جوهرية في الفهم والإعراب. الإستراتيجية الأبسط والأكثر فعالية للتمييز بينهما هي “اختبار الجملة الاسمية”، وهو اختبار عقلي بسيط يمكن تطبيقه على أي جملة تحتوي على فعل ينصب مفعولين.

تتلخص هذه الإستراتيجية في خطوتين: أولاً، حدد المفعولين في الجملة. ثانياً، قم بحذف الفعل والفاعل وحاول تكوين جملة اسمية من المفعولين المتبقيين. إذا كانت الجملة الاسمية الناتجة صحيحة ومفهومة، فالفعل من أخوات “ظن”. أما إذا كانت الجملة الناتجة غير مفيدة أو لا معنى لها، فالفعل من أخوات “أعطى”. على سبيل المثال، في جملة “حسبتُ الأمرَ هيناً”، المفعولان هما “الأمرَ” و”هيناً”. عند عزلهما نحصل على “الأمرُ هينٌ”، وهي جملة اسمية سليمة، إذاً الفعل “حسب” من أخوات “ظن”. في المقابل، جملة “منحَ المديرُ الموظفَ ترقيةً”، المفعولان هما “الموظفَ” و”ترقيةً”. عند عزلهما نحصل على “الموظفُ ترقيةٌ”، وهي عبارة لا معنى لها، إذاً الفعل “منح” هو من الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً.

اقرأ أيضاً:  عطف البيان: تعريفه وفائدته وأحكامه والفرق بينه وبين البدل

نماذج إعرابية تطبيقية

الإعراب هو التطبيق العملي للقواعد النظرية، ومن خلاله يتم ترسيخ الفهم والتأكد من استيعاب الدرس. فيما يلي نماذج إعرابية مفصلة لجمل تحتوي على الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً:

الجملة الأولى: “كَسَا اللهُ الكونَ جمالاً”

كَسَا: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، وهو من الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبر.
اللهُ: لفظ الجلالة، فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
الكونَ: مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
جمالاً: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
الجملة الثانية: “يمنحُ المعلمُ المجتهدَ جائزةً”

يمنحُ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو من الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً.
المعلمُ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
المجتهدَ: مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
جائزةً: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
الجملة الثالثة: “سَلِ اللهَ العفوَ والعافيةَ”

سَلِ: فعل أمر مبني على السكون، وحُرّك بالكسر منعاً لالتقاء الساكنين. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره “أنت”.
اللهَ: لفظ الجلالة، مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
العفوَ: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
و: حرف عطف.
العافيةَ: اسم معطوف على “العفو” منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

تقديم المفعول به الثاني على الأول: هل هو ممكن؟

من المسائل الدقيقة المتعلقة بباب الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً هي مسألة ترتيب المفعولين. القاعدة العامة في اللغة العربية تسمح بمرونة في ترتيب عناصر الجملة لأغراض بلاغية أو أسلوبية ما لم يؤدِ ذلك إلى لبس أو غموض في المعنى. في حالة هذه الأفعال، الأصل أن يتقدم المفعول الأول (الآخذ) على المفعول الثاني (المأخوذ)، كما رأينا في الأمثلة السابقة مثل “أعطيتُ زيداً كتاباً”.

ولكن، يجيز النحاة تقديم المفعول به الثاني على المفعول به الأول في هذه الطائفة من الأفعال، فيجوز أن نقول: “أعطيتُ كتاباً زيداً”. هذا التقديم والتأخير جائز طالما أن المعنى يظل واضحاً ولا يحدث التباس بين المفعولين. فالسامع في هذا المثال يفهم بوضوح أن “زيداً” هو الآخذ وأن “كتاباً” هو الشيء المُعطى، حتى مع تغيير الترتيب. هذا بخلاف باب “ظن وأخواتها” الذي يكون فيه تقديم المفعول الثاني على الأول مقيداً بشروط أكثر صرامة، لأن العلاقة بين المفعولين هناك هي علاقة إسناد أصلية (مبتدأ وخبر). إن هذه المرونة في الترتيب تعد إحدى السمات التي تميز الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً.

تطبيقات من القرآن الكريم والشعر العربي

إن خير دليل على أصالة قاعدة نحوية وأهميتها هو ورودها في النصوص العربية العليا، كالقرآن الكريم والشعر العربي الفصيح. هذه النصوص تقدم لنا تطبيقات حية وبليغة لعمل الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبر، مما يثبت القاعدة ويرسخها في ذهن المتعلم.

من القرآن الكريم:

قوله تعالى في سورة الكوثر: “إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ”. في هذه الآية الكريمة، الفعل “أعطى” قد نصب مفعولين: الأول هو ضمير الكاف المتصل في “أعطيناك” العائد على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والثاني هو “الكوثر”.
قوله تعالى في سورة المؤمنون: “فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا”. هنا، الفعل “كسا” نصب مفعولين: الأول هو “العظامَ”، والثاني هو “لحمًا”.
قوله تعالى في سورة الإنسان: “وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا”. الفعل “سقى” عمل هنا عمل “أعطى”، فنصب الضمير “هم” كمفعول به أول، و”شرابًا” كمفعول به ثانٍ.
من الشعر العربي:

قول الشاعر ناصيف اليازجي: “أعطى دمشقَ نصيباً من إقامتهِ”. في هذا البيت، نصب الفعل “أعطى” مفعولين هما “دمشقَ” (مفعول به أول) و”نصيباً” (مفعول به ثانٍ).
إن هذه الشواهد القرآنية والشعرية لا تقتصر فائدتها على إثبات القاعدة النحوية، بل تظهر أيضاً القيمة البلاغية والجمالية لاستخدام الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً في التعبير الفني الرفيع.

الأهمية البلاغية والدلالية لاستخدام هذه الأفعال

لا يقتصر دور الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً على الجانب الإعرابي البحت، بل إن لها أهمية بلاغية ودلالية كبيرة تجعلها أداة قوية في يد الكاتب والخطيب البليغ. إن اختيار أحد هذه الأفعال بدلاً من تراكيب أخرى أطول هو في حد ذاته خيار أسلوبي يحمل قيمة فنية. فبدلاً من أن نقول “جعلتُ الفقيرَ يمتلك ثوباً”، فإن قول “كسوتُ الفقيرَ ثوباً” هو أكثر إيجازاً وقوة وتأثيراً، حيث يختزل المعنى في بنية فعلية واحدة ومحكمة.

من الناحية البلاغية، تساهم هذه الأفعال في خلق صور حية وديناميكية في ذهن المتلقي. فعندما نقرأ “كسا الربيعُ الأرضَ خضرةً”، فإننا لا نتلقى معلومة مجردة، بل نتخيل فعل الكساء نفسه، ونرى صورة فنية تجسيدية للربيع وهو يقوم بفعل العطاء والتغطية. هذا الأثر البلاغي يضفي على النص جمالاً وحيوية. علاوة على ذلك، فإن استخدام هذه الأفعال يعكس اقتصاداً لغوياً بليغاً، فهي قادرة على التعبير عن علاقة معقدة بين ثلاثة عناصر (فاعل ومفعولين) بأقل عدد ممكن من الكلمات، وهذا من صميم البلاغة العربية التي تقوم على الإيجاز غير المخل بالمعنى. لذلك، فإن إتقان استخدام الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً هو إتقان لأداة نحوية وبلاغية في آن واحد.

اقرأ أيضاً:  الخبر في اللغة العربية: أنواعه وتقديمه وتأخيره وحذفه

إستراتيجيات تعليمية لترسيخ فهم القاعدة

يتطلب إتقان قاعدة الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً، كغيرها من القواعد النحوية، اتباع إستراتيجيات تعليمية مدروسة تتجاوز الحفظ المجرد إلى الفهم العميق والتطبيق العملي. أولى هذه الإستراتيجيات هي “التصنيف الدلالي”، حيث يقوم الطالب بتجميع الأفعال في مجموعاتها الثلاث (العطاء، الكسوة، المنع) مع الفعل “سأل”، وكتابة أمثلة على كل فعل. هذا الربط بين الفعل ومعناه يساعد على تثبيت المعلومة في الذاكرة طويلة الأمد.

ثانياً، يجب التركيز على “التطبيق العملي المكثف”. يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء جمل جديدة باستخدام هذه الأفعال، وإعراب جمل معطاة إعراباً تفصيلياً، واستخراج هذه الأفعال ومفعوليها من نصوص متنوعة كالقصص والمقالات والآيات القرآنية. ثالثاً، من الإستراتيجيات الفعالة “المقارنة المستمرة”، أي وضع جملة من باب “أعطى” بجانب جملة من باب “ظن” وتطبيق “اختبار الجملة الاسمية” عليهما بشكل متكرر حتى يصبح التمييز بينهما تلقائياً. وأخيراً، يمكن استخدام الخرائط الذهنية (Mind Maps) كأداة بصرية لتلخيص القاعدة، حيث يوضع العنوان الرئيسي في المنتصف وتتفرع منه الأفعال المختلفة وأمثلتها وخصائصها، مما يوفر نظرة شاملة ومبسطة للقاعدة بأكملها. إن اتباع هذه الإستراتيجيات يضمن انتقال الطالب من مرحلة المعرفة النظرية إلى مرحلة الإتقان العملي.

الخاتمة

في ختام هذا التحليل الشامل، نكون قد ألقينا الضوء على واحد من أهم أبواب الأفعال المتعدية في اللغة العربية، وهو باب الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً. لقد رأينا أن هذه الأفعال، التي تدور حول معاني العطاء والمنع والكساء، تشكل بنية نحوية فريدة تتطلب فاعلاً ومفعولين لإتمام معناها، مع شرط أساسي وهو أن هذين المفعولين لا يكونان جملة اسمية مستقلة. وتناولنا أشهر هذه الأفعال مثل “أعطى”، “منح”، “كسا”، “منع”، و”سأل” بمعنى طلب، موضحين عملها بالأمثلة والشواهد.

كما قدمنا إستراتيجية واضحة للتفريق بينها وبين “ظن وأخواتها”، واستعرضنا خصائصها الإعرابية وتطبيقاتها البلاغية. إن الفهم العميق لهذا المبحث لا يعزز فقط من دقة الإعراب لدى الطالب، بل ينمي أيضاً من قدرته على التعبير بأسلوب عربي أصيل وموجز وبليغ. فإتقان استخدام الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً هو خطوة متقدمة على طريق التمكن من أسرار النحو العربي وجمالياته، وهو أساس لا غنى عنه لكل من يسعى إلى إتقان هذه اللغة الشريفة.

سؤال وجواب

1. ما هو الفرق الجوهري بين الأفعال التي تنصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبراً وتلك التي ليس أصلهما كذلك؟ الفرق الجوهري يكمن في “اختبار الجملة الاسمية”. إذا حذفت الفعل والفاعل وشكّل المفعولان جملة اسمية مفيدة (مثل: الجوُّ صحوٌ)، فالفعل من باب “ظن وأخواتها”. أما إذا لم يشكلا جملة مفيدة (مثل: الفقيرُ ثوبٌ)، فالفعل من باب “أعطى وأخواتها”، وهي الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبر.

2. ما هي الأقسام الدلالية الرئيسية لهذه الأفعال؟ يقسمها النحاة إلى ثلاثة أقسام رئيسية بناءً على معناها: أفعال العطاء والمنح (مثل: أعطى، وهب، رزق)، وأفعال الكسوة والإلباس (مثل: كسا، ألبس)، وأفعال المنع والسلب (مثل: منع، حرم).

3. هل الفعل “سأل” ينصب مفعولين في جميع حالاته؟ لا، الفعل “سأل” ينصب مفعولين فقط إذا جاء بمعنى “طلبَ” أو “استعطى”، مثل: “أسألُ اللهَ العافيةَ”. أما إذا جاء بمعنى “استفسر”، فإنه يتعدى لمفعول واحد بنفسه أو بحرف جر.

4. هل يجوز تقديم المفعول به الثاني على المفعول به الأول مع هذه الأفعال؟ نعم، يجوز تقديم المفعول به الثاني على الأول في باب الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً، طالما أن المعنى واضح ولا يحدث لبس. فيمكن أن نقول: “أعطيتُ كتاباً زيداً” بدلاً من “أعطيتُ زيداً كتاباً”.

5. كيف يمكن تحديد المفعول به الأول والثاني في الجملة؟ في الغالب، المفعول به الأول هو الطرف الذي يستقبل الفعل أو يقع عليه (الآخذ أو الممنوع)، بينما المفعول به الثاني هو الشيء الذي تم إعطاؤه أو منعه أو كسوته.

6. هل صيغة المضارع والأمر من هذه الأفعال تنصب مفعولين أيضاً؟ نعم، تعمل صيغتا المضارع والأمر من هذه الأفعال نفس عمل صيغة الماضي تماماً، فتنصب مفعولين. فكما نقول “أعطى”، نقول أيضاً “يُعطي” و “أعطِ”، ويعملان نفس العمل.

7. ماذا نعرب الضمير المتصل بهذه الأفعال؟ إذا اتصل ضمير نصب (مثل كاف الخطاب أو هاء الغيبة) بأحد هذه الأفعال، فإنه يُعرب في محل نصب مفعول به أول، ويأتي المفعول به الثاني اسماً ظاهراً بعده، كما في “الكتابُ منحَكَهُ المديرُ”.

8. هل يمكن ذكر مثال من القرآن الكريم على فعل من أفعال العطاء؟ نعم، قوله تعالى في سورة الكوثر: “إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ”. فالفعل “أعطى” نصب ضمير الكاف كمفعول به أول، و”الكوثر” كمفعول به ثانٍ.

9. هل هناك مثال من القرآن على فعل من أفعال الكسوة؟ نعم، قوله تعالى في سورة المؤمنون: “فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا”. حيث نصب الفعل “كسا” كلمة “العظامَ” كمفعول به أول، وكلمة “لحمًا” كمفعول به ثانٍ.

10. ما هي الفائدة البلاغية الأساسية لاستخدام هذه الأفعال؟ الفائدة البلاغية الأساسية هي الإيجاز والقوة في التعبير. فهذه الأفعال تختزل معنى مركباً في بنية فعلية واحدة ومحكمة، مما يجعل الكلام أكثر بلاغة وتأثيراً من استخدام تراكيب أطول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى