النحو

حروف الجر الزائدة: دليل المبتدئين لفهم الإعراب

في رحاب اللغة العربية، تلك الدرة النفيسة التي تزخر بأسرار البلاغة والنحو، نجد حروف الجر تتربع على عرش الدقة والإبداع في التعبير. ومن بين هذه الحروف، تبرز فئة خاصة تُعرف بـ “حروف الجر الزائدة”، التي تضفي على الكلام قوة وتوكيدًا، دون أن تُخلّ بالمعنى إذا ما أُسقطت. إنها كالنكهة الخفية في الطعام، لا تراها العين لكنك تشعر بأثرها في الذوق! في هذه المقالة، سنأخذكم في جولة ممتعة لاستكشاف هذه الحروف، بدءًا من “من” و”الباء” اللتين لا يختلف على زيادتهما أحد، مرورًا بـ “اللام” و”الكاف” اللتين أثار زيادتهما جدلًا بين النحاة، لنكشف معًا عن أسرار هذه الظاهرة اللغوية الفريدة التي تزيد كلامنا عمقًا وجمالًا.

حروف الجر الزائدة

تفيد المعنى توكيداً وتقوية، ومعنى قولهم إنها زائدة أنّ حذفها لا يُخِلُّ بالترتيب؛ لأنها لا تقوم بوظيفة الربط الذي تقوم به حروف الجر الأصلية. وحرفا الجر اللذان لا خلاف في أنهما يأتيان زائدين هما بالباء ومن، أما اللام والكاف ففي زيادتهما خلاف.

حرف الجر الزائد من

مِنْ: تزاد إذا سبقت بنفي أو نهي أو استفهام بـ (هل)، وكان مجرورها نكرة، تقول: ما غاب من رحل، ولا يضحك من أحد، قال تعالى: {وما تسقط من ورقة إلا ويعلمها}. فـ (ورقة) فاعل، وقد سبقت بحرف جر زائد (من)، والاسم المجرور مسبوق بنفي وهو نكرة. ومثل ذلك قوله تعالى: {ما اتخذ الله من ولد، وما كان معه من إله}.

فـ (ولد) مفعول به، و (إله) اسم (كان). وقال تعالى: {هل من خالق غير الله}. فـ (خالق) مبتدأ، وقال تعالى: {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت}، فـ (تفاوت) مفعول به.

وقال عنترة:

هل غادر الشعراء من متردّم *** أم هل عرفْتَ الدار بعد توهُّمُ

(متردّم) مفعول به. فـ (من) الزائدة تحقق فيها شرطان: سُبقت بنفي أو نهي أو استفهام بـ (هل) والمجرور نكرة.

وواضح أنها تجر الفاعل والمبتدأ والمفعول به.

حرف الجر الزائد الباء

 الباء: تزاد قياساً وسماعاً. أما زيادتها القياسية ففي موضعين:

آ -الخبر المنفي أو المسبوق بنفي. قال تعالى: {لست عليهم بمسيطر}. وقال تعالى: {وما ربك بظلّام للعبيد}.

وقال الشّنفرى:

وإن مدّتِ الأيدي إلى الزّادِ لم أكُنْ *** بأعجلهم إذْ أجْشَعُ القومِ أعْجَلُ

ب -فاعل فعل التعجب (أفعل به). تقول: أكرم بالشهداء، وأعظم بالفداء.

اقرأ أيضاً:  الخبر في اللغة العربية: أنواعه وتقديمه وتأخيره وحذفه

وقال الشاعر:

أخلِقْ بذي الصبر أنْ يحظى بحاجته *** ومُدْ مِن القَرْعِ للأبوابِ أنْ يَلِجا

أما زيادتها سماعاً ففي المبتدأ الذي يأتي بعد (إذا) الفجائية. تقول: خرجت فإذا بزيد. وفي المبتدأ (حسبُك). تقول: بحسبك دريهمات. والمعنى تكفيك دريهمات، وقال الشاعر:

بحسبك في القومِ أن يعلموا *** بأنّك فيهم غنيٌّ مُضِرّ

وتزاد في المبتدأ إذا كان خبره كلمة (حسبك). تقول: حسبك بِعُمَرَ خليفة.

وفي فاعل الفعل اللازم (كفى). قال تعالى: {كفى بالله شهيداً بيني وبينكم}. ومفعول الفعل (كفى) المتعدي إلى مفعول به واحد. تقول: كفى بالمرء فخراً أنْ تعدّ معايبُه، أي كفى بالمرء.

وزيدت في مفعول بعض الأفعال والمشتقات مثل علم، وسمع، وألقى، وهزّ. وأراد، ومسح، ومدّ. تقول: علمت بالأمر، وجهلت به، وأنت جاهل به، وسمعت بالخبر، وقال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}. {وهزي إليك بجذع النخلة}. {ومن يرد فيه بإلحاد}. {فطفِق مسحاً بالسوق والأعناق}

ويمكن ألا نعدّ الباء زائدة، ونجعل هذه الأفعال أو المشتقات تتعدى بنفسها تارة، وتتعدى بالباء تارة أخرى.

متى تكون اللام حرف جر زائد

اللام: يرى كثير من النحاة أن اللام تُزاد في مفعول المشتقات تقوية لها على العمل، وتسمى هذه اللام لام التقوية؛ لأن المشتق أضعف في عمله من الفعل، تقول: أنت ضاربٌ أخاك. وقال تعالى: {وما ربك بظلام للعبيد}. فاللام في (للعبيد) حرف جر زائد، والاسم المجرور في محل نصب مفعول به لمبالغة اسم الفاعل (ظلاّم). ومثل ذلك قوله تعالى: {فعّال لما يريد}.

وتأتي لام التقوية مزيدة في المفعول به إذا تقدم على الفعل، قال تعالى: {للذين هم لربّهم يرهبون}. {إن كنتم للرؤيا تعبرون}. والأصل: يرهبون ربّهم، ويعبرون الرؤيا.

ولا تزاد في المفعول به المتأخر إلا في الضرورة الشعرية، نحو قول الشاعر:

وملكتَ ما بينَ العراقِ ويترب *** ملكاً أجار لمسلمٍ ومعاهدِ

والأصل: أجار مسلماً ومعاهداً.

متى تكون الكاف حرف جر زائد

الكاف: زيادتها قليلة، فقد وردت زائدة في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء}. فالكاف زائدة، ولو لم تكن زائدة لكانت بمعنى (مثل)، فالمعنى: ليس مثل مثله شيء، وهذه المعنى يجعل لله مثلاً، والله لا مثيل له.

خاتمة

وفي ختام رحلتنا مع حروف الجر الزائدة، ندرك أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي بحر عميق من الدقة والإبداع، حيث كل حرف يحمل وظيفة وكل زيادة تضيف معنى. لقد تعرفنا على كيفية استخدام “من” و”الباء” كحروف زائدة بلا خلاف، ورأينا الجدل الدائر حول “اللام” و”الكاف”، وتأملنا الأمثلة القرآنية والشعرية التي تبرز جمال هذه الظاهرة. إن فهم هذه الحروف ليس مجرد دراسة نحوية، بل هو دعوة لتقدير لغتنا وإدراك مدى إعجازها. فلنحرص على استكشاف المزيد من أسرارها، ولنعمل على إحياء تراثها، فهي ميراثنا الذي نفخر به وننقله للأجيال القادمة.

اقرأ أيضاً:  تعريف البدل وأقسامه

الأسئلة الشائعة

١. ما المقصود بحروف الجر الزائدة؟

حروف الجر الزائدة هي حروف تُذكر في الجملة لتأكيد المعنى وتقويته دون أن تؤثر على الترتيب النحوي إذا حُذفت. فهي لا تقوم بوظيفة الربط بين الكلمات مثل حروف الجر الأصلية، مثل: (من، الباء، اللام، الكاف) في بعض السياقات.

٢. ما الحرفان المتفق على زيادتهما؟

الحرفان المتفق عليهما هما:

  • مِنْ: تزاد بعد نفي أو نهي أو استفهام بـ (هل)، مع كون المجرور نكرة، مثل: ﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾.
  • الباء: تزاد قياسًا في الخبر المنفي أو فاعل التعجب، مثل: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾.

٣. ما شروط زيادة حرف الجر “مِنْ” الزائد؟

يشترط لزيادة “مِنْ”:

  • أن تسبق بنفي أو نهي أو استفهام بـ (هل).
  • أن يكون الاسم المجرور نكرة، مثل: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾.

٤. ما مواضع زيادة الباء الزائدة؟

تزاد الباء في موضعين:

  • قياسًا: في الخبر المنفي، مثل: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾، وفي فاعل التعجب، مثل: “أَكْرَمَ بِالشُّهَدَاءِ”.
  • سماعًا: بعد (إذا) الفجائية، مثل: “خَرَجْتُ فَإِذَا بِزَيْدٍ”، أو مع (حسبُك)، مثل: “بِحَسْبِكَ دَرَاهِمَ”.

٥. ما المقصود بـ “لام التقوية”؟

هي لام تُزاد لتقوية عمل المشتق (اسم الفاعل، اسم المفعول)، خاصة إذا تقدم المفعول به على الفعل، مثل: �إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾. والأصل: “تَعْبُرُونَ الرُّؤْيَا”.

٦. هل تزاد الكاف في الجر؟

نعم، ولكن نادرًا، مثل قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾. هنا الكاف زائدة؛ لأن معناها الأصلي (مِثْل)، وزيادتها تُجنب التشبيه في الآية.

٧. ما الفرق بين الحرف الزائد والأصلي؟

  • الأصلي: يؤدي وظيفة نحوية (ربط الكلمات)، ولا يصح حذفه، مثل: “ذهبتُ إلى المدرسة”.
  • الزائد: يُحذف دون إخلال بالمعنى النحوي، ويهدف للتوكيد، مثل: ﴿مَا غَابَ مِنْ رَجُلٍ﴾ (الأصل: ما غاب رجل).
اقرأ أيضاً:  الفرق بين الفعل الحقيقي والفعل اللفظي

٨. هل يجوز زيادة اللام في المفعول به المتأخر؟

لا تُزاد اللام في المفعول به المتأخر إلا في الضرورة الشعرية، مثل قول الشاعر:
“مَلِكْتَ مَا بَيْنَ العِرَاقِ وَيَتَرِبْ *** مَلْكًا أَجَارَ لِمُسْلِمٍ وَمُعَاهِدِ”
والأصل: “أَجَارَ مُسْلِمًا”.

٩. ما الأمثلة القرآنية لحروف الجر الزائدة؟

  • مِنْ: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾.
  • الباء: ﴿كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾.
  • اللام: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾.
  • الكاف: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾.

١٠. هل تزاد الباء مع الأفعال مثل “علم” و”سمع”؟

نعم، تُزاد الباء مع بعض الأفعال والمشتقات مثل: (علم، سمع، ألقى، هزَّ)، مثل: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾. ويمكن اعتبارها هنا حرف جر أصلي إذا تعدى الفعل بالباء.

١٢. ما هي حروف الجر الزائدة؟

حروف الجر الزائدة هي حروف تُذكَر في الجملة لتأكيد المعنى وتقويته دون أن تؤثر على الترتيب النحوي أو المعنى إذا حُذفت، فهي لا تقوم بوظيفة الربط بين الكلمات مثل حروف الجر الأصلية.

  • أشهرها: (مِنْ، الباء، اللام، الكاف) في سياقات محددة.
  • مثال:
    • قوله تعالى: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾ (مِنْ زائدة).
    • قول الشاعر: “أَكْرَمَ بِالشُّهَدَاءِ” (الباء زائدة).

١٣. متى يكون حرف الجر زائدًا؟

يكون الحرف زائدًا إذا تَوافرت شروط زيادته، وتختلف الشروط باختلاف الحرف:

  • مِنْ:
    • تُزاد إذا سُبقت بنفي أو نهي أو استفهام بـ (هَلْ).
    • أن يكون المجرور نكرة.
    • مثال: ﴿مَا غَابَ مِنْ رَجُلٍ﴾.
  • الباء:
    • تُزاد في الخبر المنفي (لَيْسَ، مَا…)، أو مع فاعل التعجب (أَفْعِلْ بِـ).
    • مثال: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾.
  • اللام:
    • تُزاد لتقوية عمل المشتقات (اسم الفاعل، اسم المفعول).
    • مثال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾.
  • الكاف:
    • تُزاد نادرًا لتجنب التشبيه، مثل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾.

١٤. ما هي الحروف الزائدة؟

الحروف الزائدة في النحو العربي تشمل:

  • حروف الجر الزائدة: (مِنْ، الباء، اللام، الكاف) في سياقات محددة.
  • حروف أخرى: مثل (إنَّ، أنَّ) في بعض اللهجات، أو (ما) الزائدة في القَسَم.
  • المراد هنا: حروف الجر الزائدة التي تُذكَر في الجملة للتوكيد دون معنى نحوي.

١٥. ما الفرق بين الباء الزائدة وباء الجر؟

الباء الزائدةباء الجر الأصلية
لا تؤدي معنى نحويًّا (لا تعني المصاحبة أو السببية).تؤدي معنى نحويًّا (كالاستعانة، السبب، المصاحبة).
يُمكن حذفها دون إخلال بالمعنى النحوي.لا يُمكن حذفها؛ لأنها جزء من التركيب.
ترد في مواضع محددة (كالتعجب، النفي، بعد إذا الفجائية).ترد في سياقات عامة.
مثال: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾.مثال: ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا﴾ (الباء للاستعانة).

ملخص الفروقات:

  • الباء الزائدة: للتوكيد، ولا معنى لها، تُحذف ولا يتأثر الإعراب.
  • باء الجر الأصلية: لها معنى (كالمصاحبة أو السبب)، ولا تُحذف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى