الأحرف الجازمة: لم، لا، لام الأمر، لا الناهية، إن، إذما

هل تعلم أنه ثمة أحرف في اللغة العربية لها القدرة على تغيير شكل الفعل المضارع وجعله ساكناً أو مجزوماً؟ تعد الأحرف الجازمة أدوات قوية في بناء الجملة العربية وفهم معانيها بشكل أعمق. في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل الأحرف الجازمة وأثرها في الجزم على الفعل المضارع وكيف يمكن لهذه الأحرف أن تُحَدد من معاني الجملة.
تعريف الجزم
الجزم هو إسكان، وحَذْفٌ يجري مجرى الإسكان، ويَختص الجزم بالفعل المضارع، فإذا سُبِقَ الفعل المضارع بعامل الجزم سُكِّنَ آخره إن كان صحيح الآخر، وحُذِفَ آخره إن كان منتهياً بحرف علة، وحُذِفَتِ النون إن كان من الأفعال الخمسة.
قال تعالى: {ألم نَشْرَحْ لك صدرك}، فقد سُكِّن آخر الفعل المضارع؛ لأنه مسبوق بحرف جازم، وهو صحيح الآخر.
وقال تعالى: {ولا تَمْشِ في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً}، فقد حُذِفَ آخر الفعل المضارع (تمش)؛ لأنه سُبِقَ بحرف جازم، وهو معتل الآخر بالياء.
وقال تعالى: {ولا تُلْقُوا بأيديكم إلى التهلكة}، فقد حُذفت النون من الفعل المضارع (تلقون)؛ لأنه سُبِقَ بحرف جازم، وهو من الأفعال الخمسة، فعلامة جزمه حذف النون من آخره.
فإن كان المضارع المسبوق بحرف جازم مبنياً فهو في محل جزم، تقول: (لا تهيننَّ الفقير)، وقال تعالى: {إما يَبْلُغَنَّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما}، فالفعل (يبلغن) مسبوق بحرف جازم، ولكنه مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، فهو في محل جزم. وتقول: (أيتها الطالبات لا تَخَفْنَ من الامتحان)، فالفعل (تخفن) مسبوق بجازم، ومبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، فهو في محل جزم.
وأحرف الجزم نوعان:
أ –نوع يجزم فعلاً مضارعاً واحداً، وهو أربعة أحرف: لم ولما ولام الأمر ولا الناهية.
ب –نوع يجزم فعلين مضارعين معاً؛ وهو حرفا الشرط: إنْ وإذْمَا.
الأحرف التي تجزم فعلاً مضارعاً واحداً
-لم ولمَّا: يتفقان في أمور، ويختلفان في أمور.
أما الأمور التي يتفقان فيها فهي أنهما حرفا نفي وجزم وقلب، فكل منهما ينفي الفعل المضارع، ويجزمه، ويقلب زمنه من الحال أو الاستقبال إلى الزمن الماضي، قال تعالى: {لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكنْ له كفواً أحد}، فالأفعال (يلد، يولد، يكن) أفعال مضارعة مجزومة بالحرف الجازم (لم) منفية به، مقلوب الزمن فيها من الحاضر أو المستقبل إلى الماضي. وقال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولَمَّا يأتِكُمْ مثل الذين خلوا من قبلكم}، فالفعل (يأتكم) مجزوم بـ (لما) وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، ومنفي، ومنقلب زمنه إلى الماضي، وقال النابغة:
على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصِّبا * وقلتُ ألمَّا تَصْحُ والشيبُ وازعُ
فالفعل (تصح) منفي، ومجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وزمنه هو الماضي، وقال الشاعر:
ألم تَعْلَمِي يا عَمْرَكِ اللهُ أنَّني * كريمٌ على حينِ الكِرَامُ قَلِيلُ
فالفعل (تعلمي) منفي، ومجزوم بـ (لم)، وعلامة جزمه حذف النون من آخره؛ لأنه من الأفعال الخمسة.
وأما الأمور التي يفترقان فيها فهي:
أ –أنَّ منفيَّ (لمَّ) يمتد إلى زمن التكلم، وليس ضرورياً في (لم)؛ فقد يمتد منفي (لم) إلى زمن التكلم، وقد ينقطع قبل ذلك. تقول: (لم يَرَضَ العربُ الذُّلَّ والهوانَ)، فالنفي ممتد إلى زمن التكلم، وتقول: (لم يأتِ المدرِّسُ في الساعة الماضية، ثم جاء بعدئذٍ)، فالنفي بـ (لم) منقطع في هذه الجملة، ولا يجوز أن تقول: (لما يأتِ المدرس، ثم أتى الآن)، قال تعالى: {أؤنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لَمَّا يذوقوا عذاب}، فالنفي بـ (لما) ممتد إلى زمن التكلم، وقال الشاعر:
فإن كنتُ مأكولاً فكن خير آكل * وإلا فأدركني ولَمَّا أُمَزَّقِ
فنفي الفعل (أمزق) مستمر إلى زمن التكلم.
ب –إن الفعل المنفي بـ (لما) مترقَّب الحصول مثبتاً، أما (لم) فهي للنفي العام، مُتَرَقَّباً كان الفعل أو غير مترقب.
ج –الأداة (لم) تقترن بأداة الشرط، نحو قوله تعالى: {وإن لم تنتهوا لنرجمنكم}، ولا يجوز ذلك في (لما).
لام الأمر: لأسلوب الأمر فعل خاص به هو فعل الأمر، والأمر يتجه إلى المخاطب، وفعل الأمر مخصص للمخاطب، أما لام الأمر التي تدخل على الفعل المضارع فيؤمر بها الغائب، ويُطلب بوساطتها من الغائب عملُ شيء وفعلُه، قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذو سعة من سعته}، فالفعل (ينفق) مسند إلى الغائب، وجاءت لام الأمر للدلالة على أن الطلب متوجه إلى فاعل الفعل المسند إلى الغائب.
ويقل أن يؤمر بها المتكلم مع غيره، قال تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا وَلْنَحْمِلْ خطاياكم، وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون}، فالفعل (تحمل) مسند إلى ضمير جماعة المتكلمين، ودخلت عليه لام الأمر، وهذا قليل.
ويقل أيضاً أن يأمر بها المتكلم نفسه، من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (قُومُوا فَلأُصَلِّ بكم)، فالفعل (أصلي) مسند إلى ضمير المتكلم ودخلت عليه لام الأمر وهذا قليل.
ويندر أن يؤمر بها المخاطب؛ لأن صيغة فعل الأمر موضوعة للمخاطب، قال تعالى: {فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}، قرئت كلمة (فلتفرحوا) بالياء والتاء.
وحركة لام الأمر الكسر، فإذا سبقت بالواو أو الفاء فالأحسن تسكينها، فإذا سبقت بـ (ثم) جاز التسكين والكسر، تقول: (لِيَقُمْ خالدٌ، فلْيَذْهَبْ، ولْيَسْأَلْ عن أخبار الأصدقاء، ثم لِيَعُدْ)، فلام الأمر حُرِّكت بالكسر في ليقم وسكنت بعد الفاء واللام، وجاز الكسر والسكون بعد (ثم).
ويجوز في الشعر حذف لام الأمر، ويبقى الفعل المضارع مجزوماً، قال الشاعر:
محمدُ تفدِ نفسَكَ كُلُّ نَفْسٍ * إذا ما خفت من شيء تبالا
فالفعل (تفد) أصله (لتفدِ) فحذفت لام الأمر للضرورة الشعرية، وبقي الفعل مجزوماً، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره.
لا الناهية: أسلوب النهي واحد من أساليب الطلب، وأداته الوحيدة هي (لا) الناهية، ويطلب بها الكف والامتناع عن الفعل الذي بعدها، وأصل النهي أن يتجه إلى المخاطب، ويجوز نهي الغائب والمتكلم، قال تعالى: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تُشْرِكْ بالله}، فقد طلب لقمان من ابنه أن يمتنع عن الإشراك بالله، فهو قد نهاه عن ذلك، وقال تعالى: {لا تحزنْ إن الله معنا}، فقد طلب بوساطة الأداة (لا) الكف عن الحزن.
وقد دخلت (لا) الناهية على الفعل المضارع المسند إلى ياء المتكلم مبنياً للمجهول، قال زهير:
يا حارِ لا أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهيةٍ * لم يلقَها سُوقَةٌ قبلي ولا مَلِكُ
فقد دخلت (لا) الناهية على الفعل المضارع المبني للمجهول (أرمين) وهو مسند إلى المتكلم.
ودخلت على المضارع المسند إلى جماعة المتكلمين، قال الفرزدق:
إذا ما خرجنا من دمشق فلا نَعُدْ * لما أبداً ما دام فيها الجراضِمُ
فالفعل (نعد) مسند إلى جماعة المتكلمين، مجزوم بـ (لا) الناهية، ومعنى الجزم هنا إلزام وعهد.
ودخلت (لا) على المضارع المسند إلى ضمير الغائب في قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أولياء}، فقد دخلت (لا) الناهية على الفعل المضارع المسند إلى الغائب، وقال عمرو بن كلثوم:
ألا لا يَجْهَلَنْ أحدٌ علينا * فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا
النوع الذي يجزم فعلين مضارعين
يكون ذلك في أسلوب الشرط، وحرفا الشرط الجازمان هما إن وإذما.
ويَربط هذا الأسلوب بين الشرط وجوابه، فوقوع الجواب مرتبط غالباً بوقوع الشرط؛ لأن الشرط سبب، وجوابه وجزاؤه مسببان عنه غالباً.
-إن: أُمُّ أدوات الشرط، لا تفارق معنى الشرط، وهي حرف لا محل له من الإعراب، ووظيفتها ربط فعل الشرط بالجواب، وتُخَلِّصُ زمن الفعلين بعدها للمستقبل.
وهي تجزم فعلين هما الشرط وجزاؤه، قال تعالى: {وإن تعودوا نعد}، فقد جَزَمَ الحرف (إن) الفعلين المضارعين (تعودوا) و(نعد).
وقال تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}، ففعل الشرط (تبدوا) مضارع مجزوم، وجواب الشرط (يحاسبكم) مضارع مجزوم.
-إذما: حرف بمعنى (إن)، إلا انها قليلة الاستعمال، قال الشاعر:
وإنَّكَ إذما تأت ما أنت آمر * به تِلف من إياه تأمر آتيا
فأداة الشرط (إذما) جزمت الفعلين المضارعين (تأت) و(تلف).
خاتمة
في الختام، تعتبر الأحرف الجازمة أحد الأسس الهامة في بناء الجملة العربية وفهم قواعد اللغة. من خلال الجزم، يمكن لهذه الأحرف أن تغير شكل الفعل المضارع وتؤثر على معناه. تعلم هذه الأحرف واستخدامها الصحيح يمكن أن يعزز من فهمنا واستخدامنا للغة العربية بشكل أدق وأكثر فعالية.
الأسئلة الشائعة
- ما هي الأحرف الجازمة في اللغة العربية؟ الأحرف الجازمة هي “لم”، “لا”، “لام الأمر”، “لا الناهية”، “إن”، و”إذما”. هذه الأحرف تستخدم في جزم الفعل المضارع.
- ما هو الجزم في اللغة العربية؟ الجزم هو إسكان أو حذف يجري مجرى الإسكان، ويختص بالفعل المضارع، حيث يتم إسكان آخره إن كان صحيح الآخر، وحذف آخره إن كان منتهياً بحرف علة، أو حذف النون إن كان من الأفعال الخمسة.
- ماذا يحدث للفعل المضارع عند جزم حرف “لم” له؟ عند جزم حرف “لم” للفعل المضارع، يتحول آخر الفعل إلى السكون إذا كان صحيح الآخر، ويحذف حرف العلة إذا كان معتل الآخر، وتحذف النون إذا كان من الأفعال الخمسة.
- ما الفرق بين “لم” و”لما”؟ الفرق الرئيسي بين “لم” و”لما” هو أن “لم” يمكن أن يستخدم لنفي حدث قد انتهى قبل زمن التكلم أو يستمر نفيه، بينما “لما” تنفي حدث لم يحدث بعد لكنه متوقع حدوثه.
- ما هي وظيفة “لام الأمر”؟ تُستخدم “لام الأمر” لإصدار أمر إلى الغائب، وتُستخدم أحياناً مع المتكلم مع غيره أو المتكلم وحده أو المخاطب، لكن استخدامها مع المخاطب نادر.
- ما هو دور “لا الناهية”؟ “لا الناهية” تُستخدم للنهي، أي الطلب بالكف والامتناع عن الفعل الذي يأتي بعدها. تعمل على جزم الفعل المضارع وتغير معناه إلى النهي.
- ما هي الأحرف التي تجزم فعلين مضارعين؟ الأحرف التي تجزم فعلين مضارعين هما “إن” و”إذما”. تُستخدم في أسلوب الشرط حيث يرتبط الشرط بالجواب.
- ما الذي يميز “إن” عن غيرها من الأدوات الجازمة؟ “إن” هي أم أدوات الشرط وتستخدم لربط فعل الشرط بجوابه، وتجزم الفعلين المضارعين الذين تأتي بعدهما.
- ما هي بعض الأمثلة على استخدام “لا الناهية”؟ من الأمثلة: “لا تمشِ في الأرض مرحاً”، “لا تقل لهما أف”، و”لا تتخذوا الكافرين أولياء”. في كل هذه الأمثلة، “لا الناهية” تُستخدم للنهي عن القيام بالفعل الذي يليها.
- كيف تؤثر “لام الأمر” على الفعل المضارع؟ عند إضافة “لام الأمر” إلى الفعل المضارع، تجعله مجزوماً وتستخدم لإصدار أوامر للغائب مثل “لينفق ذو سعة من سعته”.