التشبيه المفصل: مفهومه، وصوره، وأبرز أمثلته

يعد التشبيه أحد الأركان الأساسية في صرح البلاغة العربية، وهو أسلوب فني يعتمد على إيجاد علاقة مشابهة بين طرفين أو أكثر يشتركان في صفة أو مجموعة صفات. وتتعدد أقسام التشبيه بناءً على اعتبارات مختلفة، من بينها التقسيم القائم على ذكر وجه الشبه أو حذفه. وفي هذا السياق، يبرز التشبيه المفصل كأحد أبرز هذه الأقسام، حيث يقوم على الوضوح والتصريح، مانحاً المتلقي فهماً كاملاً ودقيقاً لنقاط الالتقاء بين المشبه والمشبه به. إن دراسة التشبيه المفصل تكشف عن آلية بلاغية تهدف إلى التفصيل والإيضاح، مما يجعله أداة فعالة في التعبير عن المعاني وتقريبها إلى الذهن.
مفهوم التشبيه المفصل وأهميته البلاغية
يُعرَّف التشبيه المفصل في الاصطلاح البلاغي بأنه ذلك النوع من التشبيه الذي يُصرَّح فيه بوجه الشبه، أي الصفة المشتركة بين الطرفين، بشكل مباشر وواضح. وتكمن أهميته في أنه يفصّل للمتلقي، سواء كان قارئاً أم سامعاً، طبيعة العلاقة بين المشبه والمشبه به، مما يسهّل عليه إدراك السمة الجامعة بينهما دون عناء أو استنتاج. وقد أشار البلاغيون، مثل الأزهر الزناد، إلى أن هذا التفصيل يبقي على الانفصال الطبيعي بين الطرفين، حيث يشعر المتلقي بأن عملية الربط تقتصر على نقطة محددة، بينما يظل كل طرف محتفظاً بكيانه وسماته الأخرى المتمايزة. بذلك، يؤدي التشبيه المفصل وظيفة مزدوجة؛ فهو يربط بين شيئين مختلفين لتوضيح صفة ما، وفي الوقت نفسه يحافظ على استقلاليتهما، مما يمنح الكلام دقة وقوة. إن بنية التشبيه المفصل تجعله أساساً لفهم أنواع التشبيه الأخرى الأكثر تعقيداً.
صور ذكر وجه الشبه في التشبيه المفصل
يتخذ وجه الشبه في بنية التشبيه المفصل صورتين رئيسيتين للتعبير عنه، وكلاهما يندرج تحت مفهوم التصريح. الصورة الأولى، وهي الأكثر شيوعاً، هي أن يُذكر وجه الشبه صريحاً على صورته الخاصة، إما مجروراً بحرف الجر “في”، أو منصوباً على التمييز الذي يفيد معنى “في”. هذه الطريقة المباشرة تجعل من التشبيه المفصل مثالاً للوضوح البياني. أما الصورة الثانية، فتتمثل في ذكر أمر يستلزم وجه الشبه ويستتبعه، دون التصريح بالصفة المشتركة ذاتها. فعندما يقال إن الألفاظ “كالعسل حلاوة”، فإن وجه الشبه الحقيقي ليس الحلاوة بحد ذاتها، بل لازمها وهو “ميل الطبع” إليها، وهذا هو المعنى المشترك بين اللفظ العذب والعسل. وعلى الرغم من هذا التحليل، يرى فريق من البلاغيين أنه يمكن اعتبار الحلاوة هي وجه الشبه مباشرة، مع الأخذ في الاعتبار أنها صفة متحققة في المشبه به (العسل) ومتخيلة في المشبه (الألفاظ)، وهو رأي يميل إلى تبسيط الأقسام وتقليلها. وفي كلتا الحالتين، يظل التشبيه المفصل محافظاً على جوهره القائم على تفصيل الرابط بين الطرفين، وهذا ما يميز هذا النوع من التشبيه. لذا، فإن فهم أشكال حضور وجه الشبه ضروري لإتقان التشبيه المفصل.
أمثلة وشواهد على التشبيه المفصل
تزخر النصوص العربية، شعراً ونثراً، بأمثلة عديدة توضح بنية التشبيه المفصل وأبعاده الجمالية، حيث تبرز هذه الشواهد كيفية ذكر وجه الشبه بوضوح وتفصيل، ونستعرض هنا مجموعة منها مع شرحها:
١ – قول الشاعر مفتخراً: “أنا كالماء إن رضيت صفاءً *** وإذا ما سخطت كنت لهيبا”. يظهر هنا التشبيه المفصل في تشبيه ذاته بالماء، ووجه الشبه المذكور هو “صفاءً”، وفي تشبيهها باللهيب عند السخط، فكلا وجهي الشبه مذكور صراحة.
٢ – قول الشاعر: “كم وجوه مثل النهار ضياءً *** لنفوس كالليل في الإظلامِ”. احتوى هذا البيت على مثالين من التشبيه المفصل؛ الأول شبّه الوجوه بالنهار ووجه الشبه المصرح به هو “ضياءً”، والثاني شبّه النفوس بالليل ووجه الشبه المذكور هو “في الإظلام”.
٣ – قول ابن الرومي: “يا شبيه البدر في الحسنِ *** وفي بعدِ المنالِ”. في هذا المثال من التشبيه المفصل، المشبه هو المحبوب والمشبه به هو البدر، وقد صُرّح بوجه الشبه المزدوج والمجرور بحرف الجر “في”، وهو “الحسن” و”بعد المنال”.
٤ – قول أبي بكر الخالدي: “يا شبيه البدر حسناً *** وضياءً ومنالاً / وشبيه الغصن ليناً *** وقواماً واعتدالاً / أنت مثل الورد لوناً *** ونسيماً وملالاً”. هذه الأبيات تمثل نماذج متعددة ومتتالية من التشبيه المفصل، حيث جاء وجه الشبه في كل مرة منصوباً على التمييز (“حسناً”، “ليناً”، “لوناً”)، مما يفصّل بدقة أوجه الشبه المتعددة.
٥ – قول الشاعر: “أنت كالبحر في السماحة، والشـ *** ـمس علواً، والبدر في الإشراقِ”. يشتمل هذا البيت على ثلاثة تشبيهات، وكل واحد منها هو تشبيه مفصل مستقل؛ فوجه الشبه في الأول “السماحة”، وفي الثاني “علواً”، وفي الثالث “الإشراق”، وكلها مذكورة تصريحاً.
٦ – قولهم في وصف الألفاظ السهلة: “هي كالعسل حلاوة، وكالماء سلاسة، وكالنسيم رقة”. يعد هذا المثال من التشبيه المفصل الذي يذكر فيه ما يستلزم وجه الشبه، حيث إن “الحلاوة” و”السلاسة” و”الرقة” هي صفات مذكورة تفصيلاً، ويستلزمها الأثر النفسي المشترك بين الطرفين. إن تعدد هذه الأمثلة يبرهن على مرونة التشبيه المفصل وقدرته التعبيرية الفائقة.
خاتمة
في ختام هذه القراءة التحليلية، يتضح أن التشبيه المفصل يمثل ركيزة أساسية في فن التشبيه، ويتميز ببنيته الواضحة التي تقوم على التصريح بوجه الشبه. سواء جاء هذا التصريح مباشراً عبر التمييز أو الجر بـ”في”، أو من خلال ذكر ما يستلزمه، فإن الهدف يظل واحداً وهو تفصيل العلاقة بين طرفي التشبيه وإزالة أي غموض محتمل. إن القيمة البلاغية التي يقدمها التشبيه المفصل لا تكمن في مجرد المضاهاة، بل في قدرته على توجيه فهم المتلقي بدقة نحو السمة المشتركة المقصودة، مما يجعله أسلوباً لا غنى عنه في الخطاب الأدبي والعلمي على حد سواء، ويؤكد مكانة التشبيه المفصل كأداة بيانية فعالة.
سؤال وجواب
١ – ما هو التعريف الدقيق لمصطلح “التشبيه المفصل” في علم البلاغة؟
الإجابة: التشبيه المفصل هو أحد أقسام التشبيه الرئيسية، ويُعرَّف بأنه “ما ذُكر فيه وجه الشبه”. بعبارة أخرى، هو الأسلوب البياني الذي يجمع بين طرفين (مشبه ومشبه به) مع التصريح بالصفة أو الصفات المشتركة بينهما بشكل واضح وصريح. وظيفته الأساسية هي التفصيل والإيضاح، حيث يزيل أي لبس قد يطرأ على فهم المتلقي، ويوجهه مباشرةً إلى نقطة التشابه المحددة التي يقصدها المتكلم، وذلك على عكس التشبيه المجمل الذي يُحذف فيه وجه الشبه ويُترك للمتلقي عبء استنتاجه.
٢ – ما هي الصور النحوية التي يأتي عليها وجه الشبه في بنية التشبيه المفصل؟
الإجابة: يأتي وجه الشبه في التشبيه المفصل على صورتين نحويتين أساسيتين تضمنان التصريح به:
- الصورة الأولى: أن يكون مجروراً بحرف الجر “في”، كما في قول ابن الرومي: “يا شبيه البدرِ في الحسنِ وفي بعدِ المنالِ”، حيث حُدد وجه الشبه بدقة وهو “الحسن” و”بعد المنال” وكلاهما مسبوق بحرف الجر.
- الصورة الثانية: أن يكون منصوباً على التمييز، والذي يحمل معنى “في”، كما في قول أبي بكر الخالدي: “يا شبيه البدرِ حسناً وضياءً ومنالاً”، فكلمات “حسناً” و”ضياءً” و”منالاً” هي تمييز منصوب يوضح ويفصل طبيعة المشابهة بين المحبوب والبدر.
٣ – كيف يساهم التشبيه المفصل في تعزيز الأثر البلاغي للنص؟
الإجابة: يكمن الأثر البلاغي الذي يحدثه التشبيه المفصل في قدرته على تحقيق الدقة والوضوح المطلق. فعندما يذكر المتكلم وجه الشبه، فإنه يقيد دائرة المقارنة ويمنع ذهن السامع من الشرود في أوجه شبه محتملة أخرى قد لا تكون مقصودة. هذا التفصيل، كما أشار الأزهر الزناد، يؤكد على أن الربط بين الطرفين يقتصر على نقطة معينة، مع الحفاظ على التمايز بينهما في بقية السمات. وهذا يجعل الحجة أقوى، والوصف أشد تأثيراً، والمعنى أعمق رسوخاً في الذهن، لأنه يقدم صورة متكاملة ومفصلة لا تحتمل التأويل.
٤ – هل يمكن أن يأتي وجه الشبه في التشبيه المفصل ضمنياً وليس مصرحاً به بالكامل؟
الإجابة: نعم، وهذه إحدى الصور الدقيقة للتشبيه المفصل. قد لا يُذكر وجه الشبه بلفظه الصريح، بل يُذكر ما يستلزمه أو يدل عليه. ففي قولهم: “ألفاظه كالعسل حلاوة”، الصفة المذكورة هي “الحلاوة”، وهي وجه شبه ظاهري. أما وجه الشبه الحقيقي والعميق فهو الأثر النفسي المشترك وهو “ميل الطبع إليه”، وهو لازم من لوازم الحلاوة. يُعتبر هذا النوع تشبيهاً مفصلاً لأن الكلام قد اشتمل على تفصيل وتوضيح للمشابهة عبر ذكر صفة مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً، وإن لم تكن هي الصفة المشتركة الحقيقية بذاتها.
٥ – ما هو الفرق الجوهري بين التشبيه المفصل والتشبيه المجمل؟
الإجابة: الفرق الجوهري والفاصل بينهما يكمن في عنصر واحد من أركان التشبيه وهو “وجه الشبه”.
- في التشبيه المفصل: يكون وجه الشبه مذكوراً ومصرحاً به في الكلام. مثال: “خالد كالأسد في الشجاعة”.
- في التشبيه المجمل: يكون وجه الشبه محذوفاً وغير مذكور، ويُترك للمتلقي أن يفهمه من السياق. مثال: “خالد كالأسد”.
وبالتالي، يتجه التشبيه المفصل نحو التفصيل والإيضاح، بينما يميل التشبيه المجمل نحو الإيجاز وإطلاق الخيال.
٦ – هل من الممكن أن يحتوي بيت شعري واحد على أكثر من تشبيه مفصل؟
الإجابة: نعم، وهذا أسلوب بلاغي شائع يهدف إلى تكثيف المعنى وتعدد الأوصاف. المثال الأبرز على ذلك هو قول الشاعر: “أنت كالبحر في السماحة، والشمس علواً، والبدر في الإشراقِ”. هذا البيت وحده يشتمل على ثلاثة تشبيهات منفصلة، وكل واحد منها هو تشبيه مفصل قائم بذاته؛ فقد شبّه الممدوح بالبحر وذكر وجه الشبه “السماحة”، ثم بالشمس وذكر “علواً”، ثم بالبدر وذكر “الإشراق”. هذا التعدد يثري الصورة الشعرية ويعمق الثناء.
٧ – كيف ترتبط مفاهيم التحقيقي والتخييلي بالتشبيه المفصل؟
الإجابة: يرتبط هذان المفهومان بطبيعة وجه الشبه المذكور في التشبيه المفصل. قد يكون وجه الشبه صفة متحققة (حقيقية) في الطرفين، أو متحققة في أحدهما ومتخيلة في الآخر. ففي مثال “حجة كالشمس في الإشراق”، الإشراق صفة حقيقية (تحقيقية) للشمس، ولكنه صفة متخيلة (تخييلية) للحجة. ورغم ذلك، يظل التشبيه مفصلاً لأن وجه الشبه “الإشراق” مذكور صراحة. هذا التقسيم يضيف بعداً تحليلياً لطبيعة العلاقة بين طرفي التشبيه دون أن يغير من كونه تشبيهاً مفصلاً.
٨ – ما سبب تسمية هذا النوع من التشبيه بـ “المفصل”؟
الإجابة: اشتُقت تسمية التشبيه المفصل من الجذر اللغوي (ف-ص-ل) الذي يعني البيان والتفصيل والتمييز. وقد سُمي كذلك لأن المتكلم يقوم فيه بـ”تفصيل” العلاقة بين المشبه والمشبه به، وذلك عبر ذكر الصفة المشتركة التي تفصل وتوضح طبيعة هذا الرابط على وجه التحديد. فبدلاً من ترك العلاقة عامة، يقوم المتكلم بتفصيلها، مما يجعل هذا النوع من التشبيه أداة للتعليم والشرح الدقيق.
٩ – هل يعتبر التشبيه المفصل أبلغ من غيره من أنواع التشبيه؟
الإجابة: البلاغة لا تقاس بمعيار واحد، بل تتوقف على مدى ملاءمة الأسلوب للسياق والهدف. يعتبر التشبيه المفصل بالغاً في مقامات الوضوح والشرح والتفصيل، حيث يكون الهدف هو إيصال الفكرة كاملة دون أي غموض. في المقابل، يُعتبر التشبيه البليغ (الذي حُذف منه الأداة ووجه الشبه) أبلغ في مقامات الإيجاز وقوة التأثير وإثارة الخيال، لأنه يدّعي اتحاد الطرفين. لذا، لا يمكن تفضيل نوع على آخر بشكل مطلق، فلكل مقام مقال وأسلوب يناسبه.
١٠ – في قول الشاعر “أنا كالماء إن رضيت صفاءً *** وإذا ما سخطت كنت لهيبا”، كيف نحلل الشطر الثاني بلاغياً؟
الإجابة: الشطر الأول “أنا كالماء… صفاءً” هو تشبيه مفصل صريح مكتمل الأركان. أما الشطر الثاني “كنت لهيبا”، فيمكن تحليله من وجهين: الأول، أنه تشبيه بليغ حُذفت منه الأداة ووجه الشبه، والتقدير: “كنت كالنار لهيباً”، حيث ادعى الشاعر أنه تحول إلى اللهب نفسه لقوة التأثير. الثاني، وهو التحليل الذي تبناه بعض الشارحين لتبسيطه، هو اعتبار “لهيباً” وجه شبه لتشبيه مضمر، فيندرج ضمن سياق التشبيه المفصل الأوسع في البيت، حيث يقابل “صفاءً” كوجه شبه في حالة الرضا، ويصبح “لهيباً” وجه شبه في حالة السخط.