المعجم

الفرق بين السحور بالفتح والسحور بالضم

اللغةُ العربيةُ بحرٌ زاخرٌ بالأسرار والجماليات، حيث تحملُ كلُّ حركةٍ وصوتٍ فيها دلالةً ومعنًى يضيفُ إلى ثراءها وعُمقها. من بين هذه الكنوز اللغوية تبرزُ كلمتا “السَّحور” و”السُّحور”، اللتان قد تبدوان متشابهتين للوهلة الأولى، لكنهما تحملان فروقًا دقيقةً تُضيء لنا مفاهيمَ شرعيةً ولغويةً مهمة. هل فكَّرتَ يومًا في كيف يمكنُ لتغييرِ حركةٍ بسيطةٍ أن يفتحَ لنا آفاقًا واسعةً من الفهم؟ في هذا المقال، ننطلقُ معًا في رحلةٍ لاستكشافِ الفرقِ بين اللفظين من خلالِ آراءِ كبارِ العلماءِ واللغويين، مستعرضينَ الأثرَ الذي يتركه هذا التمييزُ في فهمِ النصوصِ والتعبيراتِ الإسلامية.

الفرق بين السحور بفتح السين والسحور بضمها

السَّحورُ بفتحِ السِّينِ: هوَ الطَّعامُ الَّذي يُتَسَحَّرُ بِهِ.

قالَهُ ثعلبٌ، وابنُ الأنباريِّ، وابنُ دُرُسْتَوَيْهِ، والقالي، والخطَّابيُّ، وابنُ سيده، والحَمِيديُّ، والقاضي عياضٌ، وابنُ قرقولٍ، وابنُ هشامٍ اللَّخميُّ، وابنُ الأثيرِ، والمُطَرِّزيُّ، وبطَّالٌ، والرَّازيُّ، والنَّوويُّ، والفيروزآبادي.

السُّحور بضمِّ السِّينِ: هوَ المصدرُ، واسمُ الفعلِ: والفعلُ هُنَا هوَ تناولُ الطَّعامِ.

قالَهُ ثعلبٌ، وابنُ الأنباريِّ، والقالي، والخطَّابيُّ، وابنُ قرقولٍ، وابنُ الأثيرِ، وبطَّالٌ، والنَّوويُّ، والفيُّوميُّ.

وعلى هذا يجوزُ أنْ تقولَ: تناولْتُ طعامَ السَّحُورِ (بالفتحِ)، وتناولْتُ طعامَ السُّحُور (بالضَّمِّ).

وعندَمَا نقولُ: طعامَ السَّحورِ (بالفتحِ) فليسَ معنى العبارةِ: طعامُ الطَّعامِ؛ لأنَّنَا لمَّا أضفْنَا كلمةَ الطَّعامِ إلى السَّحورِ عادَ معنى كلمةِ السَّحورِ إلى المصدرِ، أي طعامُ التَّسحُّرِ.

أمَّا إذا لمْ يُذكرْ لفظُ «الطَّعامِ» فلا يصحُّ إلَّا لفظُ السَّحورِ بالفتحِ؛ لأنَّ السَّحورَ هوَ الَّذي يُؤكلُ.

فلا تقولُ: أكلْتُ السُّحورَ (بالضَّمِّ)، ولكنْ تقولُ: أكلْتُ السَّحورَ (بالفتحِ).

أقوال العلماء

بدأ ابن قرقول بقوله إن بعض العلماء أجازوا استخدام اسم الفعل بالوجهين، إلا أن الوجه الأول هو الأشهر والأكثر انتشارًا.

وأشار البعلي إلى أن اسم الفعل يقصد به الفعل ذاته، وهو تناول الطعام في وقت السحر، ويُلفظ “السُّحُور” بضم السين.

وأوضح ابن الأثير أن أغلب الروايات في الحديث تأتي بفتح السين، وقيل إن الصواب هو الضم؛ لأن “السَّحور” بالفتح يشير إلى الطعام، في حين أن البركة والأجر والثواب تكون في الفعل نفسه، لا في الطعام.

اقرأ أيضاً:  أسماء القلب في اللغة العربية

وأكد أحمد مختار عمر أن كلا الضبطين مناسب إذا ذُكر لفظ “الطعام”، أما إذا لم يُذكر، فلا يصح إلا لفظ “السَّحور” بالفتح؛ لأن “السَّحور” هو ما يُؤكل.

ذكر بطال أن الحديث: كان يحب تأخير السُّحور يُقرأ بضم السين؛ لأن معناه هو التَّسَحُّر، أي فعل تناول السحور.

وعلّق ابن دقيق العيد على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: تسحروا فإن في السحور بركة بقوله إن البركة قد تُنسب إلى الفعل وما يُتَسَحَّر به معًا. وهذا لا يُعد من باب حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين، بل هو استعمال المجاز في لفظ “في”. وبناءً على ذلك، يجوز القول: فإن في السَّحور بفتح السين، وهو الأكثر شيوعًا، أو في السُّحور بضمها.

وبيّن ابن حجر أن لفظ “السحور” يُنطق بفتح السين وضمها؛ فالبركة المقصودة قد تكون في الأجر والثواب، مما يناسب الضم لأنه مصدر بمعنى التَّسَحُّر. أو قد تكون البركة لما يمنحه السحور من قوة للصائم، ونشاط، وتخفيف للمشقة، فيناسب الفتح لأنه يشير إلى ما يُتَسَحَّر به. وقيل أيضًا إن البركة تكمن في الاستيقاظ والدعاء في وقت السحر. والأرجح أن البركة في السحور تتحقق عبر عدة جوانب، منها:

  • اتباع السنة النبوية.
  • مخالفة أهل الكتاب في صيامهم.
  • التقوّي على العبادة وتنشيط النفس.
  • مدافعة سوء الخلق الذي قد يسببه الجوع.
  • فرصة للتصدق على المحتاجين أو مشاركة الطعام معهم.
  • الانشغال بالذكر والدعاء في أوقات الاستجابة.
  • تجديد نية الصوم لمن نسيها قبل النوم.

والسُّحورُ: الفَلَحُ والفَلاحُ

السُّحور هو الفَلَح والفَلاح، كما أشار إلى ذلك كبار العلماء مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي، والليث، والقاسم بن سَلَّام، وابن السِّكِّيت، وابن الأنباري، والفارابي، والأزهري، والجوهري، وابن فارس، والزَّمخشري، وابن الجوزي.

في الحديث النبوي الشريف: فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قلت: وما الفلاح؟ قال: السُّحور (رواه الإمام أحمد). هذا الحديث يُبرز أهمية السحور وارتباطه بالفلاح، أي النجاح والنجاة.

اقرأ أيضاً:  الفرق بين الحوقلة والحولقة

القاسم بن سَلَّام أوضح أن أصل كلمة الفلاح هو البقاء، واستشهد بقول الأضبط بن قُريع السعدي من الجاهلية:

لكل همٍّ من الهموم سَعَهْ *** والمُسِيُّ والصبحُ لا فلاحَ مَعَهْ

الشاعر هنا يشير إلى أن المساء والصباح لا يحملان الفلاح، أي السحور، مما يعمّق فهمنا للمعنى.

الليث قال: “الفلاح والفَلَح هما السُّحور، وهو البقاء في الخير**”. فهو يرى أن السحور يمثل استدامة الخير والبركة في حياة المسلم.

الجوهري أشار إلى أن السحور سُمِّي بذلك لأن به بقاء الصوم، وقال: “حيَّ على الفلاح” تعني أقبل على النجاة. فالسحور هنا مرتبط بتحقيق النجاة والنجاح في العبادة.

ابن فارس بيَّن أن السحور سُمِّي فلاحًا لأن الإنسان يبقى معه قوته على الصوم بسببه، مما يعينه على أداء فريضة الصيام.

الزَّمخشري أضاف من المجاز قولهم: “خشينا أن يفوتنا الفلاح“، أي السحور؛ لأن به بقاء الصوم واستمراره بنشاط وقوة.

ابن الجوزي لخص الأمر بقوله: “سُمِّي فلاحًا من البقاء“، فبعضهم يرى أنه الخير بذاته، وآخرون يقولون إن ذلك لأن بقاء الصوم يكون بالسحور.

من الجدير بالذكر أن السحور ليس مجرد وجبة طعام، بل هو ممارسة تحمل في طياتها معاني البقاء والنجاح والبركة. فهو يُمكِّن الصائم من مواصلة الصوم بقوة ونشاط، ويفتح بابًا للتقرب إلى الله عبر الدعاء والاستغفار في وقت السحر، أحد أكثر الأوقات بركةً واستجابةً للدعاء.

إن تناول السحور سُنّةٌ نبويةٌ تحمل في معانيها قيمًا روحيةً وجسديةً، تجمع بين تقوية البدن وتعزيز الروح. فليكن السحور فرصةً لنا للارتقاء بأنفسنا جسدًا وروحًا، واستثمارًا لوقتٍ مباركٍ في طاعة الله وتحصيل البركات.

خاتمة

ختامًا، نجدُ أن التعمقَ في تفاصيلِ لغتِنا الجميلةِ يكشفُ لنا عن كنوزٍ معرفيةٍ وروحيةٍ لا حصرَ لها. التمييزُ بين السَّحور بفتحِ السين والسُّحور بضمِّها ليس مجردَ نقطةٍ نحويةٍ، بل هو نافذةٌ نطلُّ منها على فهمٍ أعمقَ لتعاليمِ دينِنا الحنيفِ وتراثِنا اللغويِّ العريق. إنَّ إدراكَ هذه الفروقِ يعزِّزُ اتصالَنا بالقرآنِ الكريمِ والسنةِ النبويةِ، ويمنحُنا فهمًا أوسعَ لأسرارِ العبادةِ ومعانيها. فلنجعلْ من السحورِ ليس فقط وجبةً نتقوَّى بها على الصيام، بل فرصةً للتأملِ والتقربِ إلى اللهِ، واستثمارًا للوقتِ المباركِ في بناءِ أجسادِنا وأرواحِنا، ساعينَ نحوَ الفلاحِ الحقيقيِّ في الدنيا والآخرة.

الأسئلة الشائعة

ما الفرق بين السَّحور بفتح السين والسُّحور بضمها؟

اقرأ أيضاً:  ما معنى الزكاة لغوياً؟

السَّحور (بفتح السين) يشير إلى الطعام الذي يُتَسَحَّرُ به قبل الفجر في شهر رمضان، أي الوجبة نفسها. أما السُّحور (بضم السين) فيُقصد به الفعل أو المصدر، وهو عملية تناول السحور.

ما المقصود بالسحور؟

السحور هو وجبة الطعام التي يتناولها الصائم قبل طلوع الفجر للتقوّي على الصيام. وقد حثّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على تناولها لما فيها من بركة وفوائد روحية وجسدية.

هل نقول سحور أم صحور؟

الصحيح هو سحور بالسين، وليس صحور بالصاد. فكلمة “سحور” مشتقة من وقت السحر، وهو الجزء الأخير من الليل.

كيف نستخدم لفظ السحور بشكل صحيح في الجملة؟

إذا كنت تشير إلى الطعام، تقول: “أكلتُ السَّحور” (بفتح السين). وإذا كنت تشير إلى الفعل أو التسحّر، تقول: “قمتُ لـلسُّحور” (بضم السين).

هل يمكن استخدام كلمتي السَّحور والسُّحور بالتبادل؟

لا، لا يمكن استخدامهما بالتبادل دون مراعاة السياق. فـالسَّحور (بالفتح) هو الطعام، بينما السُّحور (بالضم) هو الفعل أو المصدر المتعلق بتناول السحور.

ما حكم قول “طعام السَّحور” أو “طعام السُّحور”؟

كلا التعبيرين صحيح. يمكنك أن تقول: “تناولتُ طعامَ السَّحور” (بفتح السين) أو “تناولتُ طعامَ السُّحور” (بضم السين)، وفقًا للنطق الذي يتناسب مع المعنى المقصود.

لماذا سُمِّي السحور بالفلاح وما أهميته في الإسلام؟

سُمِّي السحور بالفلاح لأنه يعني البقاء والنجاة، وبه يستعين الصائم على الصوم بنشاط وقوة. السحور مهم في الإسلام لأنه اتباعٌ للسنة النبوية ويمنح الصائم البركة ويعينه على العبادة ومدافعة مشقة الجوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى