شرح البيتين الثالث والرابع من معلقة امرئ القيس
في هذه الصفحة سنقوم بشرح البيتين الثالث والرابع من معلقة امرئ القيس، وقد وضعنا هذين البيتين سوية بسبب قصر الشرح عنهما.
ترى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصاتِها … وَقِيْعَـانِهَا كَأنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
المفرداتُ
البَعْرُ والبَعَرُ: الرَّوثُ اليابسُ.
الأرآمُ أوِ الآرامُ: الظِّباءُ البيضُ الخالصةُ البياضِ، واحدُهَا رِئْمٌ ورِيمٌ، وهيَ تسكنُ الرَّملَ.
العَرَصاتُ: جمعُ عَرْصةٍ بفتحِ العينِ وسكونِ الرَّاءِ، وهيَ ساحةُ الدَّارِ، وكلُّ بقعةٍ واسعةٍ ليسَ فيهَا بناءٌ.
وسُمِّيتْ ساحةُ الدِّارِ عرصةً؛ لأنَّ الصِّبيانَ يَعْرَصُونَ فيهَا، أي يلعبُونَ ويمرحُونَ.
القِيعانُ: جمعُ القاعِ، وهوَ المستوي مِنَ الأرضِ الفلاةِ.
الفلفلُ: حَبٌّ هنديٌّ معروفٌ.
معنى البيتِ
سترى في هذهِ الدِّيارِ الَّتي غادرَهَا أهلُهَا، كيفَ أصبحَتْ رمالُهَا مسكناً للظِّباءِ البيضِ فوضَعَتْ مخلَّفاتِهَا فيهَا، وإنَّكَ لتبصرُ بعرَهَا منتشراً في ساحاتِهَا كأنَّهُ حبُّ الفلفلِ.
وهذا البيتُ وما بعدَهُ ممَّا يُزادُ في هذهِ القصيدةِ، قالَ الأصمعيُّ: والأعرابُ ترويهِمَا.
تحليل البيت
في هذا البيت الوصفي الجميل يبدأ امرؤ القيس بوصف ديار المحبوبة الخالية من سكانها فينقل السامع لقوله إلى مكان الحدث بالفعل المضارع (ترى) وهو استخدام لطيف للأسلوب الخبري. واستخدام الفعل المضارع ترى ليبين أن الرؤية ليست قديمة بل هي متجددة لم تنته.
ثم يصف البيئة الجاهلية الصحراوية بوصف بعر الظباء وساحات الرمل، وهذا من مزايا الشعر الجاهلي وهو وصف هذه البيئة.
ثم يستخدم التشبيه بوصف بعر الظباء أنه مثل حب الفلفل.
كَأنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا … لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
الآن وفي هذا البيت الرابع، يواصل امرؤ القيس الوصف لكنه يصف حالته بعد أن وصف ديار المحبوبة فيشبه نفسه بأسوأ أنواع حالات الذي فقد من يحب.
المفرداتُ
غداةَ: الغداةُ الضَّحوةُ، والمرادُ صبيحةَ اليومِ.
البينُ: الفراقُ.
يومَ: الوقتُ مِنْ طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشَّمسِ، وقدْ يرادُ بِهِ الوقتُ.
تحمَّلُوا: ارتحلُوا.
لدى: عندَ.
سَمُرَاتِ: جمعُ سَمُرةٍ، وهيَ شجرةٌ لَهَا شوكٌ تسمَّى أمَّ غَيْلانَ، وهيَ مِنْ شجرِ الطَّلحِ، وهوَ نوعٌ مِنَ الْعِضَاهِ.
ويمكنُ أنْ يكونَ سُمِّيَ بذلِكَ للونِهِ.
وليسَ في العِضَاهِ شيءٌ أجودَ خشباً مِنَ السَّمُرِ، يُنْقَلُ إلى القُرَى، فتُغَمَّى بِهِ البُيُوتُ.
الحيِّ: مَحَلَّةِ القومِ، وهوَ البطنُ مِنْ بطونِ العربِ.
ناقفُ: اسمُ فاعلٍ مِنْ نَقَفَ، أي شَقَّ أوِ استخرجَ.
الحنظلُ: نباتٌ مرٌّ كريهٌ.
ونقفُ الحنظلِ: شَقُّهُ عنِ الحَبِّ، وناقِفُهُ الَّذي يشقُّهُ.
معنى البيتِ
لقدْ وقفْتُ أبكي في الحيِّ عندَ أشجارِ أمِّ غيلانَ صبيحةَ فراقِهِمْ يومَ ارتحلُوا كأنِّي أشقُّ الحنظلَ بظُفْرِي لأستخرجَ مِنْهَا حبَّهَا.
شبَّهَ نفسَهُ حينَ بكى على فراقِهِمْ بناقفِ الحنظلِ؛ لأنَّ عَينَا مَنْ يشقُّ الحنظلَ تدمعُ بسببِ حِدَّتِهِ وشدَّةِ رائحتِهِ، فيجدُ أثرَ ذلِكَ في أنفِهِ وعينيهِ وحلقِهِ، فيكونُ في أسوأِ حالٍ.
تحليل البيت
ما زلنا في الوصف، يتابع امرؤ القيس استخدام التشبيه؛ فهو أكثر ما يدعم الوصف والأسلوب الخبري؛ فيشبه نفسه عند فراق المحبوبة بناقف الحنظل؛ ليظهر لنا حالته السيئة وما حل به.
واستخدام (ناقف الحنظل) دليل على وصوله لأسوء مراحل الفقد.
وقوله: (كأني غداة البين يوم تحملوا) يريد زيادة تقرير الحالة السيئة بأن ينقل السامع إلى مسرح الحدث مباشرة باستخدام ظرفي الزمان (غداة) و(يوم).
كما أن وقوفه عند شجيرات الطلح تصوير لعجزه عن فعل شيء أثناء ظعن المحبوبة، فهو وصف لشخص يقف مختبئاً عند الشجرة لا حيلة له.