شرح وقوفاً بها صحبي علي مطيهم: معلقة امرئ القيس
وُقُوفاً بِهَا صَحْبِي عَليَّ مَطِيَّهُمْ … يَقُولُونَ لَا تَهْلِكْ أَسىً وَتَجَمَّلِ
في البيت الخامس من معلقة امرئ القيس يتحدث شاعرنا عن تضامن أصحابه معه في محنته؛ فيعزونه ويشدون من أزره وينصحونه أن يتحلى بالصبر ويتوقف عن الخوف حتى لا يُهلك نفسه.
المفردات
وقوفاً: جمعُ واقفٍ، مثلُ الشُّهودِ والرُّكوعِ في جمعِ شاهدٍ وراكعٍ.
-نصب وقوفاً على الحال، يريد قفا نبك في حال وقف أصحابي مطيهم علي.
-وقوفاً بها صحبي وما بعده متعلق بقوله: قفا نبك من ذكرى، فكأن امرأ القيس قال: قفا وقوف صحبي بهذه الأرض على مطيهم، أو قفا حال وقوف صحبي. وقوله: (بها) متأخر في المعنى إذ إنه يريد: قفا نبك في حال وقف أصحابي مطيهم علي.
قال أبو العباس: كان أصحابنا يعني من العلماء يقولون: نصب وقوفاً على القطع من الدخول فحومل وتوضح فالمقراة. وقال أيضاً أنه يؤيد القول الذي يقول أن وقوفاً منصوب على المصدر للفعل قفا. وأضاف: والتقدير: قفا كوقوف صحبي عليَّ مطيهم.
وقال بعض من النحويين: وقوفاً منصوب على القطع من الهاء التي في الفعل نسجتها، وهو مثل قولك: مررت بها جالساً أبوها، فإنك تنصب جالساً على القطع من الهاء.
وقال آخرون: نصب وقوفاً على الحال من الضمير المستكن في نبك، والتقدير: قفا نبك حال وقوف صحبي على مطيهم.
وقال نحويون آخرون: نصب على الحال من الضمير في الفعل يقولون، والتقدير: يقولون لا تهلك من الأسى، وتصبر في حال وقوف صحبي على مطيهم. وهذا غلط؛ والسبب أن الظاهر في التقدير مؤخر بعد المكنى، فالمكنى هو الذي في يقولون للصحب، ومعنى الصحب التأخير مع وقوف موجود بعد الفعل يقولون، فلا يتقدم المكنى على الظاهر.
وقال بعضهم: وقوفاً منصوب على الوقت أي الزمان، كأنه قال: وقت وقوف صحبي، ومن قول العرب: خرجنا خروجكم. وهذا أنهم يريدون خروجنا وقت خروجكم.
-ويجوز أن يكون إعراب قوله (وقوفاً) منصوباً على المصدر من الفعل (قفا)، وتقدير الكلام: قفا وقوفاً مثل وقوف صحبي، وهذا مثلما تقول: زيد يشرب شرب الإبل، وأنت تريد يشرب شرباً مثل شرب الإبل.
ويجوز أن يكون هذا المصدر قد وقع موقع الوقت لاستيقافه، وهذا مثل أن تقول: الْبِثْ على قعود القاضي، أي ما قعد، أي طيلة قعوده، والتقدير: وقت وقوف صحبي، ثم يحذف الزمن ويكون بمنزلة قولك: رأيته قدوم الحاج، أي وقت قدوم الحاج، لكن قال العلماء: ولا يجوز مثل هذا إلا فيما نعرفه لا فيما نجهله، ومنه قولك: خفوق النجم، وقدوم الحاج، ولو قلت: لا أكلمك قيام زيد، وأنت تريد وقت قيام زيد، لم يجز ذلك؛ لأن الأمر لا يعرف.
الصَّحبُ: جمعُ صاحبٍ، ويجمعُ الصَّاحبُ أيضاً على الصِّحابِ والأصحابِ والصُّحبةِ والصَّحابةِ والصُّحبانِ، ثُمَّ يُجمعُ الأصحابُ على الصَّحابةِ والأصاحيبِ والصُّحبانِ والصَّحبةِ، ثُمَّ يُجمعُ الأصحابُ على الأصاحيبِ أيضاً، ثُمَّ يُخَفَّفُ، فيُقالُ: الأصاحبُ، ومعنى الصَّاحبِ الصَّديقُ.
عليَّ: أي لأجلِي أو على رأسِي.
المَطِيُّ: المَرَاكِبُ أوِ الرَّواحلُ، واحدتُهَا مَطِيَّةٌ، وتُجمعُ المطيَّةُ على المطايا والمَطيِّ والمَطيَّاتِ.
والمطيَّةُ النَّاقةُ أوِ البعيرُ، سُمِّيتْ مطيَّةً؛ لأنَّهَا يُرتَكَبُ مَطاهَا، أي ظهرُهَا، وقيلَ: سُمِّيتْ مطيَّةً لأنَّهَا يُمْطَى بِهَا في السَّيرِ، أي يُمَدُّ بِهَا، ووزنُ مطيَّةٍ فعيلةٍ، أصلُهَا مطيوةٌ، فلمَّا اجتمعَتِ الواوُ والياءُ في كلمةٍ واحدةٍ، والسَّابقُ ساكنٌ، قُلِبَتِ الواوُ ياءً، وأدغمَتِ الياءُ في الياءِ، هذا وقدْ يُطلقُ اسمُ المطيَّةِ على الحمارِ يقعُ للمذكَّرِ والمؤنَّثِ.
أسىً: أسفاً وحزناً، يُقالُ: قدْ أسيتُ على الشَّيءِ أسىً شديداً، إذا حَزِنْتُ عليهِ.
تجمَّلِ: أي أظهرِ الجمالَ، وأرادَ لا تُظْهِرِ الجزعَ، ولكنْ تصبَّرْ، وأظهرْ للنَّاسِ خلافَ ما في قلبِكَ مِنَ الحزنِ، لئلَّا تُشَمِّتْ بِكَ العواذلَ والعُداةَ، ولا يكتئِبْ لَكَ الأخلَّاءُ، ويُروى تحمَّلِ بالحاءِ، ومعناهُ قريبٌ مِنَ الأوَّلِ، والتَّجمُّلُ التَّكلُّفُ.
معنى البيتِ
بعدَ أنْ بيَّنَ في البيتِ السَّابقِ حالَهُ قالَ:
لقدْ وقفَ أصحابي لأجلي، وأنا قاعدٌ عندَ رواحلِهِمْ، قائلينَ لي: تحلَّى بالصَّبرِ، وتوقَّفْ عنِ الجزعِ؛ حتَّى لا تهلِكْ نفسَكَ مِنْ فرطِ الحزنِ.
تحليل البيتِ
ابتدأ امرؤ القيس بيته بكلمة تبين الحال مباشرة من غير واسطة جعلت هذه الكلمة النحويين يحارون ويختلفون في تأويلها الإعرابي، وكل هذا لأجل أنه يريد بيان الهيئة التي عليها أصحابه، واستخدم كلمة المطي ليظهر حالة البيئة الصحراوية والفرسان الذين يركبون على رواحلهم، ثم في الشطر الثاني وبعد أن ابتدأ بكلمة وقوفاً قال فيه يقولون؛ أي وقوفاً يقولون، وهذا ما جعل الشطرين يترابطون ترابطاً قوياً في ابتداء كل واحد منهما، وفي تأويل ثان قد يترابط هذا البيت مع الذي قبله كما مر في الشرح، ثم قال بأنهم متضامنون معه وناصحون له كي لا يضر نفسه فيموت من كثرة الحزن.
نلاحظ التقديم والتأخير الذي حدث في الشطر الأول بين كلماته، وهذا ما جعل البيت فريداً من نوعه، أما في الشطر الثاني فإن استخدام لا الناهية مع الفعل المضارع المجزوم جعل أمر النهي من أصدقائه قوياً بحيث أنه أمر للوقت الحالي وللمستقبل.