لات العاملة عمل ليس، معناها وما أبرز شواهدها؟
ما هي الخلافات النحوية حول تركيب لات وعملها في الجملة؟

تُعد “لات” من الأدوات الناسخة التي أثارت جدلاً واسعاً بين النحاة لخصوصية عملها وشروطها الدقيقة في نفي الزمان. نستعرض في هذا المقال تفاصيل عملها، ومعانيها، والآراء المختلفة حول تركيبها مع الشواهد الشعرية والقرآنية التي استند إليها العلماء.
اقرأ أيضاً: إن العاملة عمل ليس ولات العاملة عمل ليس وشروط عملهما
كيف تعمل “لات” عمل “ليس” في الجملة الاسمية؟
تعمل (لات) عمل (ليس) نظراً للشبه الكبير بينهما في نفي الجملة الاسمية في مواضع محددة، وتختص (لات) بالدخول على أسماء الزمان، ولا سيما لفظ “الحين”. ويشترط النحاة لإعمالها أن يكون أحد ركني الجملة محذوفاً؛ وغالباً ما يكون المحذوف هو المبتدأ، بينما يجوز -على قلة- أن يكون المحذوف هو الخبر. وقد ورد في القراءات القرآنية قوله تعالى: “وَلَاتٌ حِينٌ مَنَاص”. والجدير بالذكر أن عملها لا يقتصر حصراً على لفظ (الحين) فقط، بل يتعداه ليشمل أسماء الزمان أو الأوقات كافة، كما جاء في قول الشاعر:
نَدِمَ البَغَاةُ ولاتَ ساعةَ مَنْدَم … والبغي مَرْتَعُ مُبْتَغِيهِ وَخِيمُ
وكذلك قول أبي زبيد الطائي:
طَلَبُوا صَلَحَنَا وَلاتَ أوانٍ … فَأجَبْنَا أَنْ ليس حِينَ بَقَاءِ
أهم النقاط في هذا القسم:
- تعمل “لات” عمل “ليس” وتختص بأسماء الزمان.
- يشترط لعملها حذف أحد ركني الجملة، والغالب حذف المبتدأ.
- لا يقتصر عملها على لفظ “حين” بل يشمل كل ما دل على وقت.
اقرأ أيضاً: ما العاملة عمل ليس: تعريفها وشروط عملها
ما هو توجيه النحاة لبيت أبي زبيد “ولات أوان”؟
في بيت أبي زبيد المذكور سابقاً، التقدير هو: “ولات الأوانُ” أو “آنَ الصلحُ”، حيث حُذف المضاف إليه (الصلح) وبُنيت كلمة (أوان) لانقطاعها عن الإضافة لفظاً لا معنى، تماماً كما فُعل بالظرفين (قبل وبعد). وكان بناؤها على الكسر لشبهها بكلمة (نزالِ)، وجاءت النون للضرورة الشعرية. وللنحويين في هذا البيت أعاريب وتخريجات أخرى تمت الإشارة إليها في باب حروف الجر. وقد ذكر أبو علي الفارسي أنه لا يقع بعد (لات) إلا الخبر منصوباً، فإذا ارتفع الاسم بعدها فإنه يرتفع بالابتداء، ويكون خبره مضمراً تقديره “لنا”، وتكون (لات) قد دخلت للنفي فقط، وكأنه يرى أنها في هذه الحالة مهملة لا عمل لها.
أهم النقاط في هذا القسم:
- تقدير المحذوف في بيت أبي زبيد هو المضاف إليه، وبنيت “أوان” على الكسر.
- يرى الفارسي أن ما بعد “لات” لا يكون إلا خبراً منصوباً.
- إذا جاء ما بعدها مرفوعاً عند الفارسي، فهي مهملة والاسم مبتدأ خبره محذوف.
اقرأ أيضاً: حذف حرف الجر ودخول ما على حروف الجر
ماذا يحدث إذا وقع بعد “لات” اسم غير دال على الزمان؟
يقرر النحاة أنه إذا وقع بعد (لات) اسم غير أسماء الزمان فإنها تُلغى. وقد نقل ابن مالك هذا الحكم مستشهداً بقول حجل بن نضلة:
حنَّتْ نَوَارُ، ولاتَ هَنَّا حَنَّتِ … وَبَدَا الذي كانت نَوَارُ أَجَنَّتِ
ذكر ابن مالك أن للنحويين في هذا البيت مذهبين: الأول هو مذهب الفارسي، الذي يرى أنها ملغاة ولا خبر لها، وتكون (هنَّا) ظرف مكان في موضع نصب، و(حنَّت) مع (أنْ) المقدرة قبلها في موضع رفع بالابتداء. والمذهب الثاني يرى أن (هَنَّا) هو اسم (لات)، و(حنَّت) خبرها على تقدير حذف المضاف، ويكون التقدير: “وليس الوقت وقت حنين”.
أهم النقاط في هذا القسم:
- الأصل إلغاء عمل “لات” إذا وليها اسم غير زماني.
- مذهب الفارسي يعتبرها ملغاة في قول حجل بن نضلة.
- المذهب الآخر يقدر محذوفاً زمانياً لتصحيح عملها (وليس الوقت وقت حنين).
اقرأ أيضاً: الفرق بين ظرفي الزمان والمكان واسمي الزمان والمكان
هل يجوز رفع الاسم بعد “لات” وما رأي ابن هشام؟
شذَّ مجيء الاسم غير الظرفي مرفوعاً بعد (لات)، كما في قول الشمري ابن عبد الله بن روءبة:
لَهفِي عَلَيْكَ لهفةَ مِنْ خَائِفٍ … يَبْغِي جِوَارَكَ حِينَ لاتَ مُجِيرُ
وقد أوَّل ابن هشام كلمة (مُجِيرٌ) باحتمالين: إما أن تكون مبتدأ والتقدير “حين لات له مُجير”، أو تكون فاعلاً لفعل محذوف تقديره “حين لات يحصل له مجير”، وفي هذه الحالة تكون (لات) مهملة لا عمل لها؛ لأنها لم تدخل على زمان. وحُكي عن الأخفش أنها لا تعمل شيئاً في القياس، فإن انتصب الاسم بعدها كان نصبه بفعل مضمر تقديره “لا أرى حين كذا”. أما إذا كان مرفوعاً، فهو مبتدأ حذف خبره. كما نُقل عنه في قول آخر أنها تعمل نصباً عمل (لا) النافية للجنس.
أهم النقاط في هذا القسم:
- مجيء الاسم غير الظرفي مرفوعاً بعد “لات” يُعد شاذاً.
- أوّل ابن هشام الرفع على أنه مبتدأ أو فاعل، واعتبر “لات” مهملة.
- يرى الأخفش في أحد أقواله أنها لا تعمل، والنصب بعدها بفعل مضمر.
اقرأ أيضاً: ليس: هل هي فعل أم حرف في اللغة العربية؟
ما المعنى الدقيق لأداة “لات” عند سيبويه والأخفش؟
ترك النحويون معنى (لات) عاماً، واكتفوا بالإشارة إلى أنها للنفي؛ لانشغالهم ببحث عملها وشروطها وإعراب شواهدها. سيبويه جعلها بمنزلة (ليس) إلا أنها تختص بالدخول على جملة اسمية ركناها اسما زمان حُذف أحدهما (وغالباً اسمها)، فمعناها عنده “نفي الزمان”. ويُستدل من كلام أكثر النحويين أنها بمعنى (لا) المشبهة بـ (ليس) أو هي (لا) ذاتها؛ إذ ذهب جلهم إلى أن أصلها (لا) العاملة عمل (ليس) زيدت عليها التاء فاختصت بنفي الزمن. ثم اختلفوا في أصل هذه التاء كما سيرد في تركيبها.
ورأى الأخفش -فيما نُقل عنه- والرضي أنها (لا) النافية للجنس، وما يقوي هذا الرأي لزوم تنكير ما أضيف إليه الحين الواقع خبراً لها. ويبدو أن معنى قولهم “ولات حين كذا” هو انتفاء ما أضيف إليه خبرها في وقت التكلم؛ لأن وقوعه قد مضى وانصرم، ويؤيد ذلك أن معظم الشواهد الواردة كانت في مقام التندم والتأسف وفوات الأوان.
أهم النقاط في هذا القسم:
- معنى “لات” العام هو النفي، وسيبويه يرى أنها لنفي الزمان.
- الجمهور يرى أنها “لا” المشبهة بليس زيدت عليها التاء.
- الأخفش والرضي يريان أنها “لا” النافية للجنس، وتفيد التندم وفوات الأوان.
اقرأ أيضاً: تعريف الأداة في النحو العربي: كيف تطور مفهومها عبر العصور؟
ما أصل تركيب “لات” وهل التاء زائدة أم أصلية؟
في الحديث عن تركيبها، ذكر الكسائي والمبرد والبصريون أن أصل (لات) هو (لا) العاملة عمل (ليس) لحقتها تاء التأنيث، تماماً كما لحقت (رُبَّتَ) و(ثمَّتَ). بينما نُقل عن الكوفيين أنها بمنزلة التاء المربوطة. وذهب فريق من النحويين إلى أن التاء موصولة بكلمة (الحين) وليست بـ (لا)، واستدلوا على ذلك بلفظ العرب: “تَحِينَ” و”تَلْآنَ”، وبوصلها في مصحف الإمام في قوله تعالى: “ولا تَحِينَ مَنَاصٍ”. ويقول أبو وجزة السعدي:
العَاطِفُونَ تَحِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ … والمُطْعِمُون زمان ما مِنْ مُطْعِمٍ
وقد رُوي هذا البيت بروايات مختلفة؛ فقد رواه المبرد: “ولات ما من عاطف”، و”ولات ما من تعاطف”. كما رواه النحاس بلفظ “العاطفونّه”، مشيراً إلى أن هاء السكت صارت تاءً عند الوصل.
أهم النقاط في هذا القسم:
- البصريون يرون أن أصلها “لا” + تاء التأنيث.
- بعض النحويين يرى أن التاء جزء من الكلمة التي تليها (تَحين).
- اختلاف الروايات في بيت أبي وجزة يعكس الخلاف في أصل التركيب.
اقرأ أيضاً: اللسانيات التاريخية: كيف نكتشف تاريخ لغتك القديم؟
الخاتمة
تظل “لات” شاهداً حياً على دقة اللغة العربية ومرونتها في التعبير عن الزمن والنفي بأدوات دقيقة الاختصاص. وعلى الرغم من قلة استعمالها مقارنة بـ”ليس”، إلا أن حضورها في القرآن الكريم والشعر العربي منحها مكانة خاصة في الدرس النحوي، مما يدفعنا للتساؤل: هل ترى أن حصر عمل “لات” في أسماء الزمان يحد من مرونة التعبير في لغتنا المعاصرة أم يزيدها دقةً وتحديداً؟
اقرأ أيضاً: كيف أتعلم النحو وأطور نفسي فيه؟
دعوة لاتخاذ إجراء
إذا كنت مهتماً بالتعمق أكثر في أسرار النحو العربي ودقائق الأدوات الناسخة، ندعوك للعودة إلى أمهات الكتب النحوية ومحاولة إعراب شواهد شعرية أخرى تضمنت “لات”، ومشاركتنا ما تجده من لطائف لغوية تعزز فهمك لهذا الباب.
المراجع
- سيبويه، ع. (1988). الكتاب (تحقيق عبد السلام هارون، ط. 3، مج. 1). مكتبة الخانجي. (المرجع المؤسس الذي اعتمد عليه المقال في عرض رأي سيبويه وتشبيه لات بليس).
- ابن هشام، ع. (1985). مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (تحقيق مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، ط. 6). دار الفكر. (مصدر أساسي لمناقشة آراء ابن هشام وتأويلاته لإعراب ما بعد لات).
- حسن، ع. (1974). النحو الوافي (ط. 3، مج. 1). دار المعارف. (دراسة تطبيقية شاملة تتناول أدوات النفي وعملها بشرح وافٍ وميسر).
- السامرائي، ف. (2000). معاني النحو (مج. 1). دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. (مرجع أكاديمي يربط بين الدلالة والإعراب، ويدعم قسم معاني “لات”).
- القرشي، ع. (2018). دلالات أدوات النفي في السياق القرآني: دراسة نحوية دلالية. مجلة كلية الآداب، جامعة بغداد، (124)، 345-368. (ورقة بحثية محكمة تناقش السياق القرآني لـ “لات” ومعانيها).
- العتيبي، م. (2016). الخلاف النحوي في “لات” وأثره في المعنى. مجلة العلوم العربية والإنسانية، جامعة القصيم، 9(2)، 115-142. (بحث محكم يركز تفصيلياً على الخلافات النحوية الواردة في المقال حول تركيب لات).
قسم المصداقية:
تمت مراجعة المعلومات الواردة في هذا المقال بالاستناد إلى المصادر النحوية المعتبرة (الكتاب لسيبويه، ومغني اللبيب لابن هشام) لضمان دقة النقل عن النحاة وتخريج الشواهد الشعرية. الآراء المذكورة تمثل المدارس النحوية الرئيسية (البصرية والكوفية) كما وردت في أمهات الكتب.
جرت مراجعة هذا المقال من قبل فريق التحرير في موقعنا لضمان الدقة والمعلومة الصحيحة.




