نائب الفاعل: تعريفه وحالاته وأحكامه وأسباب حذف الفاعل
في هذا الدرس سنلقي الضوء على درس مهم من دروس النحو، وهو بحث مرتبط ببحث الفاعل، درسنا اليوم عن نائب الفاعل، سنتكلم عن تعريفه وحالاته وأحكامه وعن أسباب حذف الفاعل وحلول نائب الفاعل عنه.
تعريف نائب الفاعل
هو الاسم المسند إلى فعل مبني للمجهول أو شبهه (كاسم المفعول، والاسم المنسوب)، نحو: كُوفِئَ المُجِدُّ، أخي عربيٌّ خلقُهُ، والمعلم مُعَظَّمٌ شأنُهُ.
أسباب حذف الفاعل
قد يحذف الفاعل لغرض لفظي أو معنوي:
الأغراض المعنوية:
- العِلْمُ به، نحو قوله تعالى: {كُتِبَ عليكم القتالُ}، للعلم بأن فاعل ذلك هو الله.
- الجهل به، نحو: (سُرِقَ الكتابُ)، فأنت تجهل السارق أو لا تريد ذكره.
الأغراض اللفظية:
- الإيجاز، نحو: مَنْ أُوتي مثلَ ما أوتيتم.
- تناسب الفواصل، نحو: من طاب سيرته حُمِدَتْ سريرتُه.
ويَنوب عن الفاعل في هذه الحالات مفعول به، ويُعطى أحكام الفاعل كلها؛ فيصير مرفوعاً بعد أن كان منصوباً، وعمدة بعد أن كان فضلة، وواجب التأخير عن الفعل بعد أن كان جائز التقديم عليه، ويؤنث له الفعل إن كان مؤنثاً.
تقول في: (أَخَذَ الطالبُ الكتابَ) أُخِذَ الكتابُ.
وفي: (شَكَرَ المعلِّمُ التلميذةَ) شُكِرَتِ التلميذةُ.
قال الشاعر:
وإن مُدَّتِ الأيدي إلى الزاد لم أكنْ * بأعجلهم إذ أجشعُ القومِ أعجلُ
حالات نائب الفاعل
يكون نائب الفاعل:
١ –اسماً صريحاً، نحو: أُخِذَ الكتابُ.
٢ –ضميراً متصلاً، مثل: شُكرْنَا على إخلاصنا.
٣ –ضميراً مستتراً، مثل: المُجِدُّ يُشْكَرُ. (نائب الفاعل هو الضمير المستتر في الفعل يشكر).
٤ –مصدراً مؤولاً، نحو: عُلِمَ أنَّكَ مُخْلِصٌ، والتقدير: عُلِمَ إخلاصُكَ.
٥ –جملة، مثل قوله تعالى: {قيلَ ادخلِ الجنَّةَ}، فجملة (ادخل الجنة) في محل رفع نائب فاعل.
وكقولنا: (قيل اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد).
٦ –جاراً ومجروراً إذا كان الفعل لازماً، مثل: ذُهِبَ بهِ إلى المدرسة.
٧ –ظرفاً إذا كان الفعل لازماً، نحو: صِيمَ يومُ عاشوراءَ.
٨ –مصدراً إذا كان الفعل لازماً، مثل: جُلِسَ جلوسٌ طويلٌ.
أحكام نائب الفاعل
١ -قد يحذف الفاعل لأسباب لفظية أو معنوية، فيقتضي هذا الحذف أمرين اثنين:
أ –تغييراً يطرأ على بنية الفعل فيغدو مبنياً للمجهول.
ب –إقامة نائب عنه يُسند إليه الفعل أو شبهه، وهو اسم المفعول والاسم المنسوب إليه، مثل: أُكْرِمَ المُجِدُّ، جاءَ المحمودُ خلقُهُ والعربيُّ أبوهُ.
خلقه: نائب فاعل لاسم المفعول، مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة.
أبوه: نائب فاعل للاسم المنسوب إليه مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة. وقد أعرب كاسم المفعول؛ لأنه بمعناه: جاء الرجل المنسوب أبوه إلى العرب.
٢ -إذا بُنِيَ الفعل للمجهول طرأت عليه التغييرات التالية:
أ –يُضَمُّ أوله مطلقاً ويُكْسَرُ ما قبل الآخر في الماضي: كُتِبَ، أُكْرِمَ، اُسْتُغْفِرَ، ويُفتح ما قبل الآخر في المضارع: يُكْتَبُ، يُكْرَمُ، يُسْتَغْفَرُ.
ب –يُضم الحرف الثاني مع الأول في الماضي المبدوء بتاء زائدة، نحو: تُعُلِّمَ، تُضُورِبَ.
ج –يُضم الحرف الثالث مع الأول في الماضي المبدوء بهمزة وصل، نحو: اُنْطُلِقَ، اُسْتُخْرِجَ.
٣ -إذا حُذِفَ الفاعل ناب عنه واحد من أربعة أشياء:
الأول: المفعول به، نحو: قُرِئَ الدرسُ، ولا ينوب عن الفاعل غير المفعول إن وجد، مثل: كُوفِئَ المُجِدُّ أمامَ الطُّلابِ مكافأةً سخيَّةً.
ملحوظة: أجاز بعضهم نيابة غير المفعول محتجين ببعض الشواهد كقول رؤبة بن العجاج:
لم يُعَنْ بالعلياء إلا سيدا * ولا شَفَى ذا الغي إلا ذو هدى
الشاهد: إنابة المجرور (العلياء) عن الفاعل مع وجود المفعول، وخُرِّجَ ذلك على الشذوذ في النثر والضرورة في الشعر.
وإذا تعدى الفعل إلى أكثر من مفعول واحد فقد أجمع النحاة على إنابة الأول، مثل: ظُنَّ زيدٌ قادماً، أُعْطِيَ الفقيرُ ثوباً، نُبِّئَ زيدٌ أخاه فائزاً.
وأجازوا نيابة الثاني في باب (أعطى) أي باب الأفعال التي تنصب مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبر، إذا لم يُخشى اللبس، نحو: أُعطِيَ ثوبٌ الفقيرَ، أو: أُعْطِي الفقيرُ ثوباً، والصحيح المطرد هو الرأي الأول.
الثاني: المصدر بشرطين:
أ –أن يكون متصرفاً، أي ليس ملازماً النصب على المصدرية، نحو: معاذَ وسبحانَ، بل يتقبل الحركات المختلفة ليصح الإسناد إليه، نحو: فَهْم، وعِلْم، نقول: اُحْتُفِلَ احتفالٌ حسنٌ، وفُهِمَ فَهْمٌ جَيِّدٌ.
ب –أن يكون مختصاً؛ لأن الإسناد إلى المبهم لا يفيد، ويكون الاختصاص:
- بالوصف، كقوله تعالى: {فإذا نُفِخَ في الصُّورِ نفخةٌ واحدةٌ}.
- أو بالإضافة المُبَيِّنَةِ للنوع، نحو: سِيْرَ سَيْرُ الصَّالحينَ.
- أو ببيان العدد، نحو: نُظِرَ في الأمرِ نظرتانِ.
وقد ينوب عن الفاعل ضمير عائد إلى المصدر المفهوم من الكلام، كقول امرئ القيس:
وقالت متى يُبْخَلْ عليك ويُعْتَلَلْ * يَسُؤْكَ وإن يُكْشَفَ غَرَامُكَ تَدْرَبِ
الشاهد في قوله يُعْتَلل، حيث أناب الضمير العائد إلى المصدر عن الفاعل.
وتمتنع نيابة المصدر المبهم غير المختص، نحو سِيرَ سَيرٌ، وفُهِمَ فَهْمٌ، لأن الفعل في الأصل يدل على معنى المصدر والزمن، فإذا أسندناه إلى المصدر المبهم فكأننا أسندنا الشيء إلى نفسه دون زيادة تُسَوِّغُ الإسناد، فإذا اختص المصدر كان اختصاصه مسوغ الإسناد.
الثالث: الظرف الدال على الزمان والمكان بشرطين:
أ –التصرف: ويعد الظرف غير متصرف إذا لازم الظرفية أو شبهها وهو الجر بأحرف الجر؛ فالظرفان (قطُّ وعَوْضُ) يلازمان الظرفية لا يتعديانها، فلا يصلحان للإسناد إليهما ورفعهما على النيابة عن الفاعل، و(عندَ وثَمَّ) يأتيان ظرفين أو مجرورين بمن؛ فلا يصلحان للنيابة عن الفاعل كذلك.
ب –الاختصاص: أي أن يكون الظرف مختصاً غير مبهم مثل (مكان، صباح، زمان) ويكون الاختصاص:
- بالوصف، نحو: جُلِسَ مكانٌ جميلٌ، وأُتِيَ صباحٌ مشرقٌ.
- بالإضافة، نحو: وُقِفَ قُدَّامُ الرَّصيفِ.
- -بالعِلْمِية، نحو: صِيْمَ رمضانُ.
الرابع: المجرور، نحو: سِيرَ بزيدٍ، وقوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ في أيديهِم}، ويشترط في المجرور بالحرف ثلاثة شروط لينوب عن الفاعل:
أ –كونه مختصاً (معرفة) غير مبهم، فلا يصح أن نقول: (وُقِفَ على رصيف)، ونعد المجرور هو نائب الفاعل؛ لأن المجرور مبهم، والإسناد إلى المبهم لا يفيد.
ب –كون الجار لا يلزم طريقة واحدة في العمل، كـ رب التي لا تجر إلا النكرات، وخلا وعدا وحاشا التي لا تجر إلا المستثنى، ومذ ومنذ ولا تجران إلا أسماء الزمان، فلا يصلح مجرورها كلها للنيابة عن الفاعل للزوم جارِّهِ طريقة واحدة مَنَعَتِ التصرف فيه.
ج –ألا يدل الجار على التعليل، نحو: (وُقِفَ لك):
لك: جار ومجرور متعلقان بوقف، ونائب الفاعل مستتر تقديره هو، يعود إلى المصدر المفهوم من الفعل، والتقدير: وُقِفَ هو (أي الوقوف) لك.
وكقول الفرزدق:
يُغْضِي حياءً ويُغْضَى من مهابته * فما يُكَلَّمُ إلا حين يبتسمُ
فنائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو، يعود إلى المصدر (الإغضاء) المفهوم من الفعل (يغضي) ولا يجوز إعراب المجرور (مهابته) نائب فاعل؛ لأن معنى حرف الجر (من) التعليل، فكأن الجار والمجرور من كلام آخر يقع جواباً لسؤال نشأ من الكلام الأول: يغضي حياء ويغضى… فكأنه قيل: لماذا يُغْضَى؟ فيأتي الجواب: من مهابته.
٤ –تنطبق على نائب الفاعل أحكام الفاعل، كالرفع وكونه عمدة، والتأخير عن الفعل، وعدم حذفه، واستحقاقه للاتصال بالفعل، وأنه يأتي اسماً صريحاً أو مصدراً مؤولاً، مثل: (يُشْكَرُ أن تعطفوا على الفقراء) أي يُشكر عطفكم، أو ضميراً بارزاً أو مستتراً. وهو كالفاعل أيضاً واحد لا يتعدد، ولذا يرفع وحده وينصب ما عداه مما يصلح للنيابة عن الفاعل، نحو: ضُرِبَ المجرمُ يومَ السبتِ في الساحة العامة أمامَ الناس ضرباً شديداً.
فوائد
١ –يشترط في فعل نائب الفاعل أن يكون متصرفاً.
٢ –المجرور النائب عن الفاعل إذا كان مؤنثاً لا تلحق فعله علامة التأنيث، مثل: (مُرَّ بفاطمةَ)، فلا نقول: مُرَّتْ بفاطمة. ويشترط في هذا المجرور ألا يكون مجروراً بحرف التعليل، فإذا قلت: (يُخْشى من شره) يكون نائب الفاعل ضميراً مستتراً في (يخشى) يرجع إلى المصدر، والتقدير: يُخشى الخشيةُ التي تعهد.
٣ –متى حذف الفاعل وناب عنه نائبه، فلا يجوز أن يذكر في الكلام ما يدل عليه، فلا يقال: (عوقب الكسول من المعلم)، بل يقال: (عوقب الكسول)، وذلك لأن الفاعل حُذِفَ لغرض ما، فذكره بعد ذلك مناف لذلك الغرض، فإن أردت إظهاره أتيت بالفعل معلوماً فقلت: عاقب المعلمُ الكسولَ.
أما ما جاء في قوله تعالى: {يُسَبَّحُ له فيها بالغدو والآصال رجالٌ} في قراءة من قرأ (يُسَبَّحُ)، يكون رجال فاعلاً لفعل محذوف، والتقدير: يُسَبَّحُ له فيها بالغدو والآصال يسبِّح له رجالٌ.
٤ –إذا وجد المفعول به فلا يجوز جعل غيره نائب فاعل، وهو مذهب البصريين، وما جاء من الشعر مما ظاهره جواز ذلك فهو محمول على أنه ضرورة شعرية.
شواهد عن نائب الفاعل مع إجاباتها
-قال تعالى: {فإذا نُفِخَ في الصور نفخةٌ واحدة}.
نفخة: نائب فاعل، وهو مصدرٌ جُعِلَ نائب فاعل؛ لأنه لا يوجد مفعول به يقوم مقام الفاعل المحذوف، وهو مصدر مخصص بالوصف.
-قال زياد الأعجم:
إن السماحة والمروءة ضُمِّنا * قبراً بمروَ على الطريقِ الواضحِ
الفعل (ضُمِّنَ) قبل أن يصبح مبنياً للمجهول كان مبنياً للمعلوم ينصب مفعولين، فلما بني للمجهول جُعل المفعول الأول نائب فاعل، وهو ألف الاثنين، وقبراً بقي مفعولاً به ثانياً منصوباً.
-قال رؤبة بن العجاج:
ليت وهل ينفع شيئاً ليتُ * ليتَ شباباً بُوعَ فاشتريت
بوع: فعل ماضي مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو، يعود على شباب.
-قال لبيد بن ربيعة:
لِيُبْكَ يزيدُ ضارعٌ لخصومة * ومختبط مما تطيح الطوائح
روى بعضهم البيت ببناء (يُبْكَ) للمجهول، حيث حذف الفعل وأبقى عامله (ضارع)، والتقدير: لِيُبْكَ يزيدُ يبكيه ضارعٌ لخصومة.
-قال تعالى: {وإذا حُيِّيْتُمْ بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}.
تاء الضمير في الفعل حييتم في محل رفع نائب فاعل، وحذف الفاعل؛ لأن ذكره لا غرض فيه، فلو قيل: وإذا حياكم أحد بتحية، فذِكْرُ الفاعل (أحد) كان لا غرض من ذكره.
تمارين توضيحية
-لا فُضَّ فُوكَ
لا: نافية لا عمل لها.
فض: فعل ماض مبني للمجهول، مبني على الفتح الظاهر.
فوك: نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.
-صِيمَ زمنٌ طويلٌ.
صيم: فعل ماض مبني للمجهول، مبني على الفتح الظاهر.
زمن: نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
طويل: نعت مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
-قال الشاعر:
وإن مُدَّتِ الأيدي إلى الزاد لم أكنْ * بأعجلهم إذ أجشعُ القومِ أعجلُ
إن: حرف شرط جازم.
مدت: فعل ماض مبني للمجهول، مبني على الفتح الظاهر، في محل جزم فعل الشرط، وتاء التأنيث الساكنة حرف لا محل له من الإعراب، وحرك بالسكر منعاً من التقاء الساكنين.
الأيدي: نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل.