النحو

الممنوع من الصرف: تعريفه وأقسامه ومتى يصرف

في عالم اللغة العربية، تظل قواعد النحو والصرف منبعًا للثراء والتنوع اللغوي الذي يميز هذه اللغة الجميلة. ومن بين هذه القواعد، تبرز قاعدة “الممنوع من الصرف” كأحد أهم الأسرار النحوية التي تستدعي الفهم العميق والدقيق. فهي ليست مجرد قاعدة نحوية بل هي نافذة تنقلنا إلى عمق الثقافة العربية وفنونها الأدبية. في هذه المقالة، سنتناول “الممنوع من الصرف” بشمولية، حيث سنستعرض أنواعه وأسبابه ومواضع استخدامه، مدعومين بأمثلة شعرية ونثرية تضفي على الموضوع حيوية وإثارة. فلننطلق في هذه الرحلة اللغوية الساحرة، لنتعرف على تفاصيل هذه القاعدة وأسرارها.

الممنوع من الصرف

الاسم في اللغة العربية إما معرب وإما مبني، والاسم المعرب هو الذي تتغير حركة آخره بتأثير العوامل النحوية. وأكثر الأسماء المعربة مصروفة منونة متمكنة، وثمة طائفة من الأسماء ممنوعة من الصرف، تتميز عن غيرها من الأسماء المعربة المصروفة بأنها لا تنون، وعلامة الجر فيها الفتحة عوضاً عن الكسرة، تقول: «إنَّ قضيَّةَ فلسطينَ هيَ القضيَّةُ المركزيَّةُ للأمَّةِ العربيَّةِ، وسنعيدُ الأرضَ المغتصبةَ بسواعدَ ومدافعَ عربيَّةٍ».

قال الأخطل:

لعَمْرُكَ ما أدري وإنِّي لسائلٌ * أَمُرَّةُ أم أعمامُ مُرَّةَ أظلمُ

فالكلمات (فلسطين، سواعد، مدافع، مرة) ممنوعة من الصرف لم تُنْوَّنْ، وكانت علامة الجرِّ فيما جُرَّ منها الفتحة عوضاً عن الكسرة.

متى يصرف الممنوع من الصرف؟

الأسماء الممنوعة من الصرف تصبح مصروفة إذا أُضيفت أو دخلت عليها (ال) التعريف، وحينئذ تصبح الكسرة علامة الجر في هذه الأسماء. تقول: «نهضتنا الاقتصادية تحتاج إلى تشييد المصانعِ والمعاملِ، ونهضتنا الثقافية تحتاج إلى الإكثار من المدارسِ والمعاهدِ والجامعات، ويعتز بلدنا ببناء أهمِّ ركيزةٍ من ركائزِ التقدمِ وهو الإنسان»، فالكلمات (المصانع والمعامل والمدارس والمعاهد) أصبحت مصروفة، علامة الجر فيها الكسرة؛ لأنها دخلت عليها ال التعريف، والكلمتان (أهم، وركائز) صُرِفتا؛ لأنهما مضافتان إلى ما بعدهما، فعلامة الجر فيهما الكسرة.

ولا بد أن نشير إلى أن الشعراء يجوز لهم أن يصرفوا الاسم الممنوع من الصرف في شِعرهم، قال امرؤ القيس:

ويومَ دخلْتُ الخدْرَ خدْرَ عُنيزةٍ * فقالَتْ: لَكَ الويلاتُ إنَّكَ مُرْجِلي

فالكلمة (عنيزة) اسم ممنوع من الصرف، وعلامة جره الفتحة، لكن الشاعر صرفه، وهذا جائز في الشعر.

أقسام الاسم الممنوع من الصرف

الأسماء الممنوعة من الصرف أربعة أقسام: بعض أسماء الأعلام، وبعض الصفات، والأسماء المنتهية بألف التأنيث، والأسماء التي على صيغة منتهى الجموع.

أ –بعض أسماء الأعلام

اسم العلم مصروف في الأصل، لكن طائفة من أسماء الأعلام مُنِعَتْ من الصرف، وهذه الطائفة من أسماء الأعلام ستة أقسام:

١ –إذا كان مؤنثاً: اسم العلم المؤنث إما أن يكون تأنيثه حقيقياً، وإما أن يكون معنوياً، وإما أن يكون لفظياً.

-فاسم العلم المؤنث تأنيثاً حقيقياً هو ما أُطْلِقَ على الأنثى وكان منتهياً بعلامة تأنيث، نحو: (فاطمة، عائشة، نائلة، ليلى).

-والمؤنث تأنيثاً معنوياً هو ما أطلق على الأنثى، ولم تكن فيه علامة تأنيث، نحو: (سعاد، زينب، دعد).

-واسم العلم المؤنث تأنيثاً لفظياً هو ما أطلق على المذكر وكان منتهياً بعلامة تأنيث، نحو: (حمزة، طلحة، معاوية، رضوى “اسم جبل”).

وهذه الأسماء كلها ممنوعة من الصرف، تقول: «من الصعب أن يتوافر للمرء إقدامُ حمزةَ ودهاءُ معاويةَ»، وتقول: «قَدَّمَتْ خولةُ مثلاً رائعاً في البطولة»، وتقول: «يجب أن تقتدي النسوة بعائشةَ وفاطمةَ رضي الله عنهما، فقد روى العلماء كثيراً من الأحاديث عن عائشةَ، وكانت فاطمةُ زوجُ عليِّ بن أبي طالب مثاليةً».

وقال جميل بثينة:

وإني لأرضى من بثينةَ بالذي * لو أبصره الواشي لقرَّتْ بلابله

وقال الشاعر:

شَفَيْتُ النَّفْسَ مِنْ حَمَلِ بنِ بدر * وسَيْفِي مِنْ حُذَيفَةَ قَدْ شَفَاني

ففي الأمثلة السابقة قد مُنِعَتِ الأعلام (حمزة، ومعاوية، وخولة، وعائشة، وفاطمة، وبثينة، وحذيفة) من الصرف فلم تنون، وكانت علامة الجر فيما جر منها الفتحة عوضاً عن الكسرة.

ويلاحظ في اسم العلم المؤنث الملاحظات التالية:

-إذا كان اسم العلم المؤنث ثلاثياً ساكن الوسط جاز فيه صرفه ومنعه، نحو: (هند، ودعد)، قال الشاعر:

اقرأ أيضاً:  تعريف البدل وأقسامه

لم تتلفَّع بفضل مئزرها * دَعْدٌ ولم تُسْقَ دَعْدُ في العُلَبِ

فقد صرف الشاعر كلمة (دعد) في المرة الأولى، ومنعها من الصرف في المرة الثانية.

-لا يجوز صرف اسم العلم المؤنث الأعجمي وإن كان على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن، مثل (حمص، روز، نيس، صور)، تقول: «ذهبتُ إلى مدينةِ صورَ».

-بعض الأسماء يسمى بها المذكر والمؤنث، وليس فيها علامة تأنيث كالمصادر، نحو: (صباح، وداد، نجاح) فإذا سمي بها المذكر صُرِفَتْ، وتُمْنَع من الصرف إذا سُمِّيت بها الأنثى، تقول: «قابلَتْ نجاحُ أخويها صباحاً ووداداً».

-ويلحق بذلك أسماء القبائل، نحو: (قريش، تميم، نمير)، فهذه الأسماء تمنع من الصرف إذا أريد بها اسم القبيلة، وتصرف إذا أريد بها اسم الجد، قال جرير:

إذا غضبت عليك بنو تميمٍ * حسبت الناسَ كلَّهُمُ غِضابا

وتشبه أسماء المواضع التي لا تنتهي بعلامة تأنيث أسماء القبائل في صرفها تارة ومنعها تارة أخرى، فإذا أريد بالاسم البقعة أو البلدة أو المحلة اجتمع فيه العَلمية والتأنيث، وامتنع من الصرف، وإذا أريد به الموضع أو القطر صُرِفَ. جاء في المثل العربي القديم «كمستبضعِ التمرِ إلى هجرَ» فكلمة (هجر) ممنوعة من الصرف؛ لأنه أريد بها البقعة من المكان.

وقال تعالى: {ويوم حُنَينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً}، [التوبة ٢٥]، فكلمة (حنين) مصروفة؛ لأنه تعالى أراد الوادي.

-إذا اجتمع لاسم المكان علة أخرى كالتأنيث أو العجمة أو وزن الفعل امتنع من الصرف، نحو: (دمشق، لندن، باريس، حلب، حمص)، تقول: «سافرتُ من دمشقَ إلى لندنَ وباريسَ، ثم عدت إلى حمصَ ومنها إلى حلبَ».

٢ –إذا كان أعجمياً: وهو اسم العلم الذي دخل إلى اللغة العربية من غيرها من اللغات، ومثل هذا الاسم أصوله ليست عربية، ويجب أن يكون اسمَ علمٍ في اللغة التي نُقل منها، نحو: (إبراهيم، إسماعيل، جورج، إلياس، يوسف، هود، نوح، بغداد، إيران، إبليس، أيوب، إسحق)، تقول: «قابل إسماعيلُ وإبراهيمُ إلياسَ وجورجَ في بغدادَ»، فأسماء العلم التذي ذُكِرَتْ أعجمية، ولذلك منعت من الصرف، فلم تنون، وكانت علامة الجر في المجرور منها الفتحة.

ملحوظة: يرى بعض النحويين أن الأسماء (إبليس وأيوب وإسحق) أسماء أعلام أعجمية، والآخرون يرون أنها منعت من الصرف؛ لأنه لا نظير لها في الأسماء العربية.

فإذا كان اسم العلم ثلاثي الأحرف ساكن الوسط، فيجوز أن يُصرف، وأن يمتنع من الصرف، تقول: «طلبَ نوحٌ من ربه هلاكَ قومه»، قال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده} [النساء ١٦٣]، ومثل ذلك الأسماء التالية (هود ولوط وجاك…).

وإذا لم نقصد العَلمية من الاسم الأعجمي صرفناه، تقول: «أقبلَ إلياسُ مع إلياسٍ آخرَ» فالاسم الأول (إلياس) ممنوع من الصرف، والاسم الثاني مصروف؛ لأنه لم تُقْصَدْ منه العَلمية، بل قُصِدَ به النكرة فمعناه معنى كلمة (رَجُلٍ).

٣ –إذا كان على وزن خاص بالفعل: في اللغة العربية أوزان خاصة بالفعل أو غالبة عليه، وأوزان مشتركة بين الأسماء والأفعال، وأوزان خاصة بالأسماء، أما الأوزان الخاصة بالفعل فهي نحو: (فعّل، تفاعل، افتعل، والأفعال المضارعة وأفعال الأمر)، فمن هذه أسماء الأعلام (يزيد، تغلب، أحمد، شمّر)، وتمنع هذه الأسماء من الصرف؛ لأنها على وزن خاص بالفعل أو غالب عليه، قال تعالى: {وقالو لا تذرنَّ آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوثَ ويعوقَ ونسراً} [نوح ٢٣].

وقال جميل بثينة:

أبوك حُبابٌ سارقُ الضيفِ بُرْدَهُ * وجدِّيَ يا حجَّاجُ فارسُ شمَّرا

فقد جاء الاسم (شمر) مضافاً إليه مجروراً وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف، والمانع هو أنه عَلَم على وزن الفعل.

أما إذا كان اسم العلم على وزن يشترك فيه الفعل والاسم، نحو: (حسن، جعفر، صالح) أو على وزن خاص بالاسم، نحو: (محمود، سهاد، رباح، بديع) فهو مصروف.

٤ –إذا كان منتهياً بألف ونون زائدين: نحو (عدنان، مروان، عثمان، سليمان، غطفان) فالألف والنون في هذه الأسماء حرفان زائدان، قال لبيد بن ربيعة:

اقرأ أيضاً:  المفعول فيه ظرف الزمان والمكان، ونائب ظرف الزمان والمكان

فإنْ لمْ تَجِدْ مِنْ دونِ عدنانَ والداً * ودون معدٍّ فَلْتَزُعْكَ العواذلُ

وقال حسان بن ثابت:

لتَسْمَعَنَّ قريباً في دِيَارِهِمُ * اللَّهُ أكبرُ يا ثاراتِ عُثْمانا

فالاسمان (عدنان وعثمان) ممنوعان من الصرف، علامة الجر في كلٍّ منهما الفتحة عوضاً عن الكسرة، وسبب المنع أن كلاً منهما اسم علم في آخره ألف ونون زائدان.

ملحوظة: عدنان أصله (عدن)، ومروان أصله (مرو)، وهو الصوان أو نوع من النبات، وعثمان أصله (عثم) وهو فرخ الثعبان، وغطفان أصله (غطف) وهو قلة هدب العين، وسليمان أصله (سُلَيم) تصغير سَلَم.

وثمة كلمات في آخرها ألف ونون يمكن أن يكونا حرفي زيادة، ويمكن أن تكون النون أصلية، نحو: (حَسَّان، وعَفَّان، وحَيَّان) فهذه الأسماء يجوز أن تمنع من الصرف، وحينئذ يكون الألف والنون زائدين، ويمكن أن تكون مصروفة، فالنون فيها أصلية.

ملحوظة: حسان إما من الحُسن فالنون أصلية والوزن فَعَّال والاسم مصروف، وإما من الحس وهو القتل فالألف والنون زائدتان والاسم ممنوع من الصرف، ومثل ذلك عفان، فأصله إما (عفن) أو (عافن) فوزنه فعال، وإما (عف) فوزنه فعلان. وحيان إما من (حين) ومعناه الهلاك، وإما من (حي).

٥ –إذا كان معدولاً إلى وزن (فُعَل): في العربية أسماء أعلام على هذا الوزن سُمعت عن العرب ممنوعة من الصرف، فقال النحويون: إن هذا الوزن معدول عن وزن صيغة (فاعل) ومُنِعَ من الصرف؛ لأنه اسم علم معدول عن تلك الصيغة، نحو: (عُمَر، زُفَر، زُحَل، قُثَم، هُبَل، مُضَر)، تقول: «أخذ عُمَرُ من مُضَرَ مالاً وأعطاه إلى زُفَرَ».

ويلحق بهذه الأسماء أسماء تُؤَكَّدُ بها جموع التأنيث، وهي: (جُمَعُ، كُتَعُ، بُصَعُ)، فقد عُدِلَ بها من جمع التأنيث إلى جمع التكسير.

ويضاف إلى هذه الأسماء أسماء الزمن إذا كانت لزمن معين، نحو (سَحَرَ، بُكْرَةَ، غدوةَ، رجبَ، صفرَ)، أما إذا كانت مبهمة فلا تمنع من الصرف.

٦ –إذا كان مركباً تركيباً مزجياً: التركيب المزجي يحوِّل الكلمتين إلى كلمة واحدة مركبة من جزأين، أما الجزء الأول فيبنى على الفتح، وأما الجزء الثاني فيعامل معاملة الممنوع من الصرف فلا ينون، وعلامة الجر فيه الفتحة، نحو: «سافرت من بعلبكَّ إلى حضرموتَ»، وتقول: «في بعلبكَّ آثار قديمة، وفي حضرموتَ معالمُ حضارية عربية قديمة».

قال الشاعر:

ولو أن واشٍ باليمامة دارُه * وداري بأعلى حضرموتَ اهتدى ليا

ب –الصفة الممنوعة من الصرف

تمنع الصفة من الصرف إذا كانت على وزن (أفعل) أو (فعلان) ومؤنثهما ليست فيه تاء التأنيث، وكذلك تُمْنَع الصفة المعدولة عن صيغة أخرى في الحالات التالية:

١ –إذا كانت الصفة على وزن (أفعل): ويشترط في هذه الصفة حتى تمنع من الصرف ألا تلحق تاءُ التأنيث المؤنثَ من هذه الصيغة، نحو: (أشقر –شقراء، وأحمر –حمراء، وأحمق –حمقاء، وأشمط –شمطاء، وأعور –عوراء، وأحول –حولاء).

قال حسان بن ثابت:

ضحوا بأشمطَ عنوانُ السجود به * يقطِّع الليل تسبيحاً وقرآنا

فكلمة (أشمط) ممنوعة من الصرف؛ لأنها على وزن (أفعل) ومؤنثها (شمطاء) ليس فيه تاء التأنيث.

وقال الحارث بن هشام المخزومي:

الله يعلم ما تركت قتالهم * حتى عَلَوا فرسي بأشقرَ مُزْبد

فمؤنث أشقر هو شقراء، ليس فيه تاء، ولذا فهو ممنوع من الصرف.

وقال تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسَنَ منها أو ردوها}، [النساء ٨٦]. فكلمة (أحسن) اسم تفضيل، ومؤنث اسم التفضيل هو على وزن (فُعْلَى).

أما إذا كان مؤنث (أفعل) تلحق به تاء التأنيث فإنه مصروف، تقول: مررت بأرملٍ وأرملةٍ.

وإذا كانت صيغة (أفعل) اسماً لا صفة فإنه مصروف، نحو: «أرنب وأربع»، تقول: «طاردت أرنباً، وقد اصطدت حمامات أربعاً».

٢ –إذا كانت الصفة على وزن (فعلان): ويشترط في هذه الصيغة حتى تكون ممنوعة من الصرف ألا تلحق التاءُ مؤنَّثَها، نحو: (عطشان –عطشى، جوعان –جوعى، ريان –ريَّا، سكران –سكرى، غضبان –غضبى) تقول: «مررت بسكرانَ وسكرى يترنحان».

اقرأ أيضاً:  الاستثناء: تعريفه وأنواعه وأدواته

قال الفرزدق:

إذا شئت غناني من العاج قاصف * على معصمٍ ريَّانَ لم يتخدد

فإذا لحقت تاء التأنيث مؤنثه فإنه يصرف. يقال للرجل دائم السخونة (سخنان) وللمرأة (سخنانة)، ويقال للرجل المشارك في الشراب (ندمان) وللمرأة (ندمانة)، فهذان الاسمان مصروفان، قال الشاعر:

ونَدْمَانٍ يَزيدٌ الكأسَ طِيباً * سَقَيتُ إذا تَغَوَّرَتِ النُّجومُ

فقد صرف الشاعر كلمة (ندمان) فهي اسم مجرور بـ (رب) المحذوفة، وعلامة الجر السكرة الظاهرة، والاسم المجرور في محل نصب، مفعول به للفعل (سقيت).

٣ –إذا كانت الصفة معدولة: فكلمة (أُخَر) على وزن (فُعَل) معدولة عن أخرى أو أخريات، قال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخَرَ} [البقرة ١٨٤]، فالصفة (أخر) ممنوعة من الصرف؛ لأنها معدولة عن (أخرى) ولا يقصد بها التفضيل، ومعنى (أخر) هنا معنى الكلمة (غير).

وتُعْدَلُ الأعداد من العدد واحد إلى العدد عشرة إلى هذين الوزنين (مَفْعَل) و(فُعَال) فتمنع من الصرف، قال تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاثَ ورباعَ} [النساء ٣]، فالأعداد مثنى وثلاث ورباع صفات معدولة عن الأعداد اثنين وثلاثة وأربعة، و(مَثْنَى) في محل نصب، حال.

وقال تعالى: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاثَ ورباعَ يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير} [فاطر ١]، وكلمة (مثنى) صفة ممنوعة من الصرف لم تنون وعلامة الجر الفتحة المقدرة، ومثلها ثلاث ورباع.

ج –الأسماء والصفات المنتهية بألف تأنيث

الأسماء والصفات التي تنتهي بألف تأنيث مقصورة أو ممدودة تمنع من الصرف، نحو: (جرحى، قتلى، مرضى، صحراء، شعراء، أنبياء، خلفاء، عذراء) تقول: «سمعت من شعراءَ وخطباءَ مدحاً لخلفاءَ ووزراءَ»، وتقول: «مررت في المستشفى على مرضى وجرحى كثيرين».

ملحوظة: إذا كانت الهمزةُ التي تنتهي بها الكلمة بعد ألف المد أصليةً فالاسم مصروف، نحو: (آراء، أسماء)، قال تعالى: {أتجادلونني في أسماءٍ سميتموها أنتم وآباؤكم} [الأعراف ٧١]، أما كلمة (أشياء) فهي ممنوعة من الصرف سماعاً، وكذا إذا كانت الألف للإلحاق، نحو: (مِعْزىً)، فالكلمة مصروفة.

د –صيغ منتهى الجموع

كل جمع بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن هو من صيغ منتهى الجموع، نحو: (مساجد دراهم، سنابل، أفاضل، أساليب، تجارب، تسابيح، مصابيح، جواهر، طواحين، لطائف، عذارى، كراسي)، قال تعالى: {وزينا السماء الدنيا بمصابيحَ} [فُصِّلت ١٢] وقال تعالى: {إنا أعتدنا للكافرين سلاسلَ وأغلالاً وسعيراً}، [الإنسان ٤].

ملحوظة: إذا كانت صيغة منتهى الجموع اسماً منقوصاً ينتهي بالياء؛ فإن الياء تحذف والاسم ينون في حالتي الرفع والجر، أما في حالة النصب؛ فإن الياء تظهر والاسم يمنع من الصرف فلا ينون، تقول: «سمعت منك قصائد فيها معانٍ رائعةٌ، ونالت هذه القصيدة جائزة لما فيها من معانٍ مستجادةٍ، وقد تضمنت كلمات التقويم معاني قيمةً»، ومثل ذلك (جوارٍ وغواشٍ ونَواحٍ).

أما العدد (ثمان) فهو اسم مفرد، يجوز أن يعامل معاملة الاسم المنقوص إذا كان من صيغ منتهى الجموع، ويجوز أن يكون مصروفاً.

وكلمة (سروايل) اسم مفرد جاء مشبهاً لصيغة منتهى الجموع، وهي كلمة أعجمية عُرِّبَتْ فمُنِعَتْ من الصرف، وأجاز بعضهم صرفها.

في ختام هذه المقالة، يتضح لنا أن قاعدة “الممنوع من الصرف” ليست مجرد قاعدة نحوية عابرة، بل هي جزء أساسي من بنية اللغة العربية التي تضفي عليها جمالية وثراءً لغويين. بفهمنا لهذه القاعدة، نتمكن من تقدير الدقة والإبداع اللذين يتحلى بهما النحو العربي. فالإلمام بقواعد “الممنوع من الصرف” يفتح لنا آفاقًا واسعة لتذوق الأدب العربي القديم والحديث على حد سواء، ويفسح المجال أمامنا لنغوص في أعماق اللغة، ونستمتع بجمالياتها وتفاصيلها الدقيقة. نتمنى أن تكون هذه الرحلة اللغوية قد أضافت إلى معارفكم، وأن تكونوا قد استفدتم من المعلومات والأمثلة المقدمة. فلنواصل الاحتفاء بلغة الضاد ونستكشف كنوزها المتجددة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى