الأدب العربي

شرح قصيدة الحمى للمتنبي

في هذا الدرس سنعمل على شرح قصيدة الحمى للمتنبي، وهي قصيدة مشهورة تحدث فيها الشاعر عما أصابه من مرض وما عانى فيه من آلام.

قصيدة الحمى للمتنبي

يقول المتنبي في وصف الحمى التي كانت تغشاه في مصر ويتحدث عن أنه يريد الرحيل عن مصر، وهذا كان في شهر ذي الحجة سنة ٣٤٨ هجرية.

مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عَنِ الْمَلَامِ * وَوَقْعُ فَعَالِهِ فَوقَ الْكَلَامِ

ذَرَانِي وَالْفَلَاةَ بِلَا دَلِيلٍ * وَوَجْهِي وَالْهَجِيرَ بِلَا لِثَامِ

فَإِنِّي أَسْتَرِيحُ بِذِي وَهَذَا * وَأَتْعَبُ بِالْإِنَاخَةِ وَالْمُقَامِ

عُيُونُ رَوَاحِلِي إِنْ حِرْتُ عَينِي * وَكُلُّ بُغَامِ رَازِحَةٍ بُغَامِي

فَقَدْ أَرِدُ الْمِيَاهَ بِغَيرِ هَادٍ * سِوَى عَدِّي لَهَا بَرْقَ الْغَمَامِ

يُذِمُّ لِمُهْجَتِي رَبِّي وَسَيفِي * إِذَا احْتَاجَ الْوَحِيدُ إِلَى الذِّمَامِ

وَلَا أُمْسِي لِأَهْلِ الْبُخْلِ ضَيفاً * وَلَيسَ قِرىً سِوَى مُخِّ النَّعَامِ

فَلَمَّا صَارَ وُدُّ النَّاسِ خِبّاً * جَزَيتُ عَلَى ابْتِسَامٍ بِابْتِسَامِ

وَصِرْتُ أَشُكُّ فِيمَنْ أَصْطَفِيهِ * لِعِلْمِي أَنَّهُ بَعْضُ الْأَنَامِ

يُحِبُّ الْعَاقِلُونَ عَلَى التَّصَافِي * وَحُبُّ الْجَاهِلِينَ عَلَى الْوِسَامِ

وَآنَفُ مِنْ أَخِي لِأَبِي وَأُمِّي * إِذَا مَا لَمْ أَجِدْهُ مِنَ الْكِرَامِ

أَرَى الْأَجْدَادَ تَغْلِبُهَا كَثِيراً * عَلَى الْأَولَادِ أَخْلَاقُ اللِّئَامِ

وَلَسْتُ بِقَانِعٍ مِنْ كُلِّ فَضْلٍ * بَأَنْ أُعْزَى إِلَى جَدٍّ هُمَامِ

عَجِبْتُ لِمَنْ لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ * وَيَنْبُو نَبْوَةَ الْقَضِمِ الْكَهَامِ

وَمَنْ يَجِدُ الطَّرِيقَ إِلَى الْمَعَالِي * فَلَا يَذَرُ الْمَطِيَّ بِلَا سَنَامِ

وَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيئاً * كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ

أَقَمْتُ بِأَرْضِ مِصْرَ فَلَا وَرَائِي * تَخُبُّ بِيَ الْمَطِيُّ وَلَا أَمَامِي

وَمَلَّنِيَ الْفِرَاشُ وَكَانَ جَنْبِي * يَمَلُّ لِقَاءَهُ فِي كُلِّ عَامِ

قَلِيلٌ عَائِدِي سَقِمٌ فُؤَادِي * كَثِيرٌ حَاسِدِي صَعْبٌ مَرَامِي

عَلِيلُ الْجِسْمِ مُمْتَنِعُ الْقِيَامِ * شَدِيدُ السُّكْرِ مِنْ غَيرِ الْمُدَامِ

وَزَائِرَتِي كَأَنَّ بِهَا حَيَاءً * فَلَيسَ تَزُورُ إِلَّا فِي الظَّلَامِ

بَذَلْتُ لَهَا الْمَطَارِفَ وَالْحَشَايَا * فَعَافَتْهَا وبَاتَتْ فِي عِظَامِي

يَضِيقُ الْجِلْدُ عَنْ نَفْسِي وَعَنْهَا * فَتُوسِعُهُ بِأَنْوَاعِ السِّقَامِ

إِذَا مَا فَارَقَتْنِي غَسَّلَتْنِي * كَأَنَّمَا عَاكِفَانِ عَلَى حَرَامِ

كَأَنَّ الصُّبْحَ يَطْرُدُهَا فَتَجْرِي * مَدَامِعُهَا بَأَرْبَعَةٍ سِجَامِ

أُرَاقِبُ وَقْتَهَا مِنْ غَيرِ شَوقٍ * مُرَاقَبَةَ الْمَشُوقِ الْمُسْتَهَامِ

وَيَصْدُقُ وَعْدُهَا وَالصِّدْقُ شَرٌّ * إِذَا أَلْقَاكَ فِي الْكَرْبِ الْعِظَامِ

أَبِنْتَ الدَّهْرِ عِنْدِي كُلَّ بِنْتٍ * فَكَيفَ وَصَلْتَ أَنْتِ مِنَ الزِّحَامِ

جَرَحْتِ مُجَرَّحاً لَمْ يَبْقَ فِيهِ * مَكَانٌ لِلسُّيُوفِ وَلَا السِّهَامِ

أَلَا يَا لَيتَ شَعْرَ يَدِي أَتُمْسِي * تَصَرَّفُ فِي عِنَانٍ أَو زِمَامِ

وَهَلْ أَرْمِي هَوَايَ بِرَا قِصَاتٍ * مُحِلَّاةِ الْمَقَاوِدِ بِاللُّغَامِ

فَرُبَّتَمَا شَفَيْتُ غَلِيلَ صَدْرِي * بِسَيرٍ أَو قَنَاةٍ أَو حُسَامِ

وَضَاقَتْ خُطَّةٌ فَخَلَصْتُ مِنْهَا * خَلَاصَ الْخَمْرِ مِنْ نَسْجِ الْفِدَامِ

وَفَارَقْتُ الْحَبِيبَ بِلَا وَدَاعٍ * وَوَدَّعْتُ الْبِلَادَ بِلَا سَلَامِ

يَقُولُ لِيَ الطَّبِيبُ أَكَلْتَ شَيئاً * وَدَاؤُكَ فِي شَرَابِكَ وَالطَّعَامِ

وَمَا فِي طِبِّهِ أَنِّي جَوَادٌ * أَضَرَّ بِجِسْمِهِ طُولُ الْجِمَامِ

تَعَوَّدَ أَنْ يُغَبِّرَ فِي السَّرَايَا * وَيَدْخُلَ مِنْ قَتَامٍ فِي قَتَامِ

فَأُمْسِكَ لَا يُطَالُ لَهُ فَيَرْعَى * وَلَا هُوَ فِي الْعَلِيقِ وَلا اللِّجَامِ

فَإِنْ أَمْرَضْ فَمَا مَرِضَ اصْطِبَارِي * وَإِنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعْتِزَامِي

وَإِنْ أَسْلَمْ فَمَا أَبْقَى وَلَكِنْ * سَلِمْتُ مِنَ الْحِمَامِ إِلَى الْحِمَامِ

تَمَتَّعْ مِنْ سُهَادٍ أَو رُقَادٍ * وَلَا تَأْمُلْ كَرىً تَحْتَ الرِّجَامِ

فَإِنَّ لِثَالِثِ الْحَالَيْنِ مَعْنىً * سِوَى مَعْنَى انْتِبَاهِكَ وَالْمَنَامِ

شرح القصيدة

-مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عَنِ الْمَلَامِ * وَوَقْعُ فَعَالِهِ فَوقَ الْكَلَامِ

يقول لصاحبيه اللذين يلومانه على تجشم الأسفار ومخاطرته بنفسه في طلب المعالي: إن الذي تلومانه، يعني نفسه، هو أجل من أن يُلام؛ لأن فعله يتجاوز حد القول، فلا يُدْرَكُ فعله بالوصف والقول، ولأنه لا مطمع للائم فيه بأن يطيعه أو يخدعه بلوم.

اقرأ أيضاً:  الأدب العربي ومساهمته في الأدب العالمي

وذهب ابن القطاع على أن الكلام بمعنى الجراحات فقال: المعنى ملومكما يجل عن لومكما ووقع فعال لومكما فوق الكِلام؛ أي الجراحات، فالكِلام بكسر الكاف جمع كلم.

ذَرَانِي وَالْفَلَاةَ بِلَا دَلِيلٍ * وَوَجْهِي وَالْهَجِيرَ بِلَا لِثَامِ

يقول: اتركاني مع الصحراء أسلكها بلا دليل لاهتدائي فيها وخبرتي بمسالكها، ودعاني مع حَرِّ نصف النهار أسير فيه بغير لثام يقي وجهي؛ لأني قد اعتدت ذلك.

فَإِنِّي أَسْتَرِيحُ بِذِي وَهَذَا * وَأَتْعَبُ بِالْإِنَاخَةِ وَالْمُقَامِ

فإن راحتي تكون في السير في الصحراء وفي حر نصف النهار وتعبي في النزول والإقامة.

عُيُونُ رَوَاحِلِي إِنْ حِرْتُ عَينِي * وَكُلُّ بُغَامِ رَازِحَةٍ بُغَامِي

الرواحل: جمع راحلة، وهي الناقة، وبغام الناقة: صوت لا تفصح به، ورزحت الناقة: سقطت من الإعياء.

قال ابن جني: معناه أن حارت عيني، فأنا بهيمة مثل رواحلي، وعيني عينها وصوتي صوتها.

وزاد ابن فورجة: يريد أنه بدوي عارف بدلالات النجوم في الليل، فيقول إن تحيَّرْتُ في المفازة فعيني البصيرة هي عين راحلتي، ومنطقي الفصيح بغامها.

وقال التبريزي ما معناه: إن عيون هذه النوق تنوب عن المتنبي إن ضل الطريق حتى يهتدي بها، كما أن صوتها يقوم مقام صوته إن احتاج إلى أن يصيح حتى يسمع من حوله، وقد قال بغامي على سبيل الاستعارة.

فَقَدْ أَرِدُ الْمِيَاهَ بِغَيرِ هَادٍ * سِوَى عَدِّي لَهَا بَرْقَ الْغَمَامِ

يقول: لا أحتاج إلى دليل حتى يرشدني إلى مكان وجوده المياه إلا أن أرى برق السحاب فأستدل به على مكان هطول المطر.

يُذِمُّ لِمُهْجَتِي رَبِّي وَسَيفِي * إِذَا احْتَاجَ الْوَحِيدُ إِلَى الذِّمَامِ

يُذِمُّ: أي يعطيه الذمة والعهد، والمهجة: الروح.

فيكون معنى البيت: إنني في ذمة الله وحمايته ثم في ذمة سيفي على حين أن الناس يحتاجون في سفرهم إلى من يحميهم ليأمنوا على أنفسهم.

وَلَا أُمْسِي لِأَهْلِ الْبُخْلِ ضَيفاً * وَلَيسَ قِرىً سِوَى مُخِّ النَّعَامِ

المعنى: إنني لا أبيت ضيفاً عند البخيل حتى وإن لم يكن معي طعام إلا بيض النعام.

فَلَمَّا صَارَ وُدُّ النَّاسِ خِبّاً * جَزَيتُ عَلَى ابْتِسَامٍ بِابْتِسَامِ

المعنى: لما فسدت مودة الناس وصارت خداعاً فيبتسمون بوجوههم بينما يخفون الخبث عاملتهم بمثل ما يعاملونني به.

وَصِرْتُ أَشُكُّ فِيمَنْ أَصْطَفِيهِ * لِعِلْمِي أَنَّهُ بَعْضُ الْأَنَامِ

المعنى: ولأن الفساد عم الخلق كلهم صرت إذا اخترت أحداً لمودتي لم أكن على ثقة من مودته لعلمي أنه واحد من هؤلاء الناس.

يُحِبُّ الْعَاقِلُونَ عَلَى التَّصَافِي * وَحُبُّ الْجَاهِلِينَ عَلَى الْوِسَامِ

المعنى: إن العاقل إنما يحب الناس لأجل صفاء الود بينهم؛ فمن وجد شخصاً يقابله الود بصفاء ودون خبث أَحَبَّهُ، أما الجاهل الأحمق فإنه يُحِبُّ على جمال الوجه، وهذا حب الجهلة ا لحمقى؛ لـ أ نه ليس كل جميل ا لمنظر يستحق ا لمحبة.

وَآنَفُ مِنْ أَخِي لِأَبِي وَأُمِّي * إِذَا مَا لَمْ أَجِدْهُ مِنَ الْكِرَامِ

المعنى: وأنفر من أخي ابن أمي وأبي إذا لم أجده واحداً من الفضلاء.

أَرَى الْأَجْدَادَ تَغْلبُهَا كَثِيراً * عَلَى الْأَولَادِ أَخْلَاقُ اللِّئَامِ

المعنى: إذا لؤمت الأخلاق غلبت الأصل الطيب الكريم فيكون صاحبها لئيماً حتى إن كان من أصل كريم.

اقرأ أيضاً:  الأدب العربي القديم: ملامح وأبعاد

وَلَسْتُ بِقَانِعٍ مِنْ كُلِّ فَضْلٍ * بَأَنْ أُعْزَى إِلَى جَدٍّ هُمَامِ

المعنى: لا يكفي أن أنتسب إلى جد كريم حتى أكون فاضلاً.

عَجِبْتُ لِمَنْ لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ * وَيَنْبُو نَبْوَةَ الْقَضِمِ الْكَهَامِ

القد: القامة، والحد: هو حد السيف، والمراد بمن له قد وحد: الشاب الذي لم يهدم الهرم جسمه ولم يذهب الكبر قوته. ينبو: يتعب، القضم: السيف الذي فيه فلول، الكهام: السيف الذي لا يقطع.

المعنى: عجبت لمن توافرت له قوة الشباب وبأسه ثم لا ينفذ في الأمور ولا يكون ماضياً. أي لا يتغلب على المصاعب ولا يتجاوزها.

وَمَنْ يَجِدُ الطَّرِيقَ إِلَى الْمَعَالِي * فَلَا يَذَرُ الْمَطِيَّ بِلَا سَنَامِ

المعنى: إن الذي يتمكن من الوصول إلى أفضل المراتب فلا يجب عليه أن يستنفد طاقتها ولا يُتْعِب رواحله حتى لا تهلك.

وَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيئاً * كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ

المعنى: ولا عيب أشد من عيب الذي يستطيع أن يكون فضله كاملاً فلا يكمله.

أَقَمْتُ بِأَرْضِ مِصْرَ فَلَا وَرَائِي * تَخُبُّ بِيَ الْمَطِيُّ وَلَا أَمَامِي

تخب: أي تسير. والمعنى: أقمت بمصر مراوحاً في مكاني لا تسير بي الإبل لا إلى خلف ولا إلى قدام.

وَمَلَّنِيَ الْفِرَاشُ وَكَانَ جَنْبِي * يَمَلُّ لِقَاءَهُ فِي كُلِّ عَامِ

المعنى: إن مرضي قد طال حتى أن الفراش مل من وجودي عليه رغم أني كنت أمل الفراش من قبل حتى وإن لاقيته مرة واحدة في العام، لأنه كان على سفر دائم.

قَلِيلٌ عَائِدِي سَقِمٌ فُؤَادِي * كَثِيرٌ حَاسِدِي صَعْبٌ مَرَامِي

المعنى: إنني في مصر لا يزورني إلا قلة من الناس، وقلبي حزين، وحسادي كثيرون ومطلبي صعب؛ لأنه يطلب الملك.

عَلِيلُ الْجِسْمِ مُمْتَنِعُ الْقِيَامِ * شَدِيدُ السُّكْرِ مِنْ غَيرِ الْمُدَامِ

المعنى: جسمي مريض ضعيف لا أستطيع القيام كأني سكران من غير شربٍ لخمر.

وَزَائِرَتِي كَأَنَّ بِهَا حَيَاءً * فَلَيسَ تَزُورُ إِلَّا فِي الظَّلَامِ

المعنى: إن الحمى التي تزورني ليلاً كأنها تأتي على حياء فلا تظهر إلى بعد حلول الظلام.

بَذَلْتُ لَهَا الْمَطَارِفَ وَالْحَشَايَا * فَعَافَتْهَا وبَاتَتْ فِي عِظَامِي

المعنى: لقد هيأت الفراش لهذه الحمى وتلحفت بكل الأغطية أملاً في أن أتغلب على هذه الحمى لكنها تجاوزتها وتغلغلت في عظامي وقهرتني.

يَضِيقُ الْجِلْدُ عَنْ نَفْسِي وَعَنْهَا * فَتُوسِعُهُ بِأَنْوَاعِ السِّقَامِ

المعنى: إن جلدي لا يسع لي ولا لهذه الحمى فتزيد من تمدد جسدي بمزيد من الأوجاع والآلام.

إِذَا مَا فَارَقَتْنِي غَسَّلَتْنِي * كَأَنَّمَا عَاكِفَانِ عَلَى حَرَامِ

المعنى: إن هذه الحمى لا تَخُفُّ أوجاعها حتى أتعرق عرقاً غزيراً؛ فكأنها تغسلني لعكوفها على شيء يوجب الغسل.

كَأَنَّ الصُّبْحَ يَطْرُدُهَا فَتَجْرِي * مَدَامِعُهَا بَأَرْبَعَةٍ سِجَامِ

المعنى: كأن الصبح يطردها مكرهة، فتبكي بأربعة أدمع. ومعروف أن الحمى تزيد في الليل وتخف نهاراً.

أُرَاقِبُ وَقْتَهَا مِنْ غَيرِ شَوقٍ * مُرَاقَبَةَ الْمَشُوقِ الْمُسْتَهَامِ

المعنى: أراقب أن يحين وقت زيارتها خوفاً منها لا شوقاً إليها.

وَيَصْدُقُ وَعْدُهَا وَالصِّدْقُ شَرٌّ * إِذَا أَلْقَاكَ فِي الْكَرْبِ الْعِظَامِ

المعنى: إن هذه الحمى لا تحيد عن موعدها فتأتي في الوقت ذاته كل يوم، وهذا الصدق في المجيء هو شر من الكذب؛ لأنه يضر ولا ينفع.

أَبِنْتَ الدَّهْرِ عِنْدِي كُلَّ بِنْتٍ * فَكَيفَ وَصَلْتَ أَنْتِ مِنَ الزِّحَامِ

بنت الدهر، هي الحمى، وبنات الدهر شدائده، المعنى: أيها الحمى إن في جسمي ما يكفي من الشدائد المزدحمة فلا تزيدي علي هذه الأمراض الكثيرة.

اقرأ أيضاً:  ألف ليلة وليلة: تراث عربي عالمي

جَرَحْتِ مُجَرَّحاً لَمْ يَبْقَ فِيهِ * مَكَانٌ لِلسُّيُوفِ وَلَا السِّهَامِ

المعنى: لقد أوجعتِ رجلاً مثخناً أصلاً بالشدائد والأمراض من كثرة ما لاقى في حياته، حتى كأنه لم يبق في جسده شيء إلا أوجعه.

أَلَا يَا لَيتَ شَعْرَ يَدِي أَتُمْسِي * تَصَرَّفُ فِي عِنَانٍ أَو زِمَامِ

المعنى: ليت يدي تعلم هل يمكنها بعد الآن أن تمسك عنان الخيل أو زمام الإبل فأشفى وأسافر.

وَهَلْ أَرْمِي هَوَايَ بِرَا قِصَاتٍ * مُحِلَّاةِ الْمَقَاوِدِ بِاللُّغَامِ

هواي: أي ما أهواه وأطلبه، براقصات: بإبل تسير سير الخبب، محلاة: من الحلية وهي الزينة، اللغام: زبد يخرج من فم البعير.

المعنى: وهل أقصد ما أريد من المطالب راكباً على إبل تسير وقد جمد الزبد على مقاودها فصار مثل الحلية.

فَرُبَّتَمَا شَفَيْتُ غَلِيلَ صَدْرِي * بِسَيرٍ أَو قَنَاةٍ أَو حُسَامِ

المعنى: ربما قد يرتاح صدري يوماً بالسفر إلى ما أريد أو بإمساكي السيف والرمح عندما أشفى.

وَضَاقَتْ خُطَّةٌ فَخَلَصْتُ مِنْهَا * خَلَاصَ الْخَمْرِ مِنْ نَسْجِ الْفِدَامِ

الخطة: الأمر والقصة، الفدام: ما يجعل على فم الإبريق ونحوه ليصفى ما فيه.

المعنى: وربما ضاق الأمر علي فخلصت منه كما تصفى الخمر من النسيج الذي على الإبريق.

وَفَارَقْتُ الْحَبِيبَ بِلَا وَدَاعٍ * وَوَدَّعْتُ الْبِلَادَ بِلَا سَلَامِ

المعنى: وربما استعجلت ففارقت من أحب بلا وداع وتركت البلاد من غير تحية.

يَقُولُ لِيَ الطَّبِيبُ أَكَلْتَ شَيئاً * وَدَاؤُكَ فِي شَرَابِكَ وَالطَّعَامِ

المعنى: يظن الطبيب أن سبب مرضي هو الأكل والشرب.

وَمَا فِي طِبِّهِ أَنِّي جَوَادٌ * أَضَرَّ بِجِسْمِهِ طُولُ الْجِمَامِ

المعنى: لا يعلم هذا الطبيب أن سبب مرضي هو قعودي عن السفر والترحال، فأنا مثل الفرس الجواد يضرني طول القعود والفتور.

تَعَوَّدَ أَنْ يُغَبِّرَ فِي السَّرَايَا * وَيَدْخُلَ مِنْ قَتَامٍ فِي قَتَامِ

المعنى: إن هذا الجواد يعني نفسه اعتاد على كثرة السفر والدخول في معمعة الصحاري والقفاز.

فَأُمْسِكَ لَا يُطَالُ لَهُ فَيَرْعَى * وَلَا هُوَ فِي الْعَلِيقِ وَلا اللِّجَامِ

المعنى: هذا الجواد الذي أمسك عن السفر لا يرخى له الطول فيرعى فيه ولا هو في السفر فيأكل من المخلاة التي تعلق على رأسه.

يريد أنه صار حبيس الفراش ممنوعاً عن الحركة.

فَإِنْ أَمْرَضْ فَمَا مَرِضَ اصْطِبَارِي * وَإِنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعْتِزَامِي

المعنى: إن كنت قد مرضت في بدني فإن صبري وعزمي لم يمرضا وهما باقيان قويان لم يتأثرا بمرض جسدي.

وَإِنْ أَسْلَمْ فَمَا أَبْقَى وَلَكِنْ * سَلِمْتُ مِنَ الْحِمَامِ إِلَى الْحِمَامِ

المعنى: وإن سلمت من الموت فلن أخلد في هذه الدنيا، ولكني أسلم من الموت بهذه الحمى إلى الموت بغيرها.

تَمَتَّعْ مِنْ سُهَادٍ أَو رُقَادٍ * وَلَا تَأْمُلْ كَرىً تَحْتَ الرِّجَامِ

المعنى: إنك ما دمت حياً فتمتع بالسهر والنوم ولا تتأمل الراحة في القبر.

فَإِنَّ لِثَالِثِ الْحَالَيْنِ مَعْنىً * سِوَى مَعْنَى انْتِبَاهِكَ وَالْمَنَامِ

ثالث الحالين: الموت.

المعنى: إن الموت هو حال أخرى ليست مثل الذي يسهر وينام؛ فلا يتمتع هذا الميت بشيء.

بعض السؤالات عن هذه القصيدة

-هل قائل نص وصف الحمى هو أحمد شوقي؟

-هل قائل نص وصف الحمى هو أحمد شوقي صواب خطأ؟

الجواب: لا، بل هو المتنبي.

-من هي الزائرة التي يتحدث عنها الشاعر؟

الجواب: هي الحمى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى