معلقة امرئ القيس

شرح ففاضت دموع العين مني صبابة

فَفَاضَتْ دُمُوْعُ العَيْنِ مِنِّي صَبَابَـةً … عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلِي

معاني المفرداتِ

فَفَاضَتْ: فسالتْ.

صَبَابَـةً: الصَّبابةُ: الشَّوْقُ أَو رِقَّتُه وحَرَارَتُه، أَو رِقَّةُ الْهَوَى.

وقد صَبَّ الرجلُ (إِذا عَشِق) يَصَبُّ صَبَابَةٌ، ورَجُلٌ صَبٌّ.

النَّحْرُ: موضع القلادة من الصدر، أو هو أعلى الصدر.

المِحْمَلُ: حِمالة السيف (عِلاقته)، والجمع المحامل، والحمائل جمع الحمالة.

وَهُوَ مَا يُعَلَّقُ بِهِ فِي الْعُنُق، ويكون من الجلد الأحمر.

قال شراح المعلقة: ومما يسأل عنه هنا أن يقال: كيف يبل الدمع محمله وإنما المحمل على عاتقه فيقال: قد يكون منه على صدره فإذا بكى وجرى عليه الدمع ابتل.

معنى البيتِ

لقد سالت دموع عيني على نحري شوقاً وحنيناً لأم الحويرث وأم الرباب، حتى بل دمعي حِمالة سيفي.

أَلا رُبَّ يَومٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ … وَلَا سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ

معاني المفرداتِ

ألا: افتتاح للكلام.

دارةُ جلجلِ: هو اسم لغدير ماء معين، يقع عند غمر ذي كندة، أي عند ديار كندة، وقال الأصمعي وأبو عبيدة: دارة جلجل في الحمى، والحمى: مَوْضِعٌ فِيهِ كَلأٌ أي عشب يُحْمَى من الناسِ أنْ يُرْعى.

وقال نصرٌ: موضع بنَجْدٍ فِي دَار الضِّباب، ممّا يُواجِهُ دِيارَ فَزارَةَ.

ويوم دارة جلجل له قصة تتمثل بما يلي:

يُذكَرُ أن امرأ القيس كان يحب ابنة عمه، وتدعى عنيزة بنت شرحبيل، فلم يتمكن يوماً من لقائها، وعندما كان يوم الغدير واسمه أيضاً يوم دارة جلجل، وارتحل معه أهل الحي، فتقدم الرجال وتركوا خلفهم النساء والصبيان ليسيروا على مهلم.

فرأى ذلك امرؤ القيس فتخلف بدوره عن قومه، وكمن في مكان متخفياً حتى مرت به النساء، فرأى فتيات كانت من بينهن محبوبته عنيزة، فلما رأت هذه الفتيات الغدير قلن: لو نزلنا في هذا الغدير واغتسلنا ليذهب عنا بعض الكلال، فقالت إحداهن: افعلن، فعدلن إلى الغدير، فنزلن ودخلن الغدير.

عندها جاءهن امرؤ القيس مخاتلاً وغافلهن فأخذ ثيابهن وهن في الغدير، ثم جمعها وقعد عليها، وقال لهن: والله لا أعطي واحدة منكن ثوبها حتى تخرج متجردة فتأخذه، فرفضت الفتيات ذلك حتى اقترب المساء، فخشيت الفتيات أن يقصرن دون المنزل الذي يردنه، فخرجت إحداهن فأعطاها ثيابها، ثم تتابعن على ذلك حتى بقيت عنيزة، فناشدته الله أن يضع لها ثوبها.

فقال: والله لا تَمَسِّينَ الثوب حتى تخرجي عريانة كما خرجن، فخرجت ونظر إليها مقبلة ومدبرة فوضع لها ثوبها، فأخذته ولبسته.

فاجتمعت الفتيات إليه، وقلن له: غَدِّنا حبستنا وجوعتنا، فنحر لهن ناقته، وجمع الخدم حطباً كثيراً، فأجج ناراً عظيمة، فجعل يقطع لهن من كبدها وسنامها وأطايبها، فيرميه على الجمر، وهن يأكلن منه، ويشربن من بعض الماس الذي كان معه، ويغنيهن حتى شبعن وطربن، فلما ارتحلوا حملت كل واحدة شيئاً من متاعه، وبقيت عنيزة لم يُحَمِّلْها شيئاً.

فقال لها: يا ابنة الكرام ليس لك بُدٌّ من أن تحمليني معك، فإني لا أطيق المشي، ولم أتعوده، فحملته على بعيرها، فكان يميل إليها ويدخل رأسه في خدرها ويقبلها، فإذا مال الهودج، قالت: يا امرأ القيس قد عقرت بعيري حتى إذا كان قريباً من الحي نزل، فأقام حتى إذا أجنه الليل أتى أهله، والأبيات الآتية تمثل لك هذا الفجور، وهذا الفسوق.

معنى البيتِ

ربَّ يومٍ سررْتُ فيهِ، وفزتُ بوصالِ النِّساءِ، وظَفِرْتُ بعيشٍ صالحٍ ناعمٍ منهنَّ، لكنَّ يومَ دارةِ جلجلِ كانَ أحسنَ تلكَ الأيَّامِ وأتمَّها.

وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِي … فَيَا عَجَباً مِنْ كُورِهَا المُتَحَمَّلِ

معاني المفرداتِ

عقرْتُ: ذبحْتُ ونحرْتُ كَمَا تبيَّنَ لَكَ في البيتِ السَّابقِ، وأصلُ العَقْرِ أنْ يَعْمِدَ أحدُهُمْ إلى قوائمِ النَّاقةِ، فيضربَهَا بسيفِهِ حتَّى لا تقوى على مقاومةِ الذَّابحِ لَهَا.

العذارى: جمعُ العذراءِ مِنَ النِّساءِ، وهيَ الفتاةُ البكرُ الَّتي لمْ تُفْتَضَّ.

مَطِيَّتِي: المَطِيَّةُ: النَّاقةُ أوِ البعيرُ، سمِّيَتْ مطيَّةً؛ لأنَّهَا يُرتكبُ مَطَاهَا، أي ظَهْرَهَا، وقيلَ: سمِّيَتْ مطيَّةً؛ لأنَّهَا يُمطى بِهَا في السَّيرِ، أي يُمَدُّ بِهَا.

يا عجباً: العَجَبُ: هوَ انفعالٌ نفسانيٌّ يعتري الإنسانَ عندَ استعظامِهِ، أوِ استطرافِهِ، أو إنكارِهِ ما يَرِدُ عليهِ ويشاهدُهُ.

الكُوْرُ: بالضَّمِّ: الرَّحْلُ، أي رَحْلُ البعيرِ، أو هوَ الرَّحلُ بأداتِهِ، كالسَّرْجِ وآلتِهِ للفرسِ، والجمعُ أكوارٌ وأَكْوُرٌ، والكثيرُ كِيرانٌ وكُورانٌ وكُؤورٌ. ويُروى: مِنْ رحلِهَا، والرَّحلُ: ما يُوضعُ على ظهرِ البعيرِ.

المُتَحَمَّلِ: اسمُ مفعولٍ بمعنى المحمولِ.

وقولُهُ (فيا عجباً لرحلِهَا الـمُتَحَمَّلِ) أيِ العَجَبُ لَهُنَّ ومِنْهُنَّ! كيفَ أطقنَ حملَ الرَّحلِ في هوادجِهِنَّ؟ وكيفَ رَحَلْنَ بِهِ إبلَهُنَّ على تنعُّمِهُنَّ ورفاهةِ عيشِهِنَّ؟

معنى البيتِ

أذكرُ يومَ دارةِ جلجلٍ عندَمَا نحرْتُ فيهِ ناقتي للفتياتِ الأبكارِ، وإنِّي لأعجبُ لهُنَّ ومِنْهُنَّ! كيفَ حملْنَ في هوادجِهِنَّ رحلَ ناقتي وأداتِي بعدَ ذبحِهَا، وكيفَ اقتسمْنَ متاعِي بعدَ ذلِكَ ورحلْنَ بِهِ على تنعُّمهنَّ ورفاهةِ عيشِهِنَّ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى