تعريف الأدب ونشأته وتاريخ الأدب وأقسامه وعصوره
في هذه المقالة سوف نتعرف إلى تعريف الأدب ونشأته وتاريخه وأقسامه وعصوره، سنتحدث عن كل واحدة على حدة ونفصل فيها أقوال العلماء وآراءهم.
معنى الأدب
أصل الأدب الدعاء، ومنه (المأدبة) التي يُدعَى إليها الناس. ومع مرور الزمن انتقلت دلالة اللفظة من معناها الحسّي إلى المعنى المجرد، جاء في تاج العروس: “الأدَبُ مُحَرَّكةً؛ الذي يتأدب به الأديب من الناس، سمي به لأنه يأدِبُ الناس إلى المحامد، وينهاهم عن المقابح”.
وهكذا انطوت اللفظة على دلالة خلقية هي التعليم والتهذيب والتثقيف. وبهذا المعنى وردت اللفظة في حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي».
وبقيت لفظة الأدب محافظة على معنى التهذيب، كما يرى مصطفى صادق الرافعي، حتى منتصف القرن الثالث الهجري، إذ قال: (إن لفظة الأدباء بقيت في القرن الثاني الهجري خاصة بالمؤدِّبين، لا تطلق على الكتاب والشعراء، واستمرت لقباً على أولئك إلى منتصف القرن الثالث).
ولما كان المؤدِّبون أي: المعلمون أصنافاً، فيهم النّحوي واللغوي والعالم والشاعر فقد شملت لفظة الأدباء هؤلاء جميعاً وفشت بين القوم عبارة الخليل بن أحمد الذي رمى بها المتكسّبين بالعلم والتعليم، وهي (أدركته حرفة الأدب) فإذا قيل عن شاعر أو كاتب أو عالم مثل هذا القول كان القصد وصمه بالفقر والحاجة التي تدفع أهل العلم إلى التكسب بالتعليم.
وفي القرن الرابع أخذت ألفاظ (الأدب والأدباء والمؤدِّبين) تتخصص، وأخذ الناس يطلقون كلمة (الأدباء) على الشعراء والكتاب المشتغلين بالمنظوم والمنثور. ويعلل الرافعي هذا التخصص بقوله: (ولمّا فشت أسباب التكسب بين الشعراء في القرن الثالث، وبطلت العصبية التي كانت تجعل للشعر معنى سياسياً، فاتخذوه حرفة يكدحون بها، وجعلوه مما يتذرع به إلى أسباب العيش انتقل إليهم لقب الأدباء للمناسبة بين الفئتين في الحرفة، ولم يلبثوا أن استأثروا به لتوسعهم في تلك الأسباب.
وأطلقت لفظة (الأدب) على فنون المنَادَمة وأصولها. ولم ينتصف القرن الرابع حتى كان لفظ الأدباء قد زال عن العلماء جملة، وانفرد بمزيّته الشعراء والكتّاب).
نستنبط من هذا العرض أن لفظ (الأدب) مرّ في تطوره ببضع دلالات قبل أن يأخذ معناه الاصطلاحي الذي ثبت عليه. بدأ بالدعوة إلى المآدب، ومنا انتقل إلى التهذيب، ثم غدا بمعنى التكسب بالتعليم، وأخيراً استقر على معناه المعهود، وهو التعبير الفني بالشعر والنثر عن معنى من معاني الحياة بأسلوب جميل، أو هو الكلام الجميل المؤلف بطريقة فنية تؤثر في النفس، وتستثير فيها حب الخير والفضيلة والجمال، وتبغض إليها الشر والرذيلة والقبح.
وقد يكون التعريف الوارد في المعجم الأدبي أوفى بالغرض من التعريفات السابقة، جاء في هذا المعجم:
(الأدب في معناه الحديث هو علم يشمل أصول فنّ الكتابة، ويُعنى بالآثار الخطية والنثرية والشعرية، وهو المعبّر عن حالة المجتمع البشري، والمبين بدقة وأمانة عن العواطف التي تعتمد في نفوس شعب أو جيل من الناس، أو أهل حضارة من الحضارات).
نشأت الأدب وصلته بالحياة
اختلفت آراء الباحثين والنقاد في الباعث على نشأت الأدب أو إنشائه، فمنهم من رده كغيره من الفنون إلى رغبة الإنسان في اللعب الذي يفرّغ طاقة النفس الزائدة، قال فردريك فون شالار: (إن اللعب تعبير عن الطاقة الفائرة، وإنه أصل كل الفنون) وقال سبنسر: (إن اللعب هو أصل الفنون، وإنه تعبير غير هادف عن الطاقة الزائدة) وذهب “كانط” إلى أن (الفن سرور أو ارتياح بلا هدف، أو متعة خالصة من أي غرض)، والجامع بين هؤلاء العلماء إلى رد الأدب إلى منبع فردي، نشاط خاص، ومَلكة ذاتية.
وربما كان ابن خلدون أقرب إلى الصواب من هؤلاء إذ رد هذه المَلَكة الخاصة التي يتباها بها الأديب إلى أصول اجتماعية، فجعلها ثمرة للثقافة التي يحصلها الكاتب أو الشاعر من حفظه المنثورة والمنظوم، وتمرسه بأساليب البلغاء، فقال وهو يتكلم على الأدب: (المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته، وهي الإجادة في فنّي المنظوم والمنثور على أسليب العرب ومناحيهم، فيجمعون بذلك من كلام العرب ما عساه تحصل به المَلَكة).
وفي العصر الحاضر يقف أكثر الدارسين إلى جانب ابن خلدون، فقد وضّح الدكتور (علي عبد الواحد وافي) النشأة الاجتماعية للغة، فقال: (اللغة ظاهرة اجتماعية، فهي ليست من الأمور التي يصنعها فرد معين أو أفراد معينون، وإنما تخلقها طبيعة الاجتماع وما تقتضيه هذه الحياة من تعبير عن الخواطر وتبادل للأفكار).
ويمكن أن نطلق هذا الحكم على الأدب؛ لأنه ظاهرة اجتماعية تتمثل فيها الصورة الفنية للغة.
إن ارتباط الأدب بالمجتمع يجعل له سلطاناً على الأفراد، ويجعل تطوره مرهوناً بقوانين المجتمع وهو لا يسير تبعاً للأهواء والمصادفات، ولا وفقاً لإرادة الأفراد، وإنما يخضع في سيره لقوانين ثابتة مطّردة. وكل خروج على نظامه ولو كان عن خطأ أو جهل ـ يلقى من المجتمع مقاومة، تكفل ردّ الأمور إلى نصابها الصحيح.
والقوى التي تؤثر في الأدب كثيرة، يصعب حصرها، إذ تؤثر فيه السياسة، والثقافة، والدين، وأنظمة الاقتصاد، والثقافة الأجنبية الوافدة. كما يؤثر فيه رقي الأمة وانحطاطها. غير أن تأثره بهذه العوامل لا يعني أنه منفعل لا فاعل. فكثيراً ما يكون الأدب أحد العوامل البارزة في يقظة الشعب، ولمِّ شعثهِ بعد الفرقة، ونقل قيمه ومثله العليا من جيل إلى جيل، وتكوين رأي عام موحد. وكثيراً ما يحرض الأدب الجماهير على ربط الواقع السيئ والثورة عليه، فيفرغ النفوس من الغضب والقهر والكبت، ويفجّر طاقاتها المبدعة، ويرسم معالم المستقبل. وهكذا لا يَقِلُّ تأثيره عن تأثرهن ولا يكون انفعاله بالحدث أظهر من مشاركته في صنع الحدث
تاريخ الأدب
إن الاختلاف في تعريف (الأدب) يقود إلى الاختلاف في المقصود من تاريخ الأدب، وفي النطاق التي تدور فيه مباحث التاريخ الأدبي.
فإذا أخذنا بالقول الذي أورده ابن خلدون، وهو (قالوا: الأدب هو حفظ اشعار العرب وأخبارها، والأخذ من كل علم بطرف) كان على المؤرخ الأدبي أن يؤرخ الحياة العقلية والنفسية للشعب العربي، لأن (الأخذ من كل شيء بطرف) يعني إغناء الأدب شعره ونثره بعلوم اللغة العربية كالنحو والبلاغة والعروض، وبالعلوم الشرعية، أو على الأقل بنصوص الحديث الشريف والقرآن الكريم، وبالعلوم الإنسانية كالفلسفة وعلم الاجتماع، وهذه العلوم كلها ترفد الأدب وتعين على فهمه.
وإلى ما يشبه هذا المعنى ذهب “كارل بروكلمان” و “جرجي زيدان” في تاريخهما للأدب العربي، إذ درسا، إلى جانب الأدباء من الكتاب والشعراء، فلاسفة العرب وعلمائهم، وقدما لنا دراسة واسعة شملت تاريخ الحياة الفكرية والأدبية عند العرب. وتميّز بروكلمان من زيدان بالدقة والاستقصاء، وبالعناية بذكر الآثار التي تركها كل أديب، ويذكر المصادر التي تعين على دراسته.
وإذا أخذنا بالقول الذي ذكرناه قبل، وهو أن الأدب كلام جميل يؤثر في النفس ويرغّبها في الفضيلة والجمال، وينفّرها من الرذيلة والقبح، كان على مؤرخ الأدب أن يقصر مباحثه على دراسة الأدب شعره ونثره، فيعرض موضوعاته، ويلاحق تطوره، ويبرز ملامحه وسماته في كل عصر من العصور، وكان عليه كذلك أن يلم بحيوات الكتّاب والشعراء وأن يحلل شخصياتهم ليكشف عما تأثّروا من أمور الثقافة والاقتصاد والسياسة والدين.
وإلى هذا المعنى ذهب أستاذنا الدكتور “عمر فروخ”، فقال: (تاريخ الأدب فن من فنون المعرفة، يتعلق بتعاقب أعصر الدب، وبتطور الخصائص الدبية مع الإلمام بسير الدباء، وبإحصاء إنتاجهم، وبالتمييز بين خصائصهم).
ولذلك قصُر تاريخه على دراسة الشعر والنثر وفق التعريف الذي وضعه، وخصّ الفكر العربي بسِفر آخر.
تقسيم الأدب إلى عصور
لعل أهم ما في الدراسات الحديثة التنظيم والتقسيم، فإن دراسة تاريخ مديد كتاريخ الأدب العربي، عمرُه ستة عشر قرناً على الأقل، لا تتمخض عن نتائج دقيقة مالم يخضع تراثنا الأدبي الضخم لشكل من التقسيم ينتظم أغراضه وظواهره، ويقسم تطوره إلى مراحل وعصور. لهذا قسّم مؤرخو الأدب العربي تراثنا إلى أقسام، فما الأساس الذي اعتمدوا عليه في هذا التقسيم؟
تتبّع أستاذنا الدكتور “شكري فيصل” الرعيل الأول من مؤرخي الأدب العربي في هذا العصر، فوجد أن أسبق الدارسين، وهو “حسن توفيق العدل” ربط الأدب بالسياسة، وقسم التاريخ الأدبي إلى أعصُر تعدل الأعصر التاريخية السياسية، وصنع “أحمد حسن الزيات” مثل صنعه، واحتج لمذهبه بقوله: (التاريخ الأدبي وثيق الصلة بالتاريخ السياسي والاجتماعي لكل أمة، لذلك اصطلحوا على أن يقسموه على حسب العصور التاريخية والانقلابات الاجتماعية، لذلك اصطلحوا على أن يقسموا تاريخ أدبنا إلى خمسة أعصُر).
وتتعاقب هذه الأعصر الخمسة على النحو التالي:
١ -عصر الجاهلية: نهايته ظهور الإسلام وعمره قرن ونصف.
٢ -عصر صدر الإسلام: بدايته ظهور الإسلام ونهايته سقوط بني أميّة عام ١٣٢ هـ.
٣ -عصر بني العباس: أوله سقوط بني أميّة وآخره سقوط بغداد بأيدي المغول عام ٦٤٦ هـ.
٤ -عصر الدول المتتابعة: أوله سقوط بغداد ونهايته بداية النهضة عام ١٢٢٠ هـ تقريباَ.
٤ -عصر النهضة الحديثة: مطلع هذا العصر حكم محمد علي باشا في مصر ونهايته غير محددة؛ لأنه ما يزال مستمراً إلى يومنا هذا.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن هذا التقسم للتقريب، لا للتحديد، وأن نهاية عصر وبداية عصر لا تعنيان بالضرورة أن الأدب قد تغيّر، وإنما تعنيان أن ظروفاً سياسية قد حدثت، وأن هذه الظروف مع عوامل أُخر، تساعد الأدب على التطور والتغيّر.