الصرف

معاني صيغة تفاعل: من الاشتراك والتظاهر إلى الطلب والمطاوعة

تتعدد معاني صيغة تفاعل في اللغة العربية، وتتوزع على استعمالات دلالية متنوعة تشمل الاشتراك في الفعل، والتظاهر، والمطاوعة، وغيرها من الدلالات التي تمنح هذا الوزن الصرفي ثراءً بالغًا في التعبير.

الاشتراك في الفاعلية

يُعد الاشتراك أحد أبرز معاني صيغة تفاعل، وينقسم إلى حالتين أساسيتين تتعلقان بالفاعلية والمفعولية، حيث أشار سيبويه إلى هذا المعنى بقوله: “وأما تفاعلتُ فلا يكون إلا وأنت تريد فعل اثنين فصاعداً”. ويتجلى هذا الاستخدام في الصور الآتية:

١ – أن يكون الفعل مبنياً على صيغة (فاعَل) المتعدية إلى مفعول واحد، وفي هذه الحالة يصبح الفعل على صيغة (تفاعَل) غير متعدٍّ، ومن أمثلته: تضارَبْنا، ترامَينا، تقاتَلْنا، تساجَلْنا، تسابَفنا، تشاتَمَ الرجلان، تفاوَضْنا. ويدخل في ذلك أيضاً: تسافَهَ فلان وفلان، ويستشهد على ذلك بقول الحسن بن علي لبضع من خاصمه: “سفيه لم يجد مسافهاً”.

٢ – أن يكون الفعل مبنياً على صيغة (فاعَل) المتعدية إلى مفعولين، مثل (نازَعْتُه الحديث)، وفي هذه الحالة يتعدى الفعل على صيغة (تفاعَل) إلى مفعول واحد فقط، ومن أمثلته: تنازَعْنا الحديث، تجاذَبْنا الثوب، تناسَينا البغضاء، تقارَعْنا الحجج، تجاوَزْنا المكان، تفاوَضْنا الحديث.

المجيء بمعنى الفعل المجرد

من بين معاني صيغة تفاعل أنها قد تأتي للدلالة على معنى الفعل المجرد (فَعَلَ) دون زيادة في المعنى، وقد أشار سيبويه إلى هذه الحالة بقوله: “وقد يجيء تفاعَلَ على غير هذا كما جاء في (عاقَبْتُه) ونحوها، لا تريد بها الفعل من اثنين…”. وتتضمن الأمثلة التي ذكرها النحاة في هذا السياق ما يلي:

  • تمارَيْتُ في ذلك، تراءَيْتُ له، تقاضَيْتُه.
  • تعاطَيت منه أمراً قبيحاً، توانَيت في الأمر، تجاوَزته، تعالَى.
    وجميع هذه الأفعال المذكورة تؤدي المعنى ذاته الذي يؤديه الفعل المجرد منها.
اقرأ أيضاً:  ضمير الفصل: تعريفه وإعرابه وشروطه ووظائفه

التظاهر والتكلف

ومن بين معاني صيغة تفاعل الشائعة، يأتي معنى التكلف، والذي أطلق عليه العلماء أسماء متعددة منها: الإيهام، والتجهيل، والتظاهر، والتخيل، والإبهام. ويقصد به أن يُظهر الفاعل اتصافه بصفة ليست فيه حقيقةً. وقد عرّفه ابن هشام بقوله: “هو إظهارُ حصولِ ما ليس بحاصل”.

ومن أبرز الأمثلة على هذا المعنى: تجاهَل، تغابَى، تبالَه، تمارَض، تباخَل، تناوَم، تغافَل، تناعَس، تعايَا، تعارَج، تعامَى، تطارَش. ويستشهد النحاة في هذا السياق بقول الشاعر:
ليس الغبيُّ بسيدٍ في قومه *** لكنَّ سيد قومه المتغابي

ومنه كذلك قول عمرو بن العاص:
إذا تخازرتُ وما بي من خَزَرْ
وقد علّق ابن عصفور على هذا البيت قائلاً: “أي أظهرتُ ذلك”، مشيراً إلى أن قول الشاعر “وما بي من خزر” يؤكد على دلالة الإيهام والتظاهر التي تعد من معاني صيغة تفاعل.

دلالات القصد والمطاوعة والتدرج

تتوسع معاني صيغة تفاعل لتشمل دلالات أخرى دقيقة، منها ما يدل على القصد والطلب، أو المطاوعة والقبول، أو التدرج في وقوع الحدث.

فمن هذه المعاني الرَّوْم، وهو القصد والطلب، ومن أمثلته: تقارَبْتُ من الشيء، أي قصدت القرب منه ورُمْتُه، وكذلك: تراءيت لزيد، أي طلبت أن يراني.

وتأتي الصيغة أيضاً لمطاوعة الفعل على وزن (فاعَلَ)، ومن أمثلتها: باعدته فتباعد، واليته فتوالى، تابعته فتتابع، ضاعفت الحساب فتضاعف.

وقد تُستخدم الصيغة للإغناء عن الفعل المجرد (فَعَلَ) في بعض الحالات، ومن أمثلة ذلك: تثاوَب، وتثاءَب، وتمارَى.

كما أنها قد تدل على معنى التدرج، أي وقوع الفعل شيئاً فشيئاً، ومن أمثلته: تزايد النيل، تواردت الإبلُ، تتابَعَ الطلبةُ.

معانٍ دلالية أخرى: الطلب والإنابة

إضافة إلى ما سبق، تتضمن معاني صيغة تفاعل دلالات إضافية كشفت عنها دراسات النحاة، منها دلالة الطلب أو الإنابة عن صيغ أخرى.

اقرأ أيضاً:  جمع المذكر السالم: دراسة تحليلية للقواعد والأحكام والملحقات

فقد تأتي هذه الصيغة وفيها معنى الطلب، وهو معنى ذكره ابن يعيش، ومثاله: تقاضيت الدَّين، أي استقضيته وطلبته.

وفي حالات نادرة، قد تأتي بمعنى (أَفْعَل)، ومثال ذلك: تخاطأ، بمعنى: أخطأ. وقد علّق الرضي على هذا المعنى بقوله: “قولهم… مما لا جدوى له؛ لأنه إنما يقال هذا الباب بمعنى ذلك الباب إذا كان الباب المُحال عليه مختصاً بمعنى عام مضبوط بضابط، فيطفَّل البابُ الآخرُ عليه في ذلك المعنى، أما إذا لم يكن كذا فلا فائدة فيه…”.

سؤال وجواب

١- ما هو المعنى الأساسي والأكثر شيوعاً لصيغة تفاعل؟
المعنى الأساسي هو الاشتراك، والذي يدل على وقوع الفعل من طرفين أو أكثر، حيث يكون كل طرف فاعلاً ومفعولاً في الوقت نفسه من الناحية المعنوية، كما في المثال: “تقاتَلَ الجيشان”.

٢- كيف يؤثر الاشتقاق على صيغة تفاعل من حيث التعدي واللزوم؟
إذا اشتُقت الصيغة من فعل متعدٍ لمفعول واحد مثل (ضارَبَ)، فإنها تصبح لازمة مثل (تضارَبَ). أما إذا اشتُقت من فعل متعدٍ لمفعولين مثل (نازَعَ)، فإنها تتعدى إلى مفعول واحد فقط مثل (تنازَعنا الحديثَ).

٣- هل يمكن أن تأتي صيغة تفاعل بمعنى الفعل الثلاثي المجرد (فَعَلَ)؟
نعم، قد ترد هذه الصيغة أحياناً بمعنى فعلها المجرد دون أن تحمل معنى المشاركة، ومن أمثلة ذلك: توانَى بمعنى وَنَى، وتجاوز بمعنى جاز، وتعالى بمعنى عَلا.

٤- ما المقصود بدلالة “التظاهر” كأحد معاني صيغة تفاعل؟
يقصد بالتظاهر أو التكلف أن يُظهر الفاعل اتصافه بصفة ليست فيه على الحقيقة، وهو ما عرّفه ابن هشام بأنه “إظهارُ حصولِ ما ليس بحاصل”، ومن أشهر أمثلته: تمارَضَ (تظاهر بالمرض)، وتجاهَلَ (تظاهر بالجهل).

٥- كيف تعمل صيغة تفاعل بمعنى المطاوعة؟
تعمل بمعنى المطاوعة حين تدل على قبول أثر الفعل المشتق من صيغة (فاعَلَ)، فالفعل (باعَدْتُه) ينتج عنه أثر القبول وهو (فتباعَدَ)، وكذلك (تابَعْتُه) ينتج عنه (فتتابَعَ).

اقرأ أيضاً:  اسم الفاعل: تعريفه واشتقاقه وصيغ المبالغة

٦- ما هو الشاهد الشعري الذي يذكره النحاة لتوضيح معنى التظاهر؟
يستشهد النحاة بقول الشاعر: “ليس الغبيُّ بسيدٍ في قومه *** لكنَّ سيد قومه المتغابي”، حيث يدل لفظ (المتغابي) على من يتظاهر بالغباء وهو ليس كذلك.

٧- هل تدل صيغة تفاعل على معنى الطلب؟
نعم، ذكر ابن يعيش أن هذه الصيغة قد تأتي بمعنى الطلب، ومثال ذلك: تقاضيتُ الدَّين، أي استقضيته وطلبت قضاءه.

٨- ما معنى “التدرج” كأحد دلالات صيغة تفاعل؟
يعني التدرج وقوع الفعل شيئاً فشيئاً أو على مراحل متتابعة، ومن أمثلته: تزايد النيلُ، أي زاد منسوبه تدريجياً، وتواردت الإبلُ، أي جاءت تِباعاً.

٩- هل هناك أمثلة تأتي فيها صيغة تفاعل للإغناء عن صيغة (فَعَلَ)؟
نعم، تستخدم صيغة تفاعل في بعض الأفعال وتغني عن استخدام صيغتها المجردة، مثل: تثاءَبَ، وتثاوَبَ، وتمارَى، حيث شاع استخدامها على هذا الوزن.

١٠- ما هو رأي النحاة في مجيء صيغة تفاعل بمعنى (أَفْعَلَ)؟
يعد هذا المعنى نادراً، وقد أشار إليه بعض النحاة مثلما ورد في (تخاطأ) بمعنى (أخطأ). إلا أن بعض المحققين مثل الرضي يرون أن هذه الإحالة لا جدوى منها ما لم تكن ضمن ضابط عام ومطرد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى