المعجم

متى نقول شهر رمضان، ومتى نحذف كلمة شهر

قالَ تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}.

وقالَ صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً».

فما الفرقُ بينَ الاستخدامينِ؟

في ذِكْرِ الشَّهرِ ثلاثُ فوائدَ:

الأُولى: أنَّهُ لو قالَ: رمضانُ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القرآنُ، لاقتضى اللَّفظُ وقوعَ الإنزالِ على جميعِهِ، وهذا قولُ سيبويهِ.

وهذا خلافُ المعنى المرادِ؛ لأنَّ الإنزالَ كانَ في ليلةٍ واحدةٍ مِنْهَا، في ساعةٍ مِنْهَا، فكيفَ يتناولُ جميعَ الشَّهرِ؟

فكانَ ذِكْرُ الشَّهرِ، الَّذي هوَ غيرُ عَلَمٍ، موافقاً للمعنى، كما تقولُ: سِرْتُ في شهرِ كذا.

فلا يكونُ السَّيرُ متناولاً لجميعِ الشَّهرِ.

والفائدةُ الأخرى: أنَّهُ لو قالَ: (رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) لكانَ حُكْمُ المدحِ والتَّعظيمِ مقصوراً على شهرٍ واحدٍ بعينِهِ، وهوَ الشَّهرُ الَّذي نَزَلَ فيهِ القرآنُ؛ لأنَّ الاسمَ وما هوَ مِثْلُهُ، إذا لمْ تقترنْ بِهِ قرينةٌ تدلُّ على توالي الأعوامِ الَّتي هوَ فيهَا، لمْ يَكُنْ محملُهُ إلَّا العامُ الَّذي أنتَ فيهِ، أوِ العامُ المذكورُ قبلَهُ.

فكانَ ذِكْرُ الشَّهرِ الَّذي هوَ الهلالُ في الحقيقةِ.

وفائدةٌ ثالثةٌ في ذكرِ الشَّهرِ، وهوَ التَّبيينُ في الأيَّامِ المعدوداتِ؛ لأنَّ الأيَّامَ لَتُبَيَّنُ بالأيَّامِ وبالشَّهرِ ونحوِهِ، ولا تتبيَّنُ بلفظِ رمضان؛ لأنَّهُ لفظٌ مأخوذٌ مِنْ مادَّةٍ أخرى، وهوَ أيضاً علمٌ فلا ينبغي أنْ تُبَيَّنَ بِهِ الأيامُ المعدوداتُ، حتَّى يُذْكَرَ الشَّهرُ الَّذي هوَ في معناهَا ثُمَّ تُضافُ إليهِ.

وأمَّا قولُهُ صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ»، ففي حذفِ الشَّهرِ وتركِ ذكرِهِ فائدةٌ أيضاً، وهوَ تناولُ الصِّيامِ لجميعِ الشَّهرِ، فلو قالَ: مَنْ صامَ شهرَ رمضانَ، لصارَ ظرفاً مقدَّراً بـ في ولمْ يتناولِ الصِّيامَ جميعَهُ. فرمضانُ في هذا الحديثِ مفعولٌ على السِّعةِ، مثلُ قولِهِ تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً}، لأنَّهُ لو كانَ ظرفاً لمْ يحتجْ إلى قولِهِ: {إِلَّا قَلِيلاً}، فحَذْفُ المضافِ لأمنِ الالتباسِ.

اقرأ أيضاً:  شهر ربيع الآخر وأسماؤه القديمة

القاعدةُ النَّحْويَّةُ: إنَّ الفعلَ إذا وقعَ على هذهِ الأسماءِ الأعلامِ فإنَّهُ يتناولُ جميعَهَا ولا يكونُ ظرفاَ مقدَّراً بـ في حتَّى يُذْكَرُ لفظُ الشَّهرِ أوِ اليومِ الَّذي أصلُهُ أنْ يكونَ ظرفاً.

وأمَّا الاسمُ العَلَمُ فلا أصلَ لَهُ في الظَّرفيَّةِ.

مختصرُ البحثِ

في حذفِ لفظِ الشَّهرِ إشعاراً بالعمومِ، وفي ذكرِهِ خلافُ ذلِكَ؛ لأنَّكَ إذا قلْتَ شهرُ كذا، كانَ ظرفاً وزالَ العمومُ مِنَ اللَّفظِ؛ إذِ المعنى في الشَّهرِ، ولذلِكَ قالَ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» ولمْ يقلْ: (شهرُ رمضانَ) ليكونَ العملُ فيهِ كلِّهِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى