المصدر في اللغة العربية: تعريفه وأنواعه وقواعد صياغته

في بنية اللغة العربية الشامخة، يقف المصدر كحجر الزاوية الذي تتفرع منه أغصان الاشتقاق وتغتني به تراكيب الجمل. فهو لا يمثل مجرد مفهوم نحوي، بل هو الأصل الجوهري الذي تنبثق منه الأفعال والصفات والمشتقات، حاملاً في طياته جوهر الحدث خالصاً من قيود الزمن. إن فهم المصدر وإتقان قواعده يفتحان الباب على مصراعيه لتقدير عبقرية الصياغة العربية ودقة نظامها الصرفي. يقدم هذا المقال تحليلاً أكاديمياً معمقاً يستعرض فيه تعريف المصدر، ويغوص في أنواعه المتعددة من المصدر الأصلي إلى الصناعي، ويفصّل قواعد صياغته الدقيقة من الأفعال الثلاثية وغير الثلاثية، سواء أكانت قياسية أم سماعية، بهدف تقديم مرجع متكامل للدارسين والباحثين في علوم العربية.
تعريف المصدر
يُعرَّف المصدر بأنه اسم يدل على الحدث مجرداً من الزمان، ويتضمن أحرف فعله لفظاً أو تقديراً أو تعويضاً. فإن المصدر (شرب) يدل على وقوع فعل الشرب، أو حدث الشرب من غير دلالة عن زمن الحدث (الماضي أو الحاضر أو المستقبل).
وهو يتضمن أحرف فعله (شَرَبَ)، أما المصدر (لإيصاله) فإنه يتضمن أحرف فعله (أوصل) تقديراً، لأن الواو أُعِلَّت، فقُلبت ياء، ومثل ذلك المصدر (دعاء من الفعل دعا، وإهداء من الفعل أهدى، وانطواء من الفعل انطوى).
أما المصدر (عِدَة) فهو مصدر للفعل (وعد)، وقد حُذفت الواو، وعُوِّض عنها تاء التأنيث في آخر المصدر، ومثل ذلك المصدر (تجربة من جرّب، وتوصية من وصّى).
فإذا لم تشتمل الكلمة على أحرف الفعل لا لفظاً ولا تقديراً ولا تعويضاً، وكان معناها هو معنى المصدر، فهي اسم للمصدر نحو: (عطاء من أعطى، وسلام من سلّم، ووضوء من توضأ، وعَون من أعان، وتقى من اتقى).
ويُعد المصدر هو الأصل الذي تصدر عنه جميع المشتقات، وينقسم هذا المصدر إلى أنواع مختلفة هي: المصدر الأصلي، ومصدر التوكيد، ومصدر المرّة، ومصدر النوع، والمصدر الميمي، والمصدر الصناعي.
المصدر الأصلي
يُعرَّف المصدر الأصلي بأنه اسم يدل على الحدث مجرداً من الزمن، والتوكيد، والعدد، والنوع، وليس مبدوءاً بميم زائدة، إلا المفاعلة، ولا منتهياً بياء مشددة بعدها تاء زائدة.
نحو: (ضرب، وشرب، ومكاتبة، ومقارعة، وانتباه، واقتدار، واستخراج، واضمحلال، وتبعثر).
ولمّا كانت أبنية الأفعال ثلاثية وغير ثلاثية (رباعي مجرد، وثلاثي مزيد فيه حرف، أو حرفان، أو ثلاثة، ورباعي مزيد فيه حرف، أو حرفان)
كان لكل بناء مصدر خاص به.
مصادر الفعل الثلاثي المجرد
تتعدد أبنية المصدر المشتق من هذا الفعل وهي كثيرة جداً، ويصعب أن تكون لها قاعدة تضبطها، فأكثرها سماعي، وأقلها قياسي، وقد حاول بعض النحويين أن يضع لها قواعد، فأكثر من الجوازات ومما يخرج عن القاعدة، ولذلك سنتحدث عن المصدر القياسي منها، وعن بعض الضوابط العامة.
المصادر القياسية
١- ما دل على حرفة فإن المصدر منه يكون على وزن (فِعَالة)، نحو زراعة من زرع، وحياكة من حاك، وخياطة وكتابة وقراءة ونجارة ومِساحة ووِلاية ووِزارة.
٢- ما دلّ على اضطراب وحركة فإن المصدر منه يكون على وزن (فَعَلان)، نحو: (خفقان، طوفان، فوران، دوران، طيران، غليان).
٣- ما دل على داء فإن المصدر منه يكون على وزن (فُعَال)، نحو: (سُعال، دُوار، زُحار، صُداع، وزُكام).
٤- ما دل على سير فإن المصدر منه يكون على وزن (فَعِيل)، نحو (رَحيل، وَجِيف، دَبيب).
٥- ما دل على صوت فإن المصدر منه يكون على وزن (فُعَال) أو (فَعِيل)، نحو: (نباح، عُواء، بُكاء، بُغاء، خُوار، صُراخ) أو (صَهيل، حفيف، زفير، زئير، هَدير، نهيق، نقيق، نعيق، نعيب).
٦- ما دل على امتناع فإن المصدر منه يكون على وزن (فِعَال)، نحو: (جِماح، شِماس، إبَاء، نِفار، فِرار).
٧- ما دل على لون فإن المصدر منه يكون على وزن (فُعْلَة) نحو: (حُمرة، صُفرة، زرقة، خُضرة).
فإن لم يدل الفعل الثلاثي المجرد على معنى من المعاني السابقة، فالقاعدة الغالبة في صياغة المصدر تكون كالتالي:
١- في الفعل (فَعُل) أن يكون المصدر منه على وزن فُعُولة أو فَعَالة، نحو: بطولة، وسهولة، نعومة، طفولة، صعوبة، خشونة، ونحو: شجاعة، فصاحة، كرامة، دناءة، وداعة، صلابة، نجابة، سماحة، صراحة، نظافة، شهامة.
٢- وفي الفعل (فَعِل) اللازم أن يكون المصدر منه على وزن (فَعَل) نحو فرح، عطش، غضب، أسَف، بَطَر، شلل، وجع، أسى، جوى.
٣- وفي الفعل (فَعَلَ) اللازم أن يكون المصدر منه على وزن (فُعول)، نحو: نهوض، قعود، مَوت، غوص، طيش، فيض، عيش، أو على وزن (فِعال). نحو: (صيام، قيام، غياب، هيام، إياب.
٤- وفي الفعلين فَعِلَ وفَعَل المتعديين أن يكون المصدر منهما على وزن (فَعْل) نحو: فَهْم، وَعْد، أكْل، غزو، خَوْف، أمْن، قَول، بيع.
وكل ما جاء من أشكال المصدر مخالفاً للقواعد القياسية أو التي وصفناها بأنها غالبة فهو سماعي، ويلجأ الإنسان إلى القياس فيما لم يُسمع له مصدر عن العرب، أما ما سُمع له مصدر محدد عن العرب سواء أكان قياسياً أم مخالفاً للقياس، فيتبع فيه ما ورد عنهم.
وقد سُمع لبعض الأفعال مصادر متعددة، أحدها قياسي والأخرى سماعية، ولبعض الأفعال مصدر واحد سماعي وليس قياسياً، فمن صور المصدر السماعية (تهْلُكة، حيْلُولة، كراهية، هُدَى، غُفران، بُشْرَى، عِلْم، رحمة، قُدْرة، عافية، خائنة، ميسور، مفتون، موعود، بغضاء، سراء، جريمة، عُسْرَى، يُسْرَى، قُرْبَى).
مصادر الفعل غير الثلاثي المجرد
تتميز قواعد صياغة المصدر من الفعل الثلاثي المزيد، أو الرباعي المجرد، والمزيد، بكونها قياسية مطّردة.
وفيما يلي عرض لقواعد المصدر من هذه الأفعال:
- أفَعَل: يكون المصدر منه على وزن (إفْعَال). نحو: (إكرام، إسماع، إخراج، إدخال، إنقاذ، إيجاد، إيقاظ). فإن كان معتل العين حُذفت منه الألف الزائدة، وعُوِّض منها تاء في الآخر، فتصبح صيغة المصدر على وزن (إِفْعَلَة)، نحو: إقامة، إعادة، إدارة، إبانة.
- فَعَّل: يكون المصدر منه على وزن (تفْعيل). نحو: تعليم، تقطيع، تجويد، تهذيب، توليد. وقد تُحذف منه الياء فتُعوَّض منها تاء زائدة. نحو: تجريب وتجربة، تكريم وتكرمة، تذكير وتذكرة. فإن كان معتل اللام فلا بد من حذف ياء (تفعيل)، والتعويض منها بالتاء، ويكون وزن المصدر حينئذ (تَفْعِلَة). نحو: (توصية، تسمية، تغطية، تصفية). وقد كثر حذف الياء الزائدة في الفعل المهموز، وقلّ مجيئه على الأصل، نحو: (تبرئة، تعبئة، تهنئة) وقل مثل تخطئة.
- فَاعَل: يكون المصدر منه على وزن (مُفاعَلة) و(فِعَال). نحو مجادلة، مفاخرة، مواصلة، مياسرة، ونحو: قِتال، دِفاع، نِقاش.
- فَعْلَلَ: يكون المصدر منه على وزن (فَعْلَلَة)، وفيعل: فعيلة، وفَوْعَلَ: فوعلة، وفعول: فعولة، فهذه الأبنية ملحقة بالرباعي المجرد (فعلَلَ). نحو: (دَحرجَ). ومصادر هذه الأبنية بزيادة تاء على الماضي نحو: جَلْبَبَة، سيطرة، حوقلة، هرولة.
- انْفَعَلَ: يكون المصدر منه على وزن (انفعال). نحو: انْطلاق، انْحدار، انْكسار، انْسداد…
- افْتَعَل: يكون المصدر منه على وزن (افْتِعال). نحو: احترام، اِحتراق، اِستماع، اِهْتمام….
- افْعَلّ: يكون المصدر منه على وزن (افْعِلال). نحو: احمرار، اصفرار، اسوداد، اعورار….
- تفَاعَل: يكون المصدر منه على وزن (تَفَاعُل). وهو ملحق بالرباعي المزيد بحرف واحد (تَدَحرَجَ)، فمصدره يكون بضم ما قبل آخره، نحو: تجاهُل، تدافُع، تناصُر، تجاوُر.
- تَفَعَّل: يكون المصدر منه على وزن (تَفَعُّل). نحو: تعلُّم، توصُّل، تمرُّد، تجوُّل.
- تَفَعْلَلَ: يكون المصدر منه على وزن (تَفَعْلُل). نحو: تجلبُب، ومصدر تَفَيْعَل هو: (تفيعُل). نحو: تشيطن. ومصدر (تَمَفْعَلَ): (تمفعُلَ). نحو تمسكُن.
- ومن الملاحظ أن الأفعال التي بدأت بتاء زائدة كان المصدر منها على وزن ماضيها بعد ضم الحرف قبل الأخير.
- استفعَل: يكون المصدر منه على وزن (استفْعال). نحو: استخراج، استعمال، استفهام، استغفار. فإن كان معتل العين حُذفت الألف الزائدة، وعُوِّض منها بتاء في آخره، فيكون وزن المصدر (اسْتِفَعْلة). نحو: استقالة، استعارة، استقامة.
- افْعَوْعَلَ: يكون المصدر منه على وزن (افْعِيعَال). نحو: اعشيشاب، واغريراق.
- افعوَّل: يكون المصدر منه على وزن (افعوَّال). نحو: اعلوّاط، واخروّاط.
- افْعَالّ: يكون المصدر منه على وزن (افْعِيلال). نحو: احميرار، واشعيباب.
- افعنْلَل: يكون المصدر منه على وزن (افعنلال). نحو اقعنساس، اسحنكاك.
- افْعَنْلى: يكون المصدر منه على وزن (افْعَنْلاء). نحو: احربناء.
- افْوَعَلّ: يكون المصدر منه على وزن (افوِعْلال). نحو: اكوهداد.
- افْعَلَلّ: يكون المصدر منه على وزن (افْعِلَالّ). نحو: ابيضّاض، واسودّاد.
المصدر في هذه الحالات يُشتق من الفعل الثلاثي المزيد، ويلاحظ أن البنية الملحقة بالرباعي، وهي (فعلل، وفيعل، وفوعل، وفعول)، قليلة الاستخدام، ثقيلة، وأقل منها الأبنية التالية: (افعوعل، افعوّل، وافعالّ، وافعنلل، وافعنلى، وافوعلّ، وافعلّل). فهي صعبة ثقيلة على اللسان، نادرة جداً في الاستخدام، وما تبقى من أبنية الأفعال، فإن المصدر منها كثير جداً، سهل ميسور.
أبنية الرباعي المجرد والمزيد
- فَعْلَل: يأتي المصدر منه على وزن (فَعْلَلَة). نحو: دحرجة، بعثرة، عسكرة، عترسة، قلقلة. فإن كان فيه تكرار فإنه يجوز أن يأتي المصدر على وزن (فِعْلال). نحو: زلزال، قلقال.
- تَفَعْلَل: يأتي المصدر منه على وزن (تَفَعْلُل). نحو: تدحرُج، تسرْبُل، تعجرُف، تجمهُر.
- افعنْلَلَ: يأتي المصدر منه على وزن (افعِنْلال). نحو: (احرنجام، اسحنفار، افرنقاع).
- افْعَلَلّ: يأتي المصدر منه على وزن (افعِلَّال). نحو: اطمئنان، اقشعرار، اشمئزاز.
مصدر التوكيد
يُقصد بهذا المصدر ذلك المصدر الذي يأتي مفعولاً مطلقاً مؤكداً لفعله الملفوظ به، أو نائباً عنه؛ لأنه يقوم مقامه. نحو: قرأت الكتاب قراءةً أو دراسةً وجداً، أو تباً للظالمين.
وتأتي أبنية هذا النوع من المصدر مطابقة لأبنية المصدر الأصلي، وهو يلزم الإفراد، فلا يثنى ولا يجمع، ويدل على القليل والكثير، وقد سُمع تثنية بعض أنواع المصدر، فتُحفظ، ولا يقاس عليها وهي: (لبيك وحنانيك وسعديك ودواليك….).
مصدر المرة
هو المصدر الذي يُذكر للدلالة على حدوث الفعل مرة واحدة، ويُثنى، ويُجمع، نحو: أكلت أكلةً، وضربت الأرض ضربةً، ونظرت إليك نظرةً.
ويتضمن مصدر المرة معنى المصدر الأصلي، ومعنى مصدر التوكيد، ومعنى يدل على عدد الفعل.
- ليس للأفعال الناقصة، ولا للأفعال التي تدل على معنى عقلي مجرد، مصدر مرّة، فليس للأفعال (كان، عسى، علم، فهم، جهل) مصدر مرة، وكذلك الأفعال التي تدل على صفات ثابتة. نحو: (كرُم، حَسُن، طَهُر، قَبُح).
- يُصاغ هذا المصدر من الفعل الثلاثي على وزن (فَعْلة). نحو: (رمية، دخلة، خرجة).
- إن كان مصدر الفعل الثلاثي الأصلي على وزن (فُعْلة) أو (فِعْلة) فُتحت الفاء للدلالة على المرّة نحو: خفي الطفل خَفية، ونشدتك نَشْدَةً، وكدر الفضاء كَدْرةً.
- إن كان مصدر الفعل الثلاثي الأصلي على وزن (فَعْلَة) أضفنا إلى مصدره كلمة تدل على العدد، تقول: دعوت أصدقائي دعوة واحدة.
- أما صياغة مصدر المرة لغير الثلاثي فتكون بزيادة تاء على آخر المصدر الأصلي، فإن كان في آخره تاء وُصف المصدر بكلمة (واحدة) للدلالة على المرّة. تقول: أكرمت الزائر إكرامة واحدة، ووصيتك بأخي توصية واحدة أو ثلاث توصيات.
مصدر النوع
يُعرف أيضاً بمصدر الهيئة، وهو المصدر الذي يدل على نوع الفعل وصفته، كقولك: عاش أخي عيشة راضية، وكان حسن السيرة.
وتقول: نظرت إليه نِظْرَةَ المتفحّص.
وعليه، فإن المصدر هنا يتضمن معنى المصدر الأصلي، والتوكيد، ومعنى خاصاً يدل على الهيئة أو الوصف أو النوع، ومن الملاحظ أن هذا المصدر يحتاج إلى وصف أو إضافة أو قرينة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة).
وقد يدل المعنى على الوصف نحو قول الشاعر:
ها إنّ تا عِذْرةٌ إلا تَكُنْ نفَعَتْ *** فإنّ صاحبها قدْ تاه في البلدِ
والمعنى: هذه عِذرةٌ بليغة أو واضحة.
- يُشترط في صياغة هذا المصدر أن يكون فعله تاماً، ودالاً على أمر حسّي.
- يُصاغ مصدر النوع من الثلاثي على وزن (فِعْلة)، تقول: أخي حَسَنُ الجِلسَة، وسعاد هادئة المِشية.
- أما مصدر النوع لغير الثلاثي فيُصاغ بوصف المصدر الأصلي، تقول: أكرمت الفدائيّ إكراماً عظيماً، استقبلت الضيوف استقبال الحفاوة، كن حَسَن الإجابةِ.
المصدر الميمي
هو المصدر الذي لا يدل على المفاعلة، وفي أوله ميم زائدة، وهو قياسي، نحو: (مذهب، مغفرة، محْيا، ممَات، مَرَدّ…..).
وتكون صياغة المصدر الميمي من الثلاثي على وزن (مَفْعَل) أو (مَفْعَلَة)، أو (مَفْعِل).
- ويُصاغ على وزن (مَفْعَل) نحو: مطلع، منجى، مجرى، مهوى، مَسَدّ.
- ويُصاغ على وزن (مَفْعَلَة) نحو: مفسدة، مسألة، مسغبة، ميسرة، مودّة، منجاة، مشقّة.
- ويُصاغ على وزن (مَفْعِل) إذا كانت عين الفاء ياء. نحو مبيع، ميسر، مغيب، مصير، مغيب، مبيت.
- وشذّت بعض صور المصدر الميمي. نحو: مرجِع، منطِق، ميسر، معرفة، مهلكة، ميعاد، ميراث.
أما المصدر الميمي لغير الثلاثي المجرد فيُصاغ على وزن المضارع المبني للمجهول، مع إبدال حرف المضارعة ميماً. نحو: (مُدخل، مُخرج، مُجرى، مُزْدجَر، ممزّق).
المصدر الصناعي
يُعرَّف المصدر الصناعي بأنه اسم مصنوع من اسم آخر، بزيادة ياء مشددة بعدها تاء في آخره، للدلالة على الحدث. نحو: (حرية، اشتراكية، مسؤولية، قبلية، بعديّة، عبودية).
- ويمكن بناء هذا المصدر من اسم الذات نحو: إنسانية، حيوانية، وطنية، مدنية، آلية.
- كما يُصاغ المصدر الصناعي من الاسم المبني. نحو: كيفية، كمية، حيثية، أنانية، هُوية.
- ويُصنع هذا المصدر من الاسم المشتق. نحو: شاعرية، واقعية، مفهومية، أكثرية.
- ويُصنع المصدر الصناعي من المركب، أو المثنى، أو الجمع، نحو: ماهية، رأسمالية، اثنينية، صبيانية، ملائكية.
- ويُصنع هذا النوع من المصدر من الاسم الأعجمي، نحو: ديمقراطية، أرستقراطية، قيصرية.
- ويُصنع المصدر من اسم المعنى، فيكتسب دلالة على ما يحيط به من الهيئات والأحوال. نحو: (رجعيّة، تقدمية، انهزامية، اشتراكية، شيوعية) فكل منها له دلالة خاصة تناسب معناها.
وفي حالات معينة، قد يكون المصدر الصناعي مرتجلاً نحو: عُنْجُهيّة، عُرُبيّة، رهبانية.
خاتمة
ختاماً، يتضح من خلال هذا العرض المفصل أن المصدر ليس مجرد مصطلح نحوي، بل هو نظام متكامل ومنظومة دقيقة تعكس ثراء اللغة العربية وقدرتها الفائقة على التوليد والاشتقاق. لقد استعرضنا رحلة المصدر بدءاً من تعريفه كحدث مجرد من الزمن، مروراً بأنواعه الوظيفية المتعددة التي تخدم أغراضاً دلالية دقيقة كالتوكيد، أو بيان العدد، أو وصف الهيئة، وانتهاءً بآليات صياغته المعقدة التي تتأرجح بين القياس المطّرد والسماع الموروث. وبذلك، يظل الإلمام بقواعد المصدر وأوزانه المتنوعة، وفهم الفروق الدقيقة بين كل نوع، ركيزة لا غنى عنها لكل من يسعى إلى تعميق فهمه لجوهر الصرف العربي وإتقان أساليب التعبير الفصيح.
الأسئلة الشائعة
١- ما الفرق الجوهري بين المصدر والفعل؟
الفرق الجوهري يكمن في ارتباط الفعل بالزمن بينما المصدر مجرد منه. الفعل يدل على حدث مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة (الماضي، الحاضر، المستقبل)، مثل: “كَتَبَ” (حدث الكتابة في الماضي). أما المصدر، مثل “كِتَابَة”، فيدل على حدث الكتابة نفسه كفكرة مجردة دون أي إشارة إلى زمن وقوعه. لذلك، يُعتبر المصدر هو الأصل الدلالي الخام الذي تُشتق منه الصيغ الفعلية الزمنية.
٢- كيف أميّز بين المصدر واسم المصدر؟
التمييز بينهما يعتمد على اشتمال الكلمة على حروف فعلها. المصدر يجب أن يتضمن جميع أحرف فعله الأصلية، سواء لفظاً (مثل: إكرام من أكرم) أو تقديراً (مثل: إقامة من أقام، حيث الألف مقدرة). أما اسم المصدر، فهو يدل على معنى المصدر ولكنه لا يحتوي على كل حروف فعله الأصلية، وغالباً ما يكون عدد حروفه أقل، مثل: “عطاء” من الفعل “أعطى” (حيث حُذفت همزة “أفعل”)، و”سلام” من الفعل “سلّم” (حيث لم تظهر الشدة).
٣- لماذا تكثر المصادر السماعية في الأفعال الثلاثية بينما تكون قياسية في غيرها؟
يعود ذلك إلى طبيعة اللغة وتطورها التاريخي. الأفعال الثلاثية هي نواة اللغة وأكثرها استخداماً ودوراناً على الألسنة، وقد استقرت مصادرها في الاستعمال العربي القديم قبل وضع القواعد النحوية بشكل منهجي، لذا نُقلت كما سُمعت (سماعياً). أما الأفعال غير الثلاثية (المزيدة والرباعية)، فهي أبنية أحدث نسبياً وأقل شيوعاً، مما سمح للنحاة بوضع قواعد قياسية مطّردة لها لضبط التوسع اللغوي وتسهيل عملية الاشتقاق.
٤- ما هي الطريقة الأدق للتفريق بين مصدر المرة ومصدر الهيئة؟
التفريق الدقيق يعتمد على الوزن والسياق.
- الوزن: مصدر المرة من الثلاثي يأتي على وزن “فَعْلَة” بفتح الفاء (مثل: ضَرْبَة)، بينما يأتي مصدر الهيئة (النوع) على وزن “فِعْلَة” بكسر الفاء (مثل: ضِرْبَة).
- السياق: مصدر الهيئة غالباً ما يحتاج إلى وصف أو إضافة ليبين نوع الفعل وصفته (مثل: مشى مِشْيَةَ المتكبر)، بينما مصدر المرة قد يأتي مستقلاً للدلالة على العدد (مثل: أكلت أكلةً)، أو يُوصف بكلمة “واحدة” للتأكيد إذا التبس بغيره.
٥- هل يمكن استخدام المصدر الميمي بدلاً من المصدر الأصلي دائماً؟
لا، ليس دائماً. على الرغم من أن المصدر الميمي يؤدي معنى المصدر الأصلي، إلا أن له دلالات إضافية واستخدامات بلاغية خاصة. فهو يميل إلى الإيجاز، وقد يحمل معنى اسم الزمان أو المكان في بعض السياقات (مثل: “مَطْلَع الفجر” قد تعني وقت الطلوع أو مكان الطلوع). لذا، يكون اختيار المصدر الأصلي أو الميمي مرتبطاً بالدقة الدلالية والسياق البلاغي المطلوب في الجملة.
٦- هل المصدر الصناعي يُعتبر مصدراً أصيلاً في قواعد النحو؟
المصدر الصناعي هو مصدر مُوَلَّد أو مصنوع، وليس مصدراً أصيلاً بالمعنى الصرفي التقليدي الذي يُشتق من فعل. هو يُصاغ من الأسماء الجامدة أو المشتقة بإضافة ياء مشددة وتاء تأنيث (لاحقة “-يّة”) لتحويل الاسم إلى مفهوم أو حالة أو مذهب مجرد (مثل: إنسان -> إنسانية). وظيفته الأساسية هي استحداث مصطلحات تعبر عن مفاهيم حديثة أو مجردة، وهو يتبع قواعد الإعراب كأي اسم آخر في الجملة.
٧- ما الفرق بين المصدر الأصلي ومصدر التوكيد؟
لا يوجد فرق في البنية الصرفية، فمصدر التوكيد هو نفسه المصدر الأصلي من حيث الوزن والصياغة. الفرق يكمن في الوظيفة النحوية والإعرابية؛ فعندما يُستخدم المصدر لتأكيد فعله في الجملة ويُعرب مفعولاً مطلقاً (مثل: “درستُ الدرسَ دِراسةً”)، يُطلق عليه وظيفياً “مصدر التوكيد”. أما إذا استُخدم في أي موقع إعرابي آخر (كفاعل أو مبتدأ)، فهو ببساطة المصدر الأصلي.
٨- لماذا يمتلك بعض الأفعال، مثل “فاعل”، أكثر من مصدر قياسي واحد؟
وجود أكثر من مصدر قياسي لفعل واحد، مثل “قاتل” الذي يأتي مصدره على وزني “قِتال” و”مُقاتَلة”، يعود إلى السعة في اللغة العربية ورغبتها في التعبير عن فروق دلالية دقيقة. فوزن “فِعَال” غالباً ما يدل على الحدث المجرد، بينما وزن “مُفَاعَلَة” يوحي بوجود مشاركة بين طرفين في الحدث. هذا التعدد يثري اللغة ويمنح المتكلم خيارات أوسع للتعبير بدقة عن مراده.
٩- ما أهمية القول بأن “المصدر هو أصل المشتقات”؟
هذه هي وجهة نظر مدرسة البصرة النحوية، وهي الأكثر شيوعاً. أهميتها تكمن في أنها تقدم رؤية منطقية ومنظمة لبنية الصرف العربي؛ حيث يُنظر إلى المصدر (الحدث المجرد) باعتباره المادة الخام التي يُشتق منها الفعل بأزمنته المختلفة، واسم الفاعل، واسم المفعول، وغيرها من المشتقات. هذا المبدأ يجعل النظام الصرفي متسقاً، حيث تتفرع كل الصيغ من أصل دلالي واحد وثابت.
١٠- كيف يمكن لدارس اللغة العربية أن يتقن صياغة المصادر المختلفة؟
إتقان صياغة المصدر يتطلب منهجاً متكاملاً يجمع بين الحفظ والفهم والتطبيق:
١- الفهم العميق للقواعد: دراسة الأوزان القياسية للأفعال غير الثلاثية بشكل منهجي لأنها مطّردة.
٢- الحفظ والاستماع: حفظ المصادر السماعية للأفعال الثلاثية الشائعة، فهي لا تخضع لقاعدة ثابتة وتُعرف بالرجوع إلى المعاجم والممارسة.
٣- التطبيق المستمر: التدرب على اشتقاق المصدر من أفعال متنوعة، وقراءة النصوص الفصيحة وملاحظة كيفية استخدام أنواع المصادر المختلفة في سياقاتها الطبيعية.