تعريف المفعول المطلق ونائب المفعول المطلق وأحكامهما
في درسنا اليوم سوف نتكلم عن المفعول المطلق تعريفه وما ينوب عن المفعول المطلق وأحكامه وحذف العامل فيه، كما سنتكلم عن نائب المفعول المطلق وأحكامه.
تعريف المفعول المطلق
المفعول المطلق هو اسم يؤكِّد عامله، نحو: (سرت سيراً)، أو يُبَيِّنُ نوعه أو عدده زيادةً على التَّوكيد، نحو: (درست دراسةَ الطَّامحين)، و(زرت مواضع الآثار زَوراتٍ ثلاثاً).
وقد سُمِّيَ مفعولاً؛ لأنَّه المفعول الحقيقيَّ للفاعل، إذ لم يوجد من الفاعل إلَّا ذلك الحدث، ووُصِفَ “بالمطلق”؛ لأنَّه غير مقيَّد كغيره من المفاعيل بذكر شيء بعده كالمفعول به ومعه وفيه ولأجله.
والأصل في المفعول المطلق أن يكون مصدراً، وما جاء منصوباً على المفعوليَّة المطلقة وليس مصدراً، فهو نائب عن المصدر.
ما العامل في المفعول المطلق (المصدر)؟
١ –مصدرٌ مثلُه، كقولنا: (حَمِدْتُ سعيَكَ سعياً متَّصلاً نحو الخير)، وكقوله تعالى: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوفُوراً}، (سورة الإسراء: ٦٤).
٢ –الفعل، كقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً}، (سورة النِّساء: ١٦٥)، ويشترط في الفعل أن يكون غير تعجُّبيٍّ ولا ناقص ولا ملغى عن العمل.
٣ –وصف مشتقٌّ مثل:
- اسم الفاعل، نحو: (أنا قارئٌ قراءةً نافعةً).
- أو اسم المفعول، نحو: (الكريمُ محمودٌ حمداً بالغاً).
- أو صيغة المبالغة، نحو: (المؤمنُ مقدامٌ إقداماً).
ما ينوب عن المفعول المطلق
قد يحذف المفعول المطلق إذا وُجِدَ في الكلام ما يدلُّ عليه ويغني عنه، فينصب على المفعوليَّة المطلقة أو على النِّيابة عن المصدر.
وما ينوب عن المصدر هو:
أ –صفته، نحو: (درسْتُ أفضلَ دراسةٍ)، والأصل: درست دراسةً أفضلَ دراسةٍ، فحُذِفَ الموصوفُ وأَخَذَتِ الصِّفة مكانه.
ومن ذلك قولنا: (أُكْرِمَ الضَّيفُ إكرامَ الأخِ أخاهُ)، والأصل: إكراماً مثل إكرام الأخ أخاه، فحُذِفَ الموصوف ثُمَّ المضاف وانتصب المضاف إليه.
ب –ضمير المصدر، نحو قوله تعالى: {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ}، (سورة المائدة: ١١٦).
وكقولنا: (أُحِبُّ العاملينَ حُبَّاً لا أُحِبُّهُ أحداً مِنَ النَّاسِ)، فالضَّمير في (أعذِّبه وأحبُّه) مفعول مطلق لا مفعول به؛ لأنَّ الفعل قد استوفى مفعوله في الموضعين كليهما وهو (أحداً)، والضَّميران عائدان للمصدرين.
ج –الإشارة إلى المصدر، ويغلب أن يأتي بعد الإشارة مصدر كالمحذوف، نحو: (أحسَنَ الأجدادُ في كفاحِهِم وعلمِهِم، فينبغي أنْ نسيرَ على آثارهم فنكافحَ ذلك الكفاحَ، ونتعلَّمَ ذلك العلمَ).
ذا: اسم إشارة مبني على السُّكون في محلِّ نصب، مفعول مطلق نائب عن المصدر.
د –ما يشاركه في أصول مادَّة الاشتقاق، وهو:
١ –اسمُ مصدرٍ، نحو: (أعنْتُكَ عوناً، وكلَّمْتُكَ كلاماً).
٢ –مصدر لفعل آخر، كقوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيهِ تَبْتِيلاً}، (سورة المزَّمِّل: ٨) فـ التَّبتيل مصدر للفعل (بَتَّلَ)، وقد ناب عن (تبتُّلاً).
هـ -ما دلَّ على نوع المصدر، نحو: (قعد القرفصاءَ، ورجع القهقرى). فكلمتا القرفصاء والقهقرى: نائب مفعول مطلق.
و –مرادف المصدر، نحو: (أحبَبْتُهُ مِقَةً، وكرهْتُ الظُّلمَ شَنَآناً، وفرحْتُ بزيارة الصَّحب جَذَلاً، وضحكْتُ تبسُّماً، وقُمْتُ للعالِمِ وقوفاً).
فالكلمات التي تحتها خط تُعْرَبُ نائبَ مفعول مطلق.
ز –ما دلَّ على عدد المصدر، نحو: (قرأْتُ الدَّرسَ قراءتين أو ثلاثاً)، وكقوله تعالى: {فَاجْلُدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}، (سورة النُّور: ٥).
ثمانين: نائب مفعول مطلق ناب عن المصدر، منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنَّه ملحق بجمع المذكَّر السَّالم. جلدة: تمييز.
ح –ما دلَّ على آلة المصدر التي عُرِفَتْ في إحداثه، نحو: (ضربْتُ المذنبَ سوطاً، وضربت العدو سيفاً، وسقيت الظَّامئ كوباً).
ط –لفظا (بعض وكلّ) وما في معناهما مضافة لمثل المصدر المحذوف، نحو: (أحبَبْتُ عملَكَ كُلَّ الحُبِّ، وأُكْرِمَ الزَّائرُ بعضَ الإكرامِ، وأَخلصْ في مودَّتِكَ جميعَ الإخلاصِ، وتودَّدْ إلى الكرامِ عامَّةَ التَّودُّدِ).
ي –ما دلَّ على هيئة المصدر، نحو: (مشى اللِّصُّ مشيةَ الهرِّ، ووثبَ الشُّجاعُ وثبةَ النَّمرِ).
ك –(ما) و(أيّ): الاستفهاميَّتان أو الشَّرطيَّتان و(مهما) الشَّرطيَّة إذا دلَّت على الحدث، كقوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}، أيَّ: اسم استفهام منصوب على أنَّه نائب مفعول مطلق.
ونحو قولنا: (مَا تَسْرْ أَسِرْ)، والمعنى: أيَّ سَيرٍ تَسِرْ أَسِرْ.
أحكام المفعول المطلق
١ –المفعول المطلق (المصدر) المؤكِّد لعامله لا يثنَّى ولا يجمع باتِّفاقٍ؛ لأنَّه قُصِدَ به المعنى فأشبه أسماء الجنس كـ ماء وخلٍّ وزيت، ولأنَّه بمنزلة تكرار الفعل، وهذا لا يثنَّى ولا يجمع، فيقال: فاز المُجِدُّ أو المُجدَّان أو المُجدُّون فوزاً، ولا يُقال: فوزان أو فوزات.
٢ –المفعول المطلق المبيِّن للعدد يثنَّى ويجمع باتِّفاق، نحو: (قابَلْتُكَ مقابلتين، وزُرْتُ أخاكَ ثلاثَ زوراتٍ).
٣ –المفعول المطلق المبيِّن للنَّوع تجوز فيه التَّثنية والجمع على الأرجح، كقوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}، (سورة الأحزاب: ١٠)، ونحو قولنا: (سلك الأمير في حُكمه سلوكَي الحكيم؛ الشِّدَّة واللِّين).
حذف العامل في المفعول المطلق
١ –يجوز حذف عامل المفعول المطلق (المصدر) المبيِّن للنَّوع أو للعدد إن وُجِدَ في الكلام ما يدلُّ عليه، كقولنا للقادم من سفر: (قدوماً مباركاً)، أو للعازم على الرَّحيل (سفراً ميموناً)، وللعائد من الحجِّ (حجّاً مبروراً وسعياً مشكوراً)، وكقولنا: (درساً متَّصلاً، ونَعَمْ قراءتين) جواباً لمن سأل: هل تدرس منهاجك؟ وهل قرأت الدَّرس؟
٢ –الأصل في عامل المصدر المؤكِّد ألَّا يحذف؛ لأنَّه سِيقَ لتأكيد معنى العامل نفسه ولتقويته ولتقرير المراد منه، والحذف مُنَافٍ لذلك كلِّه، وما جاء منه محذوفاً عَدَّهُ النُّحَاة باباً قائماً بنفسه وسَمَّوه (باب المصدر النَّائب عن فعله)، واستقصوا أقسامه ومسائله، واستعرضوا أمثلته.
المصدر أو المفعول المطلق النَّائب عن فعله
هو مصدر أنابه العرب عن فعله ومنعوا ذكر الفعل معه لئلَّا يجتمع العِوَضُ والمُعَوَّضُ عنه، وهو نوعان:
النَّوع الأوَّل: مصادر استُعملت وليس لها فعل، أو لها فعل لكنَّه أُمِيتَ مِنَ الاستعمال، فيُقدَّر لها عامل من معناها، نحو: (وَيلَ زيدٍ وويحَهُ)، والتَّقدير: أحزن اللَّه زيداً ويله، ورَحِمه اللَّه ويحه.
وكقول كعب بن مالك:
تَدَعُ الجَمَاجِمَ ضَاحياً هاماتُهَا * بَلْهَ الأَكُفِّ كأنَّها لم تُخْلَقِ
والتَّقدير: اترك بله الأكفِّ.
ونحو قولنا: (رُوَيْدَ المعسرِ)، والتَّقدير: أَمْهِلِ المعسرَ رويَده.ُ
والمصدر في الأمثلة الآنفة الذِّكر منصوب بالعامل المحذوف وجوباً، ونائبٌ عنه يعمل عليه ولا يجتمع معه.
ملحوظة: رويد: منصوب على المصدريَّة أي المفعوليَّة المطلقة، ويعرب: مفعولاً مطلقاً، كذلك إن جاء مُنَوَّناً، نحو: (رويداً المعسر)، فإن جاء غير منوَّن ونُصِبَ ما بعده، نحو: (رويد زيداً) فهو اسم فعل أمر بمعنى أمهل.
ملحوظة ثانية: استعمل العرب (ويح) و(ويس) للرَّحمة، و(ويل) و(ويب) للعذاب، فإن جاءت مضافة نُصِبَتْ على أنَّها مفاعيل مطلقة، وإن جاءت محلَّاة بـ ال فالأرجح رفعها على الابتداء، نحو: (الويلُ للمجرم)، وإن جاءت مجرَّدة من ال والإضافة جاز فيها الرَّفع والنَّصب على الوجهين السَّابقين، نحو قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}، (سورة المطفِّفين: ١)، ونحو قولنا: (ويحاً لمن لم يقطف ثمرة عمله)، أي رحمةً.
ملحوظة ثالثة: مثال على الفعل الَّذي أُميت استعماله، قولنا: (رويدَ زيد) ففعلها (أَرْوِدْ) بمعنى (تَمَهَّلْ) لم يعد مستعملاً.
النَّوع الثَّاني: مصادر أقيمت مقام فعلها ولها فعل مستعمل وهي قسمان:
١ –قسم خاصٌّ بالأساليب الإنشائيَّة، وهو ما كان دالّاً على واحداً ممَّا يلي:
- أمر أو نهي، كقولنا: (سكوتاً لا كلاماً)، (صبراً في الشَّدائد).
- دعاء، نحو: (سَقْياً لَكَ وَرَعْياً)، (خيبةً للمهملِ)، (تبّاً للخائن)، (سُحْقاً للعدو).
فكلُّ مثال من الأمثلة السَّابقة مكوَّن من جملتين، فقولنا: (سقياً لك)، التَّقدير: (اسقِ يا اللَّهُ سقياً، الدُّعاءُ لَكَ). ولذا يُعَلَّقُ الجارُّ والمجرور بخبر مبتدأ محذوف، والجملة استئنافيَّة، لا محلَّ لها من الإعراب.
- استفهام توبيخيٌّ أو تعجُّبيٌّ، كقولنا: (أكسلاً وقد جَدَّ النَّاسُ)، وقول سحيم بن عبد الحسحاس:
أشوقاً ولمَّا يَمْضِ لي غيرُ ليلةٍ * فكيفَ إذا خَبَّ المَطِيُّ بِنا عَشْرا
٢ –مصادر تأتي في الأساليب الخبريَّة، وذلك في ثلاث مسائل:
الأولى: مصادر مسموعة دلَّت القرائن على أفعالها المحذوفة، كقولهم عند تَذَكُّرِ النِّعمة: (حَمداً وشُكراً لا كُفراً)، وعند الشَّدائد: (صبراً لا جَزعاً)، وعند الاستجابة للطَّلب (أفعلُ ذلك وحُبّاً وكرامة، سمعاً وطاعة)، وعند الرَّفض (لا أفعله لا كَيداً ولا همّاً) من فِعلي (كاد وهمَّ بالشَّيء)، أو كقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} أي منعاً ممنوعاً، وقولهم: (عجباً)، ويكاد يقتصر هذا النَّوع على المسموع عن العرب.
الثَّانية: ما جاء من المصادر ليُفَصِّلَ عاقبة جملة قبله، كقولنا: (سنجاهد؛ فإمَّا نصراً مؤزَّراً، وإما استشهاداً مبروراً)، وكقوله تعالى: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}، (سورة محمَّد: ٥).
الثَّالثة: أن يكون المصدر مؤكِّداً لنفسه أو لغيره:
-فالأوَّل: أن يقع المصدر بعد جملة تحمل معناه نفسه، بل هي نَصٌّ في معناه الحقيقيِّ، كقولنا: (إنَّ العِلْمَ نافعٌ حقّاً، وإن الجهل ضارٌّ يقيناً، ولك عَلَيَّ دَين عرفاً) فكلٌّ مِنَ الحقِّ واليقين والاعتراف هو المفهوم من الجمل المتقدِّمة، ولكنَّ المصدر أتى ليؤكِّد هذا المعنى وهو هو نفسه.
-والثَّاني: أن يأتي المصدر بعد جملة ليست نصاً في معناه بل تحتمله وتحتمل غيره، فإذا جاء المصدر أكدَّ المعنى المراد ومنع الاحتمال، كقولنا: (أنا لا أخون عهدي البتَّةَ أو بتاتاً، وزيد ابني حقّاً) فالمصدر الأوَّل أكَّد معنى الجملة ونفى الانقطاع عن عدم الخيانة، والمصدر الثَّاني أكَّد معنى البُنُوَّة ونفى احتمال البنوَّة المجازيَّة.
وثَمَّةَ مسائل أخرى تأتي فيها مصادر نائبة عن أفعالها، غير أنَّنا طوينا ذِكرها لقلَّتها في الاستعمال، كقولهم: (للمقاتل زئيرٌ زئيرَ أسدٍ، أنت سيراً سيراً، إنَّما أنت نجاحاً، أأنت اجتهاداً؟).
ومن المصادر الَّتي سُمِعَتْ منصوبةً على المفعوليَّة المطلقة قولهم: (لبَّيكَ وسعديكَ، وحنانيكَ، وهكذا دواليكَ، حذاريكَ)، وعلامة النَّصب فيها جميعاً الياءُ؛ لأنَّها مثناة.
ومن المصادر المفردة: (معاذَ اللَّهِ، سبحانَ اللَّهِ).