المفعول معه: تعريفه ووظيفته والعامل فيه وشروطه
في عالم النحو العربي، يتجلى جمال اللغة العربية وأسرارها من خلال تفاصيل دقيقة تميزها عن غيرها من اللغات. ومن بين هذه التفاصيل المبهرة يأتي المفعول معه، الذي يُعد أحد الأركان النحوية التي تضيف إلى الجملة بُعداً إضافياً من المعنى والجمال. لا يقتصر دور المفعول معه على إيضاح المصاحبة والاقتران فقط، بل يمتد ليشمل دلالات أعمق تعبر عن الظروف والتفاعلات التي تحدث بين العناصر المختلفة في الجملة.
تخيل نفسك في رحلة لغوية تأخذك عبر أروقة القواعد النحوية، حيث تستكشف كيف يمكن لحرف الواو البسيط أن يغير من هيكل الجملة ويعطيها طابعاً مميزاً. كيف يمكن لجملة مثل “سرتُ والشاطئ” أن تعبر عن مصاحبة بين الفاعل والشاطئ بطريقة لا يمكن لأي لغة أخرى أن تعبر عنها بمثل هذه الدقة والوضوح؟ وكيف يمكن لهذا الاستخدام البسيط أن يفتح أمامنا آفاقاً جديدة لفهم اللغة واستخدامها بطرق مبتكرة؟
في هذا المقال، سنخوض معاً في عالم المفعول معه، نكتشف تعريفه ووظيفته، نفهم الشروط التي تحكم استخدامه، ونستعرض الفرق بينه وبين واو العطف. سنغوص في أمثلة متنوعة ونحلل كيف يضفي المفعول معه لمسة فنية على اللغة العربية، مما يجعلها لغة حية تنبض بالحياة والإبداع. انضم إلينا في هذه الرحلة، واستعد لاكتشاف جماليات اللغة العربية وأسرارها من خلال نافذة المفعول معه.
تعريف المفعول معه ووظيفته
هو اسمٌ فُضلةٌ يأتي بعد واو بمعنى (مع) مسبوقاً بجملة فيها فعلٌ أو شبهه، والفعل إما ظاهر وإما مقدر.
ووظيفة المفعول معه هو الدلالة على المعيّة أو الاقتران أو المصاحبة حين حصول الحدث، وقد يدل على أنه مشترك في الحكم، ولكن هذه الدلالة ليست مقصودة، وقد لا يدل على الاشتراك في الحكم؛ فقد يكون مع المعية مشاركة، وقد لا يكون.
تقول: سرتُ والجبلَ، فالمعنى سرتُ مع الجبلِ؛ فـ (الجبل) اسم جاء بعد واو بمعنى (مع)، وسُبق بجملة فيها فعل، ودلّ المفعول معه على المصاحبة وليس ثمة مشاركة في السير ومثل ذلك قولك: جئتُ وطلوعَ الشمسِ، فالمعنى: جئت مع طلوع الشمس، فهذه الجملة تدل فيها الواو على الاقتران والمصاحبة والمعية، ولا تدل على الاشتراك في الحكم وهو المجيء.
وتقول: جئت وزيداً. فـ (زيداً) مفعول معه؛ لأنه جاء بعد واو بمعنى (مع)، وسبق بجملة، ودلّ المفعول معه على المصاحبة والاقتران ودل أيضاً على الاشتراك في الحكم، وهو المجيء، ولكن المعنى المقصود هو الاقتران ولذلك انتصب ما بعد الواو على أنه مفعول معه. وقال تعالى: {فأجمِعوا أمركم وشركاءكم} فـ (شركاءكم) مفعول معه؛ لأن المعنى: أجمعوا أمركم بصحبة شركائكم، ولا دلالة على الاشتراك في الحكم؛ لأن العطف ضعيف جداً، فالفعل (أجمعوا) لا ينصب إلا مفعولاً من المعاني لا الذوات والشركاء اسم ذات، فلا تكون مفعولاً به للفعل (أجمعوا). وقال الشاعر:
وما أنا والسّيْرَ في مَتْلَفٍ * يبرِّحُ بالذّكَرِ الضّابطِ؟
فـ (السير) مفعول معه؛ لأن المعنى: ما أنا مع السير؟ ولكنه لم يسبق بفعل ظاهر، فلا بد من تقدير فعل نحو: ما أكونُ والسيرَ؟
وتعرب (ما) خبراً إذا قدّرنا (أكون) فعلاً ناقصاً، وتعرب مفعولاً مطلقاً إذا قدّرناه فعلاً تاماً، ويعرب الضمير (أنا) فاعلاً للفعل التام، أو اسماً للفعل الناقص.
العامل في المفعول معه
الواوُ حرف غير مخصص، يدخل على الأسماء والأفعال، ولذلك فهو مُهمل، والمفعول معه قد يكون الفعل السابق له لازماً، والفعل اللازم لا ينصب مفعولاً صريحاً، ولا يتعدى إليه بنفسه، بل يحتاج إلى مُقَوٍّ، ولذلك قال النحويون: إن العامل في المفعول معه هو الفعل بمساعدة واو المعيّة؛ قَوَّتِ الواو الفعل وساعدته على نصب المفعول معه، كما قوّت (إلا) في الاستثناء الفعل اللازم، فعدّته إلى المستثنى، فنصبه بمساعدة (إلا). تقول: قام القومَ إلا زيداً.
شروط المفعول معه
تعريف المفعول معه يشير إلى شروطه. وله شرطان، هما:
١ -الدلالة على المعيّة أو الاقتران أو الاصطحاب:
ويتم ذلك بأن يكون معنى (الواو) هو معنى (مع)، وأن يكون هذا المعنى هو المقصود. فالواو لها معنيان قد يجتمعان وقد يفترقان وهما المعية والاشتراك في الحكم، ويختلف إعرابها بحسب المعنى المقصود، وإن دلّت على المعنى الآخر. فإذا قلت: جاء خالدٌ ومحمدٌ، فالواو معناها الأساسي الاشتراك في حكم المجيء، وإعرابها حرف عطف، وقد تدل في الوقت نفسه على معنى الاصطحاب. وإذا قلت: جاء خالدٌ ومحمداً، فإن الواو معناها الأساسي المعيّة والاصطحاب، وتدلُّ على الاشتراك في الحكم.
وتقول: لا تطلب المنصب والذلَّ، فالواو هنا بمعنى (معَ)، والمعيّة هي المقصودة؛ لأن النهي لا ينصبُّ على المنصب إلا إذا كان مقروناً بالذلِّ، ولو جعلنا الواو للعطف والاشتراك في الحكم لفسد المعنى؛ لأن المتكلِّم يَنهى حينئذ عن طلب المنصب، والمنصب لا يُنهى عن طلبه إلا إذا كان مقروناً بالذل، فالمتكلم يريد النهي عن الاصطحاب والاقتران.
وتقول: جاء خالدٌ ومحمدٌ بعده، فمن الواضح أن الواو تدلُّ على الاشتراك في الحكم، ولا تدلُّ على الاصطحاب بدلالة كلمة (بعده)، فهي ليست للمعيّة.
٢ -أن يُسْبَقَ بجملة فيها فعلٌ ظاهرٌ أو مقدرٌ أو شبه فعل: إذا قلت: أنت وشأنكَ، فالواو حرف عطف مع أنها تدل على المعيّة والاصطحاب والاقتران؛ لأن الاسم لم يُسبق بالفعل أو شبهه، وليس هناك ما يساعد على تقدير الفعل مثل أدوات النفي أو الاستفهام أو التوكيد أو غير ذلك.
وتقول: كلُّ امرئ وشأنه. فالواو واو العطف، وهي بمعنى (معَ)، وما بعدها معطوف على المبتدأ الذي قبلها، والخبر محذوف وجوباً تقديره: مشروطان أو مقترنان. والسبب في هذا الاعراب أن الاسم لم يسبق بفعل أو شبهه، ولا سبيل إلى تقدير الفعل.
وتقول سرت والطريقَ، وكنت سائراً والشاطئ، وويلاً له وأخاهُ، وحسبُك وزيداً. فالمفعول معه سبق بفعل هو (سرت)، أو اسم فاعل هو (سائراً)، أو مصدر هو (ويلاً)، أو اسم فعل هو (حسبك).
وقد يكون الفعل مقدراً كما في قول الشاعر:
فما أنا والسيرَ في مَتْلَفٍ * يُبَرِّحُ بالذّكرِ الضّابطِ
فالتقدير: فما أكون أنا والسير، وجاز تقدير الفعل؛ لأنه مسبوق باسم استفهام (ما)، وقال الشاعر:
أزمانَ قومي والجماعةَ كالذي * منعَ الرِّحالة أن تميلَ مَمْيلا
فالتقدير: أزمان كان قومي والجماعة، وجاز تقدير الفعل؛ لأنه مسبوق بظرف زمان.
وتقول: ما أنتَ وزيداً؟ ومع ذلك فالنصب إن لم يكن الفعلُ ظاهراً قليلٌ.
الفرق بين واو العطف وواو المعية
يتضح من الكلام السابق أن واو العطف الأساس فيها أن تدل على الاشتراك في الحدث أو الحكم، ويمكن للمتعاطفين أن يكونا مصطحبين عند وقوع الحدث أو غير مصطحبين. تقول: سافرَ حسنٌ وخالدٌ.
فالواو حرف عطف، ودل العطف على اشتراك حسن وخالد في السفر. أما اصطحابهما فليس عليه دليل، فقد يكون وقد لا يكون.
والاسم بعد واو المعيَّة يدل على الاصطحاب والاقتران عند وقوع الحدث، ويمكن للمفعول معه والاسم أن يكونا قد اشتركا في الحدث، ويمكن ألا يكونا قد اشتركا. تقول: سرتُ والشاطئ، فالمعيّة تدلّ على الاقتران، أما المشاركة في السير فمفقودة في هذا المثال. وتقول: جئت وخالداً، فالمعية تدل على الاصطحاب وهناك مشاركة في المجيء ولكنها ليست هي المقصودة.
أحوال الاسم بعد واو المعية
لمّا كانت واو العطف تحتمل أحياناً أن تدل على المصاحبة، ولما كانت واو المعيّة تحتمل أحياناً أن تدل على المشاركة في الحدث أو الحكم، كان للاسم بعد الواو الحالات التالية:
١ -وجوب المعيّة وامتناع العطف
يجب النصب على المعية إذا امتنع التشريك في الحكم. تقول: سارت القافلةُ والشاطئَ، وحضر أخي وصلاةَ الفجر، وجاء البردُ والطيالسةَ، واستوى الماء والخشبةَ، وقال تعالى: {والذين تبوؤوا الدارَ والإيمانَ من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم} فما بعد الواو في كل ما مرّ لا يمكن أن يشترك في الحكم؛ فالشاطئ لا يسير، وصلاة الفجر لا تحضر، والطيالسة لا تجيء، والخشبة لا تشارك الماء في الاستواء، والإيمان لا يُتبوأ، ولذلك فإن المعيّة هنا واجبة، وامتناع العطف واجب. وقال الشاعر:
فكونوا أنتمُ وبني أبيكم * مكان الكليتين من الطحال
فالاسم (بني) مفعول معه؛ لأن المعنى يمنع الاشتراك، ويفيد الاصطحاب.
٢ -قبح العطف واستحسان المعيّة
يستقبح العطف لسبب لفظي في موضعين:
آ -العطف على ضمير الرفع المستتر أو المتصل بلا فاصل يفصل بين المتعاطفين، ولذلك يحسن أن ينتصب ما بعد الواو على أنه مفعول معه. تقول: جئت وخالداً.
ففاعل الفعل (جئت) ضمير رفع متصل، لا يمكن العطف عليه من غير فاصل يفصل بين المتعاطفين. وتقول: أخي سافر وجميلاً. ففاعل الفعل (سافر) ضمير مستتر، ولا يجوز العطف عليه من غير فاصل يفصل بين المتعاطفين.
ولقد ذُكر الفاصل في القرآن الكريم، قال تعالى: {فاذهب أنت وربُّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون} فجاء الضمير (أنت) ليفصل بين فاعل (اذهب) وهو ضمير مستتر، والمعطوف عليه وهو كلمة (ربك).
ب -العطف على الضمير المجرور في غير إعادة للعامل: تقول: ويلاً له ولأخيه.
وتقول: زيدٌ مررتُ به وأخاه. لو أردت العطف لأعدت حرف الجرّ، ولقلت: زيدٌ مررتُ به وبأخيه.
وتقول: ما شأنُكَ وزيداً. ولو أردت العطف لأعدت المضاف، ولقلت: ما شأنُك وشأنُ زيدٍ.
٣ -جواز العطف والمعيّة، واستحسان العطف
إذا لم يكن ثمة دليل على أن المراد هو أحد المعنيين (التشريك أو المعيّة)، ولم يكن ثمة ما يوجب المعية أيضاً تقول: أكرم أبوك وأخوك الضيوف، وحضر الجند والقائدُ، ويجوز فيهما النصب على المعيّة.
أما إذا قُصدت المعيّة فإن العطف يمتنع.
٤ -وجوب العطف وامتناع المعيّة
يجب العطف في المواضع التالية:
أ -إذا كان الفعل يدل على المشاركة، ويقوم به متعاطفان، فالاسم المعطوف حينئذ ركن أساسي لا تتم الجملة إلا به، وليس فضلة. تقول: تحاور المدرسُ والطلابُ، واختصم العامل وربُّ العملِ، وتقاتل الحارسُ واللصُّ.
ب -إذا لم تكن المعيّة متحققة، أو مقصودة، تقول: سافر أخي وأبوه بعده، وجاء خالدٌ وسعيد قبله.
جـ -إذا لم يكن في الجملة فعل ظاهر، وليس ثمة أداة تبيح تقدير الفعل نحو: أنت وخالد أعلم من غيركما، وكلُّ أمرئ وشأنُه.
٥ -امتناع الشريك وامتناع النصب على المعية
قد يأتي الاسم منصوباً بعد واو، ولا يجوز عطفه على ما سبقه لانتفاء التشريك بينهما في الحكم، ولا يجوز نصبه على أنه مفعول معه لانتفاء الاقتران، فيكون منصوباً بفعل محذوف، يدل عليه المعنى، قال الراجز:
لمّا حططتُ الرّحل عنها واردا
علفتها تبِناً وماءً باردا
فالماء لا يعلف، والتقدير: علفتها تبناً، وسقتها ماء بارداً. وقال الشاعر:
إذا ما الغانياتُ برزْن يوماً * وزججن الحواجب والعيونا
فالترجيح هو جعل الحاجب مقوّساً كالزجِّ، والعطف من عطف الجمل لا المفردات. فالعيون لا تزجّج، والتقدير: وزجّجن الحواجب وكحّلن العيونا.
خاتمة
وهكذا نكون قد وصلنا إلى ختام رحلتنا في استكشاف المفعول معه في اللغة العربية. لقد تعرفنا على تعريفه ووظيفته، فهمنا الشروط التي تحكم استخدامه، وتميزنا بينه وبين واو العطف من خلال أمثلة واضحة ومعبرة. لا شك أن هذه التفاصيل النحوية تعكس ثراء وتعقيد اللغة العربية، وتضيف لمسة من الجمال والإبداع لكل جملة تُكتب أو تُقال.
إن فهمنا للمفعول معه يعزز من قدراتنا في التعبير بدقة ووضوح، ويجعلنا قادرين على نقل المعاني بطريقة أكثر جمالية. لذا، ندعوك لمواصلة استكشاف أسرار لغتنا الجميلة وتطبيق ما تعلمته في كتاباتك وحواراتك اليومية. فاللغة هي أداة قوية تساهم في التواصل الفعّال، وكلما عمقنا فهمنا لها، زادت قدرتنا على التواصل ببراعة وإبداع.
نأمل أن تكون هذه المقالة قد أضافت إلى معرفتك وفهمك، وجعلتك تقدر أكثر روعة اللغة العربية ودقتها. شكراً لقراءتك، ونتطلع إلى مرافقتك في المزيد من الرحلات اللغوية الشيقة في المستقبل!
الأسئلة الشائعة
١ -ما هو تعريف المفعول معه؟ المفعول معه هو اسم فضلة يأتي بعد واو بمعنى “مع”، ويكون مسبوقاً بجملة تحتوي على فعل أو شبهه، ويدل على المعيّة أو الاقتران أو المصاحبة عند حدوث الفعل.
٢ -ما هي وظيفة المفعول معه؟ وظيفته هي الدلالة على المعيّة أو الاقتران أو المصاحبة عند حدوث الفعل، وقد يدل أحياناً على المشاركة في الحكم.
٣ -ما هي شروط المفعول معه؟ الشرطان الأساسيان هما: الدلالة على المعيّة أو الاقتران أو الاصطحاب، وأن يُسبق بجملة تحتوي على فعل ظاهر أو مقدر أو شبه فعل.
٤ -كيف نفرق بين واو العطف وواو المعية؟ واو العطف تدل على الاشتراك في الحكم أو الحدث، بينما واو المعية تدل على المصاحبة عند وقوع الحدث.
٥ -ما هو العامل في المفعول معه؟ العامل في المفعول معه هو الفعل بمساعدة واو المعية.
٦ -هل يمكن أن يكون المفعول معه مسبوقًا بفعل مقدر؟ نعم، يمكن أن يكون المفعول معه مسبوقًا بفعل مقدر إذا دلت الجملة على ذلك، مثل تقدير الفعل في جملة “ما أنا والسيرَ”.
٧ -ما هي بعض الأمثلة على المفعول معه؟ مثال: “سرتُ والجبلَ” (الجبل هنا مفعول معه يدل على المصاحبة بدون مشاركة في السير). مثال آخر: “جئت وزيداً” (زيداً هنا مفعول معه يدل على المصاحبة والاقتران في المجيء).
٨ -متى يجب النصب على المعية ويمتنع العطف؟ يجب النصب على المعية إذا امتنع التشريك في الحكم، مثل: “سارت القافلة والشاطئ”.
٩ -متى يقبح العطف ويستحسن النصب على المعية؟ يقبح العطف ويستحسن النصب على المعية في حالات العطف على ضمير الرفع المستتر أو المتصل بلا فاصل، أو العطف على الضمير المجرور بدون إعادة العامل.
١٠ -هل يمكن استخدام المفعول معه مع أسماء الأفعال؟ نعم، يمكن استخدام المفعول معه مع أسماء الأفعال مثل “حسبك وزيداً” حيث “زيداً” مفعول معه و”حسبك” اسم فعل.