ألفية ابن مالك

إعراب الأفعال الخمسة في ألفية ابن مالك

قالَ ابنُ مالكٍ:

وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلَانِ النُّونَا … رَفْعاً وَتَدْعِينَ وَتَسْأَلُونَا

وَحَذْفُهَا لِلْجَزْمِ وَالنَّصْبِ سِمَهْ … كَلَمْ تَكُونِي لِتَرُومِي مَظْلَمَهْ

شرحُ مفرداتِ الأبياتِ

-وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلَانِ: أيْ: مِنْ كلِّ فعلٍ مضارعٍ اتَّصلَتْ بِهِ ألفُ اثنينِ مخاطَبينِ أوْ غائبَينِ نحوُ: أنتما تفعلانِ، وهما يفعلانِ.

-النُّونَا رَفْعاً: أي اجعلِ النُّونَ علامةَ الرَّفعِ لنحوِ: يفعلانِ.

-وَتَدْعِينَ: أيْ ونحوِ (تدعينَ)، وهوَ كلُّ فعلٍ اتَّصلَتْ بِهِ ياءُ المخاطبةِ.

-وَتَسْأَلُونَا: أيْ ونحوِ (تسألونَ)، وهوَ كلُّ فعلٍ اتَّصلَتْ بِهِ واوُ جمعٍ مخاطَبينِ أوْ غائبَينِ، نحوُ: (أنتمْ تفعلونَ وهمْ يفعلونَ).

فالأمثلةُ خمسةٌ، وهيَ: يفعلانِ، وتفعلانِ، وتفعلونَ، ويفعلونَ، وتفعلينَ، فهذهِ الأمثلةُ رَفْعُهَا بثبوتِ النُّونِ نيابةً عنِ الضَّمَّةِ.

-وَحَذْفُهَا لِلْجَزْمِ وَالنَّصْبِ سِمَهْ: أيْ حذفُ النُّونِ علامةٌ للجزمِ والنَّصبِ، كقولِهِ تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}.

-كَلَمْ تَكُونِي لِتَرُومِي مَظْلَمَهْ: هذا مثالٌ عنِ الجزمِ والنَّصبِ.

الأصلُ تكونينَ وترومينَ، فحُذفَتِ النُّونُ في (تكوني) لأنَّ الفعلَ مجزومٌ بلمْ، وحُذفَتْ في (ترومي) لأنَّهُ منصوبٌ بأنْ المضمرةِ بعدَ لامِ الجحودِ.

إعراب المقصور والمنقوص من الأسماء

قالَ ابنُ مالكٍ:

وَسَمِّ مُعْتَلّاً مِنَ الْأَسْمَاءِ مَا … كَالْمُصْطَفَى وَالْمُرْتَقِي مَكَارِمَا

فَالْأَوَّلُ الْإِعْرَابُ فِيْهِ قُدِّرَا … جَمِيْعُهُ وَهُوَ الَّذِي قَدْ قُصِرَا

وَالثَّانِ مَنْقُوْصٌ، وَنَصْبُهُ ظَهَرْ … وَرَفْعُهُ يُنْوَى كَذَا أَيْضاً يُجَرْ

شرحُ مفرداتِ الأبياتِ

-وَسَمِّ مُعْتَلّاً مِنَ الْأَسْمَاءِ مَا … كَالْمُصْطَفَى وَالْمُرْتَقِي مَكَارِمَا: أيْ أَطْلِقْ اسمَ (المعتلِّ)، يريدُ (المقصورَ والمنقوصَ)، على الاسمِ الَّذي حَرفُ إعرابِهِ ألفٌ ليِّنةٌ لازمةٌ، مثلُ: المصطفى، ومثلُهُ: موسى والعصا، وهوَ المقصورُ.

أوْ كالَّذي حرفُ إعرابِهِ ياءٌ لازمةٌ قبلَهَا كسرةٌ كالمرتقي، وهوَ المنقوصُ، ومَكارماً: تتمَّةُ المثالِ.

وقدْ سمَّى ابنُ مالكٍ كلّاً مِنْ هذينِ الاسمينِ معتلّاً؛ لأنَّ آخرَهُ حرفُ علَّةٍ، أوْ لأنَّ الأوَّلَ، وهوَ المقصورُ، يُعلُّ آخرُهُ بالقلبِ: إمَّا عنْ ياءٍ، نحوُ: الفتى، أوْ عنْ واوٍ، نحوُ: المصطفى، والمنقوصُ يُعلُّ آخرُهُ بالحذفِ.

-فَالْأَوَّلُ الْإِعْرَابُ فِيْهِ قُدِّرَا: أيْ إنَّ الأوَّلَ مِنْ هذينِ الاسمينِ، وهوَ المصطفى، يُقدَّرُ فيهِ الإعرابُ على الألفِ للتَّعذُّرِ.

-جَمِيْعُهُ: أيْ يُقدَّرُ فيهِ جميعُ الإعرابِ، أيْ: جميعُ أنواعِ الإعرابِ الَّتي تَصلحُ لَهُ، وهيَ الرَّفعُ والنَّصبُ والجرُّ، فتقولُ: جاءَ الفتى، ورأيْتُ الفتى، ومررْتُ بالفتى.

-وَهُوَ الَّذِي قَدْ قُصِرَا: أيْ سُمِّيَ مقصوراً، والقَصْرُ: الحَبْسُ، وسُمِّيَ بذلِكَ؛ لأنَّهُ محبوسٌ عنِ المدِّ، فهوَ مقصورٌ عنِ التَّمامِ، أوْ لقصرِ آخرِهِ مِنْ أنْ تَظهرَ عليهِ حركاتُ الإعرابِ.

-وَالثَّانِ مَنْقُوْصٌ: أيْ هوَ كالمرتقي، سُمِّيَ منقوصاً لحذفِ لامِهِ للتَّنوينِ، أوْ لأنَّهُ نَقَصَ منهُ ظهورُ بعضِ الحركاتِ.

-وَنَصْبُهُ ظَهَرْ: أيْ تظهرُ عليهِ علامةُ النَّصبِ، وهيَ الفتحةُ لخِفَّتِهَا، كقولِهِ تعالى: {أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ}.

-وَرَفْعُهُ يُنْوَى: أيْ علامةُ رفعِهِ تُقَدَّرُ على الياءِ ولا تَظهرُ، كقولِهِ تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ}، {لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، فعلامةُ الرَّفعِ ضمَّةٌ مقدَّرةٌ على الياءِ الموجودةِ أوِ المحذوفةِ.

-كَذَا أَيْضاً يُجَرْ: أيْ علامةُ جرِّهِ تُقدَّرُ، أيضاً، على الياءِ، ولا تظهرُ كالرَّفعِ، كقولِهِ تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ}، و {أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ}.

ولمْ يظهرِ الرَّفعُ والجرُّ استثقالاً، لا تعذُّراً، لإمكانِهِمَا، وقدْ ظهرا في الشِّعْرِ كقولِ جريرٍ:

فَيَوْماً يُوافِينَ الْهَوَى غيرَ مَاضِيٍ … ويوماً ترى مِنْهنَّ غولاً تَغَوَّلُ

وقولِ الشَّاعرِ:

لَعَمْرُكَ مَا تَدري متى أنتَ جَائِيٌ … وَلَكنَّ أَقصَى مُدَّةِ العُمْرِ عَاجِلُ

إعراب المعتل من الأفعال

قالَ ابنُ مالكٍ:

وَأَيُّ فِعْلٍ آخِرٌ مِنْهُ أَلِفْ … أَوْ وَاوٌ أَوْ يَاءٌ فَمُعْتَلّاً عُرِفْ

فَالْأَلِفَ انْوِ فِيْهِ غَيْرَ الْجَزْمِ … وَأَبْدِ نَصْبَ مَا كَيَدْعُو يَرْمِي

وَالرَّفْعَ فِيْهِمَا انْوِ وَاحْذِفْ جَازِمَا … ثَلَاثَهُنَّ تَقْضِ حُكْماً لَازِمَا

شرحُ مفرداتِ الأبياتِ

-وَأَيُّ فِعْلٍ آخِرٌ مِنْهُ أَلِفْ … أَوْ وَاوٌ أَوْ يَاءٌ فَمُعْتَلّاً عُرِفْ: ومعناهُ: إذا كانَ الفعلُ منتهياً بألفٍ أوْ واوٍ أوْ ياءٍ فهوَ معتلٌّ، نحوُ: يخشى، يدعو، يرمي.

-فَالْأَلِفَ انْوِ فِيْهِ غَيْرَ الْجَزْمِ: أيْ إذا كانَ آخرُ الفعلِ (ألفاً)، فانوِ أيْ: قَدِّرْ فيهِ الحركاتِ ولا تُظهرْهَا، (غيرَ الجزمِ)، أيْ: عندَ الرَّفعِ والنَّصبِ فقطْ، كقولِهِ تعالى: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ}، فالفعلُ يصلى: مضارعٌ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الضَّمَّةُ المقدَّرةُ على الألفِ للتَّعذُّرِ.

ونحوِ قولِهِ تعالى: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى}، فالفعلُ تزكَّى: مضارعٌ منصوبٌ بأنْ، وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ المقدَّرةُ على الألفِ للتَّعذُّرِ.

والمعنى: قَدِّرِ الضَّمَّةَ والفتحةَ ولا تُظْهِرْهُمَا على الفعلِ المنتهي بالألفِ إنْ كانَ مرفوعاً أوْ منصوباً، أمَّا إنْ كانَ مجزوماً فالألفُ تُحذفُ.

-وَأَبْدِ نَصْبَ مَا كَيَدْعُو يَرْمِي: أيْ أظهرِ الفتحةَ على الفعلِ الَّذي ينتهي بواوٍ وياءٍ، ومَثَّلَ ابنُ مالكٍ لقولِهِ بالفعلينِ: يدعو ويرمي، نحوُ: لنْ يدعوَ، ولنْ يرميَ.

ومثالُهُ قولُهُ تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}.

وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً}.

-وَالرَّفْعَ فِيْهِمَا انْوِ: أيْ قَدِّرِ الرَّفعَ ولا تُظْهِرْهُ فيهِمَا، وهما الفعلانِ يدعو ويرمي، نحوُ: يدعو زيدٌ عمراً، ويرمي زيدٌ سهامَهُ.

ومثالَهُ قولُهُ تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

-وَاحْذِفْ جَازِمَا ثَلَاثَهُنَّ: أيْ إذا كانَ الفعلُ مجزوماً فاحذفْ أحرفَ العلَّةِ الثَّلاثةِ، وهيَ الألفُ والواوُ والياءُ، نحوُ: لمْ يخشَ زيدٌ عمراً، ولمْ يدعُ زيدٌ عمراً، ولمْ يرمِ زيدٌ سهامَهُ.

ومثالُهُ مَنَ القرآنِ قولُهُ تعالى: {أَلَـمْ تَرَ}، {وَلَـمَّـا يَأْتِكُمْ مَثَلُ}، {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا}.

فإذا قال القائل لماذا تظهر الفتحة على الياء والواو ولا تظهر على الألف؟ نقول: لأن الألف صامتة لا تلين ولا تقرأ، ولهذا قلنا: المانع من الظهور تعذر، والياء لينة، وكذلك الواو لينة ليست ثقيلة ولا غليظة، ولهذا تحتمل الفتحة لخفتها، ولا تحتمل الضمة لثقلها، فاجتمع أمران: الأمر الأول: أن الياء سهلة وكذلك الواو، بخلاف الألف.

والثاني أنها تظهر عليها الفتحة لخفتها، ولأن حرف العلة فيه لين، ولهذا يمكن أن تظهر عليه الضمة لكن بثقل، فيمكن أن تقول: (فلان يدعوُ ربه) (فلان يمشيُ على الأرض)، لكن هذا فيه ثقل في النطق.

-تَقْضِ حُكْماً لَازِمَا: أيْ: تحكمُ حكماً لازماً، فالحذفُ هوَ الحكمُ اللَّازمُ الَّذي لا بُدَّ منهُ.

وأرادَ بهذا الكلامِ: أنَّ حذفَ حرفَ العلَّةِ مِنْ آخرِ الفعلِ للجازمِ أمرٌ لا بدَّ منهُ، يعني في القياسِ، فإنَّ السَّماعَ لا يلزمُ فيهِ هذا، ففي ضرورةِ الشِّعرِ فقدْ تثبتُ هذهِ الأحرفُ ويُقدَّرُ الجزمُ، كقولِ قيسِ بنِ زهيرٍ:

أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي … بِمَا لاَقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيادِ

وقولِ زَبَّانَ بنِ العلاءِ:

هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِرا … مِنْ هَجْوِ زَبَّانَ لَمْ تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ

وقولِ عبدِ يَغُوثَ بنِ وقَّاصٍ الحارثيِّ:

وَتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ … كَأَنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أَسِيرا يَمَانِيَا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى