أقسام الأدب، الشعر والنثر وفنونهما
في رحاب عالم الأدب الواسع، تتجلى عبقرية الإنسان في التعبير عن مشاعره وأفكاره بأجمل الصور والألفاظ. في هذه المقالة، سنغوص في أعماق الأدب لنستكشف تقسيماته بين الشعر والنثر وفنونهما المتعددة. الأدب ليس مجرد كلمات مكتوبة على صفحات، بل هو انعكاس للثقافة، والتاريخ، والعواطف الإنسانية التي تلامس أرواحنا وتفتح أمامنا نوافذ جديدة لرؤية العالم.
من خلال هذه الرحلة الأدبية، سنبدأ بفن الشعر، الذي يحمل بين طياته إيقاعات موزونة وقوافٍ بديعة تلامس القلوب وتلهب العواطف. سنتناول تمييز الشعر عن النثر، وكيف تطور الشعر على مر العصور، وصولاً إلى فنون الشعر المختلفة التي تغنت بها حناجر الشعراء. بعدها، سننتقل إلى النثر وفنونه، مستعرضين تطوره وألوانه المتعددة التي تعكس نضج الفكر وعمق التعبير.
نتمنى أن تجدوا في هذه المقالة ما يُثري معرفتكم بالأدب وفنونه، وأن تستمتعوا برحلة شيقة تستكشفون من خلالها جوانب جديدة من هذا العالم الساحر. دعونا نبدأ هذه المغامرة الأدبية معاً.
أ –الشعر وفنونه
إن تقسيم الأدب إلى شعر ونثر أمر واضح لم يَسْتَثِرْ جدالاً عنيفاً بين النقاد، غير أن مسائل متصلة بهذا التقسيم أثارت الجدال، واستوقفت الباحثين، وهي:
- تمييز الشعر من النثر بحدٍّ جامع مانع.
- الخلاف فيهما أيهما السابق.
- ظهور الشعر كيف تم، وما الصورة الأولى من صوره.
١ –تمييز الشعر من النثر
هذه المسألة أثارت قديماً قدامة بن جعفر (توفي سنة ٣٣٧ هـ) إذ عَرَّفَ الشعر بأنه «قول موزون مقفى يدل على معنى». ثم جاء الدارسون المُحْدَثُون فجادلوا قدامة، ورمَوا تعريفه بالنقص، وبأنه لا يأخذ من الشعر إلا جانبه الشكلي. وقَبِلَ التعريفَ مَنْ قَبْلَهُ بعد أن قيده بقيود، ورفضه مَنْ رفضه، واقترح تعريفاً آخر لا يقل عنه غموضاً وإثارة للمجادلة.
عَدَّلَهُ الدكتور عمر فروخ، وقيده بشروط فنية، فقال: «فإذا امتاز النظم بجودة المعاني وتخير الألفاظ، ودقة التعبير، ومتانة السبك، وحسن الخيال مع التأثير في النفس فهو الشعر. وقد تكون هذه الخصائص في الكلام من غير أن يكون موزوناً، ونظل نسميه شعراً».
وحاول الرافضون أن يصوغوا تعريفاً آخر، يشمل عناصر الشعر الشكلية والفكرية والنفسية؛ فأتوا بكلام يمكن أن يندرج فيه الشعر والنثر الفني. جاء في المعجم الأدبي: «الشعر فن يعتمد الصورة والصوت والإيقاع، ليوحي بإحساسات وخواطر وأشياء لا يمكن تركيزها في أفكار واضحة للتعبير عنها في النثر المألوف».
حينما أدرك صاحب المعجم أنه لم يأتِ بتعريف جامع مانع أقر بأن صوغ تعريف دقيق للشعر أمر عسير، فاجتزأ من التعريف بذكر عنصرين مهمين يجب توافرهما في الشعر فقال: «والمعروف أن تحديد الشعر تحديداً وافياً أمر في غاية الصعوبة إن لم يكن من الأمور المستحيلة، لذلك اختلفت المذاهب الأدبية في موقفها من تحديده، غير أن فيه عنصرين أساسيين واضحين في تكوينه، هما:
أ –اللغة: وهي مختلفة عن لغة النثر.
ب –الرؤيا: التي لا تمكن الإبانة عنها إلا باللغة الشعرية؛ فيتيح للإنسان معرفة حدسية مختلفة كل الاختلاف عن النثر».
ويلاحظ القارئ أن هذا التعريف ينبسط وينداح ليستوعب الشعر الحديث، وهو يظن كل الظن أنه مقدود على قده، غير أنه بوضعه الإيقاع والجرس موضع الوزن والقافية أتاح للنثر الفني أن يقتحم على الشعر محرابه، وأن يدخل من الثغرة التي دخل منها الشعر الحديث، وباعتماده على الحدس والرؤيا التي لا يمكن تركيزها في أفكار واضحة طرد من محرابه الشعر الفكري العميق المعاني الدقيق التعبير كشعر أبي العلاء المعري، وهو من أجود الشعر العربي.
وهكذا يظل التعريف الأول الذي وضعه قدامة، وعدله عمر فروخ أقرب إلى الدقة؛ لأنه باقتباسه الموسيقا من الوزن والقافية ماز الشعر من النثر، وبالقيد الذي أضافه عمر فروخ ماز المنظومات التعليمية وأمثالها من الشعر الفني الراقي، وأخرجها من ميدان الأدب.
٢ –أيهما أسبق الشعر أم النثر؟
يكاد الدارسون المُحْدَثُون يُجْمِعون على أن النثر أقدم من الشعر. يقول الدكتور عمر فروخ: «كان الكلام المنثور أسبق في التعبير عن مقاصد الإنسان وعن أفكاره، ثم حدث الكلام الموزون في المناسبات العارضة»، وقال الدكتور محمد ألتونجي: «لم يكن الرأي أن النثر أسبق من الشعر وحسب، بل إن الشعر تطور عن النثر، والنثر الذي وصل إلينا بلغ مرحلة الشيخوخة بعد أن امتصه الرجز والقريض، فالشعر يجب أن تكون له جذور تتطور منه وتتفرع، وهذه الجذور في السجع»، من هذه الفقرة نستنبط أن أقدم صور الكلام النثر المرسل، يليه النثر المسجوع، فالرجز، فالقصيد. على أن هذا الترتيب لم يسلم من معارضة ومناقضة، نجد أوضح صورهما عند طه حسين.
بدأ طه حسين البحث في هذه المسألة بالتمييز بين النثر العادي والنثر الفني، فأقر بأنه «قد كان للعرب نثر منذ عصور قديمة جداً» لكن هذا النمط من النثر ليس من الأدب في شيء، فهو غير جدير بالدرس والعناية. ثم ذهب إلى أن الشعر أقدم من النثر؛ لأن الشعر لغة العواطف الفطرية، والنثر لغة العقل المنطقي، فقال: «ونحن نعرف أن الشعر أقدم عهداً من النثر، وأنه أول مظاهر الفن في الكلام؛ لأنه متصل بالحس والشعور والخيال». وأما النثر فلا يظهر إلا «حين تظهر في الجمعة وتقوى هذه الملكة المفكرة التي نسميها العقل … ويقوى هذا الفن شيئاً فشيئاً بمقدار ما يقوى العقل ويرقى حتى يتم تكوينه، فإذا هو لغة التاريخ والفلسفة والدين».
وهذا الرأي على مناقضته للآراء الأخرى ذو حظ من الصواب، تشفع له حجج مقبولة منها: «أن الأمم كلها تغنت ونظمت الشعر قبل أن تعرف النثر بأزمان طوال» والعرب أمة من هذه الأمم، لا تخالف في تطورها الأمم الأخرى، ومنها أن النصر يحتاج إلى استقرار وحضارة وكتابة. والكتابة كانت محدودة الانتشار بين قبائل العرب البدوية التي ظهر فيها الشعر.
٣ –تطور الشعر وانتقاله من شكل إلى شكل
في هذه المسألة ليس من المعقول أن يكون شكل الشعر الذي نجده في المعلقات خَلْقاً سوياً قد ظهر على هذه الصورة التامة أول ما ظهر. وإنما المعقول أنه كان نطفة ثم علقة مخلقة، ثم اكتملت أوصاله وخصاله واتضحت قسماته وسماته، فكان القصيد.
حدثتنا كتب الأدب والتاريخ عن العرب أنهم كانوا يرتجزون على البديهة، فإذا ساروا بالإبل ارتجزوا، وإذا متحوا الماء ارتجزوا، وإذا احتربوا وتفاخروا ارتجزوا. فكأن الرجز نمط من القول تقذفه البديهة إلى اللسان بلا عنت ولا حصر. أو كأنه فن شعبي واسع الشيوع، وهذا الشيوع يؤكد أصالته وقدمه من ناحية وقماءته وهزاله إذا قيس بالقصيد من ناحية أخرى. جاء في رسالة الغفران لأبي العلاء المعري: «لقد صدق الحديث المروي: إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها. وإن الرجز لَمِنْ سفساف القريض».
فإذا كان الرجز مرحلة الشعر الأولى فما المرحلة الثانية؟
يغلب الظن على أن العرب، بعد أن برعوا في الرجز، وأَلِفَتْ أسماعهم إيقاعه، رَكَّبُوا من لغتهم تراكيب جديدة، وقَلَّبُوها على تقاليب مبتكرة، فانكشفت لهم أوزان انطلقت بها الألسنة وطربت لها القلوب؛ فنظموا على إيقاعاتها مُقَطَّعَات من أبيات تترجم انفاعلاً سريعاً، وتؤدي فكرة عارضة. قال ابن سلَّام: «لم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حاجته».
وفي المرحلة الثانية انتقل الشعر من مرحلة نظم المُقَطَّعات إلى تقصيد المُطَوَّلات، ويزعم ابن سلام الجمحي أن هذه النقلة تمت في زمان عبد المطلب فيقول: «وإنما قُصِّدَتِ القصائد وطُوِّلَ الشعر على عهد عبد المطلب وهاشم بن عبد مناف».
غير أن هذا التجديد غير دقيق؛ لأن عبد المطلب توفي سنة ٤٥ ق هـ، وبين شعراء المطولات أو المعلقات مَنْ سبق عبد المطلب، وبينهم مَنْ أَقَرَّ للمتقدمين بالسَّبْقِ. ولنَقُلْ حرصاً على الدقة: إن مرحلة التطويل مجهولة البداية وهي أقدم عهداً من عبد المطلب. قال محمود شاكر في تفنيد التحديد الذي ادعاه ابن سلام: «هكذا يرى ابن سلام وغيره من المتقدمين، وهو عندي باطل؛ فالشعر أقدم مما يزعم، وطويله أعتق مما يتوهم».
ومهما يكن حظ التحديد من الصواب فإن جوهر المسألة لا يتغير، وهو أن الشعر العربي كان رجزاً وصار مقطعات ذات أوزان متنوعة، ثم آض مطولات ومعلقات، وأنَّ تعدد الأوزان وطول القصائد رافقا تعدد الموضوعات التي تناولها الشعراء، وساعدا على اتساع الأفكار وعمقها.
فبعد أن كانت موضوعات الرجز تتصل بتكاليف الحياة البدوية من حداء، وتحدٍّ للأعداء، أتاحت المطولات بأنفاسها المديدة وأوزانها العديدة آفاقاً رحبة، يحلق فيها الشاعر، ليعبر عن أفكار دقيقة، وعواطف عميقة، لم تكن الأراجيز الراتبة النغم والمقطعات القليلة الأبيات قادرة على استيعابها، ووضعت بين يدي الشاعر أدوات تعينه على النظم في أغراض وفنون مختلفة. فما الأغراض والفنون التي ينشعب إليها الشعر؟ وماذا عرف شعراء الجاهلية منها؟
فنون الشعر في الآداب العالمية
ينشعب الشعر في الآداب العالمية إلى أربعة فنون:
١ –الشعر الغنائي أو الوجداني: وفي هذا الفن يترجم الشاعر عاطفة أو مجموعة من العواطف أَحَسَّها بقصيدة محدودة الطول، كأن يغضب فيهجو، أو يُحِبَّ فينسب، أو يفجع فيرثي، كهجاء الحطيئة للزبرقان، وتغزل الأعشى بهريرة، ورثاء الخنساء لصخر.
٢ –فن الملاحم أو شعر الحماسة: وفيه ينسى الشاعر نفسه، ويتحدَّث عن بطولة أمته، فيُخَلِّدُ انتصاراتها، ويُمَجِّدُ فرسانها ويَتَغَنَّى بمآثرها، ويسلك ذلك كله في سلك قصصي، تخالط فيه الأسطورة الحقيقة، ويمازح فيه الخيال الواقع، مثل: إلياذة هوميروس، وشاهنامة الفردوسي، والمهابهاراتا في الشعر الهندي.
٣ –الشعر المسرحي: وهو الشعر الذي صور حادثة تاريخية، أو قصة اجتماعية، أو أسطورة خيالية، يُقَسِّمُ الشاعر أحداثها بين فصول ومشاهد، وتمثلها شخصيات يُجْرِي الشاعر على ألسنتها ما ينظم من محاورات تعرض أحداث المسرحية، وتحلل ما في شخوصها من أهواء وصراع، كمسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقي.
٤ –الشعر التعليمي: وفيه تلخيص لحقائق العلم في منظومات ليس فيها من الشعر غير الوزن؛ فلا عواطف تؤثر، ولا خيال يجنح، لكنها تعين الذهن على حفظ أدق القواعد وأعمق الحقائق كألفية ابن مالك في النحو، والشاطبية في قراءات القرآن الكريم.
ومن يَقِسِ الشعر الجاهلي بهذه الفنون الأربعة لا يجد فيه غير الشعر الوجداني، وشذرات قليلة تشبه الشعر الملحمي، ذكر فيها الشعراء أيام العرب، وفاخروا بقبائلهم، وخلدوا مآثرها. لكن فن الملاحم لم يرقَ في العصر الجاهلي إلى الرتبة التي بلغها في آداب الأمم الأخرى.
أما الشعر التعليمي فقد بلغ أوجه في عصر الدول المتتابعة إذ لخص النحاة وعلماء اللغة والقراء علومهم في قصائد تطول أو تقصر بأساليب تسهل أو تصعب، لكنها استطاعت أن تنهض بما نُدِبَتْ له من تلخيص ومساعدة على الحفظ.
وأما الشعر المسرحي فلم يعرفه العرب إلا في العصر الحديث، ولم يكتمل إلا في مسرحيات أحمد شوقي ومَنْ نهج منهجه بعد.
ب –النثر وفنونه
يدل النثر في اللغة على رمي الشيء وتفريقه، وفي الاصطلاح على الكلام الذي لا تنتظمه أوزان العروض وقوافيه.
والنثر في اللغة العربية نثران: نثر عادي يقوله الناس في حياتهم اليومية، يعبرون به عن أغراضهم على السجية، ونثر فني يرقى به البلغاء عن لغة التخاطب إلى منزلة من الفن الراقي، والإجادة المتقنة، فيغدو توءم الشعر وقسيمه، وعن هذا الضرب تتحدث كتب الأدب والنقد.
ومِن المُسَلَّم به أن الضرب الأول لغة الناس جميعاً، وأن أبناء اللغة يتناقلونه بالمشافهة ويتعلمونه بالسماع، ويستوي في تعلمه المتعلم والجاهل. وأن الضرب الثاني لغة الخاصة ممن أوتوا البلاغة ورهافة الحس، وحسن التصرف بمفردات اللغة وتراكيبها، وسعة الخيال، والقدرة على الابتكار والتجديد.
وقد ذكرنا قبلُ أنَّ الأول أسبق من الشعر، وأن في ظهور الثاني خلافاً. فمن الدارسين من يجعله أسبق من الشعر؛ لأنه -وتلك دعواهم- أبسط من الشعر، فهو خُلُوٌّ من الوزن، قليلُ الحظِّ مِنَ الخيال، يُؤْثِرُ الحقيقةَ على المجاز، ودقَّةَ التعبير على جماله. ومنهم من يجعله لاحقاً للشعر؛ لأنه لغة العقل. والشعوب تبدأ شاعرة وتنتهي كاتبة، تبدأ الشعر الذي يُغَنِّي عواطفها، وتنتهي إلى النثر الذي يترجم أفكارها. وكلما تمرسَتْ بالعقل ارتقى نثرها، وازدادت فنونه نضجاً وتنوعاً.
وللنثر الأدبي ألوان أو فنون هي: الخِطَب، والوصايا والأمثال، والرسائل، والمقامات، والقصص، والمسرحيات، والمقالات. ولكل لون من هذه الألوان أو فن من هذه الفنون عوامل وظروف تساعد على ظهوره وازدهاره. ولما كان العصر الجاهلي ضئيل الحظ من الثقافة والعلوم؛ فإنه لم يظهر فيه من فنون النثر إلا القصص والأمثال والوصايا والخطب. أما المقامة والمقالة والمسرحية فقد تأخر ظهورها إلى مرحلة متأخرة من تاريخ الأدب العربي تم فيها نضج الفكر، وتضافرت العوامل المساعدة على ظهورها.
مناهج دراسة الأدب
في القرنين التاسع عشر والعشرين ظهرت في ميدان الدراسة الأدبية طرائق ونظريات تأثر بعضها بالتقدم الذي أنجزته علوم الطبيعة في أوروبا، وتأثر بعضها بمدرسة التحليل النفسي، وكان بعضها صدى لنظرية النشوء والارتقاء. ونكتفي ههنا بتلخيص المناهج التي عرضها الدكتور شكري فيصل في كتابٍ وَقَفَهُ على هذا الموضوع. وخلاصة هذه المناهج:
١ –النظرية المدرسية: التي تقسم الأدب إلى عصور توازي العصور السياسية، وتحاول أن تجعل كل عصر من عصور الأدب متميزاً بسمات خاصة.
٢ –نظرية الفنون الأدبية: التي تقسم الأدب إلى أغراض وموضوعات كالغزل والوصف والرثاء، ثم تدرس كل غرض منها وكل ظاهرة من ظواهر الغرض دراسة مستقلة غير متقيدة بالتقسيم الزمني السياسي للعصور.
٣ –نظرية الجنس: وأساسها الفروق بين أجناس البشر، وتعليل الظواهر الأدبية التي يتميز بها أديب من أديب بعوامل وراثية عرقية.
٤ –النظرية الثقافية: وهمها الأول دراسة الأدب في إطار الثقافة التي صنعت أفكاره وصوره ومشاعره.
٥ –نظرية المذاهب الفنية: وغايتها أن تصنف الأدباء من كُتَّاب وشعراء في مذاهب متباينة كالمذهب الاتباعي والمذهب الإبداعي، وأن تكشف عن السمات التي يشترك فيها أتباع كل مذهب غير معنية بعامل الزمن.
٦ –النظرية الإقليمية: وفحواها ربط الأدب بالأرض، والاعتقاد بأن لكل قطر خصائص جغرافية ومادية ومعنوية تَسِمُ أدبه، وتميزه من آداب الأقطار الأخرى.
٧ –وبعد هذه النظريات يستخلص الدكتور شكري فيصل منهجاً جديداً، يجمع بين هذه المذاهب، ويختار أحسن ما يتميز به كل مذهب، ثم يصوغ منهجه على النحو التالي: «يبدأ بتعرف أدق الخصائص الفردية لكاتب أو شاعر، ثم ينتقل إلى الخصائص المشتركة التي تربط بين جماعة من الأدباء والشعراء، وبذلك يتم الانتقال من الفردي إلى العام، ومن الجزئي إلى الكلي».
وإذا كان شكري فيصل قد تخيَّر هذا المنهج بعد موازنة بعض النظريات ببعض؛ فإن الدارس يستطيع أن يستعين المناهج الأخرى، فيُغْنِي المنهج الذي يتبعه بمزايا المناهج الأخرى، كأن يفيد مما في منهج التحليل النفسي من غوص على الدوافع والمشاعر فيحلل ويعلل أو يقتبس من النظرية الثقافية عنايتها بالمكونات الفكرية التي تصنع عقل الأديب فيتحصل له التوفيق بين مزايا المناهج منهجٌ جديد متكامل.
خاتمة
في ختام هذه المقالة، يتجلى لنا عمق وتنوع الأدب العربي بفنونه المتعددة من شعر ونثر. الأدب ليس مجرد كلمات تُسطر على الورق، بل هو مرآة تعكس وجوه الحياة، وتفاصيل الإنسان، وتفاصيل الأزمنة والأمكنة التي مرّت بها الأمم. من خلال رحلة استكشاف أقسام الأدب وفنونه، نلمس تلك الروح التي تحملها القصائد والمقالات والخطب والوصايا، وكيف أنها تتجسد في أشكال تعبيرية مختلفة، تحمل في طياتها معاني الحب، والفرح، والحزن، والبطولة، والخيال.
تعرضنا لأهمية الشعر وخصائصه الفريدة التي تميزه عن النثر، وكيف تطور الشعر على مر العصور ليعكس مشاعر الإنسان وأفكاره بأجمل الصور. كما تناولنا فنون النثر المختلفة، من قصص وأمثال ووصايا، وكيف أن هذه الأشكال الأدبية كانت وما زالت وسائل لنقل الحكمة والتجربة من جيل إلى جيل.
يبقى الأدب بأشكاله وفنونه المختلفة شاهداً على تاريخ الأمم وثقافاتها، فهو يحمل بين سطوره قصصاً وأحداثاً تعكس تطور الإنسان وتفاعله مع مجتمعه ومحيطه. نتمنى أن تكون هذه المقالة قد أضاءت جوانب متعددة من الأدب، وألهمت القراء لاستكشاف المزيد من كنوز الأدب العربي والعالمي.
إن استكشاف الأدب هو رحلة لا تنتهي، فكل نص أدبي هو عالم بحد ذاته يستحق الغوص فيه. نأمل أن يستمر شغفكم بالأدب وفنونه، وأن تجدوا في كل قراءة جديدة إضافة قيمة لمعرفتكم وذائقتكم الأدبية. دمتم محبين للأدب والثقافة، متطلعين دائماً لاكتشاف المزيد من عوالم الكلمة والحرف.