المعجم

ما سبب تسمية ليلة القدر؟

القَدْرُ: مصدرُ قولِهِمْ: قَدَّرَ اللَّهُ الشَّيءَ قَدْراً وقَدَراً، إذا حَكَمَ وقَضَى وقَسَمَ.

والقَدْرُ، والقَدَرُ واحدٌ، إلَّا أنَّهُ بالتَّسكينِ مصدرٌ وبالفتحِ اسمٌ.

قالَ الواحديُّ: القدرُ في اللُّغةِ بمعنى التَّقديرِ، وهوَ جعلُ الشَّيءِ على مساواةِ غيرِهِ مِنْ غيرِ زيادةٍ ولا نقصانٍ.

سببُ تسميةِ ليلةِ القدرِ بهذا الاسمِ

في تسميتِهَا بذلِكَ أقوالٌ:

١ -ليلةُ الحُكْمُ والقضاءِ: أي يُقَدِّرُ اللَّهَ أمرَ السَّنَةِ إلى السَّنةِ الأخرى مِنْ مطرٍ ورزقٍ وإحياءٍ، حتَّى يُكْتَبَ الحَاجُّ يَحِجُّ فُلانٌ وَيَحِجُّ فَلانٌ، ويُسَلِّمَهُ إلى مدبِّراتِ الأُمورِ، وهُمْ أربعةٌ مِنَ الملائكةِ إسرافيلُ، وجبريلُ، وميكائيلُ، ومَلَكُ الموتِ عليهِمُ السَّلامُ.

إلَّا الشَّقاوةَ والسَّعادةَ والموتَ والحياةَ، فهيَ ثابتةٌ لا تتغيَّرُ، وإنَّمَا يُنْسَخُ لملكِ الموتِ مَنْ يموتُ ليلةَ القدرِ إلى مثلِهَا.

قالَهُ ابنُ عبَّاسٍ ومجاهدٌ وعبدُ الرَّحمنِ السُّلَمِيُّ وقتادةُ والشَّعبيُّ وسعيدُ بنُ جبيرٍ وعكرمةُ والحسنُ البصريُّ والطَّبريُّ وعمرُ مولى غفرةَ والفرَّاءُ والواحديُّ وابنُ سِيده وابنُ فارسٍ والقاضي عياضٌ وغيرُهُمْ.

-وعنْ عكرمةَ، قالَ: سمعتُهُ يقولُ: يُؤَذَّنُ للنَّاسِ بالحجِّ ليلةَ القدرِ فيُكْتَبُونَ بأسمائِهِمْ، قالَ محمَّدٌ، وأظنُّه قالَ: وأسماءِ آبائِهِمْ لا يُغادرُ أحداً ممَّنْ كُتِبَ تلكَ اللَّيلةَ، ولا يُزادُ فيهِمْ ولا يُنْقَصُ مِنْهُمْ، ثُمَّ قرأَ عكرمةُ {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدُّخانُ: ٤].

-وعنْ عمرَ مولى غفرةَ قالَ: يُقالُ: يُنْسَخُ لمَلَكِ الموتِ مَنْ يموتُ ليلةَ القدرِ إلى مثلِهَا، وذلِكَ أنَّ اللَّهَ يقولُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيلَةٍ مُبَارَكَةٍ}، وقالَ: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}، قالَ: فتجدُ الرَّجلَ ينكِحُ النِّساءَ، ويُعْرِسُ العرسَ واسمُهُ في الأمواتِ.

-وقيلِ للحسينِ بنِ الفضلِ: أليسَ قدْ قدَّرَ اللَّهُ سبحانَهُ المقاديرَ قبلَ أنْ يخلقَ السَّماواتِ والأرضَ؟ قالَ: نعمْ، قالَ: فما معنى ليلةِ القدرِ؟ قالَ: سوقُ المقاديرِ إلى المواقيتِ وتنفيذُ القضاءِ المقدَّرِ.

-قالَ الفخرُ الرَّازيُّ: واعلمْ أنَّ تقديرَ اللَّهِ لا يحدثُ في تلكَ اللَّيلةِ، فإنَّهُ تعالى قدَّرَ المقاديرَ قبلَ أنْ يخلقُ السَّماواتِ والأرضَ في الأزلِ، بلِ المرادُ إظهارُ المقاديرَ للملائكةِ في تلكَ اللَّيلةِ بأنْ يكتَبَهَا في اللَّوحِ المحفوظِ، وهذا القولُ اختيارُ عامَّةِ العلماءِ.

-قالَ الخازنُ: ومعنى هذا أنَّ اللَّهَ يُظْهِرُ ذلِكَ لملائكتِهِ ويأمرُهُمْ بفعلِ ما هوَ مِنْ وظيفتِهِمْ بأنْ يَكتبَ لَهُمْ ما قدَّرَهُ في تلكَ السَّنةِ ويُعَرِّفَهُمْ إيَّاهُ، وليسَ المرادُ مِنْهُ أنْ يُحْدِثَهُ في تلكَ اللَّيلةِ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى قدَّرَ المقاديرَ قبلَ أنْ يخلقَ السَّماواتِ والأرضَ في الأزلِ.

-قالَ هلالُ بنُ يسافٍ: كانَ يُقالُ: انتظرُوا القضاءَ في شهرِ رمضانَ.

٢ –ليلةُ العظمةُ والشَّرفِ، مِنْ قولِ النَّاسِ لفلانٍ عندَ الأميرِ قَدْرٌ أي جاهٌ ومنزلةٌ، يُقالُ: قَدَّرْتُ فلاناً؛ أي عظَّمْتُهُ، قالَهَا الزُّهريُّ.

وهذا يحتملُ وجوهاً:

أ -أي لأنَّهَا ليلةٌ لَهَا قدْرٌ ومنزلةٌ وخطرٌ وشرفٌ وشأنٌ عندَ اللَّهِ تعالى؛ لِمَا يوصفُ الشَّيءُ العظيمُ بالقدرِ والمنزلةِ.

أوردَهُ الزَّمخشريُّ، والماتريديُّ، وابنُ فورك، والثَّعلبيُّ، ومكِّيُّ، وابنُ عيسى، وابنُ فضالٍ المجاشعيُّ، والقاضي عياضٌ وغيرُهُمْ.

ب -وقيلَ لأنَّ مَنْ لمْ يكنْ ذا قدرٍ يصيرُ في هذهِ اللَّيلةِ ذا قدرٍ إذا أدرَكَهَا وأحياهَا، قالَهُ أبو بكرٍ الورَّاقُ.

ج -وقيلَ: إنَّ كلَّ عملٍ صالحٍ يؤخَذُ فيهَا مِنَ المؤمنِ فيكونُ ذا قدرٍ وقيمةٍ عندَ اللَّهِ لكونِهِ مقبولاً فيهَا.

لأنَّ للطَّاعاتِ فيهَا قدراً عظيماً وثواباً جزيلاً. أوردَهُ الثَّعلبيُّ، والبغويُّ، وابنُ عطيَّةَ، وابنُ حيَّانٍ، وابنُ الخازنِ.

د -وقيلَ: لأنَّهُ نَزَلَ فيهَا كتابٌ ذو قدرٍ، على لسانِ مَلَكٍ ذي قدرٍ، على أمَّةٍ لَهَا قدرٌ، قالَهُ أبو بكرٍ الورَّاقُ.

هـ -لأنَّ اللَّهَ سبحانَهُ يقدِّرُ رحمةً ذاتَ قدرٍ فيهَا على عبادِهِ المؤمنينَ، قالَهُ سهلُ بنُ عبدِ اللَّهِ، وعليُّ بنُ عبيدِ اللَّهِ.

اقرأ أيضاً:  ما معنى التهجد؟

و -وقيلَ: لأنَّهُ ينزلُ فيهَا إلى الأرضِ ملائكةٌ أولو قدرٍ وذوو خطرٍ.

أوردَهُ الثَّعلبيُّ، وعليُّ بنُ عبيدِ اللَّهِ، والبعليُّ.

٣ –لأنَّ الأرضَ تضيقُ فيهَا بالملائكةِ:

قالَ الخليلُ: سُمِّيَتْ بذلِكَ لأنَّ الأرضَ تضيقُ فيهَا بالملائكةِ مِنْ قولِهِ تعالى: {ومَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ}. أي ضُيِّقَ.

أوردَهُ الثَّعلبيُّ، وابنُ الجوزيِّ، والخازنُ، والفخرُ الرَّازيُّ، وابنُ حيَّانٍ، والسَّمينُ الحلبيُّ، والنَّيسابوريُّ، والبعليُّ.

هذا واللَّهُ أعلى وأعلمُ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى