النحو

الأفعال الخمسة: تعريفها وصورها وإعرابها، شرح شامل

هل تساءلت يومًا لماذا يُطلق على قاعدة نحوية واسعة مصطلح الأفعال الخمسة؟ قد يوحي الاسم بأننا نتحدث عن خمسة أفعال محددة، ولكن الحقيقة أعمق وأشمل من ذلك. تشكل الأفعال الخمسة ركنًا أساسيًا في صرح النحو العربي، وفهمها ليس مجرد خطوة أكاديمية، بل هو مفتاح لفك شفرة العديد من التراكيب اللغوية الدقيقة، خاصة في النصوص البليغة كالقرآن الكريم. في هذا المقال، سننطلق في رحلة منهجية لاستكشاف ماهية الأفعال الخمسة، وكشف سر تسميتها، والغوص في حالاتها الإعرابية المختلفة بأسلوب يجمع بين الدقة الأكاديمية والوضوح المباشر، مما يضمن لك فهمًا راسخًا لهذه القاعدة المحورية.

تعريف الأفعال الخمسة وصورها

يُطلق مصطلح الأفعال الخمسة على كل فعل مضارع اتصلت به إحدى الضمائر الآتية: ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المؤنثة المخاطبة. وتنشأ لهذا النوع من الأفعال، الذي يُعرف بـالأفعال الخمسة، خمس صور محددة عند اتصال هذه الضمائر به، مما يميز طبيعة الأفعال الخمسة في الاستخدام النحوي، وتأتي هذه الصور على النحو التالي:

أ – عند اتصال ألف الاثنين، وتأتي صياغة الأفعال الخمسة على صورتين:

  • يفعلان، ومثالها: يكتبان.
  • تفعلان، ومثالها: تكتبان.

وتجدر الإشارة إلى أن صيغة (تفعلان)، وهي من صور الأفعال الخمسة، تُستخدم للدلالة على المثنى المؤنث الغائب، كما في قولنا: (الطالبتان تكتبان)، وتُستخدم كذلك للمثنى المخاطب بنوعيه المذكر والمؤنث، كما في قولنا: (أنتما تكتبان).

ب – عند اتصال واو الجماعة، تتخذ الأفعال الخمسة صورتين هما:

  • يفعلون، ومثالها: يكتبون.
  • تفعلون، ومثالها: تكتبون. وهذا يوضح تعدد أشكال الأفعال الخمسة.

ج – عند اتصال ياء المؤنثة المخاطبة، تأتي الصورة الخامسة من الأفعال الخمسة على النحو الآتي:

  • تفعلين، ومثالها: تكتبين.

إعراب الأفعال الخمسة

أ – حالة الرفع: تكون علامة رفع الأفعال الخمسة هي ثبوت النون في آخرها. ويُستدل على ذلك من قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
وقوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}، حيث تعد هذه الأفعال من الأفعال الخمسة.
وكذلك قوله تعالى: {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}. إن فهم قاعدة الأفعال الخمسة ضروري لتحليل هذه الآيات.

إن الأفعال المذكورة: (يلتقيان، يبغيان، تكذبان، يخادعون، يخدعون، يشعرون، تأمرين) هي نماذج واضحة على الأفعال الخمسة، وقد ثبتت النون في آخر كل منها لعدم سبقها بأداة نصب أو جزم. وبناءً على ذلك، فإن ثبوت النون يُعد علامة الرفع الأصيلة في الأفعال الخمسة، وذلك قياسًا على الضمة التي تمثل علامة الرفع في الفعل المضارع المفرد.

ب – حالتا النصب والجزم: عند دخول أداة نصب أو جزم على فعل من الأفعال الخمسة، تُحذف النون من آخره، ويصبح هذا الحذف هو علامة الإعراب الدالة على النصب أو الجزم. ويتجلى تطبيق قاعدة الأفعال الخمسة هذه في قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}.

فالأفعال: (تأخذوا، يخافا، يقيما) دخل عليها الناصب (أنْ)، مما أدى إلى حذف النون، الذي يمثل علامة النصب في الأفعال الخمسة.

ومن شواهد الجزم قوله تعالى: {قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ}.
وقوله عز وجل: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}. تعد دراسة الأفعال الخمسة مفتاحًا لفهم هذه التراكيب.

فالأفعال: (تخافا، تهنوا، تحزنوا) قد سُبقت بأداة الجزم (لا) الناهية، فكان إعرابها الجزم، وعلامة جزم هذه الأفعال الخمسة هي حذف النون.

ويجدر التنويه إلى أن هذه القاعدة الإعرابية لـالأفعال الخمسة تطبق بشكل شامل دون تمييز بين كون الفعل صحيح الآخر أو معتله، أو مبنيًا للمعلوم أو للمجهول، أو تامًا أو ناسخًا.

أما الضمائر المتصلة التي تسبق النون في الأفعال الخمسة، فإن لها موقعًا إعرابيًا محددًا، فقد وردت في الأمثلة السابقة في محل رفع فاعل. كما يمكن أن تقع في محل رفع نائب عن الفاعل إذا كان الفعل مبنيًا للمجهول، وذلك كما في قوله تعالى: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}.

فالفعل الأول (تَظْلِمُونَ) مبني للمعلوم، بينما الفعل الثاني (تُظْلَمُونَ) مبني للمجهول. وكلا الفعلين يُعد من الأفعال الخمسة المرفوعة، وعلامة رفعهما هي ثبوت النون. غير أن الحكم الإعرابي للضمير (الواو) يختلف في الحالتين؛ إذ إنه في الفعل الأول في محل رفع فاعل، بينما في الفعل الثاني يأتي في محل رفع نائب عن الفاعل.

قاعدة الأفعال الخمسة في ألفية ابن مالك

بيتا ألفية ابن مالك الدالان على القاعدة:

واجعل لنحو يفعلان النونا *** رفعاً وتَدْعِين وتسألونا

وحَذفُها للجزم والنصب سِمَهْ *** كـ لم تكوني لِتَرومي مَظْلَمَهْ

الأسئلة الشائعة

١ – لماذا سُميت “الأفعال الخمسة” بهذا الاسم مع أنها تشير إلى كل فعل مضارع اتصل به ضمير معين؟

الإجابة: تُعرف هذه الأفعال بـالأفعال الخمسة ليس لأنها خمسة أفعال محددة بذاتها، بل لأنها تأتي على خمس صيغ أو أوزان صرفية ثابتة عند إسنادها إلى الضمائر المخصصة لها (ألف الاثنين، واو الجماعة، ياء المخاطبة). هذه الصيغ الخمس هي: (يفعلان، تفعلان) مع ألف الاثنين، و(يفعلون، تفعلون) مع واو الجماعة، و(تفعلين) مع ياء المخاطبة. فالعدد خمسة يعود إلى عدد الصور أو الصيغ التي يمكن أن يظهر بها أي فعل مضارع تنطبق عليه هذه القاعدة، وليس إلى عدد الأفعال نفسها، مما يجعل مصطلح الأفعال الخمسة وصفًا دقيقًا لهذه البنية الصرفية.

٢ – ما هو الإعراب التفصيلي للضمائر المتصلة بـ الأفعال الخمسة (ألف الاثنين، واو الجماعة، ياء المخاطبة)؟

الإجابة: الضمائر المتصلة التي تُحوّل الفعل المضارع إلى واحد من الأفعال الخمسة لها محل إعرابي ثابت ومهم. هذه الضمائر (الألف، الواو، الياء) تُعرب دائمًا على أنها ضمير متصل مبني في محل رفع. ويكون محل الرفع هذا إما “فاعل” إذا كان الفعل مبنيًا للمعلوم، مثل: الطلاب يكتبون (واو الجماعة: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل)، أو “نائب فاعل” إذا كان الفعل مبنيًا للمجهول، مثل: المهملون لن يُكرَّموا (واو الجماعة: ضمير متصل مبني في محل رفع نائب فاعل). فهي جزء لا يتجزأ من بنية جملة الأفعال الخمسة.

٣ – كيف يمكن التمييز بين “نون الرفع” في الأفعال الخمسة و”نون النسوة”؟

اقرأ أيضاً:  لا العاملة عمل ليس وشروط عملها

الإجابة: هذا تمييز جوهري يعتمد على عدة فروق:

  • الطبيعة: نون الرفع في الأفعال الخمسة هي علامة إعراب فرعية (حرف)، وليست ضميرًا، وتدل على أن الفعل مرفوع. أما نون النسوة فهي ضمير متصل (اسم) يعود على جماعة الإناث، وهي مبنية في محل رفع فاعل.
  • الثبات والحذف: نون الرفع في الأفعال الخمسة تُحذف في حالتي النصب والجزم (مثال: لم يكتبوا). بينما نون النسوة ثابتة لا تُحذف أبدًا، لأنها جزء من بنية الفعل وفاعلُه (مثال: الطالبات لم يكتبْنَ).
  • إعراب الفعل: الفعل المتصل بنون الرفع هو فعل مُعرب. أما الفعل المتصل بنون النسوة فهو فعل مضارع مبني على السكون دائمًا.

٤ – ما الحكمة النحوية من كون علامة الإعراب في الأفعال الخمسة هي “ثبوت النون” و”حذفها” بدلاً من الحركات الأصلية (الضمة، الفتحة، السكون)؟

الإجابة: الحكمة تكمن في الحفاظ على بنية الكلمة وتجنب اللبس. فالفعل في صيغ الأفعال الخمسة ينتهي بضمير هو في الأصل فاعل (ألف، واو، ياء)، وهذه الضمائر حروف مد ساكنة. وضع حركة إعرابية على هذه الحروف سيؤدي إلى تعقيد صوتي أو تغيير في بنية الضمير. لذلك، استُخدمت علامة إعرابية فرعية (النون) تضاف بعد الضمير للدلالة على الرفع، ويتم حذفها للدلالة على النصب والجزم، وهي طريقة تحافظ على سلامة بنية الفعل والضمير المتصل به مع الإشارة بوضوح إلى الحالة الإعرابية لـالأفعال الخمسة.

٥ – هل تنطبق قاعدة الأفعال الخمسة على الأفعال المعتلة الآخر، مثل (يدعو، يسعى، يرمي)؟

الإجابة: نعم، تنطبق قاعدة الأفعال الخمسة على جميع الأفعال المضارعة بغض النظر عن كونها صحيحة الآخر أو معتلة. عند إسناد الأفعال المعتلة، تحدث بعض التغييرات الصرفية الطفيفة أحيانًا، لكن القاعدة الإعرابية (ثبوت وحذف النون) تبقى ثابتة.

  • مثال معتل بالواو: يدعو -> يدعوان، تدعون، يدعون، تدعين. (تُحذف واو الفعل الأصلية عند إسناده لواو الجماعة وياء المخاطبة منعًا لالتقاء الساكنين).
  • مثال معتل بالألف: يسعى -> يسعيان، تسعيان، يسعون، تسعون، تسعين.
    الإعراب يظل واحدًا: (هم لم يسعوا) فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة.

٦ – في حالة الجزم، ما الفرق بين قولنا “لا تهملوا” و”لم يهملوا” من حيث المعنى والوظيفة؟

الإجابة: كلا الفعلين “تهملوا” و”يهملوا” من الأفعال الخمسة، وكلاهما مجزوم بحذف النون. لكن الأداة التي تسبقهما تحدد المعنى والوظيفة:

  • لا تهملوا: هنا “لا” ناهية جازمة، وهي تفيد طلب الكف عن الفعل وتوجيه الخطاب للمخاطب (أنتم). الجملة هنا إنشائية طلبية.
  • لم يهملوا: هنا “لم” أداة نفي وجزم وقلب، وهي تنفي وقوع الفعل في الماضي مع بقاء صيغته مضارعة، وتستخدم للغائب (هم). الجملة هنا خبرية منفية. إذن، على الرغم من أن إعراب الأفعال الخمسة في المثالين واحد، فإن السياق الدلالي والوظيفي يختلف كليًا.

٧ – هل يمكن أن تأتي الأفعال الخمسة في صيغة فعل ناسخ (من أخوات كان)؟

الإجابة: بالتأكيد. الأفعال الناسخة مثل (كان، أصبح، يزال، يكون) إذا جاءت في صيغة المضارع واتصلت بها الضمائر المحددة، فإنها تُعامل معاملة الأفعال الخمسة تمامًا من حيث الإعراب. مثال: (المجتهدون لن يكونوا فاشلين).

  • يكونوا: فعل مضارع ناسخ منصوب بـ”لن” وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة.
  • واو الجماعة: ضمير متصل مبني في محل رفع اسم “يكون”.
  • فاشلين: خبر “يكون” منصوب وعلامة نصبه الياء.
اقرأ أيضاً:  الأفعال الناقصة: تعريفها، وأقسامها، وسبب تسميتها

٨ – هل يوجد ما يُعرف بـ”الأسماء الخمسة” وما علاقتها بـ الأفعال الخمسة؟

الإجابة: نعم، يوجد في النحو العربي مصطلح “الأسماء الخمسة” (أب، أخ، حم، فو، ذو)، ولكن لا توجد أي علاقة نحوية أو صرفية مباشرة بينها وبين الأفعال الخمسة سوى التشابه في العدد “خمسة”. الأفعال الخمسة هي أفعال مضارعة معربة بعلامات فرعية (ثبوت وحذف النون)، بينما الأسماء الخمسة هي أسماء معربة بعلامات إعراب فرعية أيضًا ولكنها حروف (الواو رفعًا، الألف نصبًا، الياء جرًا) وفق شروط محددة. الخلط بين المصطلحين خطأ شائع يجب تجنبه.

٩ – في قوله تعالى “فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ”، كيف نعرب الفعلين وما دلالة ورودهما معًا؟

الإجابة: هذا مثال قرآني بليغ يوضح إعراب الأفعال الخمسة في حالتي الجزم والنصب:

  • لم تفعلوا: “لم” أداة جزم، و”تفعلوا” فعل مضارع مجزوم بـ”لم” وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. واو الجماعة ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • لن تفعلوا: “لن” أداة نصب، و”تفعلوا” فعل مضارع منصوب بـ”لن” وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. واو الجماعة ضمير متصل في محل رفع فاعل.
    ورودهما معًا يدل على التحدي والإعجاز، فالأولى تنفي فعلهم في الماضي، والثانية تنفي قدرتهم على الفعل في المستقبل، مما يؤكد عجزهم التام.

١٠ – هل تعتبر صيغة الأمر من الأفعال الخمسة؟ مثل “اكتبوا”؟

الإجابة: صيغة الأمر مثل “اكتبوا” لا تُصنف ضمن الأفعال الخمسة لأن مصطلح الأفعال الخمسة يقتصر على الفعل المضارع حصرًا. ولكن، هناك علاقة وثيقة في الإعراب؛ حيث يُبنى فعل الأمر على ما يُجزم به مضارعه. فالفعل “اكتبوا” هو فعل أمر مبني على حذف النون، والسبب هو أن مضارعه “تكتبون” (وهو من الأفعال الخمسة) يُجزم بحذف النون. إذن، هي ليست من الأفعال الخمسة لكن علامة بنائها تُشتق من علامة جزم مضارعها.

خاتمة

وفي ختام هذا التحليل المفصل، لقد تبين لنا أن مصطلح الأفعال الخمسة لا يشير إلى أفعال بعينها، بل إلى بنية صرفية دقيقة تتشكل من كل فعل مضارع أُسند إلى ضمائر الرفع الثلاثة: ألف الاثنين، واو الجماعة، وياء المخاطبة. كما استعرضنا قاعدتها الإعرابية الفريدة التي تتمحور حول “ثبوت النون” كعلامة للرفع، و”حذفها” كعلامة للنصب والجزم، وهي قاعدة تمثل خروجًا عن علامات الإعراب الأصلية وتبرهن على مرونة اللغة العربية ودقتها. إن إتقان الأفعال الخمسة ليس مجرد حفظ لقاعدة، بل هو امتلاك لأداة تحليلية قوية تُمكّن الدارس من التعامل بثقة مع النصوص المتقدمة وفهم الفروق الدقيقة في المعنى التي تنتج عن تغير الحالة الإعرابية. وبهذا الفهم العميق، تصبح قراءة النصوص الكلاسيكية وكتابة الجمل السليمة مهمة أكثر يسرًا، مما يؤكد أن كل قاعدة نحوية هي لبنة أساسية في بناء ملكة لغوية متكاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى