شرح فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
فَتُوضِحَ فَالْمِقْراةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا… لِمَا نَسَجَتْها مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ
المفرداتُ
فتوضحَ فالمقراةِ:
توضحُ والمقراةُ موضعانِ قريبانِ مِنَ الدَّخولِ وحوملِ، وسقطُ اللِّوى بينَ هذهِ المواضعِ الأربعةِ؛ لأنَّ الدَّخولَ موضعٌ يحتوي على أماكنَ فكأنَّهُ قالَ: بينَ أماكنِ الدَّخولِ فأماكنِ حَوْمَلِ، وكذلِكَ تُوضِحَ والْمِقراةِ. وإلَّا فلا يجوزُ أنْ تقولَ: جلسْتُ بينَ زيدٍ فعمروٍ، إذْ لا بينَ لزيدٍ وحدَهُ ولا لعمروٍ وحدَهُ، وإنَّمَا جازَ ذلِكَ كلُّهُ لأنَّ اعتبارَ الأجزاءِ يُخرجُ الاسمَ عنْ بابِ الإفرادِ إلى بابِ الجمعِ، فكأنَّكَ قلْتَ: أيُّ أجزاءِ ثوبِكَ خَلَقٌ؟ وأيَّ نواحي غرناطةَ نَزَلْتَ؟
والمقراةُ في غيرِ هذا الموضعِ الغديرُ الَّذي يجتمعُ فيهِ الماءُ، مِنْ قولِهِمْ: قريْتُ الماءَ في الحوضِ إذا جمعْتُهُ.
وقالَ أبو عبيدةَ: ليسَ موضعاً، وإنَّمَا يريدُ: الحوضَ الَّذي يجتمعُ فيهِ الماءُ، مِنْ قريتُ بمعنى جمعْتُ.
-نصبَ (توضحَ) لأنَّهُ لا يجري للتَّعريفِ والتَّاءُ الزَّائدةُ في أوَّلِهِ، وما لا يجري لا يدخلُهُ تنوينٌ ولا خفضٌ (جرٌّ).
لمْ يَعْفُ: لمْ ينمحِ أثرُهَا ولمْ يدرسْ بسببِ الرِّيحينِ فقطْ، بلْ بتعاورِ الأمطارِ لَهَا ومرورِ الأزمنةِ عليهَا. مِنْ قولِكَ: عفا المنزلُ يعفو عفاءً، إذا انمحَتْ آثارُهُ، وذهبَتْ معالمُهُ.
وهذا في موضعِ التَّعليلِ للبكاءِ؛ لأنَّهُ لو عفَتْ هذهِ المواضعُ، أو عفا رسمُهَا لاستراحَ العاشقُ، وفي بقائِهَا أشدُّ حزناً لَهُ.
-وقيلَ: معناهُ لمْ يعفُ رسمُهَا للرِّيحِ وحدِهَا، وإنَّمَا عفا للمطرِ والرِّيحِ وغيرِ ذلِكَ.
-وقيلَ: معناهُ لمْ يعفُ رسمُهَا مِنْ قلبي، وهوَ في نفسِهِ دارسٌ.
الرَّسمُ: الأثرُ، وهوَ ما لصقَ بالأرضِ مِنْ آثارِ الدَّارِ، مثلُ البعرِ والرَّمادِ وغيرِهِمَا، وجمعُهُ أرسمٌ ورسومٌ، كمَا يقالُ: أبحرٌ وبحورٌ في جمعِ البحرِ، وقالَ: رسمُهَا، ولمْ يقلْ رسومُهَا اكتفاءً بالواحدِ عنِ الجميعِ.
والضَّميرُ المتَّصلُ برسمِهَا ونسخِهَا يعودُ إلى الأمكنةِ المذكورةِ في هذا البيتِ وسابقِهِ.
لِمَا نسجتْهَا: نسجُ الرِّيحينِ الدَّارَ؛ اختلافُهُمَا عليهَا، فهذهِ تسترُ آثارَ الدَّارِ بالتُّرابِ، والأخرى تزيلُهُ عنْهَا، فلا يذهبُ الأثرُ.
مِنْ جنوبٍ وشمألِ: جنوبٍ: أرادَ ريحَ الجنوبِ. شمألِ: أرادَ ريحَ الشَّمالِ.
معنى البيتِ
إنَّ آثارَ تلكَ الدِّيارِ الواقعةِ بينَ الدَّخولِ وحوملِ وتوضحَ والمقراةِ لمْ تنمحِ ولمْ تذهبْ؛ لأنَّهَا كلَّمَا غطَّتْهَا رياحُ الجنوبِ بالتُّرابِ كشفتْهَا رياحُ الشَّمالِ، فشبَّهَ فعلَ الرِّيحينِ بالنَّسجِ.
-وقيلَ: بلْ معناهُ: لمْ يقتصرْ سببُ محوِهَا على نسجِ الرِّيحينِ، بلْ كانَ لَهُ أسبابٌ أخرُ مِنْهَا هذا السَّببُ ومرُّ السِّنينَ وترادفُ الأمطارِ وغيرِهَا.
-وقيلَ: بلْ معناهُ لمْ ينمحِ أثرُ حبِّهَا مِنْ قلبي وإنْ نسجتْهَا الرِّيحانِ.
والمعنيانِ الأوَّلانِ أظهرُ مِنَ الثَّالثِ.