نواصب الفعل المضارع: أن، لن، كي، إذن، تبسيط القواعد
ينصب الفعل المضارع بأحد الأحرف الناصبة (أنْ ـ لن ـ كي ـ إذن).
قال تعالى: {نخشى أنْ تصيبنا دائرةٌ}، فالفعل (تصيبنا) منصوب بـ (أن) الناصبة.
وقال تعالى: {قل لنْ يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}. فالفعل (يصيبنا) منصوب بالأداة (لنْ).
وقال تعالى: {ما أفاء اللهُ على رسوله من أهل القرى فلِله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيلا يكونَ دولةً بين الأغنياء منكم}. فالفعل (يكون): منصوب بـ (كي)، وقرئ قوله تعالى: {وإذن لا يلبثوا خلافك إلّا قليلاً}. بنصب الفعل (يلبثوا)، ورفعه، وهو منصوب بالأداة (إذن). وهذه الأدوات تخصص الفعل المضارع للمستقبل، وتنصبه لفظاً أو تقديراً أو محلاً.
أن: أمُّ الباب، تعمل ظاهرة ومضمرة ومحذوفة، وهي مصدرية ناصبة، تأتي بعد فعل يدل على الرجاء أو الخوف أو الطمع أو ما شابه ذلك. تقول: أودُّ أنْ أزورَكَ.
وقال تعالى: {والذي أطمع أن يغفرَ لي خطيئتي يوم الدين}. ولا تأتي بعد فعل دال على اليقين والقطع؛ لأن ما بعدها مستقبل لم يقع.
وأما التي تأتي بعد ما يدلُّ على اليقين والتحقيق، فهي (أنْ) المخففة من الثقيلة؛ لأنها تدلُّ على التوكيد. قال تعالى: {عَلِمَ أنْ سيكونُ منكم مرضى}، فـ (أنْ) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن المحذوف، والجملة بعدها خبر لها، والمصدر المؤول منها ومما بعدها سد مسدّ مفعولي علم.
فإذا سُبقت بفعل يدلُّ على الظنِّ والرجحان، ولم يكن بينها وبين الفعل المضارع فاصل كانت الناصبة، إلا إذا نُزِّل فعل الظن منزلة اليقين.
قال تعالى: {تظنُّ أنْ يُفعلَ بها فاقِرة}. فقد سبقت بفعل الظن، ولذلك كانت ناصبة، نصبت الفعل المضارع بعدها، ومثلها قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أنْ يُتْرَكوا}.
فإذا كان الفاصل بين (أن) المسبوقة بفعل الظن وما بعدها حرفُ النفي (لا) جاز أن تكون (أنْ) ناصبة، وجاز أن تكون مخففة من الثقيلة، وقد قرئ الوجهين الرفع والنصب قوله تعالى: {وحسبوا أنْ لا تكونُ فتنةٌ}. فإذا كان الفاصل بين (أن) المسبوقة بفعل الظن وما بعدها إحدى الأدوات التالية (السين، سوف، ما، قد، لن…) فهي المخففة من الثقيلة، قال تعالى: {أيحسَبُ الإنسانُ أنْ لنْ نجمعَ عِظامَه}. فـ (أن) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير مستتر تقديره (نا)، والفعل (نجمع) منصوب بـ (لن).
ويمكن لـ (أنْ) الناصبة أن تأتي في صدر الجملة. قال تعالى: {وأنْ تصوموا خير لكم} والتقدير (صيامكم خير لكم)، ومثل ذلك قوله تعالى: {وأنْ تعْفوا أقربُ للتقوى}.
وهي مصدرية تُؤوَّلُ مع الجملة الفعلية بمصدر يكون في محل رفع أو نصب أو جر. قال تعالى: {بئس ما اشترَوا بهِ أنفُسَهُمْ أنْ يَكْفُروا}. فالمصدر المؤول هو المخصوص بالذمِّ، وهو في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف.
وقال تعالى: {نخشى أنْ تُصِيبنا دائرةٌ}. فـ (أن) وما بعدها في تأويل مصدر، هذا المصدر في محل نصب مفعول به للفعل (نخشى).
وتقول: (رغبت في أن يفوز صديقي)، فـ (أن) وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل رغبت، وتقول: (دخلت على القاعة قبل أنْ يبدأ المحاضر بالكلام). فالمصدر المؤول في محل جر بالإضافة.
إضمار (أنْ)
تعمل (أنْ) مُضمرةً، وتضمر جوازاً ووجوباً.
أ -إضمار أن جوازاً: تضمر جوازاً في موضعين: بعد لام التعليل، وبعد أحرف العطف: (الواو، الفاء، أو، ثمّ).
١ -بعد لام التعليل: وتنقسم لام التعليل إلى قسمين: لام التعليل الحقيقي، ولام التعليل المجازي، وهي التي تسمى لام الصيرورة أو المآل أو العاقبة.
فمن إضمارها بعد لام التعليل الحقيقي قولك: سافرت لأتعلمَ. وقال تعالى: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدىً ولا كتاب منير * ثاني عِطْفِهِ ليُضِلَّ عن سبيل الله …} فاللام لام التعليل الحقيقي، والفعل (يضلّ): منصوب بـ (أن) المضمرة بعد لام التعليل.
ويمكن أن تظهر، تقول: سافرت لأنْ أتعلّم. وقال تعالى: {وأُمِرْتُ لأنْ أكونَ أوّلَ المسلمين}. ظهرت (أنْ) بعد لام التعليل، إلّا أن إظهارها قليل ونادر.
فإذا اقترنت لام التعليل بـ (لا) النافية أو الزائدة ظهرت (أن) وجوباً. قال تعالى: {وحيثما كنتمْ فوَلُّوا وجوهكم شطْرَه لئلّا يكون للناس عليكم حجّةٌ}، فقد وجب إظهار (أن) بعد لام التعليل؛ لأنها اتصلت بـ (لا) النافية.
وقال تعالى: {لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله}. فقد ظهرت (أن)، وإظهارها واجب، لاقترانها بـ (لا) الزائدة، فالمعنى ليعلم أهل الكتاب.
ومن إضمارها بعد لام المآل أو الصيرورة أو العاقبة ـ وتكون اللام لام التعليل المجازي ـ قوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحَزَناً}، فلم يلتقطه آل فرعون من أجل أن يكون لهم عدواً وحزناً، ولكن الأمر آل وصار إلى ذلك.
ولام التعليل الحقيقي أو المجازي حرف جر، وأن المضمرة أو الظاهرة تؤول وما بعدها بمصدر، هذا المصدر في محل جر، والجار والمجرور يحتاجان إلى تعليق، والجملة بعد اللام صلة للموصول الحرفي (أن) الظاهرة والمضمرة، لا محل لها من الإعراب.
٢ -بعد أحرف العطف (الواو، الفاء، أو، ثمّ) إذا كان العطف على اسم جامد غير مشتق، وكان بعد أحد أحرف العطف السابقة فعل مضارع، فإنه ينصب بـ (أن) المضمرة أو الظاهرة، وذلك ليسبك مع (أن) بمصدر يعطف على الاسم الجامد؛ لأن الفعل لا يعطف على الاسم الخاص. قالت ميسون بنت بحدل:
ولُبسُ عباءةٍ وتقرَّ عيني * أحبُّ إليَّ من لبسِ الشفوف
فالفعل (تقرَّ) وقع بعد حرف العطف الواو، والعطف على اسم جامد هو: (لبسُ) فانتصب المضارع بـ (أنْ) المضمرة جوازاً، وتقول: نجاحُكَ فتحقِّقَ ما أردت انتصار لك. ويجوز أن تقول: نجاحُك فأن تحقِّق ما أردت انتصار لك. وتقول: أريد النوم أو أستريح. ويجوز أن تقول: أريد النوم أو أن أستريح. قال الشاعر:
إنّي وقتْلي سليكاً ثمّ أعقله * كالثور يُضربَ لمّا عافت البقر
فقد عطف الفعل المضارع بأداة ثمّ على المصدر (قتلي) ولذلك انتصب الفعل المضارع بـ (أن) المضمرة جوازاً، ويجوز إظهارها.
ب -إضمار أن وجوباً: تضمر وجوباً في مواضع خمسة: بعد لام الجحود، وبعد فاء السببية، وبعد الواو التي بمعنى (مع)، وبعد (أو) التي بمعنى (إلى أن) أو (لام التعليل) أو (إلا أن).
١ -لام الجحود: ويشترط أن تسبق بفعل كون ناقص منفي بالأداة (ما) قبل الماضي، أو بالأداة (لم) قبل المضارع، تقول: ما كنت لأكذبَ، والمعنى نفي الكذب نفياً قاطعاً بنفي إرادة الكذب؛ لأن التقدير: ما كنت مريداً أو مستعداً للكذب، ونفي الإرادة أقوى من نفي الفعل. والمصدر المؤول في محل جر بحرف الجر (اللام)، والجار والمجرور متعلقان بخبر الفعل الناقص المحذوف وجوباً، والجملة بعد اللام صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. ومن ذلك قوله تعالى: {وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم …}. فاللام في (ليعذبهم) لام الجحود حرف جر، والفعل منصوب بأن المضمرة بعد لام الجحود.
فإذا كان الفعل المنفي تاماً لا ناقصاً، أو كان الخبر ظاهراً، أو نقض النفي بـ (إلا)، فاللام لام التعليل وليست لام الجحود. تقول: ما كان خالد إلا لينتصر للحقيقة، ولم تكن مدافعاً لتنتصر. فاللام في المثالين السابقين ليست لام الجحود، بل هي لام التعليل؛ لأن النفي قد انتقض بـ (إلاّ) في المثال الأول، ولأنّ الخبر قد ظهر في المثال الثاني، ثم عن المعنى يوضح أن اللام هي للتعليل وليست لام الجحود.
٢ -فاء السببية
إذا كان الارتباط بين الجملتين بالفاء، وكان معنى الثانية مسبباً عن الأولى كانت الفاء سببية، فإذا دخلت هذه الفاء على الفعل المضارع وجب نصبه بـ (أن) المضمرة إذا سبق بنفي أو طلب، ولم تكن المشاركة مقصودة، ويشارك المضارع المتصل بالفاء ما قبله في المعنى، ويتبعه في الحركة الإعرابية إذا كانت المشاركة مقصودة، ويرتفع على كل حال إذا كان منقطعاً عما قبله مستأنفاً، سواء أسبق بالنفي أو الطلب أم لم يسبق. فإذا قلت: لا أنتصر للباطل فأدافعُ عنه. فالفاء عاطفة، وما بعدها يشارك ما قبلها في نفي الدفاع عن الباطل، والأحسن تكرار (لا) النافية. وتقول: لتدافعْ عن الوطن فيحافظُ على كرامتك. فالفاء ليست فاء السببية، بل هي استئنافية لأن الوطن يحافظ على الكرامة دائماً، فلا ارتباط سببي بين ما قبل الفاء وما بعدها.
والأصل في فاء السببية أنها حرف عطف، وهي تعطف المصدر المؤول مما بعدها على مصدر منتزع مما قبلها، قال تعالى: {لا تفتروا على الله كذباً فَيُسْحِتَكُمْ}. والتقدير: لا يكن منكم افتراء فإسحاتٌ من الله لكم.
ويشترط في فاء السببية أن تسبق بنفي أو طلب.
أما النفي فيمكن أن يكون بحرف أو فعل أو اسم، تقول: ما أنت بمقصِّرٍ فتُلامَ، وأخي ليس معنا فيساعدَنا، وأنت غير مقترف ذنباً فتُعاقبَ. قال تعالى: {لا يقضى عليهم فيموتوا}، فقد انتصب الفعل (يموتوا) بـ (أن) المضمرة بعد الفاء السببية؛ لأنها مسبوقة بالنفي، وللعلاقة السببية بين ما قبلها وما بعدها. وقال الفرزدق:
وما قام منّا قائمٌ في ندِّيِّنا * فينطقَ إلا بالتي هي أعرف
فالفعل (ينطق) منصوب بـ (أن) المضمرة بعد فاء السببية؛ لأنه مسبوق بالنفي، ولأن العلاقة السببية تربط بين الفعل وما قبله، لم يكن قيام فنطق إلا…
وقال الفرزدق:
ما أنتَ من قَيْسٍ فتَنْبحَ دونها * ولا مِنْ تميم في اللّها والغَلاصمِ
فالفعل المضارع (تنبح) منصوب بـ (أن) المضمرة بعد الفاء السببية، والتقدير: ليس لك انتساب لقيس فدفاعٌ منك عنها.
وإذا كان في الكلام معنى النفي أُعطي حكمه، وانتصب المضارع بعد الفاء، ويكون ذلك في الكلام معنى النفي أعطي حكمه، وانتصب المضارع بعد الفاء، ويكون ذلك بعد أداة التشبيه (كأنّ)، تقول: كأنك منتصرٌ فتَفتخرَ، فالمعنى: ما أنت بمنتصر فتفتخر.
وإذا كان النفي لفظياً، ومعناه الإثبات، ارتفع الفعل المضارع بعد الفاء، تقول: ما تزال تحسن فنحبُّكَ.
أما الطلب فأنواعه ثمانية هي الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والعرض والتحضيض والتمني والترجي.
-الأمر: قال أبو النجم:
يا ناقُ سيرِي عنقاً فسيحا * إلى سليمان فنستريحا
فالفعل (فنستريح) منصوب بـ (أن) المضمرة بعد الفاء السببية؛ لأنه مسبوق بالأمر.
-النهي: قال تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم، ولا تطغَوا فيه فيَحِلّ عليكُم غضبي، ومنْ يَحْلِلْ عليه غضبي فقدْ هَوَى}.
-الدعاء: تقول ك ربّ وفِّقني لعمل الخير فأفوزَ.
-الاستفهام: قال تعالى: {فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا}.
وقال الشاعر:
ألم تسألْ فتخبرَك الرسومُ * على فِرتاج والطللُ القديمُ
سُبق الفعل (تخبرك) بالاستفهام والنفي، والعلاقة بينه وبين ما قبله سببية، فانتصب بـ (أن) المضمرة بعد فاء السببية.
-العرض: وهو الطلب بلين ورفق، تقول: ألا تسافر معنا فنفرحَ.
-الحض: وهو الطلب بشدة وإلحاح، تقول: هلّا تدافعُ عن كرامتكَ فتُبْعِدَ عنكَ الذلَّ.
-التمني: قال الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوماً * فأخبرَه بما فعل المشيبَ
فالشاعر يتمنى عودة الشباب ليخبره بما فعله المشيب بهن فالعلاقة السببية واضحة، وقد سبق الفعل (أخبره) بالتمني الذي عبّرت عنه الأداة (ليت) ولذلك انتصب بـ (أن) المضمرة بعد فاء السببية، والتقدير: أتمنى أن تكون عودة للشباب فإخبار مني.
-الترجي: قال تعالى: {لعلّه يزّكّى، أو يذّكرُ فتنْفَعَهُ الذِّكرى}. فالفعل (تنفعه) منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية التي سبقت بالترجي، وأداة الترجي هي (لعلّ)، والعلاقة السببية قائمة بين ما قبل الفاء وما بعدها، والتقدير: ليكن تذكر فنفعٌ. وقال تعالى: {يا هامان ابن لي صرحاً لعلّي أبلغُ الأسباب * أسباب السماوات، فأطّلعَ إلى إله موسى}.
٣ -واو المعيّة
تفيد المصاحبة والجمع، وينتصب المضارع بـ (أن) المضمرة وجوباً بعدها إذا تقدّمها نفي أو طلب.
فمما سبق بالنفي قول أحدهم: (ولا ألزم داري وأشهدَ الأبطال يمضون للجهاد سراعاً)، فهو لا يريد لزوم داره ومشاهدته الأبطال، بل يريد مشاركتهم، فالواو ليست عاطفة، بل هي ولو المعية التي تفيد الاقتران، فالمتكلم ينفي لزوم الدار مع مشاهدة الأبطال، ولا ينفي لزوم الدار وحدها، أو مشاهدة الأبطال. وتقول: (لا تُهملُ أمةٌ تاريخها وتنهضَ). فالفعل تنهض مسبوق بواو بمعنى (مع) ومسبوق بالنفي، ولذلك انتصب بـ (أن) المضمرة. والتقدير: لا يكن إهمال للتاريخ ونهوض.
ومما سبق بالأمر قول الأعشى:
فقُلْتُ ادْعِي وأَدعَوَ إنّ أنْدى * لِصَوتٍ أنْ يُنادِيَ داعيان
فالفعل (أدعوَ) منصوب بأن المضمرة بعد واو المعية، وقد سبق بالأمر.
ومما سبق بالنهي المثال المشهور: لا تأكل السمك وتشربَ اللبن. فالنهي عن الجمع بينهما، وليس المراد النهيَ عن أكل السمك وحده، أو شرب اللبن وحده.
وقال الأخطل:
لا تنه عن خُلُقٍ وتأتي مثلَه * عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
سبق الفعل (تأتي) بواو المعية وبالنهي، فانتصب بـ (أن) المضمرة بعد واو المعية، والتقدير: لا يكن نهي وإتيان، ومما سبق بالتمني قوله عز وجل بقراءة عبد الله بن أبي إسحاق: {يا ليتنا نُرَدُّ ولا نكذِّبُ بآيات ربِّنا ونكونَ من المؤمنين}. فقد سبق الفعل (نكذب) بواو المعية، وبأسلوب النهي، ولذلك انتصب بـ (أن) المضمرة بعد واو المعيّة. ومما سبق بالاستفهام قول الحُطيئة:
ألم أكُ جارَكم ويكونَ بيني * وبينكم المودّة والإخاء
فالفعل (ويكون) مسبوق بالاستفهام والنفي فانتصب بـ (أن) المضمرة بعد واو المعيّة.
٤ -أو: ينتصب بعدها المضارع بـ (أن) المضمرة وجوباً إذا كان لها أحد معنيين: انتهاء الغاية (إلى أن) أو الاستثناء (إلّا أنْ) قال الشاعر:
لأستسهلن الصعب أو أدركَ المُنى * فما انقادَتِ الآمال إلا لِصَابِرِ
فالمعنى: إلى أن أدرك المنى، فإدراك المنى غاية يوصل إليها بالعمل المتدرج، فـ (أو) بمعنى على أن، والفعل منصوب بـ (أن) المضمرة بعد (أو). وقال الشاعر:
لن تجمعوا ودِّي ومعتَبَتي * أو يُجمعَ السّيفانِ في غِمْدِ
فالمعنى: إلا أن تجمع السيفان في غمد، ومن الواضح أن الفعل بعد (أو) ليس غاية لما قبلهن ولا يوصل إليه بالعمل المتدرج، وواضح أنه يستحيل السيفين في غمد.
وقال زياد الأعجم:
وكنتُ إذا غَمَزْتُ قناةَ قومٍ * كسَرتُ كُعوبَها أو تَسْقَيما
والمعنى إلا أن تستقيمَ، والفعل لا يوصل إليه بالعمل المتدرج، فالكعوب إما أن تكون مستقيمة أو لا تكون، فإن كانت مستقيمة لا يكسرها. وقال امرؤ القيس:
فقلت له: لا تبك عينُكَ إنما * تحاول ملكاً أو نَموتَ فنُعذَرا
فالمعنى هو إلا أن نموت، فإن الموت ينهي المحاولة، وليس الموت هدفاً للعمل الذي قبل (أو).
٥ -حتى: ينتصب المضارع بأن المضمرة وجوباً بعد (حتى) إذا كان المضارع بعدها يدل على المستقبل، وكان لها أحد معانٍ ثلاثة: معنى (إلى أن) أو معنى أداة الاستثناء (إلَّا)، أو معنى التعليل.
ـ إلى أن: قال تعالى: {قالوا لن نبرحَ عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى}، وتدل على هذا المعنى إذا كان ما بعدها نهاية لمعنى ما قبلها، فهم مستمرون في عكفهم عليه إلى أن يرجع إليهم موسى.
ـ إلَّا أن: تقول: ليس عملي ممدوحاً حتى تظهر نتائجه، ولا يصلح الوالي للحكم حتى يلتزم العدل.
وقال تعالى: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا ممّا تحبون}، فهم لن ينالوا البر إلا إذا أنفقوا مما يحبون، فمعنى حتى هو معنى (إلا أن) وقال الشاعر:
فإن كان لا يرضيك شيء إلَّا أن تردّني…. وقال الشاعر:
ليس العطاء من الفضول سماحةً * حتى تجودَ وما لديك قليل
فالمعنى إلا أن تجود.
-التعليل: تقول: جئت حتى أتعلّم، والمعنى لأتعلّم، وقال تعالى: {لا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم}، فالمعنى: ليردّوكم. و(حتى) حرف جر، والمصدر المؤول من (أن) المضمرة وما بعدها في محل جر بحرف الجر (حتى)، والجار والمجرور متعلقان بالعامل، والجملة بعدها صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب، وهذا الإعراب إذا كان المضارع بعدها منصوباً سواء أكان معناها التعليل أم إلى أن أم إلاّ أن.
أما إذا ارتفع الفعل المضارع بعدها فهي حرف ابتداء، ويرتفع الفعل بعدها إذا لم يكن زمنه المستقبل. قال حسان بن ثابت:
يُغْشُون حتّى ما تهرُّ كِلابهُم * لا يسألونَ عَن السَّوادِ المُقْبِلِ
فهؤلاء قوم كرماء، يأتيهم الضيوف ليلاً ونهاراً، وكلابهم لا تنبح؛ لأنها تعودت على الضيوف. فالكلاب لا تهر في الماضي والحاضر والمستقبل، فزمن الفعل هو الاستمرار وليس المستقبل، ولذلك لم ينتصب بـ (أن) المضمرة بعد (حتى). وإعراب حتى: حرف غاية وابتداء.
وإذا كان زمن المضارع بعدها مستقبلاً بالنسبة على ما قبله، وليس مستقبلاً بالنسبة إلى زمن التكلم جاز رفع المضارع بعدها ونصبه، وقد قرئت هذه الآية بنصب المضارع ورفعه. قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يأتكم مثلُ الذين من قبلكم مسّتهم البأساء والضرّاء وزُلزلوا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله؟ ألا إنّ نصر الله قريب} فزمن الفعل (يقول) مستقبل بالنسبة إلى الزلزال، وليس مستقبلاً بالنسبة إلى زمن المتكلم، فحادثة الزلزلة مضت وانقضت، وقول الرسول: (متى نصر الله) أيضاً مضى وانقضى، لكن القول مستقبل بالنسبة للحادثة، ولذلك جاز النصب والرفع في الفعل (يقول) الذي جاء بعد (حتى).
حذف (أنْ)
حذفت (أنْ) وبقيت عاملة في غير المواضع التي ذكرناها، وقلنا: إنَّ (أنْ) تضمر جوازاً أو وجوباً فيها، وهذا الحذف شاذ لا يقاس عليه، من ذلك قولهم: (مره يحفرَها)، والأصل مره أن يحفرها، وقال الشاعر:
ألا أيّهذا الزاجِري أحْضُرَ الوَغى * وأن أشهَد اللّذاتِ هَلْ أنْتَ مُخْلِدي؟
روي البيت بنصب الفعل (أحضرَ) بـ (أنْ) المحذوفة شذوذاً، وسوّغ هذا الحذف عطف (أن يشهد) على (أحضر).
لن: حرف نفي ونصب واستقبال، تقول: لن أسيء إلى أصحابي، ولا تدلّ على تأييد النفي إلاّ بقرينة، قال تعالى: {فلن أكلِّم اليوم إنسيّاً}. فلو كانت تدل على تأييد النفي لما جاز التحديد والتقييد باليوم في الآية السابقة، قال تعالى: {فتمنَّوا الموت إن كنتم صادقين، ولن يتمنّوه أبداً}. فكلمة أبداً تدلُّ على أنها تنفي المستقبل، ولا تدل على تأييد النفي إلا بقرينة نحو قوله تعالى: {يا أيها الناس ضُرِبَ مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له…}، فـ ( لن) في الآية تدل على تأييد النفي؛ لأن الإنسان غير قادر على الخلق لا الآن ولا في المستقبل القريب ولا البعيد، فهو لا يخلق أبداً.
ويجوز تقديم معمول الفعل المضارع عليها، تقول: خالداً لن أعاقب، ولا يجوز الفصل بينها وبين الفعل.
كي: حرف مصدريُّ ينصب الفعل المضارع، ويخلصه للمستقبل، ويقترن بحرف الجر (لام التعليل) لفظاً أو تقديراً. تقول: درست كي أنجح، وسافرت كي أستريح، وقال تعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور}. فقد دخلت لام التعليل وهي حرف جر على الحرف المصدري (كي). وقال تعالى: {كيلا يكون دُولةً بين الأغنياء منكم}. حذفت لام التعليل قبل الحرف المصدري (كي)، ولا بدّ من تقديرها، والمصدر المؤول من (كي) وما بعدها في محل جر بحرف الجر لام التعليل ظاهرة أو مقدرة، والجملة بعد (كي) صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. ولا يجوز الفصل بين كي والفعل.
إذن: حرف جزاء وجواب واستقبال، يدخل على الأسماء والأفعال، فهي ليست مختصّة، لذا ضعف نصبها للفعل المضارع، فهي لا تنصبه إلا بشروط ثلاثة:
١ -التصدّر: يجب أن تكون صدراً في الجملة. تقول: إذن أقابلك جواباً لمن قال: سأذهب إلى الجامعة، فإن تقدّم عليه مبتدأ أو شرط أو قسم أو تأخرت عن الفعل بطل عملها، فإذا قلت: أنا إذاً أقابلك، ارتفع الفعل، وإذا قلت: إن تذهب إذاً أقابلْك، جزم الفعل، ويرتفع إذا قلت: أقابلك إذاً، وقال كثير عزة:
لئن عاد لي عبدُ العزيزِ بمثلِها * وأمكنَني مِنْها إذاً لا أقيلُها
فارتفع؛ لأنها سبقت بالقسم الذي دلت عليه اللام الموطئة للقسم في (لئن) ويجوز الرفع والنصب إذا تقدّم عليها أحد حرفي الاستئناف الفاء أو الواو تقول: إنْ تعملْ بجدٍ تنجحْ، وإذن أكافئَك، يجزم الفعل (أكافئْك) إذا جعلنا الواو عاطفة؛ تعطف الفعل (أكافئْك) على الفعل (تنجح)، ويرفع هذا الفعل إذا كان العطف على الجملة الشرطية، وينصب إذا كانت الواو استئنافية، وقال تعالى: {وإنْ كادوا ليستفزّونك من الأرض ليُخْرِجُوكَ منها، وإذاً لا يلبثون خلافَكَ إلا قليلاً}.
قرئ الفعل (يلبثون) مرفوعاً ومنصوباً؛ لأنّ (إذاً) مسبوقة بالواو. وقال تعالى: {أمْ لهم نصيبٌ من المُلكِ فإذن لا يؤْتُونَ الناس نقيراً}. ارتفع الفعل (يؤتون)؛ لأنّ الفاء قد سبقت (إذاً).
٢ -أن يكون زمن الفعل المضارع هو المستقبل، أما إذا كان الزمن للحال، فإن الفعل يرتفع، تقول: إذاً أشكُرُك، لمن قال لك: قمت بما تريد. وتقول: أظنّك صادقاً، لمن أخبرك بخير؛ لأن الشكر والظن إذا لم يسبق فعلهما المضارع بما يدل على الاستقبال، وكانا مسندين إلى ضمير المتكلم فإنهما يدلان على الزمن الحاضر، فيقع الفعل فور النطق به.
٣ -ألا يُفْصَل بينها وبين الفعل المضارع. ويجوز الفصل بالقسم أو النداء أو أداة النفي (لا). تقول: إذن والله أقابلَك، وإذن لا أقابلَك، وإذن يا خالدُ أقابلك.
وقال حسان بن ثابت:
إذن واللهِ نَرْمِيَهم بحربٍ * تُشِيْبُ الطِّفلَ من قبل المَشِيبِ
فقد انتصب الفعل (ترميَهم)، وقد فصل بينه وبين الحرف الناصب (إذن) القسم (والله)، وهذا جائز.