المبتدأ: تعريفه وأنواعه وأحكامه ومواضع الابتداء بالنكرة
المبتدأ والخبر هما ركنا الجملة الاسمية، وتربط بينهما علاقة معنوية تسمى علاقة الإسناد، ففي قولنا: (السماءُ صافيةٌ) ثمة ركنان في الجملة هما:
١ –السماءُ: ويسمى هذا الركن (المسند إليه)، وهو المبتدأ.
٢ –صافية: ويسمى (المسند)، وهو الخبر.
والرافع لكل من المسند والمسند إليه هو الابتداء، وهو عامل معنوي.
ويتفق المبتدأ والخبر في تطابقهما من حيث الحركة الإعرابية، وفي المعنى.
تعريف المبتدأ
هو اسم مجرد من أي عوامل لفظية، نحو: العلمُ نورٌ.
وهو الاسم أو ما يقوم مقامَه المسندُ إليه، كما أن المبتدأ هو الركن الأول في الجملة الاسمية.
أنواع المبتدأ
للمبتدأ أربعة أنواع هي:
١ –اسم ظاهر، نحو: القمرُ ساطعٌ، زيدٌ مجتهدٌ.
٢ –ضمير منفصل، نحو: أنتَ ناجحٌ.
٣ –مصدر مؤول: يصاغ من حرفِ مصدرٍ وما بعده، ومثاله قوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيرٌ لَكُمْ}. وتقديره: وصيامكم خير لكم.
ومنه قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}، والتقدير: إنذارُكَ وعدمه سواء عليهم.
إنذارك: تعرب مبتدأً، وسواء: تعرب خبراً.
٤ –جملة محكية: ويقصد بها الجملة المنقولة أو الكلام المنقول، ثم جَعلها مسنداً إليه والإخبار عنها، فكأننا بذلك نجعلها كلمة واحدة نخبر عنها، وهي جملة محكية، ومن ذلك قولنا: (لا إله إلا الله أفضلُ الكلام)، فهنا: جملة أو كلام منقول هو (لا إله إلا الله) وهي في محل رفع مبتدأ، وخبرها (أفضل).
ومنه أيضاً ما جاء في أمثال العرب (زعموا مطيةُ الكذب)، فالفعل والفاعل (زعموا) في محل رفع مبتدأ، وخبره (مطية).
ملحوظتان
١ -يدخل حرفا الجر الزائدين: (الباء) و (من) على المبتدأ؛ فتكون علامة الرفع فيه مقدرة، يمنع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة العارضة التي سببها حرف الجر.
فنقول في الإعراب: اسم مجرور لفظاً مرفوع محلاً على أنه مبتدأ.
ومثاله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بِحَسْبِ ابن آدم بعض من لقيمات يقمن صلبه».
ومنه قوله عز وجل: {هل من خالقٍ غير الله}.
٢ –كما يمكن أن تدخل عليه رب الشبيهة بالزائدة، ومثالها قولنا: ربَّ أخٍ لك لم تلده أمك.
أحكام المبتدأ
شرط المبتدأ أن يكون معرفة؛ لأننا نخبر عن المبتدأ (المسند إليه) بالخبر (المسند)، وذلك لا يتحقق ما لم يكن المسند إليه معرفة؛ إذ لا فائدة من الإخبار عن النكرة. فالإسناد إلى مجهول أو الحكم عليه هو أمر لا فائدة منه.
وعليه فإنه لا يجوز الابتداء بالنكرة إلا إذا أفادت شيئاً ما، ولهذا مواضع كثيرة بالغ في ذكرها النحاة حتى وصلوا إلى نحو ٤٠ موضعاً أو أكثر، ونحن بدورنا سنورد لكم أهم هذه المواضع وأكثرها استخداماً كما يلي:
مواضع الابتداء بالنكرة
١ –إذا وُصِفَتْ، لفظياً أو معنوياً:
- فاللفظي نحو: كلمةٌ صادقةٌ أفضلُ من مُعلَّقةٍ كاذبةٍ.
- والمعنوي، نحو: شرٌّ أهرَّ ذا ناب. والتقدير: شر عظيم أهر ذا ناب.
٢ –إذا أضيفت لفظاً أو تقديراً، وهذه الإضافة تعمل على تخصيص النكرة وتقلل عمومها وشيوعها، وتقربها من المعرفة.
- الإضافة اللفظية، نحو: (رفيقُ دربٍ خيرٌ من الوحدة)، فكلمة (رفيق) نكرة زال عمومها وشيوعها بالاسم الذي بعدها وهو المضاف إليه (درب) فخُصِّصت بذلك وقَرَّبَهَا من المعرفة؛ فجاز أن تعرب مبتدأً.
- الإضافة المعنوية (غير اللفظية)، نحو قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}، والتقدير: كل إنسان، وهنا كلمة (كل) لا تستغني عن الإضافة ظاهرة أم مقدرة.
٣ – إذا سبقها نفي أو استفهام على النحو الآتي:
- نفي، نحو: ما معروفٌ ضائعٌ.
- استفهام، نحو قوله عز وجل: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}.
٤ – أن تكون هذه النكرة من الألفاظ المبهمة كأسماء الشرط والاستفهام وما التعجبية وكم الخبرية على النحو الآتي:
- أسماء الشرط، نحو قول الشاعر:
مَنْ يفعل الخير لا يعدم جوازيه … لا يذهب العرف بين الله والناس
من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
- أسماء الاستفهام، نحو: مَنْ نجح في الامتحان؟ ومثله قول الشاعر:
لو كان في الألف منا واحد فَدَعَوا … مَنْ فارسٌ؟ خالهم إياه يعنونا
وجه الاستشهاد: جاز الابتداء بالنكرة (مَنْ) لأنها اسم استفهام.
- كم الخبرية، كقولنا: كم حسنةٍ للرجل الصالح.
- ما التعجبية، نحو: ما أطيب الربا!
ما: نكرة تامة بمعنى شيء، مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ.
٥ –أن يتقدم الظرف أو الجار والمجرور عليها فنخبر بهما عنها، نحو قوله تعالى: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}، {وَلَدَينَا مَزِيدٌ}، وكقولنا: في العلم منفعة.
فهنا أعطى تقدم الجار والمجرور معنى إضافياً لذا جاز الابتداء بهما؛ لأن تقديم شبه الجملة يدل على قيمة المتقدم والرغبة في توكيده.
٦ – إذا كانت النكرة بمعنى الفعل دالة على واحد مما يلي:
- دعاء، إما بخير، كقوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَيكُمْ}، أو دعاء بِشَرٍّ، نحو قوله عز وجل: {وَيلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}.
- تعجب، كقولنا: عجبٌ لزيد.
- مدح، نحو: عالمٌ يبدع في علمه.
- ذم، كقولنا: جبانٌ فرَّ من اللقاء.
٧ – إذا كانت عاملة عمل الفعل، ومثاله: أمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة.
٨ – في حالة العطف، على شرط صحة الابتداء بواحد من المتعاطفين، ومثاله من القرآن الكريم: {قَولٌ مَعْرَوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً}.
٩ – أن تقع النكرة في صدر جملة حالية:
- مسبوقةً بواو الحال، ومثاله: سافرت وألم يعتصرني.
- مجردةً من واو الحال، نحو: أُعِينُ الضعفاءَ إيمانٌ يدفعني.
١٠ –أن تأتي النكرة بعد أداة مختصة بالدخول على المبتدأ أو يغلب دخولها عليه، نحو:
- إذا الفجائية، نحو: خرجت فإذا طالبٌ في الباب.
- لولا الشرطية، مثل: لولا علمٌ لساد الظلام.
- لام الابتداء، كقولنا: لَرَجُلٌ قادمٌ.
١١ –إذا دلت على تقسيم وتنويع، نحو قول النمر بن تولب:
فيوم علينا ويوم لنا … ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرُّ
وجه الاستشهاد: جواز الابتداء بالنكرة لدلالتها على التقسيم.
حذف المبتدأ
الأصل في المبتدأ أن يكون مذكوراً في الكلام ما لم يعرِض له شيء فيُحذف بشرط أن يدل عليه دليل، ويكون حذف المبتدأ جوازاً ووجوباً على النحو الآتي:
أ –حذف المبتدأ جوازاً: يجوز حذف المبتدأ إن وجد دليل على المحذوف وانتفى الموجب للحذف وانعدم المانع، ومن ذلك قوله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيهَا}.
مَنْ: اسم شرط جازم، مبني على السكون، في محل رفع، مبتدأ.
فلنفسه: الفاء رابطة لجواب الشرط، لنفس: اللام حرف جر، نفس: اسم مجرور بحرف الجر، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف، وتقدير الكلام: فعمله لنفسه وإساءته عليها.
ب –حذف المبتدأ وجوباً: يجب حذف المبتدأ في المواضع الأربعة الآتية:
- إن أُخْبِرَ عنه بنعت مفيد لواحد من الأساليب الآتية:
- المدح، مثل: رَحَّبَ المعلمُ بالطالبِ المجتهدُ.
- الذم، مثل: حُكِمَ على المجرمِ السفاحُ.
- الترحم، مثاله: أين صديقَكَ الضعيفُ؟
فالمجتهد والسفاح والضعيف على التوالي هي نعوت (صفات) للأسماء التي قبلها توافقها في الحركة، غير أن العرب أرادوا أن ينبهوا إلى قيمة هذه الصفات ويلفتوا إليها الأنظار فقطعوها عن النعتية وجعلوها في جملة جديدة مستقلة ثم أعربوا النعت المقطوع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: هو المجتهد، وهو السفاح، وهو الضعيف.
والجملة تعرب استئنافية لا محل لها من الإعراب.
- إن أخبرنا عن المبتدأ بمخصوص نعم وبئس مؤخراً عنهما، نحو: (نعم الخلق الصبر، وبئس الخلق الجبن). فالمخصوص بالمدح أو المخصوص الذم يمكن أن يعربا خبراً للمبتدأ المحذوف وجوباً، أو مبتدأ والجملة قبلهما خبره.
- إذا أُخبر عن المبتدأ بمصدر يدل على فعله وينوب عنه، ومن ذلك قول العامل: عَمَلٌ متعبٌ، وقول الطالب: دراسةٌ متصلة.
وتحت هذا الباب يندرج المثالان: صبرٌ جميلٌ، أو سمعٌ وطاعةٌ.
وكل هذه الأمثلة نقدر فيها مبتدأً محذوفاً وجوباً لدلالة الكلام عليه، والتقدير:
عملي عمل متعب، ودراستي دراسة متصلة، وصبري صبر جميل، وأمري سمع وطاعة.
- إن كان الخبر صريحاً في القَسَمِ، نحو: (بحياتي لأحافظن على الوقت) ونحو: (في ذمتي لأفعلن المعروف).
والتقدير: بحياتي يمين أو قسم، في ذمتي عهد أو ميثاق.
والإعراب يكون كما يلي:
في ذمتي: في حرف جر، ذمتي: اسم مجرور بحرف الجر، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلقان بالخبر، أما المبتدأ فهو محذوف وجوباً؛ لدلالة الخبر الصريح عليه بالقسم.
(لأفعلن المعروف): جملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب.