الإعراب

ما إعراب لبيك، ولم جاءت بصيغة المثنى؟

يكثرُ السُّؤالُ في موسمِ الحجِّ عنْ معاني بعضِ الكلماتِ الَّتي يستخدمُهَا الحُجَّاجُ في شعائرهِمُ المقدَّسةِ الَّتي أمرهُمُ اللَّهُ بِهَا عندَ أداءِ فريضةِ الحجِّ في مكَّةَ المكرمةِ، وتختلفُ آراءُ النَّاسِ فيهَا، لذا علينَا أنْ نردَّ القولَ إلى علماءِ اللُّغةِ العربيَّةِ؛ بشرحِ معنى الكلمةِ، وإعرابِهَا، وكيفَ جاءَتْ على صيغةِ المثنَّى.

معنى لبَّيكَ واشتقاقُهَا

يُرادُ بقولِ الحُجَّاجِ: (لبَّيكَ) إجابةً بعدَ إجابةٍ، كأنَّهُمْ يقولونَ: كلَّمَا أَجبْتُكَ في أمرٍ فأنا في الأمرِ الآخرِ مجيبٌ.

واشتقاقُ الكلمةِ مِنْ (ألَبَّ فلانٌ على كذا وكذا) إذا داومَ على الشَّيءِ ولمْ يفارقْهُ أو يقلعْ عنْهُ.

فالإلبابُ دُنُوٌّ: فكأنَّ اللَّه عندمَا فرضَ على المسلمينَ الحجَّ دعاهُمْ إليهِ فأجابُوا هذهِ الدَّعوةَ فقالُوا: لَبَّيكَ، بمعنى: قُرْباً منكَ. قالهَا سيبويهِ.

-وقالَ المبرِّدُ: ألبَّ فلانٌ على الأمرِ: إذا لزمَهُ وداومَ عليه فمعناهُ: مداومةً على إجابتِكَ، ومحافظةً على حقِّكَ فإذا قالَ العبدُ لرَبِّهِ: لبَّيكَ فمعناهُ: مُلَازمَةً لطاعتِكَ، ومحافظةً على أمرِكَ.

وبِهِ قالَ أبو القاسمِ الزَّجَّاجيُّ والعكبريُّ.

إعرابُ لبَّيكَ

مفعولٌ مطلقٌ لفعلٍ محذوفٍ وجوباً تقديرُهُ ألبِّي لبَّيكَ، منصوبٌ علامةُ نصبِهِ الياءُ لأنَّهُ مثنّىً، والكافُ مضافٌ إليهِ.

وحكى سيبويهِ عنْ بعضِ العربِ: لبِّ، على أنَّهُ مفردُ لبَّيكَ غيرَ أنَّهُ مبنيٌّ على الكسرِ، لقلَّةِ تمكُّنِهِ. واختُلِفَ فيهِ؛ فقيلَ: يُنصبُ نصبَ المصدرِ؛ أي مفعولاً مطلقاً كما ذكرْنَا، كأنَّهُ قالَ: إجابةً.

وقالَ غيرُهُ: هوَ اسمُ فعلٍ.

وذهبَ الأعلمُ الشّنتمريُّ إلى أنَّ الكافَ في لبَّيكَ وأخواتِهِ حرفُ خطابٍ لا موضعَ لَهُ مِنَ الإعرابِ وحُذفَتِ النُّونُ لشبهِ الإضافةِ.

لكنَّ الإعرابَ الأوَّلَ هوَ الأقوى.

الغرضُ مِنْ مجيءِ كلمةِ لبَّيكَ بصيغةِ المثنَّى

لبَّيكَ: مثنَّى كلمةِ لبَّ بالمكانِ يلبُّ لبّاً؛ إذا أقامَ فيهِ ولَزِمَهُ، فهوَ مصدرٌ مثنّىً.

والغرضُ مِنَ التَّثنيةِ التَّكثيرُ، وأنَّهُ شيءٌ يعودُ مرَّةً بعدَ مرَّةٍ، وليسَ المرادُ منْهَا الاثنينِ فقطْ.

اقرأ أيضاً:  إعراب سورة الماعون

وهوَ مِنَ المصادرِ المسموعةِ بصيغةِ التَّثنيةِ معَ الإضافةِ.

وهذا المثنَّى لا يتصرَّفُ، ومعنى عدمِ التَّصرُّفِ أنَّهُ لا يكونُ إلَّا مصدراً منصوباً، ولا يكونُ مثنّىً إلَّا في حالِ الإضافةِ، كمَا لمْ يكُنْ (سُبْحانَ اللَّهِ)، و(مَعاذَ اللَّهِ) إلَّا مضافَينِ.

 ولا يُفْرَدُ، ولا يُستعملُ إلَّا مضافاً لإرادةِ معنى التَّكثيرِ، فلمَّا تضمَّنَ لفظُ التَّثنيةِ ما ليسَ لَهُ في الأصلِ مِنْ معنى التَّكثيرِ، لَزِمَ طريقةً واحدةً ليُنِّبئَ عنْ ذلِكَ المعنى.

ملخَّصُ البحثِ

-معنى لبَّيكَ: أُداومِ على إجابَتِكَ، وأُحافظُ على أَمرِكَ، وأَتقرَّبُ منْكَ مرَّةً بعدَ مرَّةٍ.

-إعرابُ لبَّيكَ: مفعولٌ مطلقٌ لفعلٍ محذوفٍ وجوباً تقديرُهُ ألبِّي لبَّيكَ، منصوبٌ علامةُ نصبِهِ الياءُ لأنَّهُ مثنّىً، والكافُ مضافٌ إليهِ.

-الغرضُ مِنْ مجيءِ الكلمةِ بصيغةِ المثنَّى: التَّكثيرُ، وأنَّهُ شيءٌ يعودُ مرّةً بعدَ مرَّةٍ.

المصادرُ والمراجعُ

-ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي: ٣/ ١٣٦٣ -١٣٦٤.

-توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك لابن أم قاسم المرادي: ٢/ ٨٠٢.

-حروف المعاني والصفات للزجاجي: ١٦.

-شرح أبيات سيبويه للسيرافي: ١/ ٢٥١.

-شرح المفصل لابن يعيش: ١/ ٢٩٣.

-الكتاب لسيبويه: ١/ ٣٤٩ -٣٥٤.

-اللباب في علل البناء والإعراب للعكبري: ١/ ٤٦٥.

-المقتضب للمبرد: ٣/ ٢٢٥.

-المنصف لابن جني: ٣٥٥.

-النحو الوافي لعباس حسن: ٤/ ٦٦.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى