شرح فظل العذارى يرتمين بلحمها
فَظَلَّ الْعَذَارَى يَرْتَمِينَ بِلَحْمِهَا … وَشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ الْمُفَتَّلِ
معاني المفرداتِ
فَظَلَّ: فَعَلْنَ ذلِكَ نهاراً، أوِ استمرُّوا في فعلِهِ. يُقالُ: ظلَّ زيدٌ قائماً إذا أتى عليهِ النَّهارُ وهوَ قائمٌ.
الْعَذَارَى: سبقَ شرحُهَا في البيتِ السَّابقِ.
يَرْتَمِينَ: يُناولُ بعضُهُنَّ بعضاً، أو يتهادينَ بِهِ، وينادي بعضُهُنَّ بعضاً.
بِلَحْمِهَا: لحمُ النَّاقةِ الَّتي ذبحَهَا لهُنَّ.
وَشَحْمٍ: هوَ الأبيضُ مِنَ اللَّحمِ.
كَهُدَّابِ: الهُدَّابِ: اسمٌ لِمَا استرسلَ مِنَ الشَّيءِ، أو هوَ طرفُ الثَّوبِ الَّذي لمْ يُسْتَتَمَّ نسجُهُ.
الدِّمَقْسِ: الحريرُ الأبيضُ.
الْمُفَتَّلِ: المفتولُ، أوِ المُبرمُ مِنْ طاقَينِ أو أكثرَ.
معنى البيتِ
استمرَّتْ هذهِ الفتياتُ الأبكارُ بإلقاءِ شواءِ النَّاقةِ لبعضهِنَّ مِنْ لحمٍ وشحمٍ، هذا الشَّحمُ، بسببِ ليونَتِهِ، يُشبهُ غَزْلَ الحريرِ المفتولَ بإحكامٍ ومهارةٍ.
وَيَومَ دَخَلْتُ الْخِدْرَ خِدْرَ عُنَيزَةٍ … فَقَالَتْ لَكَ الْوَيلَاتُ إِنَّكَ مُرْجِلِي
معاني المفرداتِ
الْخِدْرُ: الهودجُ، كانَتِ النِّساءُ تركبُ فيهِ على ظهورِ الإبلِ، وأصلُ الخِدرِ في اللُّغةِ البيتُ، ويُستعارُ لكلِّ ما يَسترُ مِنْ خيمةٍ وغيرِهَا.
عُنَيزَةُ: اسمُ عشيقتِهِ، وهيَ بنتُ عمِّهِ، وقيلَ: هوَ لقبٌ لَهَا واسمُهَا فاطمةُ.
الْوَيلَاتُ: جمعُ ويلةٍ، والويلُ والويلةُ: شدَّةُ العذابِ.
والغالبُ أنَّ قولَهَا: (لكَ الويلاتُ)، هوَ دعاءٌ مِنْ عنيزةَ عليهِ.
مُرجلي: أي جاعلنِي أمشي راجلةً على قدمِي.
معنى البيتِ
ويومَ دخلْتُ هَودجَ عُنيزةَ دَعَتْ عليَّ، وقالَتْ: إنَّكَ تجعلُنِي أمشي راجلةً على قدميَّ؛ لعقرِكَ ظهرَ بعيري بركوبِكَ معي.
في البيت الرابع عشر من معلقة امرئ القيس يتحول بنا امرؤ القيس إلى مغامرته مع محبوبته عنيزة فيقول: عندما دخل هودجها دعت عليه، ونص البيت الشعري هو:
تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الغَبِيطُ بِنَا مَعاً … عَقَرْتَ بَعِيرِي يَا امْرَأَ الْقَيسِ فَانْزِلِ
معاني المفرداتِ
مَالَ: حَرَفَ ومالَ إلى السُّقوطِ، وإنَّمَا مالَ الغبيطُ؛ لأنَّهُ انثنى عليهَا يُقبِّلُهَا فصارا معاً في شقٍّ واحدٍ.
الغَبِيطُ: الهَودجُ، وقيلَ: مركبٌ مِنْ مراكبِ النِّساءِ، وقيلَ: قَتَبُ الهودجِ وهوَ الرَّحلُ الصَّغيرُ.
عَقَرْتَ بَعِيرِي: جرحْتَ ظهرَ ناقتي.
معنى البيتِ
كانَتْ عنيزةُ تقولُ لِي، والهودجُ يُمِيْلُنَا؛ لأنَّنِي أقبِّلُهَا فنصيرُ في شقٍّ واحدٍ: قدْ جرحْتَ ظهرَ ناقتي فانزلْ عنْهَا.
فَقُلْتُ لَـهَا سِيرِي وَأَرْخِي زِمَامَهُ … وَلَا تُبْعِدِينِي مِنْ جَنَاكِ الْـمُعَلَّلِ
معاني المفرداتِ:
أَرْخِي: اتركي.
زِمَامَهُ: الزمام هو الحبل الذي يشد رقبة البعير.
جَنَاكِ: الجنى: اسم لما يجتنى من الشجر، وهنا جعل محبوبته بمنزلة الشجرة التي يجتنى ثمارها، وثمارها هنا هو الرائحة والعناق والتقبيل…
الْـمُعَلَّلِ: المعلل بفتح اللام الذي قد عل بالطيب والمعلل بكسر اللام الشاغل ويقال الملهي.
معنى البيتِ
فقلْتُ لعنيزةَ تابعي المسيرَ واتركي زمامَ البعيرِ ولا تبعدينِي ممَّا أحصلُ عليهِ مِنَ (الثَّمرِ) رائحتِكِ وتقبيلِكِ وعناقِكِ، وهوَ المُطَيَّبُ مرَّةً بعدَ أُخرى، أوِ الَّذي ألهانِي عمَّا أصابَنِي.
فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ … فَأَلْـهَيتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ
معاني المفرداتِ
فَمِثْلِكِ: يريدُ امرأةً غيرَ عنيزةَ.
طَرَقْتُ: أتيتُهَا ليلاً، فالطُّروقُ الإتيانُ ليلاً.
فَأَلْـهَيتُهَا: أشغلْتُهَا.
تَمَائِمَ: مفردُهَا تميمةٌ، وهيَ العوذةُ. وهيَ: خرزاتٌ كانَ الأعرابُ يعلِّقونَهَا على أولادهِمْ يتَّقونَ بِهَا النَّفسَ والعينَ بزعمِهِمْ، فأبطلَهَا الإسلامُ.
مُحْوِلِ: هوَ الطِّفلُ الَّذي أتمَّ حولاً، أي: عاماً.
ويروى البيتُ: ومُغْيِلِ: والمغيلُ: الرَّضيعُ وأمُّهُ حبلى أو تجامعُ.
معنى البيتِ
ربَّ امرأةٍ مثلِكِ حبلى وربَّ امرأةِ معَهَا رضيعٌ قدْ أتيتُهَا ليلاً، فأشغلْتُهَا عنْ طفلِهَا الَّذي أتمَّ عاماً والَّذي علَّقَتْ عليهِ التَّعاويذَ مِنْ ولعِهَا بابنِهَا.
وإنَّمَا خصَّ الحبلى والمرضعَ؛ لأنَّهُمَا أزهدُ النِّساءِ في الرِّجالِ وأقلُّهُنَّ شغفاً بهِمْ، ومعَ ذلِكَ تعلَّقَتَا بِهِ ومالَتَا إليهِ، فأشغلَ مثلَهُمَا.
فالشَّاعرُ يخاطبُ صاحبتَهُ مفتخراً بأنَّهُ صاحبُ مغامراتٍ، وأنَّ النِّساءَ، حتَّى المرضعاتِ والحبالى منهُنَّ، معجباتٍ بِهِ.