الإعراب: مفهومه وتعريفه وأنواعه
لاحظ علماء النحو أن اللغة العربية ذات طبيعة معربة؛ أي أن علاقات ما تربط بين العناصر اللغوية المؤلفة لتراكيبها، وان هذه العناصر تتغير أواخرها باختلاف مواقعها في التركيب اللغوي، وهذا التغيير تَبَعٌ للمعاني التي يريد المتكلم التعبير عنها، ففي قولنا:
-كافأ المديرُ الفائزَ الأولَ
ضبطت كلمة المدير بحركة الضمة، وضبطت كلمة الفائز بحركة الفتح، وضبطت كلمة الأول بحركة الفتح، وذلك لأنها تابعة لكلمة الفائز كونها صفة لها.
وفي قولنا:
-كُوفئ الفائزُ الأولُ
نجد أن حركة كلمتي الفائز والأول تغير آخرها؛ فبعد أن كانت حركتاهما الفتحة في الجملة الأولى أصبحت حركتاهما الضمة في الجملة الثانية؛ لأن وظيفة كل منهما تختلف بين الجملتين الأولى والثانية.
وهذا يعني أن بين كلمات التركيب اللغوي أو العبارة الكلامية تفاعلاً. وقد سمى علماء النحو هذا التغيير الإعراب، فما معنى الإعراب لغة واصطلاحاً، تابعوا القراءة لتعرفوا.
مفهوم الإعراب
بعد العودة إلى معاجم اللغة العربية لمعرفة مفهوم الإعراب فإننا نقف على ثلاثة معان لمادة (عَرَبَ)، وهي الجذر الثلاثي للمصدر (إعراب)، وعلى رأس هذه المعاني دلالتها على الوضوح والإبانة، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الثيب يعرب عنها لسانها)، وقال أيضاً: (يستحب حين يعرب الصبي أن يقول: لا إله إلا الله سبع مرات)؛ اي حين يبين عن نفسه، وليس هذا من إعراب الكلام. لكن إعراب الكلام من هذا القياس؛ لأنه بالإعراب يفرق المرء بين المعاني في الفاعل والمفعول به وفي النفي والاستفهام والتعجب وغيرها من سائر أبواب هذا النحو من العلم.
تعريف الإعراب
هو الإبانة عن المعاني التي نريدها بالألفاظ التي نتكلم بها.
أما لفظ الإعراب فهو مصدر أعربت عن الشيء؛ إذا أوضحت عنه، وقولنا: فلان معرب عما يجول في خاطره، فمعناها أنه مبين له وموضح عنه.
والأصل في هذا قولهم: العرب؛ بمعنى أن العرب سموا بهذا الاسم لما يعزى إليهم من الفصاحة والإعراب والبيان.
معنى الإعراب اصطلاحاً:
هو تغير حركة آخر الكلمة بسبب تغير العوامل الداخلة عليها لفظاً أو تقديراً.
وعليه فإن هذا التعريف يتضمن كلاً من:
أ -تغير حركة آخر الكلمة المتأثرة.
ب -وجود مؤثر في هذه الكلمة.
أنواع الإعراب
للإعراب ثلاثة أنواع هي:
أ -الإعراب الظاهر أو اللفظي: وهو الإعراب الذي تظهر علامته على الكلمة المعربة. ويسمى الحرف الذي تظهر عليه علامة الإعراب حرف الإعراب، ومن ذلك قولنا: يدرسُ زيدٌ.
وغذا قلنا: لن ينجحَ المهملُ، نرى أن حركة النصب وهي الفتحة قد ظهرت على آخر الفعل المضارع المنصوب بلن، وظهرت علامة الرفعة وهي الضمة على آخر الاسم؛ وذلك لعدم وجود مانع يمنع من ظهورها.
ب -الإعراب المقدر: في اللغة العربية قد لا يظهر أثر العامل في آخر الكلمة المعربة لسببين، وهما:
-امتناع ظهوره على آخر هذه الكلمة.
-صعوبة ظهوره بسبب ثقلٍ في اللفظ.
وقد سمى علماء النحو النوع الأول التعذر، وسموا النوع الثاني الثقل. ولا يكون الإعراب التقديري إلا إذا وجدت علة صوتية تمنع ظهور الحركة الإعرابية، وهذا الأمر لا يكون إلا في المواضع الآتية:
-الكلمات المعربة المعتلة الآخر: ومن ذلك قوله تعالى: {قل إن الهدى هدى الله}، سورة آل عمران.
فالكلمة الأولى وهي الهدى، إعرابها اسم إن منصوب، ولكن الألف منعت ظهور الفتحة عليها وتعذر ذلك. والكلمة الثانية وهي هدى، إعرابها خبر إن مرفوع، والألف المقصورة يتعذر ظهور الحركة الإعرابية عليها.
ومثل ذلك قولنا: لا يسعى الكسول إلى العلى، فالفعل يسعى، فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، والعلى: اسم مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر.
-الكلمات المعربة المنهية بواو أو بياء: ومن ذلك قولنا: يسمو المرء بأخلاقه، ويجني المقصر على نفسه.
فالفعل يسمو فعل منته بالواو، ويثقل على اللسان إظهار الضمة عليها، وكذلك الفعل يجني يثقل على اللسان التلفظ بحركة الإعراب الضمة؛ لذلك يقال: هما فعلان مرفوعان، وعلامة رفعهما الضمة المقدرة على الواو والياء على التوالي للثقل.
-الاسم المضاف إلى ياء المتكلم: وحركة الإعراب لا تظهر عليه لأن حرف الإعراب في آخر الكلمة فيه قد حلت الكسرة المناسبة للياء محل حركة الإعراب، فيقال في مثل قولنا: أخذ كتابي.
كتابي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء.
-المعرب المحكي: المقصود بالمحكي هو نقل الكلام كما هو في صيغته الأولى واستعماله استعمالاً جديداً، ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج:
نُبِّئْتُ أخوالي بني يزيدُ * ظُلماً علينا لهم فَدِيدُ
فكلمة (يزيد) جاءت على صيغة الفعل المضارع، ولكن سميت بها قبيلة من قبائل العرب، فنقلت من صيغة الفعل المضارع غلى الاسم. ويلاحظ ههنا أن علامة رفع الفعل المضارع ما زالت ظاهرة، وفيه فاعل مستتر، وإعراب هذه الكلمة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة، منع من ظهورها حركة الحكاية الأأصلية، والحركة هنا هي الضمة.
فالكلمة المحكية هي الكلمة المنقولة كما هي ومن دون تغيير من استعمال إلى استعمال.
ج -الإعراب المحلي
يقصد به: أن الكلمة المبنية التي وقعت بعد عامل نصب أو رفع أو جزم تبقى على حالها من عدم التأثر بالعامل، ولو استبدلنا بهذه الكلمة كلمة أخرى معربة اسماً أو فعلاً لظهر تأثرها بالعامل ولظهرت علامة الإعراب كالرفع والنصب والجزم والجر. ولذلك يكون الإعراب المحلي منصباً على الكلمة كلها أو على الجملة كلها لا على الحرف الأخير الذي هو محل الإعراب.
ومثال ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}، سورة الحجرات.
فمعلوم أن حرف الشرط (إن) يجزم فعلين مضارعين، ولكن ما تلاه في الآية الكريمة إنما هو الفعل الماضي (جاء) وهو مبني أخذ محل الفعل المضارع الذي يلي حرف الشرط الجازم (إن) أصلاً، ومع ذلك بقيت حركة البناء في الفعل (جاء) كما هي لم تتغير، ولكن لو أتينا بفعل مضارع بمعنى (جاء) مثل: إن يجئ، لظهرت علامة الجزم.