أنواع البحور الشعرية وكيفية معرفة وزن البيت
تُعد البحور الشعرية من الأركان الأساسية في الشعر العربي، حيث تُعطي القصائد إيقاعها وتُنظّم الأوزان فيها، ممّا يُساهم في إبراز جماليات اللغة العربية. البحور الشعرية هي الأوزان التي تُبنى عليها الأبيات الشعرية في الشعر العربي، وقد تعرفها العرب منذ العصور الجاهلية وحتى يومنا هذا.
يعود الفضل في تنظيم وتدوين البحور الشعرية إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي عاش في القرن الثامن الميلادي، إذ قام بتحديد خمسة عشر بحراً شعرياً، ثم أضاف تلميذه الأخفش الأوسي البحر السادس عشر. وقد أصبحت هذه البحور منذ ذلك الحين بمنزلة القواعد التي يُرتّب عليها الشعراء قصائدهم لتكون موزونة ومتناغمة.
البحور الشعرية ليست مجرد أوزان موزونة، بل تعكس الذوق الأدبي واللغوي للعرب، وتُبرز المهارة الإبداعية للشعراء في قدرتهم على الالتزام بتلك الأوزان مع الحفاظ على المحتوى والجمالية. كما أن البحور الشعرية تُعتبر مرجعاً هاماً لدراسة تطور الأدب العربي وفهم التقاليد الثقافية التي أثرت فيه على مر العصور.
تميزت البحور الشعرية بالتنوع والغنى، مما أتاح للشعراء إمكانية التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بمنتهى الحرية، مع مراعاة الأسس والضوابط العروضية التي وضعها الفراهيدي. لا يقتصر دور البحور الشعرية على الشعر القديم فحسب، بل نجد تأثيرها واضحاً في الشعر الحديث، حيث يلتزم العديد من الشعراء المعاصرين بتلك الأوزان مُضيفين إليها لمساتهم الخاصة.
في السطور القادمة، سنتناول بمزيد من التفصيل أنواع البحور الشعرية المختلفة، وطرق معرفة وزن البيت الشعري، ضمن محاولتنا لفهم هذا الجانب المهم من التراث الأدبي العربي العريق.
أهمية البحور الشعرية في الشعر العربي
يعتبر فهم البحور الشعرية جزءًا أساسيًا في الأدب العربي، إذ يسهم بشكل كبير في تقديم قصائد متوازنة وسلسة من حيث الإيقاع والنغمة. البحور الشعرية هي مجموعة من الأوزان الشعرية التي تم تنظيمها وتصنيفها عبر التاريخ، مما يمنح القصائد بُعدًا موسيقيًا يزيد من جاذبيتها وتأثيرها على المستمعين. هذا التنظيم الدقيق للنغمات والإيقاعات يتيح للشعراء التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بطريقة أكثر انسجامًا وتأثيرًا.
السبب الأساسي الذي يجعل البحور الشعرية ذات أهمية كبرى يعود إلى قدرتها على تحسين جودة النصوص الشعرية. فالقصائد التي تعتمد على البحور الشعرية تميل إلى أن تكون أكثر تماسكًا، حيث تساهم الأوزان الشعرية في ضبط البناء الفني للنصوص، مما يجعلها أكثر قبولًا ورونقًا لدى الجمهور. البحور الشعرية تساعد أيضًا في تطوير المهارات الشعرية للشعراء أنفسهم، من خلال التحدي الذي تفرضه في كيفية المزج بين الأوزان والألفاظ.
الأدب العربي قديمًا وحديثًا يعتبر مصدرًا غنيًا للثقافة والهوية العربية، ومن خلال البحور الشعرية تحديدًا، يمكن للشعراء تحقيق توافق وتناسق فني يُضفي على النصوص بعدًا إبداعيًا خاصًا. البحور توفر إطارًا يمكن من خلاله للشاعر أن يبرز مهاراته وقدرته على الابتكار ضمن حدود هذا الإطار، ما ينعكس إيجابيًا على القيمة الأدبية والإبداعية للنص.
على مر العصور، كانت البحور الشعرية أداةً يستخدمها الشعراء لإيصال رسائلهم والاحتفاظ بالقدسية الأدبية للغة العربية. تتنوع هذه الأبحر وتختلف من حيث الهيكل والوزن، مما يتيح للشعراء المزيد من الفرص للتعبير والتجديد في أعمالهم الشعرية. سواء كان الشاعر متبعًا للأنماط التقليدية أو ساعيًا نحو التجديد والابتكار، فإن البحور الشعرية تبقى أداة جوهرية في صناعة الشعر العربي.
يمكن تقسيم البحور الشعرية وفق عدد التفعيلات ووفق حروف التفعيلات ووفق أنواع التفعيلات.
أنواع البحور الشعرية وفق عدد التفعيلات
من خلال استقراء تفعيلات البحور الشعرية التي تُشكلها؛ تَظهر معنا البحور الآتية:
أ –البحور المثمنة: وهي التي تتألف من ثماني تفعيلات، يضم كل شطر أربع تفعيلات، وهذه البحور هي: الطويل، والمتقارب، والبسيط، والمتدارك، والمديد.
وتتحول هذه البحور إلى مسدسة إذا جاءت مجزوءة، عدا البحر الطويل؛ فإنه لا يأتي إلا تاماً، والمديد لا يأتي إلا مجزوءاً.
ب –البحور المسدسة: وهي التي تتألف من ست تفعيلات، أي يضم كل شطر ثلاث تفعيلات، وهذه البحور هي: الوافر، والخفيف، والرمل، والمنسرح، والرجز، والسريع، والكامل.
وتتحول هذه البحور إلى مربعة؛ إذا جاءت مجزوءة أيضاً.
ج –البحور المربعة: وهي التي تتألف من أربع تفعيلات؛ أي يضم كل شطر تفعيلتين، وفي الحقيقة إن هذه البحور كانت وفق ورودها في الدوائر العروضية مسدسة، غير أنها لا تأتي إلا مجزوءة، وهذه البحور هي: المضارع، والهزج، والمقتضب، والمجتث.
أنواع البحور الشعرية وفق حروف التفعيلات
تقسم البحور الشعرية وفق هذه الأنواع إلى ثلاثة هي:
أ –البحور السباعية: وهي التي تتركب تفعيلاتها من سبعة أحرف، مثل: فاعلاتن ومستفعلن، وهذه البحور هي:
الوافر، والكامل، والهزج، والرجز، والرمل، والسريع، والمنسرح، والخفيف، والمضارع، والمقتضب، والمجتث.
ب –البحور الخماسية: وهي التي تتركب تفعيلاتها من خمسة حروف، مثل: فعولن وفاعلن، وهذه البحور هي:
المتقارب والمتدارك.
ج –البحور الممتزجة: وهي التي تتركب تفعيلاتها من سبعة أحرف وخمسة أحرف، وهي:
الطويل والمديد والبسيط.
أنواع البحور الشعرية وفق أنواع التفعيلات
المقصود هنا بأنواع التفعيلات هو: تَكَوُّنُ البحر من تفعيلة واحدة مكررة مرات عدة، أو من تفعيلتين متكررتين مرات عدة. ولا يوجد بحر في الشعر العربي يتألف من ثلاث تفعيلات مختلفة، على سبيل المثال لا يجتمع (مستفعلن فعولن فاعلن) في بحر واحد، وإنما قد نجد تنوعاً في تفعيلات البحور التي تنتابها الزحافات والعلل، ويمكن تصنيف هذه البحور في الجدول الآتي:
البحور ذوات التفعيلة الواحدة
-الوافر: مفاعلتن.
-الهزج: مفاعيلن.
-الرمل: فاعلاتن.
-المتدارك: فاعلن.
-الكامل: متفاعلن.
-الرجز: مستفعلن.
-المتقارب: فعولن.
البحور ذوات التفعيلتين
-الطويل: فعولن مفاعيلن.
-المديد: فاعلاتن فاعلن.
-الخفيف: فاعلاتن مستفعلن.
-المنسرح: مستفعلن مفعولات.
-البسيط: مستفعلن فاعلن.
-السريع: مستفعلن فاعلن.
-المجتث: مستفعلن فاعلاتن.
-المضارع: مفاعيلن فاعلاتن.
-المقتضب: فاعلاتن مستفعلن.
زمر البحور وكيفية معرفة وزن البيت
يمكن تصنيف البحور في ثماني زمر، وذلك بحسب التفعيلة الأولى التي يتألف منها البيت الشعري، ومن خلال هذه الزمر يسهل علينا معرفة وزن البيت على أي بحر هو، وسنتعرف أولاً إلى هذه الزمر، ثم نعطي لمحة بسيطة عن كيفية معرفة وزن البيت الشعري:
١ –فعولن: الطويل، والمتقارب.
٢ –مفاعلتن: الوافر.
٣ –مفاعيلن: المضارع، والهزج.
٤ –فاعلاتن: المديد، والخفيف، والرمل.
٥ –فاعلن: المتدارك.
٦ –مفعولات: المقتضب.
٧ –متفاعلن: الكامل.
٨ –مستفعلن: المنسرح، والبسيط، والسريع، والرجز، والمجتث.
من خلال النظر في الزمر أعلاه؛ نرى أن بعض التفعيلات تبدأ بوتد مجموع، وهي الزمر الثلاث الأولى، وبعضها يبدأ بسبب خفيف وهي الزمر رقم (٤ و ٥ و ٦ و ٨)، وبعضها يبدأ بفاصلة صغرى وهي الزمرة السابعة.
فعندما نقطع البيت الشعري نحدد أولاً بداية التفعيلة هل هي وتد مجموع أم سبب خفيف أم فاصلة صغرى، فإذا كانت البداية منطبقة على ذلك نرى إن كانت التفعيلة كاملة أم انتابها زحاف معين، ومن خلال معرفتنا بأنواع الزحافات التي تطرأ على التفعيلات نستطيع أن نتبين هذه التفعيلة.
بعد ذلك ننظر إلى الجزء الثاني من التفعيلة؛ فإذا تطابق ما هو موجود في البيت الشعري؛ ننتقل إلى تحديد التفعيلة الثانية من خلال ما نحفظ من بحور وفق أنواع التفعيلات، وننظر إلى عدد التفعيلات في كل شطر وفق أنواع البحور وحسب عدد التفعيلات فنتبين وزن البيت الشعري بسهولة.
ونلفت النظر هنا إلى أن صحة التقطيع وسلامته هي المعول الأول لصحة الوزن، فيجب علينا أن نراعي طريقة التقطيع والوقوف على الحرف الساكن، ووضع الحركات والسكنات بشكلها الصحيح والانتباه إلى طبيعة نطق الحروف من خلال مراقبة النطق السليم عند ذلك نأمن العثار.
ولا شك أن الدُّربة والمراس كفيلان بتزويد طالب علم العروض بالثقافة العروضية اللازمة؛ لأن علم الموسيقا هو علم الأصوات واهتزازها ومدها وقصرها.
سؤالات للإجابة عنها
١ –ما أنواع بحور الشعر وفق عدد التفعيلات؟
٢ –ما أنواع بحور الشعر وفق حروف التفعيلات؟
٣ –ما أنواع بحور الشعر وفق أنواع التفعيلات؟
٤ –عرف البحور الممتزجة وأعطِ مثالاً عن ذلك.
٥ –عَدِّدِ البحور ذوات التفعيلة الواحدة.
٦ –عدد البحور ذوات التفعيلتين.
سؤالات صح أو خطأ
-يأتي البحر الطويل مجزوءاً، صح أم خطأ؟
-لا يأتي البحر المديد إلا تاماً، صح أم خطأ؟
-تتحول البحور المثمنة إلى مسدسة إذا جاءت مجزوءة، صح أم خطأ.
-تتحول البحور المسدسة إلى مربعة إذا جاءت تامة فقط، صح أم خطأ.
-في البحور المربعة يضم كل شطر أربع تفعيلات، صح أم خطأ.
-لا يجتمع (مستفعلن فعولن فاعلن) في بحر واحد، صح أم خطأ.
أهمية البحور الشعرية في الحفاظ على التراث العربي
تنبع أهمية البحور الشعرية من دورها الحيوي في الحفاظ على التراث الأدبي العربي وضمان استمراريته عبر الأجيال. يعتبر الشعر العربي من أعرق الفنون الأدبية، وقد ازدهر معتمدًا بشكل أساسي على البحور الشعرية التي تضفي عليه التناسق والإيقاع المميز. من خلال هذه الأطر الشعرية التقليدية، تمكن الشعراء من الحفاظ على البناء الفني والنغمي لشعرهم، مما ساهم في إثراء المشهد الأدبي العربي عبر العصور.
تلعب البحور الشعرية دورًا محوريًا في نقل القيم الثقافية والاجتماعية والتراث العربي من جيل إلى جيل. باستخدام الأوزان الشعرية، يتسنى للشعراء التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بطريقة تعزز من فهم وتقدير التراث الثقافي. بهذا المعنى، تصبح البحور الشعرية وسيلة لتوثيق التاريخ الثقافي والاجتماعي للعالم العربي، حيث تنقل العادات والتقاليد والتجارب الإنسانية المتنوعة في إطار فني وجمالي.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم البحور الشعرية في تقوية الهوية الثقافية وحفظ النقاد والأدباء طريقة مبدعة لجذب اهتمام الجمهور إلى جمال وثراء اللغة العربية. إن التحكم في أوزان الشعر يعكس مهارات البلاغة والفصاحة، مما يعزز من مكانة الشعراء ويزيد من قدرة المتلقين على التفاعل مع القصائد. هذا يحافظ على الشعر العربي كفن حي ونابض يعكس نبض الأمة العربية وروحها الفريدة.
وفي الختام، يبقى لنا أن ندرك أن استمرار الحفاظ على البحور الشعرية ليس مجرد حفاظ على ضربات إيقاعية، بل هو حفاظ على جوهر الثقافة والتعبير الفني على مر الزمن. يظل الشعر العربي بجميع أنماطه وأوزانه كنزًا ثمينًا يجسد جمال اللغة وروح الأمة، ويعزز من مكانة التراث الأدبي في الذاكرة الجماعية للأجيال القادمة.