أفعال المدح والذم: حبذا ولا حبذا ونعم وبئس، وأحكام المخصوص بالمدح أو الذم
في هذه المقالة سوف نتعرف إلى أفعال المدح والذم، ونتحدث عن حبذا، ولا حبذا، ونعم، وبئس، وساء، كما سنتكلم عن أحكام الفاعل وأحكام التمييز وأحكام المخصوص بالمدح أو الذم إضافة إلى الملحق بأفعال المدح والذم.
أفعال المدح والذم هي:
١ -نعم، وحبذا: للمدح.
٢ -بئس، وساء، ولا حبذا: للذم.
حبذا، لا حبذا
١ -حبّ: فعل ماض جامد يستعمل للمدح، فإذا سبق بـ” لا ” النافية أصبح للذم، وقد اجتمعا في قول أم شملة المنقري:
ألا حبذا أهل الملا غير أنه * إذا ذكرت ميّ فلا حبذا هيا
والأصل فيه “حبب” ثم أُدْغِمَت الباء الأولى في الثانية بعد تسكينها.
و”حبذا” فعل ماض جامد، و”ذا” اسم إشارة في محل رفع فاعلٌ، و”أهل” مخصوص بالمدح وهو مبتدأ والجملة قبله خبره.
٢ -قد يأتي بعد هذا الفعل تمييز لا يجوز تقدمه عليه، ومخصوص بالمدح يترجح تأخيره عن التمييز كقول الشاعر:
ألا حبذا قوما سليم فإنهم * وفوا وتواصوا بالإعانة والصبر
وقد يتقدم على التمييز كقول الشاعر:
حبذا الصبر شيمة لامرئ رام * مباراة مولع بالمغاني
الشاهد: تأخر التمييز “شيمة” عن المخصوص “الصبر” وذلك جائز.
٣ -يلتزم في “ذا” الإفراد والتذكير؛ لأنها جرت مجرى الإنسان كقول جرير:
يا حبذا جبل الريان من جبل * وحبذا ساكن الريان من كان
وحبذا نفحات من يمانية * تأتيك من قبل الريان أحيانا
في هذين البيتين شاهدان أولهما: التزام الإفراد والتذكير في “ذا”، وتأنيثهما: جواز جر التمييز بحرف زائد “من جبل”.
وقول الآخر:
حبذا أنتما خليليّ إن لم * تعذلاني في دمعي المهراقي
٤ -إن جاء اسم الإشارة “ذا” فاعلاً لـ” حب” فتحت حاؤه، وإن جاء الفاعل غير ذلك جاز فتح الحاء وضمها، وجاز رفع الفاعل وجره بباء زائدة فيقال: “حُبَّ زيدٌ وحَبَّ بِهِ”.
وبالجر روي قول الأخطل:
فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها * وحُبَّ بها مقتولة حين تقتتل
اقتلوها: خففوا حدة الخمرة بالماء، والشاهد في البيت قوله: وحبّ بها، فقد جَرَّ الشاعر الفاعل بحرف الجر الزائد وضم الحاء من الفعل جوازاً.
نعم، بئس، ساء
١ -نعم: لإنشاء المدح، و”بئس وساء” لإنشاء الذم، يقال: “نعم وبئس، ونِعِم وبِئِس” وقد تلحق بهما “ما” فيقال: (نعمّ، بئس ما) ويأتي بعد هذه الأفعال فاعل ومخصوص بالمدح أو الذم، نحو: ” نعم الشاعر زهير وبئس الرجل زيد”.
الفعلان نعم أو بئس، والفاعل: الشاعر والرجل، والمخصوص: زهير وزيد.
أحكام فاعل نعم وبئس
١ -يأتي الفاعل أحد ثلاثة أشياء:
آ -اسم ظاهر محلى بـ “الـ” الجنسية، نحو: “نعم الصديق عمرو”.
أو مضاف إلى محلى بها، نحو قوله تعالى: {ولنعم دار المتقين}، أو مضاف إلى مضاف إلى محلى بها
كقول أبي طالب:
فنعم ابن أخت القوم غير مكذب زهير، حسام، مفرد من حمائل
اشترطت “الـ” الجنسية ليدل الفاعل على الجنس كله، والمخصوص فرد من أفراده، فإذا مدح الجنس عامة، ثم خصّ المخصوص بالمدح فكأنه مدح مرتين.
ب -ضمير مستتر مفسر بنكرة منصوبة على التمييز، نحو: “نعم خلقا الوفاء”.
(الفاعل المستتر وجوباً تقديره: هو، خلقاً: تمييز). وهذا التمييز محول عن فاعل محلى بـ”الـ” ويمكن إرجاعه إليه فنقول: “نعم الخلق الوفاء”.
ولا بدّ في الفاعل الضمير من:
١ -الاستتار الواجب خلافاً للأصل.
٢ -والإفراد (تقديره هو).
٣ -والتفسير بالتمييز.
ج -“ما” إذا لَحِقَتْ “نعم أو بئس” وجاء بعدها جملة كقوله تعالى: {نعمّا يعظكم به}.
وقوله: {بئس ما اشتروا به أنفسهم}.
(وتعرب “ما” اسماً موصولاً أو نكرة موصوفة فاعلاً لنعم أو بئس في موضع رفع، والجملة بعدها: صلة الموصول لا محل لها، أو صفة للنكرة الموصوفة في محل رفع)، فإن كان ما بعدها مفرداً كقوله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي} أُعربت “ما” نكرة تامة في موضع نصب على التمييز، والفاعل مستتر “هو” والضمير “هي” مبتدأ خبره الجملة التي قبله.
٢ -إن جاء الفاعل أو المخصوص بالمدح أو الذم مؤنثاً جاز في الفعل التذكير والتأنيث كقول الشاعر:
نِعِمَّتْ جزاء المتقين الجنة * دار الأماني والمنى والمنّة
الشاهد فيه جواز تأنيث الفعل مع أن الفاعل مذكر “جزاء”؛ لأن المخصوص بالمدح “الجنة” مؤنث.
وقول الآخر:
نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت * ردّ التحية نطقاً أو بإيماء
الشاهد في البيت جواز تذكير الفعل مع أن الفاعل والمخصوص بالمدح “هند” مؤنثان، وقد سوّغ ذلك كون الفاعل محلى بـ”الـ” الجنسية والتقدير: نعم الجنس الذي منه هند.
أحكام المخصوص بالمدح أو الذم
١ -يجب أن يكون المخصوص معرفة أو نكرة مختصّة، نحو: “نعم الجهاد جهاد ينصر حقاً ويمحق باطلاً”.
٢ -إن تأخر المخصوص جاز إعرابه مبتدأً وخبره الجملة التي قبله، نحو: “نعمَ الصديقُ زيدٌ”، أو خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره “هو” أو الممدوح “زيد “، وإن تقدم أُعرب مبتدأً ليس غيرُ، نحو: “زيدٌ نعمَ الصديقُ “.
وإذا أعرب المخصوص خبراً لمبتدأ محذوف فالجملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.
٣ -قد يحذف المخصوص إن دلّ عليه في الكلام دليل كقول محمد بن بشير الخارجي:
نعم الفتى فَجَعَت به إخوانه * يوم البقيع حوادث الأيام
التقدير: نعم الفتى فتى فجعت … وجملة: فجعت حوادث الأيام إخوانه في محل رفع صفة لفتى، وهو مبتدأ خبره جملة “نعم الفتى “.
٤ -يجوز أن تدخل إلى المخصوص النواسخ سواء تقدم كقول أبي دهبل الجمحي:
إنّ ابن عبد الله نعـ……… ــم أخو الندى وابن العشيرة
ابن عبد الله هو المقصود بالمدح وقد جاز دخول الحرف الناسخ عليه وعمله فيه.
أو تأخر كقول زهير:
يميناً لنعم السّيدان وجدتما * على كل حال من سحيل ومبرم
الأصل: يميناً لنعم السّيدان أنتما، والضمير ” أنتما” هو المخصوص بالمدح وقد جاز دخول الفعل الناسخ عليه ونصبه له. ” التاء”: نائب فاعل وهو المفعول الأول وفعل وجد من الأفال الناسخة التي تنصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر.
أحكام التمييز المخصوص بالمدح والذم
١ -يطابق التمييز المخصوص في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع فنقول:
(نعم رجلاً زيد، ونعم امرأة هند، ونعم رجلين زيد وعمرو، ونعم رجالاً الذائدون عن الحدود).
ومن ذلك قول الشاعر:
نعم امرأين: حاتم وكعب * كلاهما غيث وسيف عضب
الفاعل في ذلك كله: ضمير مستتر وجوباً تقديره “هو”، والمنصوب تمييز يطابق المخصوص الذي بعده في تذكيره وتأنيثه وإفراده وتثنيته وجمعه.
٢ -ضابطه قبول ” ال”؛ لأنه محول عن فاعل محلى بها، فإن لم يقبل اللفظ “ال” امتنع وقوعه تمييزاً كأسماء الاستفهام والشرط وغير …
٣ -يذكر التمييز إن كان الفاعل ضميراً مستتراً لكشف الإبهام عنه، ولذا كان الأصل فيهما ألا يجتمعا، فإن اجتمعا كان معنى التمييز التوكيد لا رفع الابهام كما مر في قول الشاعر: (نعم الفتاة فتاة هند….).
٤ -قد يُجَرُّ التمييز في هذا الباب وبعد “حبذا ولا حبذا” بـ من الزائدة كقول الأسود بن شعوب (ونُسِبَ إلى غيره):
تَخَيَّرَهُ فلم يعدِلْ سِواهُ فنِعْمَ المرءُ مِنْ رجلٍ تِهَامِ
وقول جرير:
يا حبذا جبلُ الريان من جبل وحبذا ساكن الريّان من كانا
الملحق بأفعال المدح والذم
يلحق بـ نعم وبئس ويجري مجراهما في المدح والذم كل فعل ثلاثي متصرف جاء على وزن “فعُل”
أو حُوِّلَ إليه مثل ” حَسُنَ وقَبُحُ وعَلُمَ وجَهُلَ وصَدُقَ وكَذُبَ”، ويفيد هذا الفعل معنى التعجب بالإضافة إلى معنى المدح أو الذم، ولذا ألحقه بعض النحاة بالبابين.
الأصل في ساء: سَوُءَ فقد حولت إلى وزن “فَعُلَ” لإفادة الذم، ثم قُلِبَتْ واوها ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فعادت كما كانت: ساء.
وهذه الأفعال جامدة لا يأتي منها مضارع ولا أمر، ويأتي بعدها فاعل ومخصوص بالمدح أو الذم، نحو: “حَسُنَ الخلق الصدقُ”، وقَبُحَ الخلق الكذبُ” ولكن الفاعل هنا يتميز من فاعل “نعم وبئس” بأمرين اثنين:
الأول: جواز خلوه من الـ الجنسية، وكذلك جواز جره بحرف جر زائد إن كان اسماً ظاهراً، نحو: فَصُحَ سَحبانُ، وشَعُرَ المتنبي، وعَلُمَ بخالدٍ” ولا يجوز ذلك كلّه في فاعل: “نعم وبئس”.
الثاني: جواز إفراد فاعله إن كان ضميراً أو مطابقة ما قبله فنقول: “المُجِدَّةُ حَسُنَتْ فتاةً، والمجدون حَسُنوا فتياناً، والمجدات حَسُنَّ فتياتٍ، أو المجدّة حَسُنَ فتاةً، والمجدون حَسُنَ فتياناً، والمجدات حَسُنَ فتياتٍ”.
وليس كذلك فاعل “نعم وبئس” الضمير فهو مفرد مذكر وجوباً.
في حال المطابقة تكون واو الجماعة أو نون النسوة أو ألف الاثنين هي في موضع رفع فاعل.
عند عدم المطابقة يكون الفاعل ضميراً مستتراً مفرداً مذكراً تقديره “هو” والمنصوب تمييز.
إعراب المخصوص بالمدح والذم
نعمَ القائدُ خالدٌ
ثمة إعرابان لمثل هذه الجمل التي يقترن فاعلها بـ ال أو مضافاً إلى ما فيه ال.
الإعراب الأول:
نعم: فعل ماض جامد لإنشاء المدح، مبني على الفتح.
القائد: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
خالد: مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة فعه الضمة الظاهرة على آخره.
وجملة (نعم القائد) جملة فعلية في محل رفع خبر مقدم.
الإعراب الثاني:
نعم: فعل ماض جامد لإنشاء المدح، مبني على الفتح.
القائد: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
خالد: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو.
وثمة إعراب ثالث هو:
نعم: فعل ماض جامد لإنشاء المدح، مبني على الفتح.
القائد: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
خالد: بدل كل من كل، مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
والأكثر شهرة هو الإعراب الأول، ولا يختلف الإعراب إن كان نعم أو بئس أو ساء أو حَسُنَ وغيرها.