النحو

جمع المؤنث السالم: تعريفه وصياغته وبنيته الصرفية

يمثل جمع المؤنث السالم نموذجاً للدقة والانتظام في البناء الصرفي للغة العربية. فوصفه بـ “السالم” ليس اعتباطياً، بل يشير إلى سلامة بنية مفرده عند الانتقال إلى صيغة الجمع، حيث تتم العملية عبر إضافة لاحقة قياسية (الألف والتاء) دون المساس بجوهر الكلمة. وتخضع هذه الإضافة إلى مجموعة من الشروط والضوابط المنهجية التي تحدد الأسماء القابلة لهذا النوع من الجمع. وفيما يلي، سيتم تفصيل الحالات القياسية والسماعية التي يُصاغ فيها جمع المؤنث السالم، مع استعراض القواعد الإجرائية المتعلقة بالأسماء المقصورة والممدودة وغيرها عند جمعها.

تعريف جمع المؤنث السالم

يُعرَّف جمع المؤنث السالم بأنه الاسم الذي يدل على الجمع، ويتميز بوجود ألف وتاء زائدتين في نهايته. ويتشكل هذا النوع من الجمع وفقاً للحالات النحوية التالية:

١- يُصاغ من علم المؤنث، سواء كان هذا العلم منتهياً بعلامة تأنيث أم لم يكن. من أمثلة ذلك: (سعاد ـ سعادات، دعد ـ دعدات، فاطمة ـ فاطمات، حسناء ـ حسناوات).

٢- يُصاغ من كل اسم ينتهي بتاء التأنيث، ويشمل ذلك علم الأنثى، وعلم المذكر، واسم الجنس، والصفة. فعلى مستوى علم الأنثى، نجد مثالاً في: (سميّة ـ سميّات). وعلى مستوى علم المذكر، نجد: (طلحة ـ طلحات، حمزة ـ حمزات). أما على مستوى اسم الجنس، فمن أمثلته: (شجرة ـ شجيرات، بقرة ـ بقرات). وفيما يخص الصفة، فإن الأمثلة تشمل: (قصيرة ـ قصيرات، صغيرة ـ صغيرات).

٣- يُصاغ من اسم التفضيل في صيغته المؤنثة. من أمثلة ذلك: (فُضلى ـ فُضليات، صُغرى ـ صُغريات، كُبرى ـ كُبريات).

٤- يُصاغ من صفة المذكر غير العاقل. من أمثلة ذلك: (جبال راسيات، أيام معدودات، غيوم متلبدات).

٥- يُصاغ من المصدر (الصدر) الذي يتجاوز عدد أحرفه الثلاثة. من أمثلة ذلك: (انتصار ـ انتصارات، تدريب ـ تدريبات، انطلاق ـ انطلاقات).

٦- يُصاغ من الاسم المصغر لمذكر غير عاقل. من أمثلة ذلك: (دُرَيْهِم ـ دريهمات، جُبَيْل ـ جبيلات).

٧- يُصاغ من الاسم المنتهي بألف تأنيث ممدودة، مثل: (صحراء ـ صحراوات). وتجدر الإشارة إلى أن الصفة المؤنثة التي تأتي على وزن (فعلاء) لا تُجمع هذا الجمع، ومن أمثلتها: (حوراء، وسوداء، وحمقاء، وشمطاء).

٨- يُصاغ من الاسم المنتهي بألف تأنيث مقصورة، بشرط ألا يكون لمذكره صيغة على وزن (فعلان). من أمثلة ذلك: (ذكرى ـ ذكريات، بشرى ـ بشريات، سلمى ـ سلميات).

٩- يُصاغ من كل اسم أعجمي لم يُعرف له جمع آخر في اللغة العربية. من أمثلة ذلك: (تلفاز ـ تلفازات).

١٠- يُصاغ من أسماء أخرى وردت عن العرب سماعاً ولم تخضع لقاعدة قياسية. من أمثلة ذلك: (سماوات، اصطبلات، حمّامات، أمّهات… إلخ).

ملاحظات إجرائية في صياغة جمع المؤنث السالم:

أ -فيما يخص كل اسم مختوم بتاء التأنيث، فإنه عند جمعه جمع مؤنث سالماً، تُحذف تاؤه. من أمثلة ذلك: (مجدّة ـ مجدّات، شجرة ـ شجرات، طالبة ـ طالبات).

اقرأ أيضاً:  المؤنث في اللغة العربية: دليلك الشامل للأنواع والعلامات والقواعد

ب -في حالة الاسم الممدود، إذا كانت همزته زائدة للتأنيث، فإنها تُقلب واواً عند الجمع، نحو: (صحراء ـ صحراوات). أما إذا كانت الهمزة أصلية، فيجوز إبقاؤها على حالها أو قلبها واواً، مثل: (سماء ـ سماوات، سماءات).

ج -في حالة الاسم المقصور، إذا كان ثلاثياً، فإن ألفه تُرد إلى أصلها (الواو أو الياء) عند الجمع، نحو: (رجا ـ رجوات، هدى ـ هديات). أما إن كانت ألفه رابعة فما فوق، فإنها تُقلب ياءً مطلقاً، نحو: (ذكرى ـ ذكريات، مستشفى ـ مستشفيات). وتُعامل معاملة الاسم المقصور الأسماء التي تنتهي بتاء مربوطة مسبوقة بألف، نحو: (صلاة ـ صلوات، فتاة ـ فتيات). فإن كان الحرف الذي يسبق الألف ياءً، فإن الألف تُقلب واواً، نحو: (حياة ـ حيَوات).

د -إذا كان الاسم المراد جمعه جمعاً مؤنثاً سالماً ثلاثياً، مفتوح الحرف الأول، وساكن الحرف الثاني الصحيح، وخالياً من الإدغام، وليس صفة، فإنه يجب فتح حرفه الثاني في صيغة الجمع إتباعاً لحركة الحرف الأول. من أمثلة ذلك: (ظَبْيَة ـ ظَبَيات، سَجْدَة ـ سَجَدات، دَعْد ـ دَعَدات، حَسْرَة ـ حَسَرات).

ويُستشهد على هذه القاعدة الأخيرة بقول الشاعر:

باللهِ يا ظَبَيَاتِ القاعِ قُلْنَ لنا * لَيْلاَيَ مِنْكُنَّ أمْ لَيْلى من البَشَرِ

خاتمة

بناءً على ما تقدم، يمكن القول إن إتقان قواعد جمع المؤنث السالم يتجاوز كونه مطلباً نظرياً ليصبح ضرورة عملية لمتعلم اللغة العربية ومستخدمها. فالتمكن من هذه القواعد ينعكس مباشرة على الكفاءة اللغوية، ويضمن الدقة في الكتابة، والصحة في النطق، لا سيما في الحالات التي تستدعي تغييرات صوتية محددة كفتح الحرف الثاني الساكن. لذا، يعد هذا الباب الصرفي جسراً حيوياً يربط بين المعرفة النحوية المجردة والممارسة اللغوية السليمة والمتقنة.

الأسئلة الشائعة

السؤال ١: ما الحكمة الصرفية من جمع بعض أعلام المذكر، مثل “طلحة” و”حمزة”، جمعًا مؤنثًا سالمًا؟

الإجابة: الحكمة الصرفية في هذه الحالة لا ترتبط بالجنس الحقيقي (المعنى)، بل باللفظ والشكل (المبنى). فالقاعدة النحوية تعامل أي اسم ينتهي بتاء التأنيش المربوطة معاملة المؤنث من حيث الصياغة الصرفية للجمع. وبما أن “طلحة” و”حمزة” وأمثالهما من الأعلام المذكرة تنتهي بهذه العلامة اللفظية للتأنيث، فإنها تخضع لقاعدة جمع الأسماء المختومة بالتاء، فتُجمع جمع مؤنث سالمًا قياسًا على اللفظ، وليس على المعنى.

السؤال ٢: يُشترط في الصفة ألا تكون على وزن “فعلاء” التي مذكرها “أفعل” لكي تُجمع جمع مؤنث سالمًا. ما العلة في استثناء هذا الوزن تحديدًا؟

الإجابة: العلة في استثناء الصفات التي على وزن “فعلاء” (مثل: حمراء، عرجاء) هي أن لها صيغة جمع تكسير قياسية خاصة بها، وهي صيغة “فُعْل” (مثل: حُمْر، عُرْج). بما أن اللغة العربية تميل إلى عدم ازدواج الصيغ القياسية لنفس المفرد، فإن وجود جمع تكسير مطّرد لهذه الصفات يغني عن جمعها جمعًا مؤنثًا سالمًا. وبالتالي، يُعد جمع المؤنث السالم صيغة قياسية لما ليس له جمع تكسير قياسي في هذا الباب.

اقرأ أيضاً:  ما العاملة عمل ليس: تعريفها وشروط عملها

السؤال ٣: ورد في القاعدة وجوب فتح الحرف الثاني في الاسم الثلاثي ساكن الوسط عند جمعه، مثل “سَجْدَة” التي تصبح “سَجَدَات”. ما التفسير الصوتي أو الصرفي لهذه الظاهرة؟

الإجابة: التفسير لهذه الظاهرة صوتي بالأساس ويهدف إلى “التخفيف”. في المفرد (سَجْدَة)، يكون السكون على الحرف الثاني خفيفًا ومقبولاً. ولكن عند الجمع، تلحق بالكلمة لاحقة طويلة (ـَات)، مما يؤدي إلى توالي الحركات الطويلة والمقاطع. ولتجنب الثقل الصوتي الذي قد ينشأ عن بقاء السكون قبل هذه اللاحقة، يتم تحريك الحرف الساكن بالفتح إتباعًا لحركة الحرف الأول (الفاء)، فيتحقق بذلك الانسجام الصوتي وتسهيل النطق.

السؤال ٤: عند جمع الاسم الممدود، تُقلب الهمزة واوًا في “صحراء” لتصبح “صحراوات”، بينما يجوز الوجهان في “سماء” فتكون “سماوات” أو “سماءات”. كيف يمكن التمييز بين نوعي الهمزة لتطبيق القاعدة الصحيحة؟

الإجابة: يتم التمييز بين نوعي الهمزة من خلال معرفة أصل الكلمة.

  • الهمزة الزائدة للتأنيث: كما في “صحراء” و”حسناء”، وهي همزة ليست من أصول الكلمة (جذرها: ص ح ر). هذه الهمزة يجب قلبها واوًا عند الجمع.
  • الهمزة الأصلية أو المنقلبة عن أصل: كما في “سماء” (أصلها واو: سما يسمو)، أو “بناء” (أصلها ياء: بنى يبني)، أو “إنشاء” (أصلها همزة: نشأ). في هذه الحالة، يجوز صرفيًا إبقاء الهمزة على حالها (“سماءات”) أو قلبها واوًا (“سماوات”)، وكلا الاستعمالين فصيح، وإن كان أحدهما قد يشتهر أكثر من الآخر سماعًا.

السؤال ٥: كيف يُسوّغ نحويًا وصف كيانات غير عاقلة بصيغة جمع المؤنث السالم، كما في “جبال راسيات” و”أيام معدودات”؟

الإجابة: التسويغ النحوي لذلك يكمن في قاعدة عربية أصيلة، وهي أن “جمع غير العاقل يُعامل معاملة المفردة المؤنثة”. فعندما تُجمع كلمة “جبل” (مذكر) على “جبال” (جمع تكسير)، فإن هذا الجمع يُعامل ككيان مفرد مؤنث من حيث الوصف والإشارة والإخبار عنه. لذلك، توصف “جبال” بالصفة المجموعة جمع مؤنث سالمًا “راسيات”، تمامًا كما توصف “شجرة” (مفرد مؤنث) بأنها “راسية”. فالصفة هنا تتبع الموصوف في حالته النحوية (جمع غير عاقل)، وليس في جنسه الأصلي.

السؤال ٦: ذُكر أن الأسماء الأعجمية التي لا يُعرف لها جمع آخر تُجمع جمع مؤنث سالمًا. هل يُعد هذا الجمع قياسيًا في هذه الحالة أم أنه حلٌّ سماعيٌّ اضطراري؟

الإجابة: يُعد هذا الجمع في حالة الأسماء الأعجمية حلاً قياسيًا مستحدثًا. فاللغة العربية، عند استعارتها لكلمات لا تخضع لأوزانها الصرفية المعتادة، تعمد إلى إخضاعها لأبسط صيغ الجمع القياسية وأكثرها اطرادًا. وبما أن جمع المؤنث السالم يتم بإضافة لاحقة ثابتة (ـَات) دون تغيير بنية الكلمة، فإنه يمثل الحل الأسهل والأكثر منهجية لجمع هذه الدخائل. لذا، هو ليس سماعيًا بالمعنى التقليدي، بل هو تطبيق قياسي للقاعدة على فئة جديدة من الكلمات.

السؤال ٧: تُعامل الألف المقصورة بشكل مختلف حسب موقعها في الكلمة (ثالثة، أو رابعة فما فوق). ما الأساس الذي بُني عليه هذا التفريق في المعالجة الصرفية؟

الإجابة: الأساس في هذا التفريق هو الأصل التاريخي للألف.

  • إذا كانت الألف ثالثة: فإنها تكون حتمًا منقلبة عن أصل (واو أو ياء)، مثل “هدى” (من هَدَيَ) و”عصا” (من عَصَوَ). والقاعدة الصرفية تقتضي رد الحروف إلى أصولها عند الجمع إن أمكن ذلك، لذا تُرد الألف إلى أصلها (هديات، عصوات).
  • إذا كانت الألف رابعة فما فوق: فإنها غالبًا ما تكون زائدة للتأنيث أو للإلحاق، وليست أصلية. في هذه الحالة، يكون ردها إلى أصلها غير وارد أو معقدًا، فتُعامل معاملة موحدة لتبسيط القاعدة وتسهيل التطبيق، حيث تُقلب ياءً مطلقًا بغض النظر عن أصلها، كما في “ذكرى” (ذكريات) و”مستشفى” (مستشفيات).
اقرأ أيضاً:  المفعول معه: تعريفه ووظيفته والعامل فيه وشروطه

السؤال ٨: ما هو المعيار الفاصل بين ما يُعد جمعًا مؤنثًا سالمًا “قياسيًا” وما يُعد “سماعيًا” مثل “أمهات” و”سماوات”؟

الإجابة: المعيار الفاصل هو مدى انطباق شروط الجمع القياسي على المفرد.

  • الجمع القياسي: هو كل جمع تنطبق على مفرده إحدى الحالات العشر المذكورة في القاعدة (علم مؤنث، مختوم بالتاء، صفة لغير عاقل، إلخ). فجمع “طالبة” على “طالبات” هو جمع قياسي لأن المفرد مختوم بالتاء.
  • الجمع السماعي: هو الجمع الذي لا تنطبق شروط القياس على مفرده، ولكنه ورد مجموعًا بهذه الطريقة عن العرب. فكلمة “أمّ” لا تستوفي أي شرط من شروط الجمع القياسي، ومع ذلك سُمعت مجموعة على “أمّهات”. وكذلك “سماء” التي يجوز فيها “سماوات” سماعًا إلى جانب “سماءات”. فالجمع السماعي يُحفظ ولا يُقاس عليه.

السؤال ٩: يُجمع مصغر المذكر غير العاقل مثل “دُرَيْهِم” على “دريهمات”. ما الرابط المنطقي الذي جعل صيغة التصغير مدخلاً لصياغة جمع المؤنث السالم؟

الإجابة: الرابط المنطقي هو أن عملية التصغير تجعل الاسم شبيهًا بالصفة، كما أنها تُجرّده من دلالته الأصلية القوية. فعندما يُصغّر اسم مذكر غير عاقل مثل “درهم” إلى “دُرَيْهِم”، فإنه يُعامل معاملة الصفة لشيء صغير، والصفات لغير العاقل تُجمع جمع مؤنث سالمًا. بعبارة أخرى، التصغير يُضعف “ذكورة” اللفظ غير العاقل، ويقربه من فئة الأسماء التي تُجمع هذا الجمع، فأُلحق بها من باب الحمل على الشبه.

السؤال ١٠: بالنظر إلى تنوع الحالات التي يغطيها جمع المؤنث السالم، هل يمكن القول إن وظيفته الأساسية تجاوزت الدلالة على “مؤنث حقيقي” لتصبح صيغة جمع قياسية لِما لا يُجمع تكسيرًا أو جمع مذكر سالمًا؟

الإجابة: نعم، يمكن الجزم بذلك. لقد تطورت وظيفة جمع المؤنث السالم لتصبح “صيغة الجمع القياسية الافتراضية” في اللغة. فبينما يختص جمع المذكر السالم بالعلم المذكر العاقل وصفته، وتخضع جموع التكسير للأوزان السماعية غالبًا، فإن جمع المؤنث السالم أصبح الملاذ القياسي لجمع فئات واسعة لا تدخل ضمن النطاقين السابقين، مثل: أعلام المؤنث، كل ما خُتم بالتاء، المصادر فوق الثلاثية، الأسماء الأعجمية، والصفات لغير العاقل. وبهذا، لم تعد وظيفته مقتصرة على الجنس المؤنث، بل أصبحت أداة صرفية منهجية لضمان وجود صيغة جمع مطّردة لطيف واسع من المفردات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى