إلى نقطة السلام التي أعود إليها كلما أرهقتني معارك الحياة
بقلم: تبارك ياسر جمعة
أسمع دوماً جملة قصيرة وهي (المرأة نصف المجتمع) وأرى أنها خاطئة وبها إجحاف لدور المرأة؛ فأنا على قناعة تامة بأن المرأة هي الأساس لبناء المجتمع وليس أي امرأة بل المرأة المسلمة؛ لما تحمله من صفات لا مثيل لها.
هي المرأة التي اختارها الله تعالى لدخول الجنان. أن تكوني امرأة أن تؤمني بوجودك الأزلي .. منذ خلق البشرية، امرأة عَلَّمَها المجتمع أن تلازم منزلها بانتظار الأب .. الأخ .. الزوج، وإن ما حولها مجال فسيح لكل ما يحويه الرجل من طاقات .. دائماً مغدورة الحقوق دون مبرر، إن الرجل أخذ مكانها دوماً اعتماداً على المبادئ والقيم التي نشأوا هم عليها .. تأصلت فيهم فأجبروا عقولهم على استيعابها مع غض البصر عن مساوئها متشبثون بالأفكار الخاطئة المتوارثة!
لكن أمي لم تعلمني على ذلك .. علمتني أن لدي الحرية في أن أفعل ما أريد لكي أصل إلى ما أصبو إليه على شرط أن لا تتجاوز حريتي على حقوق غيري وأن لا تؤدي إلى طريق المعصية فمتى تجاوزت حريتي الحدود المشروعة انتهت.
أمي التي كانت تشجعني دوماً .. هي التي أستمد قوتي منها ومن حديثها حيث إن كل كلمة من كلماتها كانت تعطيني أملاً بأن الغد سيكون أجمل، أمي التي جعلتني أصل إلى ما أنا عليه الآن من دون مقابل .. حبها لي كان غير مشروط، هي التي علمتني أن أستعد يومياً لأقابل ابتسامة الدنيا لي .. بابتسامة أكبر، علمتني أن أواجه العالم دون خدش قارورتي .. علمتني أن أثق بقدسية داخلي .. وأن أؤمن بذاتي بأني أستطيع أن أفعل ما يراه الناس مستحيلاً .. علمتني أن أرسم خارطة حياتي كيفما أحب .. تلك الخارطة التي تعود لترسم صورتي في أعينهم .. علمتني أن لا أستسلم فدوام الحال من المحال .. أمي هي القلب الذي يبقيني حياً، هي التي كانت تقول لي ” اتجهي حيث تخططين .. بالوسيلة التي ترتضين .. طالما تؤمنين أنها صحيحة .. نقية .. بعيداً عن معتقداتهم. ابدئي كل يوم جديد كأنه أول يوم وما قبله كان حلماً استيقظتِ منه وانتهى. مهما كان الأمس متعباً أم سعيداً .. يوم جديد بتدبير من الله تعالى جدير بالإيمان والفرح .. السُّلَّمُ يبدأ من لا شيء ثم يصعد درجة واحدة تلو الأخرى للوصول إلى القمة ” كل هذا وهي لم تنجبني .. إلى أكفأ مدرسة رأتها عيناي أستاذتي الفاضلة الست (يسرى رجب عبد الرزاق) تستحقين كل الحب والاحترام والتقدير والحديث عنكِ مقام فخرٍ واعتزاز. شكراً لكل شيء قدمتيه من أجلي أحبكِ من أعماق قلبي أنتِ نعمة وضعها الله في لبابة قلبي أعيذها من شر حاسد إذا حسد أقاسمكِ دعائي وأستودعكِ الله في كل وقت وحين كل عام وأنا أراكِ بين الوجوه وأنتِ بألف خير.
أما الآن إلى التي أنجبتني إلى التي لا أعلم ماذا أكتب وماذا أقول لا يوجد شيء لوصفها فهي عظيمة .. عظيمة جداً يقشعر بدني وأنا أتحدث عنها .. لم تكن مجرد أمي هي التي أخذت دور الأم والأب معاً .. هي أقوى امرأة رأتها عيني .. أمي هي التي حكمت على نفسها أن ترتدي اللون الأسود طيلة حياتها لشدة وفائها وإخلاصها .. هي التي كانت تمثل أنها لا تبالي وهي تحمل أشياء ثقيلة في روحها .. هي التي ضحت بكل شيء حتى براحتها من أجلنا (أمي) .. أفكر بقلبها .. بالرقة التي يتعامل بها مع الناس حينما يختار حزنه على أن لا يؤذي أحداً .. وبصبره على الأذى وإن أنهكه الألم، أمي كم من الجروح التي تحملها لكن على الرغم من ذلك في وجهها علامة الرضى بقدر الله وما كتب. أمي الحزن جاثم على صدرها لكنها تخفي ذلك لم أرى منها سوى طاقة إيجابية تبثها في أرجاء المنزل كفراشات ترفرف حولي إلا بعد ما كبرت بدأت اكشفها .. لم أعد أصدق عندما تقول إنها تبكي لصداعها أو ما شابه ذلك، فدموعها التي تجنبت ذرفها حكت ما بها. هي التي فارقها والدي وهي تحمل في بطنها أخي .. كانت حائرة لا تدري أتحزن على أبي الذي غادر مبكراً جداً أم على أخي الذي سوف يولد يتيماً أم علينا أنا وأختي ونحن صغار أم على نفسها كيف سوف تتحمل كل هذا ….. لكنها صبرت … لكنها استمرت على الرغم من انكساراتها تتظاهر وتقول إنها بخير .. أما داخلها فكان ذلك الأرق الذي وصل إلى أبعد الحدود .. الألم الذي يختار أن يكون مختفياً ضاغطاً بكل ما أوتي من قوة على تفاصيل قلبها .. نظرات عينيها .. ابتسامتها المرسومة .. هكذا تستمر الأيام بصراع الإنسان داخلها يبكي الروح من الداخل، معلنة أن انكساراتها هي من صنعتها هي من جعلتها ماهي عليه الآن.
أيتها العزيزة، أشعر بالامتنان عند كل بداية صباح وأنتِ من المحيطين بي .. عند كل مرة تنادين فيها باسمي .. عند كل مرة أتفقد قائمة اتصالاتي الأخيرة وأنتِ أولها (شمس واحدة منحها الله لعباده ومنحني عيناك .. شمسان لا تغربان .. عيناك التي أستمد نشاطي وأملي بالحياة منها).
أيتها الغالية .. شكراً لكل شيء قدمتيه من أجلنا وعلى اجتهادكِ معنا حتى أوصلتينا على مانحن عليه الآن. أنتِ القلب كله لم أعثر على شعور واحد يقارب شعور دفئكِ .. أنتِ وحدكِ ما يكفي العالم ليدفئ .. أنت نقطة السلام التي أعود إليها كلما أرهقتني معارك الحياة، وأنتِ وحدكِ التي ستبقين في عيني أمي الشجاعة التي تعادل مئة رجل حملتي العالم كله بين يديكِ وواجهتيه بلا خوف. أنتِ الوحيدة التي يداها مصدر اطمئناني حين تمسح على رأسي تريح بالي وتجعلني أنسى كل ما أفكر به وأنتِ التي من أجلها أقاوم الحياة حينما لا أجد معنى للبقاء.
أحبكِ جداً وأدعو الله بألا يتعلق قلبي بغيركِ وأن أستطيع أن أرسم الابتسامة دوماً على شفتيكِ وأستطيع أن أمحي كل جرح وحزن طبعته الحياة في قلبكِ الرائع. حفظكِ الله يا منبع سعادتي وقطعة من فؤادي. صغيرتكِ المدللة تقول لكِ أنها كبرت وحان الوقت بأن تدللك وتحاول بأن تقدم لكِ كل ما يجعلكِ مسرورة .. ممتنه جداً لحديثكِ وصوتكِ وضحكتكِ التي تجعلني أزهر كل يوم. كل عام وأنتِ لا أحد يشبهكِ كنجمة في السماء تأسر قلبي .. كل عام وأنتِ بخير يا ست الحبايب عيدكِ سعيد يا أغلى الناس ويا أجمل العطايا.