ألفية ابن مالك

حركة نون جمع المذكر السالم والمثنى واللغات فيها

قالَ ابنُ مالكٍ:

وَنُونُ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ … فَافْتَحْ وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ

وَنُونُ مَا ثُنِّيَ وَالْـمُلْحَقِ بِهِ … بِعَكْسِ ذَاكَ اسْتَعْمَلُوهُ فَانْتَبِهْ

شرحُ مفرداتِ الأبياتِ

وَنُونُ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ … فَافْتَحْ وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ

-وَنُونُ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ: أيْ: نونُ جمعِ المذكَّرِ السَّالمِ والملحقِ بِهِ حركتُهَا الفتحُ، سواءً كانَ مرفوعاً أوْ مجروراً أوْ منصوباً، نحوُ: مسلمونَ، ومسلمينَ.

-فَافْتَحْ: أيْ: افتحَ طلباً للخفَّةِ مِنْ ثقلِ الجمعِ، وفرقاً بينَهُ وبينَ نونِ المثنَّى.

فحُرِّكَتْ النُّونُ في الجمعِ لالتقاءِ السَّاكنينِ، وخُصَّتْ بالكسرِ على أصلِ التقاءِ السَّاكنينِ.

-وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ: أرادَ أنَّ الَّذينَ كسرُوا هذهِ النَّونَ مِنَ العربِ قليلٌ، فقالَ: المسلمينِ.

وكسرُهَا شاذُّ للضَّرورةِ، وممَّا وردَ منْهُ قولُ جريرٍ:

عَرَفْنَا جَعْفَرا وبنِي أبِيهِ … وأنكَرْنَا زعَانِفَ آخَرِينِ

حيثُ حرَّك النَّونَ في (آخرينَ) بالفتحةِ؛ للضَّرورةِ الشِّعريَّةِ.

-وقالَ ابنُ مالكٍ في شرحِ تسهيلِ الفوائدِ (1/ 86): «ويجوزُ أنْ تكونَ كسرةُ نونِ الجمعِ وما حُمِلَ عليهِ لغةً، كما أنَّ فتحَ نونِ المثنَّى وما حُمِلَ عليهِ لغةٌ، ومِنْ كسرِ نونِ الجمعِ ما أنشدَ ثعلبٌ مِنْ قولِ الشَّاعرِ:

إنِّي أبِيٌّ أبِيٌّ ذوْ محافَظةٍ … وابنُ أبيٍّ أبِيٍّ مِنْ أبيِّيْنِ»

-لكنَّ أبا حيَّانَ الأندلسيَّ ردَّ قولَ ابنِ مالكٍ، فقالَ في التَّذييلِ والتَّكميلِ في شرحِ كتابِ التَّسهيلِ (1/ 334): «وليسَ كما ذَكَرَ؛ لأنَّ النَّحْويِّينَ نصُّوا على أنَّ كسرَ نونِ الجمعِ ضرورةً، ولمْ ينقلْ أحدٌ أنَّها لغةٌ، وأمَّا فتحُ نونِ الاثنينِ؛ فمنقولٌ أنَّهَا لغةٌ».

-وَنُونُ مَا ثُنِّيَ وَالْـمُلْحَقِ بِهِ: نحوُ: طالبانِ، وطالبَيْنِ، والمحلقُ بِهِ، نحوُ: اثنانِ واثنتانِ.

-بِعَكْسِ ذَاكَ: أيْ: بعكسِ حركةِ النُّونِ في جمعِ المذكَّرِ، ففي المثنَّى تُكسرُ.

-اسْتَعْمَلُوهُ: فكسروهُ كثيراً على الأصلِ في التقاءِ السَّاكنينِ، وفتحوهُ قليلاً بعدَ الياءِ، نحوُ: الزَّيدانَ والعُمَرَيْنَ.

-فَانْتَبِهْ: لذلِكَ.

فحركةُ نونِ المثنَّى الكسرُ، لكنَّ فتحَهَا لغةٌ قليلةٌ عندَ بعضِ العربِ، وهذهِ اللُّغةُ حكاهَا الكِسائيُّ والفرَّاءُ، كقولِ حميدِ بنِ ثورٍ:

عَلَى أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ عَشِيَّةً … فَمَا هِيَ إلاَّ لَمْحَةٌ وتَغِيبُ

أَحْوَذِيَّيْنَ: حيثُ فُتِحَتْ نونُ المثنَّى على لغةِ بعضِ العربِ. وليسَ الفتحُ، هنا، ضرورةٌ لأنَّ الكسرَ يصحُّ معهُ الوزنُ.

إعرابُ جمعِ المؤنَّثِ السَّالمِ

وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا … يُكْسَرُ فِي الْـجَرِّ وَفِي النَّصْبِ مَعَا

كَذَا أُولَاتُ وَالَّذِي اسْماً قَدْ جُعِلْ … كَأَذْرِعَاتٍ فِيهِ ذَا أَيْضاً قُبِلْ

شرحُ مفرداتِ الأبياتِ

-وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا: أيْ: والَّذي جُمِعَ بالألفِ والتَّاءِ في آخرِهِ، والقصدُ: جمعُ المؤنَّثِ السَّالمُ.

-يُكْسَرُ فِي الْـجَرِّ وَفِي النَّصْبِ مَعَا: أيْ: علامةُ نصبِ وجرَّ جمعِ المؤنَّثِ السَّالمِ الكسرةُ، نحوُ: مررْتُ بالطَّالباتِ، ورأيْتُ الطَّالباتِ، وعليهِ فعلامةُ رفعِهِ الضَّمَّةُ، نحوُ: الطَّالباتُ مجتهداتٌ.

لكنْ كيفَ عرفْنَا أنَّ علامةَ رفعِهِ الضَّمَّةُ، معَ أنَّ ابنَ مالكٍ لمْ يَذْكرْهَا؟

الجوابُ: قدْ ذكرَهَا عندمَا ذَكَرَ علاماتِ الإعرابِ الأصليَّةِ في البيتِ الخامسِ والعشرينَ:

فَارْفَعْ بِضَمٍّ وَانْصِبَنْ فَتْحاً وَجُرْ … كَسْراً كَـذِكْرُ اللهِ عَبْدَهُ يَسُرْ

وعليهِ؛ فإنَّ كلَّ ما سيهملُهُ بعدَ هذا البيتِ معناهُ أنَّ علامتَهُ علامةٌ أصليَّةٌ.

-كَذَا أُولَاتُ: أيْ: (أولاتُ) حالُهُ مثلَ جمعِ المؤنَّثِ السَّالمِ؛ يعربُ إعرابَهُ؛ لأنَّهُ ملحقٌ بِهِ؛ فيُكسرُ في جرَّهِ ونصبِهِ كجمعِ المؤنَّثِ السَّالمِ، فهوَ في المؤنَّثِ نظيرُ أولو في المذكَّرِ.

-وَالَّذِي اسْماً قَدْ جُعِلْ: أيْ: الجمعُ الَّذي صارَ اسماً علماً لشيءٍ أوْ مكانٍ، يُعربُ مثلَ جمعِ المؤنَّثِ، فيُكسرُ في الجرِّ والنَّصبِ ويُنَوَّنُ.

-كَأَذْرِعَاتٍ: أيْ مثلَ الجمعِ (أذرعاتٍ) أصلُهُ جمعُ (أذرعةٍ) الَّتي هيَ جمعُ ذراعٍ، ثم صار اسماً لقريةٍ بالشَّامِ، فنقولُ: رأيْتُ أذرعاتٍ ومررْتُ بأذرعاتٍ، فيستوي جرُّهُ ونصبُهُ ونحوُهُ: عرفاتٌ.

-فِيهِ ذَا أَيْضاً قُبِلْ: أيِ الإعرابُ فيهِ أيضاً يُقبلُ مثلَ جمعِ المؤنَّثِ السَّالمِ.

إعراب الاسم الممنوع من الصرف

قالَ ابنُ مالكٍ:

وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَا لَا يَنْصَرِفْ … مَا لَمْ يُضَفْ أَوْ يَكُ بَعْدَ اَلْ رَدِفْ

شرحُ مفرداتِ الأبياتِ

-وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَا لَا يَنْصَرِفْ: أي اجعلْ علامةَ جرِّ الاسمِ الممنوعِ مِنَ الصَّرفِ الفتحةَ نيابةً عَنِ الكسرةِ.

ويشملُ ذلِكَ المفردَ وجمعَ التَّكسيرِ، نحوُ: مررْتُ بأحمدَ، وصلَّيْتُ في مساجدَ.

ولمْ يذكرِ ابنُ مالكٍ علامةَ رفعِ ونصبِ الممنوعِ مِنَ الصَّرفِ لأنَّهُمَا الأصلُ.

 -مَا لَمْ يُضَفْ: أيْ إنْ لمْ يكنْ هذا الاسمُ مضافاً إلى اسمٍ بعدَهُ، فإنْ أُضيفَ أَشبهَ الفعلَ؛ فرجعَ إلى أصلِهِ مِنَ الجرِّ بالكسرةِ، نحوُ قولِهِ تعالى: {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.

-أَوْ يَكُ بَعْدَ أَلْ رَدِفْ: أيْ إنْ لمْ يكنْ هذا الاسمُ بعدَ أل التَّعريفِ، والقصدُ هوَ الاسمُ المعرَّفُ بألْ، كقولِهِ تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}.

القاعدةُ المستنبطةُ

الاسم الممنوع من الصرف يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، إن كان ذلك في الاسم المفرد أو في جمع التكسير.

أما علامة رفع الاسم الممنوع من الصرف فهي الضمة، وعلامة نصبه الفتحة.

متى يجر الاسم الممنوع من الصرف بالكسرة؟

يكون هذا في حالتين:

أ -في حالة إضافة هذا الاسم الممنوع من الصرف إلى اسم بعدها فإنه يعود إلى أصله فيجر بالكسرة لا بالفتحة؛ لأن الإضافة توقف العلة المانعة للصرف.

ب –إن كان الاسم الممنوع من الصرف معرفاً بال؛ فإنه يجر بالكسرة أيضاً، مثل كلمة مساجد، هي ممنوعة من الصرف لكن إن دخلتها ال التعرف ألغيت العلة المانعة من الصرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى