كاد وأخواتها: أفعال المقاربة والرجاء والشروع
وتدعى أفعال المقاربة، وليست كلها تدل على معنى المقاربة، بل هي ثلاثة أنواع من الفعل:
١ -أفعال المقاربة: وهي ثلاث: كاد، وكربَ، وأوشكَ، وهي تدل عل قرب وقوع الخبر، نحو: أوشك الفحص أن يقترب.
٢ -أفعال الرجاء: وهي أيضاً ثلاثة: عسى، حرى، اخلولق، ووضعت للدلالة على رجاء وقوع الخبر، نحو: عسى الله أن يأتي بالفرج.
٣ -أفعال الشروع: وهي: شرع، أنشأ، طفِق، أقبل، علِق، أخذَ، ابتدأ، قامَ، انبرى، هلهل،
وهبَّ، نحو: هبَّ الطالب يسأل. وهي تدل على الشروع بالخبر وقد سمي مجموعها: أفعال المقاربة تغليباً لنوع من أنواعها على غيره لشهرته.
وهي تدخل على المبتدأ والخبر فتعمل عمل كان، أي أنها ترفع المبتدأ ويسمى اسمها وتنصب الخبر ويسمى خبرها، نحو: كاد الخير يقبل.
يشترط في خبر هذه الأفعال: أن يكون فعلاً مضارعاً يضم ضميراً يعود إلى اسمها، مجرداً من (أن) وجوباً في أفعال الشروع، مقترناً بها وجوباً في (حرى واخلولق) جائز الاقتران في الباقي، ويغلب اقترانه بـ(أن) في (أوشك وعسى) ويغلب تجرده منها في (كاد وكرب).
وأفعال المقاربة كلها جامدة إلا كاد وأوشك فإنها يصاغ منها ماض ومضارع، نحو قوله تعالى: {يكاد البرق يخطف أبصارهم}، وقول الشاعر:
يوشك من فرَّ من منيّته * في بعض غِراته يوافقها
وزادوا اسم فاعل من (أوشك) عاملاً عمله، كقول الشاعر أبي سهم الهذلي:
فموشكةٌ أرضنا أن تعودَ * خلافَ الأنيس وحوشاً يبابا
فهنا (خلافَ) ظرف بمعنى (بعد)، كقوله تعالى {وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً}، أي بعدك.
وحوشاً: أراضي قفر، يباباً: خالية.
(فموشكةٌ) خبر مقدم، وأرضنا: مبتدأ مؤخر، والضمير في موشكة: اسمها، وجملة (أن تعودَ) خبرها و(وحوشاً) خبر تعود التي بمعنى صار واسمها ضمير مستتر في (تعود)، يبابا: صفة لوحوش.
تكون (عسى وأوشك واخلولق) كاملة متى أسندت إلى المصدر المسبوق من أن والفعل، نحو: عسى أن ينجح أخوك.
فالمصدر المؤول هنا هو فاعل عسى.
فوائد
١ -إذا دل دليل على خبر كاد وأخواتها جاز حذفه، كقولهم: من تأنى أصاب أو كاد، ومن عَجَّلَ أخطأ أو كاد، والتقدير: كاد أن يصيب، وكاد أن يخطئ.
٢ -يجب أن يرفع الفعل المضارع الواقع خبراً لكاد وأخواتها ضميراً يعود على اسمها، وقد جاء البيت التالي شاذاً وهو لغيلان ذي الرمّة:
وأسقيه حتى كاد مما أبثُهُ * تُكلمني أحجاره وملاعِبُه
وهذا لا يجوز إلا في عسى وحدها دون سائر أخواتها كقول الفرزدق:
وماذا عسى الحجاجُ يبلغ جهدُه * إذا نحن جاوزنا حفيرَ زياد
وحفير زياد: موضع على خمس ليال من البصرة.
٣ -أثبت جماعة اسم فاعل من كاد وكرُب، ونحو الأول كقول الشاعر كثير بن عبد الرحمن:
أموتُ أسىً يومَ الرجامِ وإنني * يقيناً لرهنٌ بالذي أنا كائد
(والتقدير كائد ألقاه).
الرجام: حجارة ضخام و(أسىً) حزناً وهو مفعول لأجله و(يقيناً) مفعول مطلق لفعل محذوف (بالذي) جار ومجرور متعلقان برهن. (كائد) خبر أنا وفيه ضمير مستتر هو اسمه وخبره محذوف وليس الحذف غريباً فقد حذفه آخره:
كادَتْ وكِدْتُ وتلك خيرُ إرادةٍ * لو عاد لهو الصبابةِ ما مضى
أي كادت تصبو وكدت أصبو.
أبنيَّ إنَّ أباك كاربُ يومه * فإذا دعيت إلى المكارم فاعجلِ
فاسم (كاربُ) الذي هو اسم فاعل، ضمير مستتر فيه، وخبره محذوف وأصل الكلام: إن أباك كاربٌ في يومه يموتُ.
وثمة رأي آخر وهو أن كائد في البيت الأول إنما هي كابدُ أي مكابدٌ؛ أي مُعانٍ، وإنَّ كارب تامة بمعنى قرب وهذا أرجح، فاعتمد عليه وارم بالتعقيد والتأويل إن راقَ لك ذلك.
٤ -إذا اتصل بـ عسى ضمير نصب، نحو: (عساه وعساك) بَقِيَتْ على عملها في رفع الاسم ونصب الخبر، ويكون ضمير النصب نائباً عن ضمير الرفع، كما ينوب ضمير الرفع عن ضمير النصب في التوكيد، نحو: (رأيتك أنت)، ومنه قول الشاعر:
تَقُولُ بِنْتِي قَدْ أَنَى أَنْاكا * يا أَبَتا عَلَّكَ أَوْ عَساكا
والأصح أن تُعَدَّ حرف ترجٍّ كلعلَّ.
أنى: حانَ وقرُب، أناك: غاية الشيء، حينك، يومك.
فـ (يا) حرف نداء و (أبتا) منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفاً في محل جر بالإضافة. (علك) علّ: حرف ترج مشبه بالفعل، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب اسم علّ وخبره محذوف تقديره علك هالك أو ناجح…أو حرف عطف (عساكا) عسى حرف ترج كلعلّ والكاف في محل نصب اسمه والألف للإطلاق، وخبره محذوف تقديره هالك، وهذا مذهب سيبويه وهو الصحيح، وفي قول صخر بن العود الحضرمي جاء خبر عسى مرفوعاً بالضمة:
فقلتُ عساها نارُ كأس وعلَّها * تَشَكَّى فآتي نحوها فأعودُها
وكأس: اسم امرأة.
٥ -يجوز فتح سين عسى وكسرها إذا اتصل بها تاء الضمير أو نَوَّنَاه. والفتح أشهر، نحو: عسَيتم، أو عسِيتم.
٦ -ينبغي أن يكون خبر هذه الأفعال متأخراً عنها ويجوز أن يتوسط بينها وبين اسمها، نحو: كادت تهب العاصفة. فالعاصفة اسم كادت وفاعل تهب ضمير يعود إلى العاصفة وجملة تهب خبر، والعاصفة فاعل تهب، ويكون اسم كادت ضميراً يعود على العاصفة.
٧ -إن أفعال الشروع تدل على وقوع الخبر في الحال، وبما أن (أنْ الناصبة) للاستقبال لذا لم يجز اقترانها بأفعال الشروع.
٨ -الفعل المضارع الواقع خبراً لأفعال المقاربة إذا كان مقترناً بـ(أنْ) فالخبر هو المصدر المؤول من (أن والفعل) ولكنه لا يذكر، أولاً: لأن (أنْ) وجدت لتوجيه الذهن قصداً إلى المستقبل. ثانياً: لأنه لا يجوز أن يكون خبرها اسماً، فإذا شئت قدرته دون التصريح به، ففي قولك: عسى الامتحان أن يقترب، التقدير عسى الامتحان (ذا قرب) دون أن نذكر هذا التأويل.
٩ -عسى التامة تعطي معنى قَرُبَ.
١٠ -يقال طَفِق بالكسر والفتح وطبِق بكسر الباء وهو مهجور.
١١ -تنفرد عسى وأوشك بخاصتين:
الأولى: إذا دخلت إحداهما على المضارع المسبوق بأن نقول: عسى أن يقوم الرجلان. جاز إسناد المضارع إلى الاسم الظاهر كما مر أو إلى ضميره فنقول أيضاً: عسى أن يقوما الرجلان. والأول أفضل وأفصح.
والثانية: إذا تقدم على عسى اسم ظاهر جاز فيها الإضمار وتركه فتقول: خالد عسى أن يقوم أو خالد عساه أن يقوم، والرجلان عسى أن يقوما، والرجلان عسيا أن يقوما.
ففي قولك عسى أن يقوما الرجلان: يكون الرجلان اسمها والمصدر المؤول من أن يقوما في محل نصب خبر.