الأدب العربي

الغزل عند الأعشى: خصائص الغزل الحسي والمجون في شعره

يُعدّ الأعشى، صناجة العرب، أحد أبرز شعراء العصر الجاهلي، لكن شعره الغزلي يكشف عن وجه آخر لشخصيته، وجهٌ تسيطر عليه الشهوة واللذة الجسدية. يستكشف هذا المقال بعمق كيف شكّل المجون والتعامل مع فئة معينة من النساء ملامح الغزل عند الأعشى، ليقدم لنا صورة فريدة عن الحب والجسد في منظوره الشعري.

مقدمة

يحتل الغزل مكانة بارزة في الشعر العربي، ويُعتبر الأعشى ميمون بن قيس من أبرز من تناولوا هذا الغرض في العصر الجاهلي. ومع ذلك، يقدم الغزل عند الأعشى نموذجًا متفردًا يبتعد عن التقاليد العذرية، ليغوص في أعماق التجربة الحسية والمادية. تكشف هذه الدراسة الأكاديمية عن الأبعاد المختلفة لشعره الغزلي، متتبعةً كيف تأثرت قصائده بنمط حياته وشخصيته المزدوجة بين وقار مجالس الملوك ومجون الحانات. سنستعرض من خلال هذا التحليل كيف أن تركيزه على الجسد والشهوة، وعلاقته بالقيان والبغايا، قد صاغ أسلوبًا غزليًا اتسم بالصراحة والمجون، مما يجعله حالة جديرة بالدراسة لفهم تطور هذا الغرض الشعري وجوانبه المتعددة في تلك الحقبة.

الغزل

يمكن القول إن شخصية الأعشى الشعرية تبرز فيها ازدواجية واضحة، تتجلى في التوازن الضروري بين الوقار الذي يقتضيه اتصاله بالملوك، والمجون الذي تعكسه شهواته. وقد عبر عن الجانب الأول في أغراض شعرية مثل المدح والهجاء والفخر، بينما خصص الجانب الآخر لغرضين أساسيين هما: الغزل والخمر. وإذا كانت مكانته كشاعر قد أوصلته إلى قصور الأمراء، فإن ميوله الشخصية قادته إلى الحانات، ورغبته في المرأة والخمر، وما يتبع التمتع بهما من عزف وقصف.

لقد استحوذت المرأة على اهتمام الأعشى وهيامه حتى بلغ الشيخوخة، ولم يتركها إلا بعد أن تركته هي اضطرارًا. وفي المقابل، ظل وفيًا للخمر، منغمسًا فيها إلى درجة أنها أبعدته عن طريق الهداية. يعكس هذا التباين في تعامله مع المرأة والخمر الطبيعة النفعية التي ميزت الغزل عند الأعشى.

يُستدل من خلال أخباره وأشعاره أن تعامله مع النساء لم يشمل الحرائر، ولم يتغزل بهن، بل اقتصر على فئة البغايا والقيان اللواتي كنّ موضوعًا مناسبًا لعبثه ومجونه. وتُعد القيان اللواتي جلبهن بشر بن عمرو بن مرشد من الحيرة إلى اليمامة من أشهر من أفسدن الأعشى وأمثاله من طلاب الشهوة، ومنهن:

  • قتيلة
  • جبيرة
  • هريرة

وباستقراء ديوانه، يمكن حصر ما يزيد على خمس عشرة امرأة من هذه الفئة، ترد أسماؤهن صراحة في شعره، مثل: مي، وزينب، وسعاد، بالإضافة إلى أخريات كنّى عنهن دون تسميتهن.

إن هذا التوجه نحو فئة معينة من النساء قد فرض نمطًا محددًا من الشعر، مما جعل الغزل عند الأعشى يتسم بالتعهر والمجون، وينعكس في سلوك يغلب عليه التصيد والفجور. ويتجلى ذلك في تصويره لنفسه وهو يتحين غفلة الرقيب للانقضاض على إحدى بغاياه، حيث يصور المراودة والمماكسة ودفع الثمن قبل الظفر بالمراد، وكأن الحب لديه صفقة تجارية تُباع بضاعتها المهربة في سوق سرية لا يرتادها إلا أمثاله:
وَقَبْلَكِ سَاعَيْتُ في رَيْرَبٍ *** إذا نامَ سَامِرُ رقابها
فلما التَقَيْنَا على بابها *** وَمَدَّتْ إِلَي بِأَسْبَاها
بَذلْنَا لهَا حُكْمَهَا عِنْدَنَا *** وجادت بحكمي لألهى بها

ونتيجة لارتباطه بهذا الصنف من النساء، لم يكن الفراق يمثل له تجربة عاطفية مؤلمة، إذ كان يجد بسهولة بديلًا يغنيه عمن فارقها. فلا يخالط قلبه من أحزان البين إلا ما قد يصيب طفلًا مدللًا يلهو بدمية ثم يتركها إلى غيرها. يتضح هذا جليًا في موقفه من فراق صاحبته ليلى، حيث لم يتجاوز شعوره بعض العجب والأسف لرحيله قبل أن يروي ظمأه الجسدي ويشبع جوعه. وسرعان ما يسخر من هذا الأسف، معتبرًا أن من أشد الحمقى رجلًا تسمح لامرأة لعوب بأن تسيطر على عقله وتصرفه عن الأخريات:
أَتَرْحَلُ مِنْ لَيْلَى وَلَا تَزَوّدِ *** وكُنتَ كَمَنْ قَضَّى اللَّبَانَةَ مِنْ دَدِ
أرى سفهاً بالمرءِ تعليق لبِّه *** بغانِيَةٍ خَوْدٍ، مَتَى تَدْنُ تَبْعَدِ

اقرأ أيضاً:  خصائص الشعر الجاهلي: دراسة تحليلية احترافية وفريدة

لم تكن المرأة في شعر الأعشى كيانًا عاطفيًا فريدًا يبهجه لقاؤها ويحزنه فراقها، أو مصدرًا للأنس الروحي والطمأنينة بعد عناء الأسفار. بل كانت موضوعًا للذة الجسدية وجمالًا ماديًا يبدع في تصويره بريشة الشهوة لا بريشة الحب، فكان يطلق بصره في أوصالها ليرسم مواضع الفتنة بدقة. وعندما تهم بالرحيل، يتظاهر بالحزن والجزع من فراقها، متسائلًا كيف له أن يحتمل ابتعاد غادة بيضاء ناعمة، وصفها وهي تمشي بتأنٍ وتثاقل في ظلال الدلال كأنها تطأ أرضًا موحلة بقدمين لينتين، وتتحرك بساقين يثير حليّهما إغواءً وفتونًا، كأن خشخشة حليها تشبه حفيف نسيم يمر بين شجيرات العشرق فتهتز وتخشخش:
ودِّع هُرَيْرَةَ إِنَّ التَرَكْبَ مُرْتَحِل *** وَهَل تُطِيقُ وَدَاعاً أَيُّها الرَّجُلُ
غراء فَرْعَاءُ مَصْقُولُ عَوَارِضُها *** تمشي الهوينى كما يمشي الوَجِي الوَحِلُ
كَأنَ مِشْيَتَها مِنْ بَيْتِ جَارَتِها *** مرُّ السَّحَابَةِ لَا ريثٌ وَلَا عَجَل
تَسْمَعُ للحَلِّي وَسْوَاسَاً إِذا انْصَرَفَتْ *** كما اسْتَعَانَ بِريح عِشرِقٌ زَجِلُ

ويتجلى هذا النهج الحسي في الغزل عند الأعشى بضراوة أشد في وصفه لقتيلة، حيث كان وصفه لها نزوة شهوانية عارمة. فهو يتتبع جسدها بعينيه من القدم إلى الرأس، دون أن يغفل عضوًا أو يشعر بحرج من وصفه. ويمكن تفصيل هذا الوصف التسلسلي في النقاط التالية:
١. يبدأ بقدمها الغضة ذات الأنامل المرصوفة بإتقان واعتدال في الخلق.
٢. يصعد إلى الساقين الممتلئتين باللحم، واللتين يزينهما خلخال ذو رنين فاجر.
٣. يرتقي بنظره ويده النهمة التي قيل إنها أحد بصرًا من عينه، ليتحسس ويتلمس مواضع الفتنة من ساقها إلى نحرها، مصورًا امتلاء الردف، ونحول الخصر، وملاسة البطن.
٤. يصف الثدي الناهد، والعنق الطويل الجميل، والشفتين اللتين تفتران عن ثغر أبيض وضاء كأنه زهر الأقحوان ذو الأوراق الصغيرة المفلجة.

لها قدم ربّا سِبَاطُ بنائها *** قَدْ اعْتَدَلَتْ في حُسْن خَلْقٍ مُبْتَلِ.
وساقان مار اللحم موراً عليهما *** إلى منتهى خَلْخَاهَا الْمُتَصَلْصِل
ونديان كالرمانتين، وجيدها *** كجِيدِ عَزَالٍ غيرَ أَنْ لَمْ يُعطل
وَتَضْحَكَ عن غُرِّ الثنايا، كأنه *** ذرى أقحوان نَبْتُهُ لم يُفَلّلِ

نظرًا لأن علاقة الأعشى بالمرأة كانت قائمة على اللذة لا على رباط الحب، فإن مفاهيم المروءة والنخوة والشهامة وحرمة الجار لم تكن رادعًا له عن تحقيق أطماعه، سواء كانت مشروعة أم ممنوعة. فاللذة في منظوره لا تخضع لدين أو تلتزم بخلق أو فضيلة، والظفر بها هو هدفه الأسمى، وهو ما لا يتحقق عادة إلا للفاتك اللهج. وربما كان شغفه باللذائذ المحرمة أشد، مما دفعه إلى مراودة المرأة المتزوجة ومخاتلة زوجها، والوصول إليها في عتمة الليل متى سنحت له الفرصة لغصبها منه:
فَظَللِتُ أَرْعاهَا، وَظَلَّ يَجُوطُهَا *** حَتَّى دَنَوْتُ إِذا الظَّلامُ دَنَا لَها
فَرَمَيْتُ غَفْلَةَ عَيْنِهِ عَنْ شَاتِهِ *** فَأَصَبْتُ حَبَّةَ قَلْبِهَا وطحالها

لقد أدى انغماس الأعشى في الدعارة إلى تركيزه على مفاتن الجسد وإهمال سجايا النفس، فلم يصف من أخلاق النساء سوى الإغواء، ونادرًا ما غاص في أعماق نفس المحبوبة ليقف على ما يصطرع فيها من أهواء ونوازع إلا في قصائد معدودة. ولعل أكثر ما كان يصدمه في طباع الحرائر هو التعفف والتمنع، كما حدث مع جارته عفارة التي حاول استمالتها بالتعريض والتصريح دون جدوى، فأعرضت عنه وأيأسته، فدفن حبه في صدره، ولم يجد منه إلا الحسرة ومنها النفرة:
وإذا تُنَازِعُكَ الحديـ *** ـث ثنت وفي النفس ازوراره
من سِرِّكَ المَكْتُومِ تنـ *** ـأى عَنْ هَوَاكَ، فلا ثَمارهُ

اقرأ أيضاً:  المعلقات السبع: صياغة الوجدان الجاهلي وتأسيس الذائقة الشعرية

ويُحتمل أن طول معايشته للبغايا قد زرع في نفسه تصورًا بأن جميع النساء من نمط واحد، مما دفعه إلى مراودة المرأة الحرة بأسلوب مراودة البغي، فكان الصد عنيفًا. هذا الإخفاق أجبره على مواجهة نفسه، حيث عاتبها وحاسبها على إخفاقها، في محاولة لإفاقتها من غوايتها:
فاصبر فَإِنَّكَ طالما *** أعملت نفسك في الخساره
وَلَقَدْ أَنَى لَكَ أَنْ تُفِيـ *** تق من الصبابة والدعارة

وبإيجاز، يمكن القول إن الأعشى لم يعرف من الحب سوى الشهوة، ولم يرَ في المرأة إلا الجسد، وهذا ما يحدد الملمح الأساسي لموضوع الغزل عند الأعشى.

خاتمة

في الختام، يتضح أن الغزل عند الأعشى لم يكن تعبيرًا عن عاطفة روحية أو حب أفلاطوني، بل كان انعكاسًا صريحًا لحياة ماجنة قوامها الشهوة واللذة الجسدية. لقد حصر الأعشى نظرته للمرأة في جسدها، ووظف فنه الشعري في وصف مفاتنها بجرأة حسية، متأثرًا بطبيعة علاقته بالقيان والبغايا. ومن خلال استعراض أشعاره، نجد أن موضوعات مثل الفراق والوجد لم تتجاوز كونها مواقف عابرة لا تترك أثرًا عميقًا في نفسه، بل سرعان ما يستبدلها بمتعة جديدة. وبهذا، يمثل شعره نموذجًا فريدًا للغزل الحسي والمادي في العصر الجاهلي، ويقدم رؤية مغايرة عن علاقة الشاعر بالمرأة، رؤية تجعل من دراسة شعره مدخلًا أساسيًا لفهم تعدد أوجه هذا الغرض الشعري قبل الإسلام.

سؤال وجواب

١- ما هي أبرز الخصائص التي تميز الغزل عند الأعشى؟
يتميز الغزل عند الأعشى بكونه غزلاً حسياً ومادياً بشكل أساسي، حيث يركز على وصف الجسد ومفاتن المرأة بشكل مباشر وصريح. كما يتسم بالمجون والتعهر، نتيجة ارتباطه بفئة القيان والبغايا بدلًا من النساء الحرائر. علاوة على ذلك، يغلب على شعره طابع اللذة العابرة والشهوة، حيث لا يظهر فيه تعلق عاطفي عميق أو حزن حقيقي على الفراق، بل ينظر إلى المرأة كموضوع للمتعة الوقتية التي يمكن استبدالها بسهولة.

٢- لماذا اقتصر غزل الأعشى على القيان والبغايا وتجنب ذكر الحرائر؟
يعود ذلك إلى طبيعة حياة الأعشى الماجنة التي كانت تدور بين الحانات ومجالس اللهو. كانت القيان والبغايا جزءًا من هذا العالم، وهن يمثلن موضوعًا مناسبًا لشعره الذي يركز على العبث والشهوة دون قيود اجتماعية أو أخلاقية. في المقابل، كانت المرأة الحرة محاطة بسياج من الأعراف والتقاليد التي تفرض عليها التعفف والتمنع، وهو ما لم يكن يتناسب مع مزاج الأعشى ورغبته في الظفر باللذة السريعة والمباشرة، كما ظهر في محاولته الفاشلة مع جارته “عفارة”.

٣- كيف أثرت شخصية الأعشى المزدوجة على شعره الغزلي؟
كانت للأعشى شخصيتان: الأولى اجتماعية تتسم بالوقار وتظهر في مدائحه للملوك والأمراء، والثانية خاصة تتسم بالمجون واللهو وتتجلى في شعره عن الخمر والغزل. هذه الازدواجية سمحت له بالموازنة بين متطلبات مكانته كشاعر كبير وبين رغباته الشخصية. وقد انعكس هذا بشكل مباشر على الغزل عند الأعشى، حيث جعله غرضًا شعريًا يعبر فيه عن جانبه الخاص دون تحفظ، فكان بمثابة المتنفس الذي يفرغ فيه شهواته ورغباته بعيدًا عن الالتزامات الرسمية.

٤- ما هو دور وصف الجسد في شعر الغزل عند الأعشى؟
يلعب وصف الجسد دورًا محوريًا وأساسيًا في شعر الغزل عند الأعشى. فهو لا يكتفي بالتلميح، بل يتعمد الوصف التفصيلي والدقيق لأعضاء المرأة من قدميها إلى رأسها، مركزًا على مواضع الفتنة والإغراء. يستخدم الأعشى ريشة الشهوة، كما ورد في النص، لرسم صورة جسدية حسية تثير الغرائز، مثل وصفه لساقي “قتيلة” ونهديها وثغرها. هذا التركيز المكثف على الجسد يؤكد أن مفهومه للحب كان مرتبطًا باللذة المادية لا بالعاطفة الروحية.

٥- هل يوجد أي أثر للحب العذري أو التعفف في شعر الأعشى؟
يكاد شعر الأعشى يخلو تمامًا من أي أثر للحب العذري أو التعفف. الغالبية العظمى من شعره تعبر عن رغبة جسدية مباشرة. الاستثناء النادر الذي يظهر فيه شيء من التمنع هو في قصة جارته “عفارة”، التي صدته وأعرضت عنه. لكن حتى في هذه الحالة، لم يتحول شعره إلى غزل عذري يصف لوعة الحب، بل تحول إلى عتاب للنفس وحسرة على الإخفاق، مما يؤكد أن دافعه الأساسي كان الوصول إلى اللذة وليس الحب المتعفف.

٦- كيف يمكن مقارنة الغزل عند الأعشى بغزل شعراء جاهليين آخرين مثل عنترة بن شداد؟
توجد فروق جوهرية بين الغزل عند الأعشى وغزل شعراء آخرين مثل عنترة. فبينما يمثل الأعشى تيار الغزل الحسي الماجن، يمثل عنترة تيار الغزل العذري الذي يمتزج بالفخر والفروسية. غزل عنترة يدور حول محبوبة واحدة هي “عبلة”، ويعبر عن حب عفيف ومثالي يمتزج فيه الشوق والحرمان والوفاء. أما الأعشى، فتعددت محبوباته، وكانت علاقته بهن قائمة على الشهوة واللذة العابرة، وشعره يركز على الجسد لا على مكانة المحبوبة أو عمق العاطفة.

٧- ما الأهمية الأدبية لقصيدته “ودع هريرة” في سياق شعره الغزلي؟
تُعد قصيدة “ودع هريرة” من أشهر معلقات الأعشى، وهي تمثل نموذجًا بارزًا لأسلوبه الغزلي. تكمن أهميتها في أنها تجمع بين المقدمة الغزلية التقليدية وبين الوصف الحسي الدقيق الذي برع فيه. ففيها يصف مشية محبوبته “هريرة” وصفًا حسيًا بديعًا، ويمزج بين الحزن الظاهري على فراقها وبين الإعجاب بجمالها الجسدي. القصيدة تجسد قدرة الأعشى الفنية على صياغة صور شعرية مبتكرة لوصف المرأة، حتى وإن كان الدافع وراءها هو الشهوة لا الحب.

٨- كيف ارتبط موضوعا الغزل والخمر في شعر الأعشى؟
ارتبط الغزل والخمر في شعر الأعشى ارتباطًا وثيقًا، فهما يمثلان جناحي عالمه الخاص المليء باللهو والمجون. كلاهما مصدر للمتعة الحسية واللذة العابرة التي يسعى إليها. غالبًا ما تظهر الخمر في قصائده كجزء من أجواء اللقاء بالنساء في الحانات أو مجالس القصف. فالخمر تزيد من جرأته وتطلق العنان لشهواته، والمرأة هي الموضوع الذي تتوجه إليه هذه الشهوات. لذا، كان الغزل والخمر عنصرين متلازمين في تكوين صورته الشعرية الماجنة.

٩- هل يقدم شعر الأعشى الغزلي صورة واقعية عن المرأة في العصر الجاهلي؟
يقدم شعر الأعشى صورة واقعية عن فئة محددة من النساء في العصر الجاهلي، وهن القيان والبغايا اللواتي كن جزءًا من الحياة الاجتماعية في بعض المدن مثل الحيرة واليمامة. يكشف شعره عن طبيعة العلاقة مع هذه الفئة، التي كانت قائمة على البيع والشراء واللذة المادية. لكنه لا يقدم صورة شاملة عن كل النساء، فهو يتجاهل تمامًا المرأة الحرة ودورها ومكانتها في القبيلة، ويقدم منظورًا منحازًا يعكس نمط حياته الخاص لا الواقع الاجتماعي بأكمله.

١٠- هل تغير أسلوب الأعشى في الغزل مع تقدمه في السن؟
يشير النص إلى أن الأعشى ظل “متيمًا بالمرأة حتى اكتمل وشاخ فتركها مضطرًا لأنها تركته”. يمكن تفسير ذلك بأن اهتمامه بالمرأة لم يتغير جوهريًا، لكن قدرته على ملاحقتها تراجعت مع تقدمه في السن. لا توجد أدلة قوية في شعره على تحول كبير في أسلوبه من الغزل الحسي إلى نوع آخر من الغزل، بل يبدو أنه ظل على نهجه حتى النهاية. وإن كان قد خفف من حدة مجونه، فذلك يعود إلى عوامل خارجية (كبر السن) لا إلى تغير داخلي في نظرته للمرأة والحب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى