بله في النحو العربي: أوجهها المتعددة ومذهب الأخفش في الاستثناء

من عجائب اللغة العربية أن تحمل الكلمة الواحدة وجوهاً متعددة، فتتنقل بين أبواب النحو كالجوهرة التي تتلألأ بألوان مختلفة حسب زاوية النظر إليها. ومن هذه الكلمات الفريدة التي أثارت جدل النحويين وتباينت فيها آراؤهم: كلمة (بَلْهَ)، تلك اللفظة التي لا تكاد تستقر على حال واحد، فهي تارةً اسم فعل، وتارةً مصدر، وأخرى أداة استثناء، بل ذهب بعضهم إلى عدّها حرف جر. فلنتأمل معاً أحد أوجهها الأكثر إثارة للنقاش: وجهها عند الأخفش حين تكون حرفاً جاراً يفيد الاستثناء.
بَلْهَ
ذكر النحويون (بله) في أكثر من وجه، فبينوا أنها تكون اسم فعل أمر بمعنى (دَع)، ومصدراً بمعنى (الترك)، وأداة استثناء، وستبحث في موضعها من أدوات الاستثناء، وتكون جارةً لدى بعض النحويين، فتفيد:
الاستثناء: نُقل عن الاخفش أنها تكون حرفاً جاراً، وأنه استدل على ذلك بقول أبي زبيد الطائي:
حَمَّالُ أثقالٍ أَهْلِ الوُدَّ آونَةً * أُعطيهم الجهد مِنِّي بَلْهَ ما أَسَعُ
وبين الفارسي مذهب الأخفش، فذكر أنها لا تكون ههنا أمراً: لأنّ الاستثناء لا يكون أمراً، ولا يجوز أن تكون مصدراً بمعنى (الترك)؛ لأن (ما) المصدرية لا تزاد، لذلك كانت حرف جر؛ لأن حروف الجر تقع في موضع الاستثناء. و(بله) على مذهب الأخفش حرف جر شبيه بالزائد، والمصدر المؤول من (ما) وما بعدها مجرور لفظاً، منصوب محلاً على الاستثناء.