علوم القرآن الكريم

آيات القرآن الكريم وسوره: دراسة في التقسيم والترتيب التوقيفي

حكمة التقسيم والترتيب في كتاب الله تعالى

يمثل القرآن الكريم معجزة إلهية خالدة تتجلى في كل جوانبها، من لفظها ومعناها إلى تقسيمها وترتيبها. وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون هذا الكتاب العظيم منظماً في بنية محكمة تيسر تلاوته وحفظه وفهمه. ولعل من أبرز مظاهر هذا الإحكام الإلهي ما نجده في تقسيم آيات القرآن الكريم وترتيبها ضمن سوره المباركة، وهو ما يستحق الوقوف عنده والتأمل فيه.

المقدمة

إن دراسة آيات القرآن الكريم وسوره من المباحث الجليلة في علوم القرآن، إذ تكشف لنا عن عمق الحكمة الإلهية في تنظيم كلامه سبحانه وتعالى. فقد اختار الله عز وجل أن يقسم كتابه الكريم إلى وحدات متكاملة سماها آيات وسور، ولم يكن هذا التقسيم عبثاً أو اعتباطاً، بل جاء وفق نظام دقيق ومحكم يعكس البلاغة الإلهية في أسمى صورها. وتبرز أهمية هذا الموضوع في كونه يتصل بفهمنا لبنية القرآن الكريم وطريقة تنظيمه، مما يعين على تدبر معانيه والانتفاع بهداياته. كما أن معرفة الأسس التي قام عليها ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره تزيد المؤمن يقيناً بأن هذا الكتاب العظيم محفوظ بحفظ الله تعالى، وأن كل حرف وكلمة وآية فيه في موضعها الذي أراده الله سبحانه. وسنتناول في هذه المقالة جوانب متعددة تتعلق بتقسيم القرآن الكريم وترتيبه، مستندين إلى ما أثر عن العلماء من أقوال وما ثبت في السنة النبوية من أحاديث، بأسلوب علمي رصين يناسب المبتدئين والطلاب وكل من يرغب في فهم هذا الموضوع المهم.

التسميات القرآنية: الآية والسورة في اللغة والاصطلاح

تنت حكمة الله تعالى أن يقسم القرآن الكريم الى آيات، وسور، واختار لهذا التقسيم هاتين التسميتين: آية، وسورة، لمناسبات في غاية البلاغة والإحكام. فالآية في اللغة أصلها بمعنى العلامة، ومنه قوله تعالى: (إن آية ملكة ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم). وهذا المعنى اللغوي يكشف عن الحكمة العميقة في اختيار هذه التسمية، إذ إن كل آية من آيات القرآن الكريم تمثل علامة واضحة على عظمة هذا الكتاب وإعجازه.

وأما في اصطلاح علوم القرآن: فهي قرآن مركب من جمل ولو تقديراً: ذو مبدأ ومقطع، مندرج في ضمن سورة. سميت آية لمناسبات عدة أولاها فيما نرى أنها علامة على صدق من أتى بها، وعلى عجز المتحدي بها. فكل آية من آيات القرآن الكريم هي برهان ساطع على صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ودليل قاطع على عجز البشر عن الإتيان بمثلها رغم التحدي المتكرر.

مفهوم السورة ومناسبة تسميتها

وأما السورة فلها اطلاقات متعددة، لعل أقربها هنا أنها مأخوذة من سور المدينة، أو من السورة بمعنى المرتبة والمنزلة الرفيعة، على حد قول النابعة الذبياني:

ألم تر أن الله أعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب

أي أعطاك منزلة عالية على غيرك من الملوك. وهذا البيت الشعري يوضح استعمال كلمة السورة في اللغة العربية بمعنى الرفعة والعلو، مما يناسب مقام كلام الله تعالى وشرفه.

أما في الاصطلاح: فالسورة قرآن يشتمل على أي ذوات فاتحة وخاتمة. وأقلها ثلاث آيات. ومناسبة التسمية واضحة، لأنها كالسور تحيط بآياتها وتجمعها، كاجتماع البيوت بالسور، أو لعلو قدرها وشرفها. فكما أن السور يحيط بالمدينة ويجمع بيوتها ويحفظها، كذلك السورة من القرآن الكريم تجمع آياتها في وحدة متكاملة ومتناسقة، وتحفظها من التفرق والضياع.

نزول الوحي وترتيب الآيات في السور

وكان الوحي ينزل على النبي الكريم بالنجم من القرآن آية أو آيات، فيأمر الصحابة أن يضعوها في مكانها الذي أعلمه جبريل من السورة المعينة لها، أو ينزل الوحي بالسورة كلها من قصار السور فيأمر الصحابة أن يضعوها في موضعها بين سور القرآن، حتى اكتمل القرآن كله بنزول آخر آية نزلت منه، وهي آية (واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله …». وهذه الطريقة في نزول آيات القرآن الكريم وترتيبها تدل دلالة قاطعة على أن الترتيب الحالي للمصحف الشريف هو ترتيب توقيفي من عند الله تعالى، لا دخل للاجتهاد البشري فيه.

وقد أجمع العلماء سلفا فخلفا على أن ترتيب الآيات في السور توقيفي، ومعنى كونه توقيفياً أنه يتوقف الانسان فيه على الوارد من أمر الله تعالى ورسوله. فاتبع الصحابة فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقاه النبي الكريم عن جبريل عليه السلام، لا يشتبه في ذلك أحد. قال المحقق أبو جعفر بن الزبير: (ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين». فالإجماع منعقد على أن ترتيب آيات القرآن الكريم في سوره ليس من عمل الصحابة ولا من اجتهادهم، بل هو بأمر من الله تعالى عن طريق رسوله الكريم.

الأدلة من السنة النبوية على توقيفية ترتيب الآيات

وهذا أمر بدهي لا يخفى على من له أدنى اطلاع على السُّنَّة لكثرة الأحاديث الدالة على اثبات التوقيف في ترتيب الآيات في السور كثرة تفوق حد التواتر: وتجعل من العسير استيعابها وحصرها لكنا نذكر هنا أمثلة منها تلقي الضوء على صنيع النبي صلى الله عليه وسلم. ومن هذه الأحاديث ما يلي:

اقرأ أيضاً:  تنجيم نزول القرآن الكريم: لماذا كان نزول القرآن منجماً

أولاً: أخرج البخاري عن عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان: «والذين يتوقون منكم ويذرون أزواجا» قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها أو تدعها؟ قال: يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه. وهذا الحديث يدل على أن عثمان رضي الله عنه التزم بترتيب آيات القرآن الكريم كما تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجرؤ على تغيير موضع أي آية حتى وإن كانت منسوخة الحكم.

ثانياً: أخرج مسلم عن عمر قال: ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة، حتى طعن بأصبعه في صدري، وقال: «تكفيك آية الصيف التي في آخر النساء». ففي هذا الحديث إشارة واضحة إلى أن موضع الآية في آخر سورة النساء كان معلوماً ومحدداً، مما يؤكد أن ترتيب آيات القرآن الكريم كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً: ومنها الأحاديث التي تخبر عن آيات بموضعها، وذلك يشعر بكون هذا الترتيب معلوما شائعا مفروغا منه، وهي أحاديث كثيرة تعسر على الحصر: مثل الأحاديث في فضل خواتيم البقرة في البخاري وغيره، وحديث فضل من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال أخرجه مسلم، وفي رواية العشر الأواخر من سورة الكهف. ومن ذلك الاحاديث الكثيرة المتضافرة في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سور القرآن، وغير ذلك مما يصعب عده واحصاؤه.

توقيفية ترتيب سور القرآن الكريم

وأما ترتيب سور القرآن على ترتيبها الحالي: فهو توقيفي كذلك، على ما ذهب اليه جمهور العلماء، وكما تدل عليه الدلائل المتظاهرة الصحيحة، وهي أحاديث كثيرة جدا نجد فيها ترتيب السور على وفق مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه. فالقول بتوقيفية ترتيب السور ليس مجرد رأي لبعض العلماء، بل هو قول الجمهور المدعوم بأدلة قوية من السنة النبوية الشريفة، وهو ما يجعل من ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره أمراً إلهياً لا مجال للاجتهاد فيه.

فمن ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: في بني اسرائيل الكهف ومريم وطه والانبياء: (إنهن من العشاق الأول، وهن من بلادي». أخرجه البخاري. فذكر ابن مسعود السور نسقا كما استقر ترتيبها ومثله في البخاري أيضاً، أنه عليه الصلاة والسلام كان اذا أوى الى فراش كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ « قل هو الله أحد » والمعوذتين. وهذه الأحاديث تشير بوضوح إلى أن ترتيب السور كان معلوماً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الصحابة كانوا يتحدثون عن السور بترتيبها المعروف.

شهادة الأحاديث النبوية على ترتيب السور

وعن وائلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المنين، وأعطيت مكان الانجيل المثاني، وفضلت بالمفصل» أخرجه أبو داود الطيالسي وأبو عبید. قال أبو جعفر النحاس: (وهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه مؤلف من ذلك الوقت، وانما جمع في المصحف على شيء واحد، لأنه قد جاء هذا الحديث بلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تأليف القرآن. وفيه أيضا دليل على أن سورة الأنفال سورة على حدة، وليست من براءة) انتهى. فهذا الحديث دليل قاطع على أن ترتيب آيات القرآن الكريم وتقسيمه إلى أقسام معروفة كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن سعيد بن خالد أنه قال: «قرأ صلى الله عليه وسلم بالسبع الطوال في ركعة» أخرجه ابن أبي شيبة. وعن أوس بن أبي أوس عن حذيفة الثقفي في حديث طويل قال فيه أوس: فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، واحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده» أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد. وغير ذلك يضيق المجال عن حصره. فهذه الأحاديث كلها تدل على أن تقسيم آيات القرآن الكريم وترتيب سوره كان أمراً معلوماً ومستقراً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

الأدلة العقلية والدرائية على توقيفية الترتيب

ويشهد لذلك من حيث الدراية والعقل واقع الترتيب وطريقته، وذلك من وجهين لا يشك الناظر فيهما أن الترتيب بين السور توقيفي. فبالإضافة إلى الأدلة النقلية من الأحاديث النبوية، هناك أدلة عقلية ومنطقية تؤكد أن ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره ليس من صنع البشر، بل هو من عند الله تعالى.

الوجه الأول: مما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم، رتبت ولاء، وكذا الطواسين، ولم ترتب المسبحات ولاء، وأخرت طس عن القصص).وهكذا من يتدبر سائر السور. فهذا التنوع في طريقة الترتيب، بحيث تجمع بعض السور المتشابهة في البداية ولا تجمع أخرى، يدل على حكمة إلهية في الترتيب لا يمكن أن تكون من اجتهاد بشري.

الوجه الثاني: ما راعاه العلماء الأئمة في بحوثهم من التزام بيان أوجه التناسب بين كل سورة وما قبلها، وبيان وجه ترتيبها. فالتناسب الدقيق بين السور المتتالية، والترابط المحكم بينها، يشهد على أن هذا الترتيب ليس عشوائياً ولا من وضع البشر، بل هو ترتيب إلهي محكم.

أسباب ترتيب السور ووجوه التناسب بينها

وقد أجمل الامام الزركشي بيان ذلك برموز موجزة جدا لكنها معبرة: لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفي صادر عن حكيم. ففي كلام الإمام الزركشي رحمه الله بيان واضح لوجوه الحكمة في ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره، وكيف أن هذا الترتيب يحمل في طياته دلائل على كونه من عند الله تعالى، إذ لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثل هذا النظام المحكم.

ومن هذه الأسباب التي ذكرها الإمام الزركشي ما يلي:

أحدها: بحسب الحروف، كما في الحواميم. فالسور التي تبدأ بالحروف المقطعة “حم” رتبت متتابعة في المصحف الشريف، وهذا يدل على أن هناك نظاماً دقيقاً في ترتيب السور يراعي التشابه في البداية.

وثانيها: الموافقة أول السورة لآخر ما قبلها، كآخر الحمد في المعنى وأول سورة البقرة. فالتناسب بين خاتمة سورة وبداية السورة التي تليها يشهد على الترابط المحكم في ترتيب آيات القرآن الكريم.

وثالثها: للوزن في اللفظ كآخر تبت وأول الاخلاص. فالتناسب الصوتي واللفظي بين خواتيم السور وبدايات ما بعدها يدل على عناية فائقة في الترتيب لا يمكن أن تكون من صنع البشر.

ورابعها: المشابهة جملة السورة لجملة الأخرى، مثل (والضحى) وألم نشرح». فالتشابه في الموضوع والأسلوب بين بعض السور يجعل من المناسب أن ترتب متتالية، وهذا ما نجده في المصحف الشريف مما يدل على التوقيف الإلهي في الترتيب.

الخاتمة

وفي ختام هذه الدراسة المتأنية لموضوع آيات القرآن الكريم وسوره وترتيبها، يتبين لنا بجلاء أن كل ما يتعلق بالقرآن الكريم من تقسيم وترتيب وتنظيم هو من عند الله تعالى، لا دخل للاجتهاد البشري فيه إلا في التنفيذ والامتثال لأمر الله ورسوله. فقد ثبت بالأدلة القاطعة من السنة النبوية الشريفة، وبإجماع العلماء سلفاً وخلفاً، أن ترتيب آيات القرآن الكريم في سوره وترتيب السور في المصحف الشريف هو ترتيب توقيفي لا يجوز تغييره ولا التصرف فيه. وهذا من كمال حفظ الله تعالى لكتابه الكريم، إذ لم يكل أمر ترتيبه إلى البشر يجتهدون فيه، بل تولى ذلك بنفسه سبحانه وتعالى عن طريق وحيه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

ولقد تجلت الحكمة الإلهية في اختيار التسميات لأقسام القرآن الكريم، فسميت الآية آية لكونها علامة على صدق النبي وعجز المتحدين، وسميت السورة سورة لإحاطتها بآياتها ولعلو قدرها وشرفها. وإن المتأمل في واقع ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره ليجد فيه من المناسبات والحكم ما يشهد على أنه من عند حكيم خبير، فالتناسب بين أوائل السور وأواخرها، والتناسب بين السورة وما قبلها وما بعدها، والتناسب في الحروف والألفاظ والمعاني، كل ذلك يدل على أن هذا الترتيب ليس عبثاً ولا مصادفة، بل هو نظام محكم يعكس عظمة الخالق سبحانه وتعالى. ومن خلال ما استعرضناه من أحاديث نبوية وأقوال علماء، يتضح أن موضوع ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره من الموضوعات المحسومة في علوم القرآن، وأن القول بتوقيفية هذا الترتيب هو قول الجمهور المدعوم بأقوى الأدلة النقلية والعقلية. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لتدبر كتابه الكريم والعمل بما فيه، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

سؤال وجواب

١. ما المقصود بالترتيب التوقيفي لآيات القرآن الكريم؟

الترتيب التوقيفي يعني أن ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره يتوقف على الوارد من أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس من اجتهاد الصحابة أو غيرهم من البشر. فقد كان جبريل عليه السلام ينزل بالآيات على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويخبره بموضعها من السورة المعينة لها، فيأمر النبي الصحابة بوضعها في مكانها المحدد. وهذا يعني أن كل آية في القرآن الكريم موجودة في موضعها بأمر إلهي لا يجوز تغييره ولا التصرف فيه، وهو ما أجمع عليه العلماء سلفاً وخلفاً.

٢. لماذا سميت الآية بهذا الاسم في القرآن الكريم؟

سميت الآية بهذا الاسم لأن معناها في اللغة العلامة، فكل آية من آيات القرآن الكريم هي علامة ودليل على صدق من أتى بها وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعلامة على عجز المتحدين بها عن الإتيان بمثلها. وقد ورد هذا المعنى اللغوي في القرآن الكريم نفسه في قوله تعالى: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم. فالتسمية تحمل في طياتها بلاغة وحكمة عظيمة تتناسب مع مقام كلام الله تعالى.

اقرأ أيضاً:  تعريف علوم القرآن وأهميتها ونشأتها ومكانتها

٣. ما هو التعريف الاصطلاحي للسورة في علوم القرآن؟

السورة في اصطلاح علماء القرآن هي قرآن يشتمل على آيات ذوات فاتحة وخاتمة، وأقل عدد من الآيات في السورة ثلاث آيات. وقد سميت السورة بهذا الاسم لأنها تحيط بآياتها وتجمعها كما يحيط السور بالمدينة ويجمع بيوتها، أو لعلو قدرها وشرفها مأخوذة من معنى المنزلة الرفيعة. والسورة وحدة متكاملة من آيات القرآن الكريم لها بداية واضحة ونهاية محددة تميزها عن غيرها من السور.

٤. هل ترتيب السور في المصحف الشريف توقيفي أم اجتهادي؟

ذهب جمهور العلماء إلى أن ترتيب السور في المصحف الشريف توقيفي كترتيب الآيات، وتدل على ذلك أحاديث كثيرة جداً نجد فيها ترتيب السور على وفق مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه. ومن الأدلة على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن السبع الطوال والمئين والمثاني والمفصل، وحديث ابن مسعود في ذكره لسور بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء بترتيبها. كما أن التناسب الدقيق بين السور المتتالية والحكمة في ترتيبها يشهد على كونه من عند الله تعالى.

٥. ما الفرق بين الآية والسورة في القرآن الكريم؟

الآية هي الوحدة الصغرى في تقسيم القرآن الكريم، وهي قرآن مركب من جمل ولو تقديراً ذو مبدأ ومقطع مندرج في ضمن سورة. أما السورة فهي الوحدة الكبرى التي تشتمل على مجموعة من الآيات ذوات فاتحة وخاتمة، وأقلها ثلاث آيات. فالعلاقة بينهما علاقة الجزء بالكل، حيث تتكون السورة من مجموعة آيات مترابطة ومتناسقة، والسورة تحيط بآياتها وتجمعها في وحدة موضوعية متكاملة. وكلتا التسميتين اختارهما الله تعالى لحكم بلاغية عظيمة.

٦. ما الأدلة من السنة النبوية على توقيفية ترتيب الآيات؟

الأدلة على توقيفية ترتيب آيات القرآن الكريم كثيرة جداً تفوق حد التواتر، منها حديث البخاري عن ابن الزبير حين سأل عثمان رضي الله عنه عن آية منسوخة لماذا يكتبها فقال له: يا ابن أخي لا أغير شيئاً منه من مكانه. ومنها حديث مسلم عن عمر في آية الكلالة التي في آخر سورة النساء. ومنها أحاديث كثيرة تذكر آيات بمواضعها مثل فضل خواتيم البقرة وفضل العشر الأوائل من سورة الكهف، وكل ذلك يدل على أن ترتيب الآيات كان معلوماً ومحدداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

٧. كيف كان ينزل الوحي بآيات القرآن الكريم على النبي؟

كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بطريقتين: إما أن ينزل بآية أو آيات من القرآن الكريم فيأمر النبي الصحابة أن يضعوها في مكانها الذي أعلمه جبريل عليه السلام من السورة المعينة لها، وإما أن ينزل الوحي بالسورة كلها من قصار السور فيأمر الصحابة أن يضعوها في موضعها بين سور القرآن. واستمر هذا النزول التدريجي حتى اكتمل القرآن الكريم كله بنزول آخر آية منه وهي آية واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله. وهذا يؤكد أن الترتيب كان يتم بتوجيه إلهي مباشر.

٨. ما وجوه الحكمة في ترتيب السور القرآنية؟

ذكر الإمام الزركشي عدة وجوه للحكمة في ترتيب السور تدل على أنه توقيفي، منها الترتيب بحسب الحروف كما في الحواميم التي رتبت متتالية، ومنها الموافقة بين أول السورة وآخر ما قبلها كآخر الفاتحة وأول البقرة، ومنها التوافق في الوزن اللفظي كآخر سورة تبت وأول سورة الإخلاص، ومنها المشابهة في الموضوع والأسلوب بين السورة والأخرى كسورتي الضحى والشرح. وكل هذه الوجوه تشهد على الإحكام الإلهي في ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره.

٩. ما معنى قول العلماء إن ترتيب الآيات توقيفي بالإجماع؟

معنى ذلك أن العلماء قد اتفقوا سلفاً وخلفاً على أن ترتيب الآيات في السور ليس من اجتهاد الصحابة ولا من عملهم، بل هو بأمر من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقد نقل المحقق أبو جعفر بن الزبير هذا الإجماع بقوله: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين. وهذا الإجماع مبني على الأدلة الكثيرة من السنة النبوية التي تثبت أن النبي هو الذي كان يحدد موضع كل آية من آيات القرآن الكريم بإرشاد من جبريل عليه السلام.

١٠. لماذا اختار الله تعالى تسمية أقسام القرآن بالآيات والسور؟

اختار الله تعالى هاتين التسميتين لمناسبات في غاية البلاغة والإحكام، فالآية سميت بذلك لأنها علامة على صدق الرسول وعجز المتحدين، وهذا المعنى مأخوذ من أصل الكلمة في اللغة وهو العلامة. أما السورة فسميت بذلك لأنها تحيط بآياتها وتجمعها كما يحيط السور بالمدينة، أو لعلو قدرها وشرفها مأخوذة من معنى المنزلة الرفيعة كما في قول الشاعر النابغة الذبياني. فكلتا التسميتين تحملان دلالات عميقة تتناسب مع عظمة القرآن الكريم وإعجازه، وتعكسان الحكمة الإلهية في تنظيم كتابه العزيز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى