ألقاب الإعراب في ألفية ابن مالك
قالَ ابنُ مالكٍ:
وَالرَّفْعَ وَالنَّصْبَ اجْعَلَنْ إِعْرَاباً … لِاسْمٍ وَفِعْلٍ نَحْوُ لَنْ أَهَابَا
وَالَاسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ كَمَا … قَدْ خُصِّصَ الْفِعْلُ بِأَنْ يَنْجَزِمَا
فَارْفَعْ بِضَمٍّ وَانْصِبَنْ فَتْحاً وَجُرْ … كَسْراً كَذِكْرُ اللَّهِ عَبْدَهُ يَسُرْ
وَاجْزِمْ بِتَسْكِيْنٍ وَغَيْرُ مَا ذُكِرْ … يَنُوبُ نَحْوُ جَا أَخُو بَنِي نَمِرْ
شرحُ مفرداتِ الأبياتِ
–وَالرَّفْعَ وَالنَّصْبَ اجْعَلَنْ إِعْرَاباً … لِاسْمٍ وَفِعْلٍ نَحْوُ لَنْ أَهَابَا
أيْ الرَّفعُ والنَّصبُ علامتا إعرابٍ تشتركُ فيهما الأسماءُ والأفعالُ، وضربَ ابنُ مالكٍ مثالاً للفعلِ وهوَ: لنْ أهابَ. وهوَ منْ قولِكَ: هابَ الرَّجلُ الشَّيَء يهابُهُ، وهابَ منْهُ أيضاً أيْ خافَ منهُ، هَيبةً ومهابةً، وقالَ الجوهريُّ: الهَيبةُ والمهابةُ: الإجلالُ والمخافةُ.
لنْ: حرفُ نفيٍ ونصبٍ واستقبالٍ.
أهابَا: فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بلنْ، وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، والألفُ للإطلاقِ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ وجوباً تقديرُهُ أنا.
فمثالُ الرَّفعِ: زيدٌ يقومُ، ومثالُ النَّصبِ: إنَّ زيداً لنْ يهابَ العدوَّ.
-وَالَاسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ كَمَا … قَدْ خُصِّصَ الْفِعْلُ بِأَنْ يَنْجَزِمَا
-وَالَاسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ
والجرُّ مختصٌّ بالأسماءِ؛ فلا يوجدُ في الأفعالِ؛ لاختصاصِ عواملِ الأسماءِ بالجرِّ، نحوُ: مررْتُ بعبدِ اللَّهِ صاحبِ زيدٍ، فلا يدخلُ حرفُ الجرِّ على الفعلِ.
كَمَـا … قَدْ خُصِّصَ الْفِعْلُ بِأَنْ يَنْجَزِمَا
أيْ: مثلما أنَّ الجزمَ مختصٌّ بالأفعالِ دونَ الأسماءِ، نحوُ: لمْ يَقُمْ، ولمْ يخرجْ، وإنْ تضرِبْ أضرِبْ.
-فَارْفَعْ بِضَمٍّ وَانْصِبَنْ فَتْحاً وَجُرْ … كَسْراً كَذِكْرُ اللَّهِ عَبْدَهُ يَسُرْ
أيْ إنَّ الرَّفعَ في الكلمةِ المعربةِ يكونُ بالضَّمِّ، نحوُ: زيدٌ قائمٌ، ويقومُ زيدٌ، والرِّجالُ في الدَّارِ، وخرجَتِ الهنداتُ، والنَّصبُ يكونُ بالفتحةِ، نحوُ: إنَّ زيداً لنْ يذهبَ، وأعجبني أنْ تكرمَ الزّيودَ، والجرُّ يكونُ بالكسرِ، نحوُ: مررْتُ بغلامِ زيدٍ، وجئْتُ إلى الرِّجالِ والهنداتِ.
ثمَّ جاءَ ابنُ مالكٍ بمثالٍ للرَّفعِ والنَّصبِ والجرِّ، وهوَ: ذِكْرُ اللهِ عَبْدَهُ يَسُرْ.
فمثالُ الرَّفعِ بالضَّمَّةِ كلمةُ (ذكرُ) مرفوعٌ لأنَّهُ مبتدأٌ، وعلامةُ رفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.
ومثالُ الجرِّ بالكسرةِ: لفظُ الجلالةِ (اللهِ)، مضافٌ إليهِ مجرورٌ للتَّعظيمِ، وعلامةُ جرَّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.
ومثالُ النَّصبِ بالفتحةِ (عبدَهُ): مفعولٌ بِهِ للمصدرِ (ذكرُ) منصوبٌ وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، وهوَ مضافٌ، والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ مبنيٌّ على الضَّمِّ في محلِّ جرٍ، مضافٌ إليهِ.
والفعلُ يسرُّ: مضارعٌ مرفوعٌ بالضَّمَّةِ أيضاً، إذْ لمْ يدخلْ عليهِ ناصبٌ ولا جازمٌ، وسُكِّنَ لضرورةِ الشِّعرِ (فعولن)، وقدْ طرأَ الخبنُ على زحافِ الرَّجزِ، وأصلُها (مستفعلنْ)، وجملةُ (يسرُّ) خبرٌ للمبتدأِ (ذكرُ).
-وَاجْزِمْ بِتَسْكِيْنٍ وَغَيْرُ مَا ذُكِرْ … يَنُوبُ نَحْوُ جَا أَخُو بَنِي نَمِرْ
-وَاجْزِمْ بِتَسْكِيْنٍ:
أيْ إنَّ علامةِ الجزمِ هيَ السُّكونُ، نحوُ: لمْ يذهبْ زيدٌ، وإنْ تذهبْ أُكرمْكَ.
-وَغَيْرُ مَا ذُكِرْ … يَنُوبُ نَحْوُ جَا أَخُو بَنِي نَمِرْ
وَغَيْرُ مَا ذُكِرْ: يعني أنَّ ما عدا ما ذُكِرَ منَ الرَّفعِ بالضَّمَّةِ والنَّصبِ بالفتحةِ والجرِّ بالكسرةِ والجزمِ بالسُّكونِ.
يَنُوبُ: ينوبُ عنْ هذهِ الحركاتِ، وهيَ ثلاثةُ أصنافٍ:
أحدُهَا: الحركاتُ، فالكسرةُ تنوبُ عنِ الفتحةِ في الجمعِ بالألفِ والتَّاءِ، نحوُ: رأيْتُ الطَّالباتِ، والفتحةُ تنوبُ عنِ الكسرةِ في جرِّ ما لا ينصرفُ منَ الأسماءِ، نحوُ: مررْتُ بفاطمةَ.
والثَّاني: الحروفُ، فالألفُ في المثنَّى، والواوُ في الجمعِ والأسماءِ السِّتَّةِ، والنُّونُ فيما لحقَهُ منَ الفعلِ ألفُ اثنينٍ أوْ واوُ جمعٍ أوْ ياءُ المؤنَّثةِ المخاطبةِ، كلُّها تنوبُ عنِ الضَّمَّةِ، والألفُ في الأسماءِ السَّتَّةِ، والياءُ في المثنَّى والجمعِ كلاهُما ينوبُ عنِ الفتحةِ، والياءُ في الأسماءِ السَّتَّةِ والمثنَّى والجمعِ كلٌّ على حدةٍ تنوبُ عنِ الكسرةِ.
والثَّالثُ: الحذفُ ينوبُ عنِ الفتحةِ في نصبِ الفعلِ المرفوعِ بالنُّونِ، كقولِهِ تعالى: (أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)، فالفعلُ تكونَا: فعلٌ مضارعٌ ناقصٌ منصوبٌ بأنْ المضمرةِ، وعلامةُ نصبِهِ حذفُ النُّونِ منِ آخرِهِ، والألفُ اسمُهَا.
وينوبُ الحذفُ عنِ السُّكونِ فيهِ، نحوُ قولِهِ تعالى: (كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ)، وفي الفعلِ المعتلِّ الآخِرِ، كقولِهِ تعالى: (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا).
-نَحْوُ جَا أَخُو بَنِي نَمِرْ
وأتى ابنُ مالكٍ بمثالينِ ممَّا ينوبُ فيهِ الحرفُ عنِ الحركةِ.
أحدهُمَا: مـمَّـا يعربُ بالواوِ رفعاً، وبالألفِ نصباً، وبالياءِ جرّاً، وذلِكَ في الأسماءِ السَّتَّةِ ومثالُها الأخُ في قولِهِ: (جَا أَخُو بَنِـي نَمِرْ).
والثَّاني: مـمَّـا يعرُبُ بالواوِ رفعاً، وبالياء نصباً وجرّاً، وذلِكَ الجمعُ على حدِّ التَّثنيةِ وهوَ (بني) في المثالِ.
فالإعرابُ بالفرعِ النَّائبِ (نَحْوَ جَا أخُو بَنِي نَمِرْ).
جا: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، فتحِ الهمزةِ المحذوفةِ تخفيفاً.
وحذفَ ابنُ مالكٍ همزةَ (جاءَ) بسببِ الهمزةِ الَّتي بعدَهَا، وهيَ في: (أخو)، وهذهِ قراءةُ أبي عمروِ بنِ العلاءِ في نحوِ (جا أجلُهُمْ).
أخوُ: فاعلٌ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأنَّهُ منَ الأسماءِ السِّتَّةِ، فالواوُ فيهِ نائبةٌ عنِ الضَّمَّةِ.
بني: مضافٌ إليهِ مجرورٌ، وعلامةُ جرَّهِ الياءُ، فالياءُ فيهِ نائبةٌ عنِ الكسرةِ.
القاعدةُ المستنبطةُ
-تشتركُ الأسماءُ والأفعالُ في علامتي الإعرابِ الرَّفعِ والنَّصبِ، نحوُ: زيدٌ يقومُ، وإنَّ زيداً لنْ يهابَ العدوَّ.
-أمَّا الجرُّ فهوَ مختصٌّ بالأسماءِ فقطْ، ولا يوجدُ في الأفعالِ؛ وذلِكَ لاختصاصِ عواملِ الأسماءِ بالجرِّ؛ أي لأنَّ حرفَ الجرِّ على الفعلِ، نحوُ: مررْتُ بعبدِ اللَّهِ صاحبِ زيدٍ.
بينَمَا تختصُّ الأفعالُ بالجزمِ دونَ الأسماءِ، نحوُ: لمْ يَقُمْ، ولمْ يخرجْ، وإنْ تضرِبْ أضرِبْ.
-الرَّفعُ في الكلمةِ المعربةِ يكونُ بالضَّمِّ، نحوُ: زيدٌ قائمٌ، ويقومُ زيدٌ، والرِّجالُ في الدَّارِ، وخرجَتِ الهنداتُ، والنَّصبُ يكونُ بالفتحةِ، نحوُ: إنَّ زيداً لنْ يذهبَ، وأعجبني أنْ تكرمَ الزّيودَ، والجرُّ يكونُ بالكسرِ، نحوُ: مررْتُ بغلامِ زيدٍ، وجئْتُ إلى الرِّجالِ والهنداتِ.
-أمَّا علامةُ الجزمِ فهيَ السُّكونُ، نحوُ: لمْ يذهبْ زيدٌ، وإنْ تذهبْ أُكرمْكَ.
ما ينوبُ عنِ الحركاتِ
ينوبُ عنِ الضَّمَّةِ والفتحةِ والكسرةِ والسُّكونِ ثلاثةُ أصنافٍ هيَ:
أ –الحركاتُ: فالكسرةُ تنوبُ عنِ الفتحةِ في الجمعِ بالألفِ والتَّاءِ، نحوُ: رأيْتُ الطَّالباتِ، والفتحةُ تنوبُ عنِ الكسرةِ في جرِّ ما لا ينصرفُ منَ الأسماءِ، نحوُ: مررْتُ بفاطمةَ.
ب –الحروفُ: فالألفُ في المثنَّى، والواوُ في الجمعِ والأسماءِ السِّتَّةِ، والنُّونُ فيما لحقَهُ منَ الفعلِ ألفُ اثنينٍ أوْ واوُ جمعٍ أوْ ياءُ المؤنَّثةِ المخاطبةِ، كلُّها تنوبُ عنِ الضَّمَّةِ، والألفُ في الأسماءِ السَّتَّةِ، والياءُ في المثنَّى والجمعِ كلاهُما ينوبُ عنِ الفتحةِ، والياءُ في الأسماءِ السَّتَّةِ والمثنَّى والجمعِ كلٌّ على حدةٍ تنوبُ عنِ الكسرةِ.
ج –الحذفُ: ينوبُ عنِ الفتحةِ في نصبِ الفعلِ المرفوعِ بالنُّونِ، كقولِهِ تعالى: {أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}، فالفعلُ تكونَا: فعلٌ مضارعٌ ناقصٌ منصوبٌ بأنْ المضمرةِ، وعلامةُ نصبِهِ حذفُ النُّونِ منِ آخرِهِ، والألفُ اسمُهَا.
وينوبُ الحذفُ عنِ السُّكونِ، نحوُ قولِهِ تعالى: {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، وفي الفعلِ المعتلِّ الآخِرِ، كقولِهِ تعالى: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}.