علوم القرآن الكريم

القرآن الكريم: دراسة في الأسماء والخصائص والإعجاز

رحلة معرفية في أسماء كتاب الله وصفاته المميزة

يُعد القرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة التي سطعت في سماء البيان والبلاغة، فأضاءت للبشرية طريق الهداية والرشاد. وقد حظي هذا الكتاب المبين بأسماء متعددة يشير كل منها إلى جانب من جوانب عظمته وكماله، مما يستدعي دراسة معمقة لهذه الأسماء وخصائصها الفريدة.

المقدمة

إن البحث في أسماء القرآن الكريم وخصائصه يمثل أحد أهم المداخل لفهم عظمة هذا الكتاب الإلهي الذي أنزله الله تعالى على خاتم الأنبياء والمرسلين. فالأسماء في اللغة العربية ليست مجرد ألفاظ للتمييز، بل هي مفاتيح دلالية تكشف عن حقائق المسميات وخصائصها الجوهرية. ولما كان القرآن الكريم هو كلام الله المعجز، كانت أسماؤه بوابات معرفية تفتح للمتدبر آفاقاً واسعة من الفهم والإدراك لمقاصد التنزيل وأهدافه السامية. وقد عني العلماء قديماً وحديثاً بجمع هذه الأسماء ودراستها، واستنباط الدلالات العميقة التي تحملها كل تسمية من تسميات هذا الكتاب العظيم. وفي هذه المقالة نسعى لتقديم دراسة وافية تجمع بين الأصول اللغوية والدلالات الشرعية، بما يخدم طالب العلم والمبتدئ وكل راغب في فهم حقيقة القرآن الكريم وخصائصه المتفردة.

القرآن: الاسم الأشهر والعلم الكريم

هذا الاسم الكريم (القرآن) هو أشهر أسماء هذا الكتاب العزيز، الذي سما ببلاغته كل بلاغة، وأعجز ببيانه كل بيان، بل هو الاسم العلم الذي طبقت شهرته آفاق الدنيا. حتى لا يخفى على من لديه شيء من الاطلاع في عالم الفكر أيا كان دينه وجنسه، أن القرآن هو اسم الكتاب الالهي الذي يدين به المسلمون دستورا للإسلام. وتبرز هذه الشهرة العالمية للقرآن الكريم كونه المعجزة الباقية التي تحدى الله بها الإنس والجن، فعجزوا عن الإتيان بمثله أو حتى بسورة من مثل سوره.

إن اختيار هذا الاسم بالذات ليكون الاسم الأشهر للكتاب الإلهي يحمل دلالات عميقة تتعلق بطبيعة هذا الكتاب ووظيفته في حياة البشرية. فالقرآن الكريم ليس مجرد كتاب يُقرأ أو يُحفظ، بل هو منهج حياة متكامل يجمع بين العقيدة والشريعة والأخلاق والمعاملات، ويخاطب الإنسان في كل أبعاده الروحية والعقلية والاجتماعية. ومن هنا كانت أهمية دراسة هذا الاسم ودلالاته اللغوية والاصطلاحية، لنفهم من خلالها حقيقة هذا الكتاب العظيم وموقعه في حياة المسلمين وفي رسالة الإسلام الخاتمة للعالمين.

أسماء القرآن الكريم وتنوعها الدلالي

للقرآن الكريم أسماء كثيرة يشير كل منها الى جانب من خصائصه أو فضائله. أو أهدافه، عني العلماء بجمعها وبيان النصوص الشرعية التي ورد فيها كل اسم من هذه الاسماء، في كتب خاصة بأسماء القرآن، لخصها الأئمة في فصول موجزة في كتب علوم القرآن ويقارب إحصاء هذه الاسماء مائة اسم. تتحدث عن طائفة منها فيما يلي. ويعكس هذا التعدد في الأسماء ثراء القرآن الكريم وشمولية رسالته، إذ كل اسم يفتح نافذة جديدة على معنى من معانيه الجليلة.

إن كثرة أسماء القرآن الكريم ليست من قبيل الترادف اللفظي المحض، بل هي دليل على عظمة المسمى وتعدد جوانب كماله وجلاله. فكل اسم من هذه الأسماء يلفت الانتباه إلى صفة خاصة أو ميزة متفردة أو هدف سامٍ من أهداف التنزيل الحكيم. وقد اجتهد العلماء عبر العصور في تتبع هذه الأسماء من القرآن الكريم نفسه ومن السنة النبوية الشريفة، وألفوا في ذلك المؤلفات القيمة التي تبين مواضع ورود كل اسم ودلالته الخاصة. وهذا الجهد العلمي الكبير يعكس مدى اهتمام الأمة الإسلامية بكتابها المقدس، وحرصها على فهم أبعاده المختلفة من خلال التأمل في أسمائه وصفاته.

القرآن: الأصل اللغوي والدلالة الاصطلاحية

أصل هذا الاسم مادة القاف والراء والحرف المعتل «قرى». ويدل في أصله اللغوي على معنى الجمع والاجتماع. وكل شيء جمعته قرأته، ومنه القرآن مصدر على وزن «غفران» بمعنى القراءة. ومنه قوله تعالى: «إن علينا جمعه وقرآنه، فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ومن ذلك القرية سميت قرية لاجتماع الناس فيها، ويقولون: قريت الماء في المقراة جمعته، وذلك الماء المجموع: «ما قرأت هذه الناقة سلاً قط». هذا على همز «قرآن». وفيه لغة أخرى بعدم الهمز: «قران» أبي بفتح الراء بعدها ألف. وهي قراءة متواترة، وهي لغة الامام الشافعي، ويرى الشافعي أنه اسم غير مهموز، ولا مشتق من غيره، وضع علما على هذا الكتاب الكريم. وكان الشافعي يقول: القرآن: اسم وليس بمهموز، ولم يؤخذ من (قرأت. ولكنه اسم لكتاب الله، مثل التوراة، والانجيل. ويهمز قرأ، ولا يهمز «قران».

ومناسبة هذه التسمية للقرآن بالنظر لأصل معناها وهو الجمع: الدلالة على جمعه جلائل مهمات الانسان، لأنه جمع العقائد، والقصص، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، وجمع الآيات والسور بعضها الى بعض. أما بالنسبة لما اشتهر من إطلاق هذا اللفظ بمعنى «القراءة»، فلأنه يقرؤه القارئون عن ظهر قلب، ويديمون قراءته، ولا يخلق على كثرة الترداد. وفي هذا إشارة بليغة إلى خاصية فريدة من خصائص القرآن الكريم، وهي قابليته العجيبة للحفظ والتلاوة المستمرة دون أن يمل منه القارئ أو يستثقله، بل كلما ازداد ترداده ازداد حلاوة في القلب وأنساً في النفس.

اقرأ أيضاً:  آيات القرآن الكريم وسوره: دراسة في التقسيم والترتيب التوقيفي

الكتاب: التسمية الثانية وعمقها اللغوي

هذه التسمية مأخوذة من مادة: «كتب». وتدل في أصلها اللغوي على معنى الجمع. ومنه كتب السقاء والمزادة والقربة يكتبه كتباً: خرزه بسيرين، وأكْتَبْتُ القِرْبةَ: شدَدْتُها بالوِكاء القربة: شددتها بالوكاء. والكتيبة الجيش. ثم استعملت الكتابة بالمعنى المعروف وهو الخط. ليس ثمة خلاف بين مصادر اللغة في أصل هاتين التسميتين اللغوي، وذلك يدل على بطلان ما زعمه بعض المستشرقين من ارجاع مادتي «قرآن» و (كتاب) إلى أصل آرامي. وهو زعم باطل، يدل على ذلك عمق استعمال العرب لأصل التسميتين في صميم حياتهم العريقة.

أما مناسبة تسمية القرآن بهذه التسمية (كتاب، بالنسبة لأصل المادة فهي أنه يجمع أنواعا من القصص والآيات والاحكام والاخبار على أوجه مخصوصة كما ذكروا. الا أنا نرى أن نضيف هنا ما قرره المحقق الدكتور محمد عبد الله دراز أن في تسمية القرآن بهدين الاسمين: القرآن، والكتاب، إفادة لمعنى جليل وفائدة هامة، وهي كما قال: «إشارة الى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين، لا في موضع واحد، أعنى أنه يجب حفظه في الصدور والسطور جميعا.. فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من الاصحاب، المنقول الينا جيلا بعد جيل على هيئته… ونضيف الى هذا ما تشير اليه التسمية (الكتاب) محلاة بأل من غاية عظمة القرآن وكماله حتى أصبح الوحيد الذي يستحق هذه التسمية دون غيره.

من أشهر أسماء القرآن الكريم ودلالاتها

تتعدد أسماء القرآن الكريم لتكشف عن جوانب متنوعة من عظمته وإعجازه، وقد ورد في النصوص القرآنية والحديثية أسماء كثيرة لهذا الكتاب المبين، نستعرض منها:

الحكيم: قال تعالى: (يس والقرآن الحكيم إنك لمين المرسلين). وقال: (لرتلك آيات الكتاب الحكيم). ووجه هذه التسمية إحكامه البالغ، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولما اشتمل عليه من فنون الحكم حتى صار حكيم ينطق بالحكمة ويفيضها على من يصاحبه.

النور: قال تعالى: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناه، ومناسبة هذه التسمية أن القرآن يكشف الحقائق ويجاورها ببيانه الناصع، وبرهانه الساطع، ويجعلنا ندرك غوامض الحلال والحرام، وما لا يستقل العقل بالتوصل اليه من علوم العقيدة والشريعة وغيرها.

الفرقان: قال تعالى: «تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. ووجه هذه التسمية: أنه فرق بين الحق والباطل، والايمان والكفر، والخير والشر.

الروح: قال تعالى: «وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا. ووجه هذه التسمية أن القرآن تحيا به القلوب والأنفس والأرواح، كما تحيا بالغذاء الأبدان.

ونختم أخيرا بالتنبيه الذي أثاره الجاحظ وهو أن الله تعالى سمى «كتابه اسما مخالفا لما سمى العرب كلامهم على الجمل والتفصيل: سمى جملته قرآنا، كما سموا ديوانا، وبعضه سورة كقصيدة، وبعضها آية كالبيت. والسر في ذلك حكم جليلة نذكر منها: ١- الدلالة على خصائص القرآن وفضائله كما ذكرنا. ٢- الاشارة الى انفصال هذا القرآن عن سائر الكلام لعلوه في سماء الاعجاز، وكونه كلام الله المجيد.

إجمال خصائص القرآن الكريم

لسنا بحاجة للتعريف بالقرآن حاجتنا للتعريف بغيره، فهو أجل من أن يحتاج هنا للتعريف، وإنما نقصد من التعريف – بعد بيان أسماء القرآن وموارد اشتقاقها ودلالتها – التمهيد بخطوط عريضة وملامح عامة لدراستنا في هذا الكتاب. وكذلك قصد العلماء من قبل من تعريفهم للقرآن التمهيد بما يناسب الاختصاص الذي يبحث فيه كل واحد منهم، وان كان الوصف بـ «الكلام المعجز» كافيا للتعريف بالقرآن الكريم. ونختار هنا هذا التعريف المناسب لدراستنا فنقول: ((القرآن هو كلام الله المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف، المتعبد بتلاوته، المعجز ولو بسورة منه)).

وقد اشتمل هذا التعريف على الصفات التالية للقرآن، وتعتبر في اصطلاح أهل التعاريف قيودا تشمل المعرف وتميزه عما عداه، وهي تكشف عن الخصائص الجوهرية التي تميز القرآن الكريم عن سائر الكتب والكلام، وتبين موقعه الفريد في حياة المسلمين وفي تاريخ البشرية جمعاء. فكل صفة من هذه الصفات تحمل دلالات عميقة تتعلق بمصدر القرآن الكريم وطريقة نزوله وحفظه ووظيفته في حياة المؤمنين.

الخصائص المميزة للقرآن الكريم وقيود تعريفه

يتضمن تعريف القرآن الكريم مجموعة من الخصائص الفارقة التي تميزه عن غيره، وهذه الخصائص تشكل في مجموعها هوية فريدة لهذا الكتاب العظيم:

١- كلام الله المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم: وتتضمن هذه الجملة أمورا: ١- إبعاد كل كلام لغير الله تعالى – مهما كان عظيما ـ عن أن يسمى قرآنا. وسواء في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الانس والجن والملائكة، فكل ذلك لا يسمى قرآنا. قوله: «على محمد»: احتراز عما أنزل على الأنبياء السابقين، كالتوراة والانجيل، والزبور المنزل على داود، والصحف المنزلة على ابراهيم. فلا بسمى شيء منها قرآنا.

٢- المكتوب في المصاحف: وهذه مزية للقرآن أنه دون وحفظ بالكتابة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبإشرافه واعتنائه الزائد صلى الله عليه وسلم. ثم لما قام الصحابة بجمع القرآن في المصحف وكتبت المصاحف في عهد عثمان أجمع الصحابة تجريد المصحف من كل ما ليس قرآنا، وقالوا: جردوا المصاحف. فمن ادعى قرآنية شيء ليس في المصاحف فدعواه باطلة كاذبة، وهو من المفترين على الله وعلى رسوله.

٣- المنقول بالتواتر: أي أن القرآن قد نقله جمع عظيم غفير لا يمكن تواطؤهم على الكذب، ولا مثله وهكذا وقوع الخطأ منهم صدفة، هذا الجمع الضخم ينقل القرآن عن جمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذه خصوصية ليست لغير القرآن فقد جعل الله في القرآن قابلية عجيبة تحفظ لها للحفظ، كما قال تعالى: ” ولقد نشرنا القرآن للذكر فهل من مذكر».

٤- المتعبد بتلاوته: أي أن مجرد تلاوة القرآن عبادة يثاب عليها المؤمن، ولو لم يكن استحضر تحصيل الثواب بالتلاوة، كما أن الصلاة لا تصح الا بتلاوة شيء منه. وقد وردت نصوص كثيرة غزيرة في الحض على تلاوة القرآن، وبيان فضلها وعظمة ثوابها، وألف العلماء في ذلك كتبا كثيرة نافعة. وهذا القيد يخرج من اعتبار القرآنية القراءات الشاذة، لأنا غير متعبدين، وكذا الأحاديث القدسية.

٥- المعجز ولو بسورة منه: الاعجاز أعظم خصائص القرآن، حتى لو عرف القرآن بهذه الصفة: الكلام المعجز» لكفى ذلك لتمييزه عن كل ما ذكر في شرحنا هنا، وعن كل ما سوى القرآن من الكلام.

التواتر والحفظ: ميزة القرآن الكريم الخالدة

عن ظهر قلب ابل بل إن هذه الخصوصية خصوصية حفظ القرآن في الصدور بلغت مبلغاً عجيباً، فهذه أمم العجم تحفظ القرآن عن ظهر قلب حفظا متينا لا يتطرق اليه خلل ولا في كلمة واحدة، ولا تفريط في حكم تجويد، وتجد أحدهم مع حفظه هذا لا يدري من العربية شيئا سوى ألفاظ يسيرة معدودة سرت اليهم من كثرة الاستعمال، مثل «الحمد لله» و «السلام عليكم». وها هم أئمة المساجد يصلون أقوامهم العجم الصلوات، ويختمون الختمات، بل في رمضان وحده يختمون ختمة كاملة، دون أي غلط في القرآن من أوله الى آخره. وهم عجم لم يتعلموا العربية، مما يبلغ غاية العجب، وتدهش له العقول.

وذلك تحقيقا لما جاءت به الآية: «ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر». وما دلت عليه البشارة الإلهية في الحديث القدسي للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني منزل عليك كتابا يغسله الماء). وهذه الخاصية الفريدة في حفظ القرآن الكريم تمثل معجزة مستمرة عبر العصور، فلا يوجد كتاب آخر في تاريخ البشرية حظي بهذا القدر من الحفظ والعناية والتواتر الذي لا ينقطع من جيل إلى جيل. وهي شاهد حي على صدق الوعد الإلهي بحفظ القرآن الكريم من التحريف والتبديل، كما قال تعالى في محكم التنزيل: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون».

الإعجاز القرآني: البرهان الأعظم والحجة الخالدة

والقرآن معجز بجملته، كما أنه معجز بأي سورة منه، ولو كانت هي أقصر سورة من سوره. قال تعالى: «قل لئن اجتمعت الإنس والجين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وقال تباركت أسماؤه: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداء كم من دون الله ان كنتم صادقين. فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعيدت للكافرين. وهذا الاعجاز برهان قاطع على أن القرآن كلام الله تعالى، وأنه الحق الذي يجب الايمان به واتباعه، والحذر من مخالفته وعصيانه.

إن إعجاز القرآن الكريم يتجلى في جوانب متعددة: البلاغة اللغوية التي فاقت كل بلاغة عرفها العرب، والإخبار بالغيوب الماضية والمستقبلية، والتشريعات المحكمة التي تصلح لكل زمان ومكان، والحقائق العلمية التي لم تكن معروفة وقت النزول، والتأثير الروحي العميق في النفوس. وكل هذه الجوانب تؤكد أن القرآن الكريم ليس من صنع البشر، بل هو كلام رب العالمين الذي أنزله على قلب سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم. ولقد وقف العرب الفصحاء أمام هذا التحدي عاجزين، رغم أنهم أهل البيان والبلاغة، وكان ذلك العجز أكبر دليل على المصدر الإلهي لهذا الكتاب المعجز.

الخاتمة

وبعد هذه الجولة المعرفية في أسماء القرآن الكريم وخصائصه المتفردة، يتضح لنا أن هذا الكتاب العظيم يمثل معجزة إلهية خالدة تتجدد في كل عصر. فتعدد أسمائه ليس مجرد ترادف لغوي، بل هو كشف لجوانب متنوعة من عظمته وكماله، وكل اسم يفتح أفقاً جديداً للتدبر والفهم. ولقد تجلت عناية الله تعالى بهذا الكتاب في خصائصه الفريدة: من كونه محفوظاً في الصدور والسطور، ومنقولاً بالتواتر المتصل، ومعجزاً في بيانه وأحكامه، ومتعبداً بتلاوته.

إن دراسة أسماء القرآن الكريم وخصائصه تمثل مدخلاً رئيساً لفهم هذا الدين العظيم والتعمق في معرفة كتاب الله تعالى. ونأمل أن تكون هذه المقالة قد أسهمت في تقديم صورة واضحة وشاملة للمبتدئين والطلاب وكل باحث عن المعرفة، تعينهم على فهم مكانة القرآن الكريم وعظمته. فالقرآن الكريم هو الدستور الخالد للأمة الإسلامية، والمنهج الرباني الذي يهدي البشرية إلى الصراط المستقيم، وهو النور الذي يضيء للإنسانية طريق الحق والعدل والسلام. فحق لنا أن نعتني بدراسته وتدبر آياته وفهم معانيه، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يرزقنا تلاوته حق تلاوته والعمل بما فيه على الوجه الذي يرضيه عنا.

سؤال وجواب

١. ما هو أشهر أسماء كتاب الله تعالى؟

أشهر أسماء كتاب الله تعالى هو القرآن، وهو الاسم العلم الذي طبقت شهرته آفاق الدنيا، حتى لا يخفى على من لديه شيء من الاطلاع في عالم الفكر أياً كان دينه وجنسه أن القرآن هو اسم الكتاب الإلهي الذي يدين به المسلمون دستوراً للإسلام. ويليه في الشهرة اسم الكتاب، وهما الاسمان اللذان يتكرران بكثرة في آيات القرآن الكريم نفسه.

٢. كم عدد أسماء القرآن الكريم تقريباً؟

يقارب إحصاء أسماء القرآن الكريم مائة اسم، وقد عني العلماء بجمعها وبيان النصوص الشرعية التي ورد فيها كل اسم من هذه الأسماء في كتب خاصة بأسماء القرآن، لخصها الأئمة في فصول موجزة في كتب علوم القرآن. وكل اسم من هذه الأسماء يشير إلى جانب من خصائص القرآن أو فضائله أو أهدافه.

٣. ما هو الأصل اللغوي لكلمة القرآن؟

أصل كلمة القرآن من مادة القاف والراء والحرف المعتل (قرى)، ويدل في أصله اللغوي على معنى الجمع والاجتماع. وكل شيء جمعته قرأته، ومنه القرآن مصدر على وزن غفران بمعنى القراءة. وفيه لغة أخرى بعدم الهمز (قران) بفتح الراء بعدها ألف، وهي قراءة متواترة وهي لغة الإمام الشافعي.

٤. لماذا سمي القرآن بالكتاب؟

سمي القرآن بالكتاب لأن هذه التسمية مأخوذة من مادة كتب التي تدل في أصلها اللغوي على معنى الجمع، ومناسبة تسمية القرآن بهذا الاسم أنه يجمع أنواعاً من القصص والآيات والأحكام والأخبار على أوجه مخصوصة. كما أن في تسمية القرآن بالكتاب إشارة إلى ضرورة حفظه في الصدور والسطور جميعاً.

٥. ما الفرق بين تسمية القرآن والكتاب من حيث الدلالة؟

تسمية القرآن تشير إلى جانب التلاوة والقراءة وجمع الآيات والسور، بينما تسمية الكتاب تشير إلى جانب التدوين والكتابة. وفي الجمع بين الاسمين فائدة جليلة وهي الإشارة إلى أن من حق القرآن العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد، أعني أنه يجب حفظه في الصدور والسطور جميعاً، فلا ثقة بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من الصحابة.

٦. ما هي أبرز أسماء القرآن الكريم الواردة في الآيات؟

من أبرز أسماء القرآن الكريم: الحكيم الذي يدل على إحكامه البالغ واشتماله على فنون الحكم، والنور الذي يكشف الحقائق ببيانه الناصع، والفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل، والروح لأن القلوب والأنفس تحيا به كما تحيا الأبدان بالغذاء. وكل اسم يكشف عن خاصية فريدة من خصائص القرآن الكريم.

٧. ما التعريف الجامع للقرآن الكريم؟

القرآن هو كلام الله المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف، المتعبد بتلاوته، المعجز ولو بسورة منه. وهذا التعريف يشتمل على الصفات الرئيسة للقرآن ويميزه عن غيره من الكلام، سواء كان كلام البشر أو الكتب السماوية الأخرى أو الأحاديث القدسية.

٨. ما المقصود بأن القرآن منقول بالتواتر؟

المقصود أن القرآن قد نقله جمع عظيم غفير لا يمكن تواطؤهم على الكذب ولا وقوع الخطأ منهم صدفة، هذا الجمع الضخم ينقل القرآن عن جمع مثله حتى يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه خصوصية ليست لغير القرآن، فقد جعل الله فيه قابلية عجيبة للحفظ، حتى إن الأعاجم الذين لا يعرفون العربية يحفظونه عن ظهر قلب حفظاً متقناً.

٩. لماذا يعتبر الإعجاز من أعظم خصائص القرآن؟

يعتبر الإعجاز من أعظم خصائص القرآن لأنه البرهان القاطع على أن القرآن كلام الله تعالى، فالقرآن معجز بجملته ومعجز بأي سورة منه ولو كانت أقصر سورة. وقد تحدى الله الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم بسورة واحدة فعجزوا، مما يدل على أنه ليس من كلام البشر بل هو كلام رب العالمين.

١٠. ما الحكمة من تعدد أسماء القرآن الكريم؟

الحكمة من تعدد أسماء القرآن الكريم تكمن في الدلالة على خصائصه وفضائله المتعددة، فكل اسم يشير إلى جانب من جوانب عظمته وكماله. كما أن في هذا التعدد إشارة إلى انفصال القرآن عن سائر الكلام لعلوه في سماء الإعجاز وكونه كلام الله المجيد. فالله تعالى سمى كتابه اسماً مخالفاً لما سمى العرب كلامهم، لإظهار تميزه وتفرده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى