الترخيم تعريفه وأنواعه ولغة من ينتظر ومن لا ينتظر
الترخيم هو أحد ألوان النحو العربي الذي يضيف جمالية وإيقاعية إلى الكلام العربي، مما يمنح الألفاظ روحاً ووزناً يعكس مهارة المتحدث. يعود استخدام الترخيم إلى عصور ما قبل الإسلام واستمر في التراث العربي، حيث يظهر في الأدب والشعر واللغة اليومية على حد سواء. هذا الفن النحوي البلاغي يقوم على حذف آخر حروف المنادى بهدف التخفيف اللفظي، وقد تطور ليشمل حالات وأشكال متعددة تجعله فناً قائماً بذاته.
في عالم اللغة العربية الواسع، يلعب الترخيم دوراً مهماً في تنويع الأساليب التعبيرية وخلق تأثيرات بلاغية متنوعة. قد يبدو الترخيم للوهلة الأولى كعملية لغوية بسيطة، إلا أن تطبيقه يتطلب فهماً عميقاً لقواعد النحو والصرف، بالإضافة إلى حسٍ فني يميز بين ما يضفي على الكلام جمالاً وبين ما يجعله غامضاً أو غير واضح. من خلال هذا المقال، سنتناول بشيء من التفصيل الترخيم، ونستعرض أمثلة من الشعر العربي التي أبدعت في استخدامه، مما يتيح للقارئ فرصة فهم أعمق لهذا الفن النحوي البلاغي الرائع.
النداء، بحد ذاته، هو باب من أبواب الحذف والتغيير، والترخيم هو أحد أشكاله حيث يتجلى في حذف آخر المنادى. يطّرد الترخيم في حالتين رئيسيتين: الأولى هي الأسماء المنتهية بتاء التأنيث، والثانية هي المفرد العلم غير المركب إذا زاد على ثلاثة أحرف. يشمل الترخيم استخدامات متنوعة، من المنادى المفرد إلى النكرة المقصودة، حيث يعزز من جمالية وسهولة النطق.
إن هذا المقال يأخذك في رحلة، مستعرضاً كيفية استخدام الترخيم في اللغة العربية الفصحى والمعاصرة، ويقدم نظرة متعمقة على تأثيراته البلاغية، ما يثري معرفتك ويجعلك تستمتع بجماليات اللغة العربية. ننطلق في هذا المقال لنكتشف سوياً أسرار الترخيم وأمثلة من بديع التراث الأدبي العربي.
تعريف الترخيم
النداء باب حذف وتغيير. والترخيم حذف آخر المنادى للتخفيف اللفظي، ويَطَّرِدُ في شيئين هما المنتهي بتاء التأنيث، والمفرد العلم غير المركب، إذا زاد على ثلاثة أحرف.
أ -المنتهي بتاء التأنيث سواء أكان مفرداً أم نكرة مقصودة، وإن لم تزد النكرة المقصودة على ثلاثة أحرف. تقول: (يا فاطمُ، ويا هِبَ، ويا حمزَ، ويا شاعرَ، ويا جاري) في ترخيم: فاطمة وهبة وحمزة وشاعرة وجارية.
قال القطامي:
قفي قبل التفرق يا ضُباعا * ولا يك موقف منك الوداعا
فرخّم ضباعة.
وقال العجاج:
جاريَ لا تستنكري عذيرى
فرخّم جارية.
وقال هدبة:
عوجي علينا واربعي يا فاطما
فرخّم فاطمة.
ب -المفرد العلم غير المركب إذا زاد على ثلاثة أحرف، تقول: (يا أحْمَ، يا جَعفَ، يا منْصُ، يا سلمَا) مرخماً أحمد وجعفر ومنصور وسلمان، وتقول: يا خلدُ في ترخيم خلدون، ويا إسماعِ في ترخيم إسماعيل.
وقال حسان:
يا حَارِ منْ يغْدُرْ بِذِمَّة جاره * منكمْ فإن محمّداً لم يَغْدرِ
فرخم حارث.
وقال الفرزدق:
يا مَرْو إنَّ مطلبي محبوسةٌ * ترجُو الِبَاء وربُّها لم يَيْأسِ
فرخّم مروان. وقد سمع عن العرب ترخيم النكرة المقصودة من غير أن يكون المنادى منتهياً بالتاء، وذلك في مَثَلٍ من أمثالهم، فقالوا: أطرق كرا، فرخّموا (كروان) وسُمِعَ منهم: يا صاحِ أي يا صاحبُ أو يا صاحبي.
ولا يجوز أن يكون المنادى مرخم مضافاً، فلا ترخم عبد الكريم فيقال: يا عب الكريم. وسمع في الشعر ترخيم المنادى المضاف، وجرى الحذف على آخر المضاف إليه.
قال الشاعر:
خذوا حظَّكُم يا آلَ عِكْرِمَ واذكروا * أواصِرَنا، والرحمُ بالغيب تُذْكَرُ
والأصل: يا آل عكرمة. وهذا لا يجوز في النثر.
لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر
وفي حركة آخر الاسم المرخم لغتان:
١ -الأولى وهي الأكثر، ثبات الحركة التي كانت للاسم قبل الترخيم.
وتقدر حركة البناء حينئذ على الحرف المحذوف، وتسمى هذه اللغة لغة من ينتظر عودة الحرف المحذوف.
قال امرؤ القيس:
أفاطمَ مهلاً بعضَ هذا التَدلُّلِ * وإنْ كنتِ قدْ أزمَعْتِ صَرْمي فأَجملِي
فرخّم الشاعر فاطمة مبقياً حركة الميم على ما كانت عليه، ومقدّراً حركة البناء على التاء التي حُذفت.
٢ -اللغة الثانية لغة من لا ينتظر عودة الحرف المحذوف، وهي الأقل، معاملة الاسم المرخم معاملة المنادى غير المرخم. فيبنى على الضم، قال عنترة:
يدعونَ عنترُ والرِّماحُ كأنَّها * أشطانُ بئرٍ في لبان ِ الدهمِ
فرخّم الشاعر (عنترة) وحذف التاء، وبنى الاسم على الضم بعد حذف التاء، فعامله معاملة الاسم غير المرخم، قال الفرزدق:
أبوكَ وعمّي يا معاويُ أورثتا * تراثاً وأولى بالتراث أقاربُهْ
رخّم الشاعر المنادى (معاوية)، فحذف التاء من آخره، وبناه على الضم.
خاتمة
بعد استكشاف جماليات الترخيم وفهم قواعده وأمثلة استخدامه في الشعر العربي، يمكننا أن ندرك مدى غنى اللغة العربية وعمقها التعبيري. الترخيم ليس مجرد حذف لفظي، بل هو أداة بلاغية تفتح أمامنا أبواباً جديدة للفهم والتذوق الجمالي في الكلام. إن إدراك فنون البلاغة العربية يمنحنا تقديراً أعمق لتراثنا اللغوي والأدبي، ويعزز من قدرتنا على التعبير بشكل أكثر إبداعًا وفعالية.
من خلال العودة إلى النصوص الشعرية والأدبية القديمة، يمكننا أن نشهد كيف أبدع الشعراء في استخدام الترخيم لإضفاء لمسة من الجمال والتأثير على قصائدهم. يظل الترخيم، كجزء من التراث اللغوي العربي، شاهداً على براعة المتحدثين والشعراء في استخدام اللغة لتحقيق أهدافهم البلاغية.
في الختام، نأمل أن يكون هذا المقال قد أضاء لكم بعضاً من جوانب الترخيم، وأكد على أهمية استمرارنا في دراسة واكتشاف كنوز اللغة العربية. فكلما تعمقنا في فهم هذه الفنون، ازددنا فخراً بلغتنا وتراثنا الأدبي الثري.
الأسئلة الشائعة
- ما هو الترخيم في اللغة العربية؟ الترخيم هو حذف آخر حرف من المنادى بغرض التخفيف اللفظي، ويُستخدم لإضفاء جمالية وإيقاع على الكلام.
- ما هي الحالات التي يطّرد فيها الترخيم؟ يطّرد الترخيم في حالتين رئيسيتين: الأسماء المنتهية بتاء التأنيث، والمفرد العلم غير المركب إذا زاد على ثلاثة أحرف.
- هل يمكن ترخيم النكرة غير المقصودة؟ لا، الترخيم يطّرد فقط في النكرة المقصودة أو الأسماء العلم المنتهية بتاء التأنيث أو المفرد العلم غير المركب.
- ما هي لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر في الترخيم؟ “لغة من ينتظر” تثبت فيها حركة الحرف المحذوف، بينما “لغة من لا ينتظر” تبني الاسم المرخم على الضم.
- هل يمكن ترخيم الأسماء المضافة؟ لا، لا يجوز ترخيم الأسماء المضافة في النثر، ويقتصر الترخيم على الأسماء غير المضافة.
- ما هو مثال على ترخيم الأسماء المنتهية بتاء التأنيث؟ مثال: ترخيم “فاطمة” يصبح “يا فاطمُ”.
- ما هو مثال على ترخيم العلم المفرد غير المركب؟ مثال: ترخيم “أحمد” يصبح “يا أحْمَ”.
- هل يمكن ترخيم الأسماء النكرة منتهية بالتاء؟ نعم، يمكن ترخيم الأسماء النكرة المقصودة إذا كانت منتهية بتاء التأنيث، مثل: “يا شاعِرَ”.
- كيف يؤثر الترخيم على جمال وإيقاع الشعر العربي؟ الترخيم يضيف جمالية وإيقاعية إلى الشعر، مما يسهل النطق ويزيد من تأثير الأبيات على المستمع.
- ما هي العلاقة بين الترخيم والنحو والصرف في اللغة العربية؟ الترخيم يتطلب فهماً لقواعد النحو والصرف، حيث يتضمن حذفاً وتحريكاً للأحرف بما يتناسب مع قواعد اللغة.