تعريف المقالة، وتاريخها وعناصرها وأقسامها وأنواعها وأعلامها
هي نوع من أنواع الفنون الأدبية، وهي عبارة عن نص نثري يحدث عن فكرة محددة تناقش موضوعاً ما، أو تعبر عن وجهة نظر كاتبه، أو ربما تهدف إلى إقناع القراء حتى يقبلوا فكرة ما، أو لإثارة عواطفهم تجاه شيء محدد، ويمتاز طول المقالة بالاقتصاد، ولغتها بالسلاسة، وأسلوبها بالجاذبية.
وإن فن المقالة هو واحد من الفنون النثرية العربية المستحدثة، بينما يرى بعض الكُتَّاب أن المقالة ما هي إلا امتداد لأشكال النثر التقليدية العربية، مثل الرسالة التي كان الجاحظ أحد زعمائها وروادها.
فيما يذهب بعض الأدباء أبعد من ذلك؛ فيرون أن المقالة ليست فناً حديثاً، بل هي قديمة العهد راجعة إلى ما أنشأه بعض العرب من خطب ومقامات، ورسائل وفوصل، وإن هذا الفن قد توطدت أركانه في العهد القديم ونما بنيانها، وليس ظهورها إلا عودة إلى الأصول العربية التليدة.
لكن الدكتور شوقي ضيف يرى أن العرب أخذوا المقالة في العصر الحديث عن الغرب فأنشؤوها بسبب ضرورات الحياة العصرية والصحفية.
أما الدكتور عبد الكريم الأشتر فيرى أن المقالة قد ازدهرت في الأدب العربي الحديث يعود إلى عوامل عدة هي:
أ –انتشار الصحافة.
ب –الإحساس بضرورة التغيير.
ج –تأثر الأدب العربي بالمذاهب الأدبية والفكرية الغربية.
د –نشوء المجلات واستيعابها للمقالة الذاتية والموضوعية بمخلف مضامينها.
هـ -ظهور التيارات الفكرية والأحزاب السياسية.
و –النشاط الكثيف للمدارس والكليات وزيادة تأثير النفوذ الغربي في سواحل بلاد الشام.
ز –نشاط الحركة الاستعمارية في المغرب العربي.
وإن تطور الصحافة ساعد على تطور المقالة بمفهومها الحديث وثَبَّتَ خصائصها الغربية؛ فأصبحت قطعة نثرية قصيرة أو متوسطة، فكرتها واحدة في معالجة قضية خاصة أو عامة، ومعالجتها سريعة تستوفي انطباعاً ذاتياً ورأياً خاصاً.
وهي إما مقالة ذاتية؛ يبرز فيها العنصر الذاتي وتتحرر من قيود الموضوعات العامة، وتميل إلى بساطة وعفوية في التعبير.
أو مقالة موضوعية؛ تميل إلى الجد واستيفاء البحث في قضية ما سواء أكانت علمية أم اجتماعية أم سياسية أم أدبية أم نقدية.
نشوء المقالة الغربية
يعد تاريخ المقال موضوعًا رائعًا يتتبع تطور النوع الأدبي الذي استُخْدِمَ لأغراض وأشكال مختلفة على مر القرون. وبحسب بعض المصادر، فإن أول من استخدم مصطلح “المقال” هو الفيلسوف الفرنسي ميشيل دي مونتين (Michel de Montaigne) (١٥٣٣-١٥٩٢)، الذي أطلق على كتاباته الفلسفية القصيرة اسم “المقالات” (essais)، والتي تعني “المحاولات” أو “المحاكمات” بالفرنسية. وقد استخدم المقال كوسيلة لاستكشاف أفكاره وتجاربه بأسلوب شخصي وتحادثي.
ومع ذلك، فإن المقال كشكل من أشكال الكتابة له جذور أقدم في الحروف اليونانية والرومانية القديمة، والتي كانت تستخدم أيضاً للتعبير عن الآراء والحجج والملاحظات والتأملات حول مواضيع مختلفة. وقد استلهم بعض كتاب المقالات الأكثر تأثيراً في التاريخ، مثل فرانسيس بيكون (Francis Bacon)، وصامويل جونسون (Samuel Johnson)، وألكسندر بوب (Alexander Pope)، وجون لوك (John Locke)، من هذه النماذج الكلاسيكية وقاموا بتكييفها مع أغراضهم وسياقاتهم الخاصة.
قُسِّمَتِ المقالة أيضًا إلى أنواع أو أنماط مختلفة، مثل الرسمية وغير الرسمية، والشخصية وغير الشخصية، والتفسيرية والسردية، والوصفية والتحليلية، وما إلى ذلك. هذه الفروق ليست دائماً واضحة المعالم، وقد قام العديد من كتاب المقالات بدمج أو تجربة أساليب مختلفة. الأساليب والتقنيات لإنشاء أعمال أصلية وجذابة. وقد وُسِّعَتِ المقالة أيضًا لتشمل وسائل الإعلام الأخرى، مثل الأفلام والتصوير الفوتوغرافي، والتي يمكنها أيضاً نقل موضوع أو فكرة من خلال سلسلة من الصور أو المشاهد.
عناصر المقالة
تتكون المقالة من مجموعة من العناصر التي هي أساس أي فن أدبي، هذه العناصر هي:
١ –عنصر اللغة
اللغة هي وسيلة الاتصال الأساسية بين البشر، وتتكون من كلمات، وإن الكاتب الناجح هو من يستطيع اختيار الكلمات المناسبة ويتخلص بقدر الإمكان من الحشو غير الضروري؛ لأن الاقتصاد في استعمال المفردات يحقق أسلوباً بلاغياً موجزاً ينسجم مع نمط فن المقالة. ويجب على الكاتب أن يراعي استخدام المفردات بأكثر الأساليب إيجازاً للتعبير عن فكرته.
ويتحقق استخدام كلمات مناسبة في المقالة من خلال مراعاة ما يلي:
- التخلص من الكلمات غير الضرورية.
- عدم تكرار الأسماء إن كان ممكناً استخدام الضمائر.
- عدم تكرار الكلمات غير المفيدة.
- عدم استخدام المفردات والمصطلحات التي أصبحت مبتذلة.
أما الأمور التي يجب مراعاتها في اختيار الجمل فهي ما يلي:
- اختيار الجملة ذات المعنى التام.
- إظهار الجملة بوضوح.
- التعبير عن عناصر الجمل المهمة بطريقة متشابهة دون إغفال أي منها.
- يجب عدم إطالة الجملة وألا يفصل بين عناصر الأساسية.
- تجنب الفصل بين أركان الجملة بجمل اعتراضية طويلة جداً.
٢ –عنصر الفكر
من الواجب على أي مقالة أن تحتوي على هدف وأن تحمل في طياتها رسالة ما، وهذه الرسالة تحمل فكرة أو عدة أفكار للتعبير عن وجهة نظر الكاتب، وإن خلو المقالة من الفكرة يجعلها بلا فائدة؛ فعنصر الفكر أساسي في المقالة؛ لأنه يعطيها المعنى والهدف.
٣ –عنصر العاطفة
تؤدي العاطفة إلى اختلاف أساليب الكتاب؛ لأنها مختلفة عن الناس باختلاف طبائعهم، ومع اختلاف الكتاب تختلف موضوعاتهم التي يتناولون؛ فمثلاً نجد بعضهم يحتاج إلى دفعات عاطفية وآخرون لا يظهر أثرها على مقالاتهم وخاصة في المقالة العلمية.
أقسام المقالة
تتميز المقالة بسمات خاصة باعتبارها جنساً أدبياً نثرياً، فلا بد من وجود بناء خاص بها يحتاج إلى تنظيم لكي تخرج ضمن قالب فني فريد يضع فيه الكاتب أفكاره بطريقة مقبولة من القارئ.
ويجب على كل قارئ أن يجعل المقالة مؤلفة من ثلاثة أقسام رئيسة هي: المقدمة والعرض والخاتمة.
١ -المقدمة: تشمل المقدمة مدخلاً للموضوع الذي نريد إثارة النقاش عليه.
٢ –العرض: وهو جسم المقالة ويتألف من الأفكار التي تُنَاقَشُ في المقالة.
٣ –الخاتمة: وتكون ملخصاً بسيطاً للموضوع.
أنواع المقالة
ثمة تقسيمان لأنواع المقالات، الأول تقسيم المقالة بحسب منهجها، والثاني بحسب طريقتها.
أنواع المقالة بحسب منهجها
تقسم إلى:
- مقالة موضوعية: وهي العلمية أو الرسمية.
- مقالة ذاتية: وهي الأدبية أو الفنية أو غير الرسمية.
أنواع المقالة بحسب طريقتها
توجد العديد من أنواع المقالات المختلفة، ولكن يمكن تصنيفها على نطاق واسع إلى أربعة أنواع رئيسة: المقالات الجدلية، والتفسيرية، والسردية، والوصفية.
١ –المقالة الجدلية (Argumentative essay): تهدف المقالات الجدلية إلى إقناع القارئ بموقف أو منظور معين حول موضوع ما. يقدم الكاتب بيان أطروحة واضحة، ويدعمها بالأدلة والاستدلال، ودحض الحجج المعارضة. غالباً ما تُستخدم المقالات الجدلية لمناقشة القضايا المثيرة للجدل أو القابلة للنقاش، مثل السياسة أو الأخلاق أو المشكلات الاجتماعية.
٢ –المقالة التفسيرية (Expository essay): تهدف المقالات التفسيرية إلى إعلام أو شرح موضوع ما للقارئ. يقدم الكاتب معلومات وتحليلات وتفسيرات واقعية، دون التعبير عن آراء شخصية أو عواطف. غالباً ما تُستخدم المقالات التفسيرية لتعليم أو إرشاد القارئ حول موضوع ما، مثل التاريخ أو العلوم أو الأدب.
٣ –المقالة السردية (Narrative essay): تهدف المقالات السردية إلى سرد قصة أو مشاركة تجربة مع القارئ. يستخدم الكاتب تفاصيل حية وحوار وعناصر حبكة لخلق قصة واقعية وجذابة. غالباً ما تُستخدم المقالات السردية للترفيه عن القارئ أو إلهامه، أو للتفكير في النمو الشخصي أو المهني للكاتب.
٤ –المقالة الوصفية (Descriptive essay): تهدف المقالات الوصفية إلى وصف شخص أو مكان أو كائن أو حدث بالتفصيل باستخدام اللغة والصور الحسية. يرسم الكاتب صورة حية للموضوع، تخاطب حواس القارئ وعواطفه. غالباً ما تستخدم المقالات الوصفية لإثارة حالة مزاجية أو جو، أو للتعبير عن تقدير الكاتب أو إعجابه بالموضوع.
الخصائص الفنية للمقالة
يمكننا تلخيص الخصائص الفنية للمقالة من خلال النقاط الآتية:
١ –حجمها قصير أو متوسط الطول.
٢ –تقدم عرضاً لفكرة رئيسة واحدة.
٣ –تتكون المقالة من مقدمة وعرض وخاتمة.
٤ –أسلوب المقالة بسيط وبعيد عن التعقيد والتكلف.
من أشهر كتاب المقالات في الأدب العربي الحديث؟
من أشهر أعلام كتاب المقالات: مصطفى لطفي المنفلوطي، مصطفى صادق الرافعي، شكيب أرسلان، يعقوب صروف، خليل السكاكيني، أحمد أمين، جبران خليل جبران، إبراهيم المازني، عباس محمود العقاد، قاسم أمين، أحمد فارس الشدياق، أمين الريحاني، توفيق الحكيم، أحمد زكي، وغيرهم.
من أشهر كتاب المقالات في الغرب؟
١ -ميشيل دي مونتين ” Michel de Montaigne” (١٥٣٣-١٥٩٢، فرنسا): يعد منشئ المقال الحديث، حيث كتب مقالات شخصية وتأملية استكشفت أفكاره ومشاعره وتجاربه.
٢ -فرانسيس بيكون ” Francis Bacon” (١٥٦١–١٦٢٦، إنكلترا): يعد أبو المقال الإنكليزي، فهو رائد نوع الكتابة في مواضيع مختلفة مثل الحقيقة والموت والحب والانتقام والصداقة.
٣ -رالف والدو إيمرسون ” Ralph Waldo Emerson” (١٨٠٣-١٨٨٢، الولايات المتحدة): يعد من أكثر كتاب المقالات الأمريكيين تأثيرًا، حيث كتب عن الطبيعة والاعتماد على الذات والثقافة والروحانية.
٤ -فيرجينيا وولف ” Virginia Woolf” (١٨٨٢–١٩٤١، المملكة المتحدة): هي من أبرز كاتبات المقالات الحداثيات، إذ كتبت عن الفن والأدب والنسوية والمجتمع بأسلوب وصوت مميزين.
٥ -جورج أورويل ” George Orwell” (١٩٠٣-١٩٥٠، المملكة المتحدة): هو أحد أشهر كتاب المقالات السياسية، حيث كتب عن الشمولية والإمبريالية واللغة والعدالة الاجتماعية بوضوح وشجاعة.