اختيار المديرلغويات

الفرق بين الأرقام العربية الغبارية والهندية، وبأي منها يجب أن نكتب؟

الأرقام العربية، التي نشأت في العالم العربي، تعد واحدة من أكثر الإنجازات الرياضية تأثيراً في التاريخ. هذه الأرقام لم تكن مجرد وسيلة للحساب بل قدمت أسلوباً جديداً لفهم الرياضيات ولحل المشكلات العلمية والتجارية. تعود أصول الأرقام العربية إلى الخوارزمي، العالم الرياضي الفذ الذي وضع أسس هذا النظام خلال القرن التاسع الميلادي، مما أدى إلى ثورة في العلوم الرياضية لم تتوقف عند حدود العالم العربي بل امتدت تأثيراتها إلى أوروبا والعالم الغربي.

بالإضافة إلى دورها في الحسابات اليومية، كانت الأرقام العربية جزءاً من النظام العلمي المتكامل في العصور الوسطى. تلقت هذه الأرقام ترحيباً واسعاً في المجتمعات الأوروبية من خلال الترجمات اللاتينية للأعمال العربية الرياضية والفلسفية. ساعد هذا الانتشار على تعزيز فكرة الصفر، والذي يعد من أهم الابتكارات التي أطلقت إبداعاً غير محدود في مختلف المجالات العلمية.

مع الوقت، أصبحت الأرقام العربية جزءاً لا يتجزأ من الأنظمة الحسابية والتعليمية والتكنولوجية الحديثة. إن اعتماد هذه الأرقام من قبل الحضارات المختلفة يشير إلى قيمتها العلمية الثقافية المتعددة. شملت الأرقام ليس فقط على القيم العددية بل أيضا على رموز فريدة سهلت العمليات الحسابية المعقدة. في التعليم الحديث، تستخدم الأرقام العربية في كل شيء بدءاً من الحسابات البسيطة وصولاً إلى الحسابات العليا في التخصصات الهندسية والعلمية.

يمكن القول إن الأرقام العربية كانت ولا تزال جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية في السياقين العربي والغربي. إن التاريخ الغني للأرقام العربية واستخداماتها المتعددة يعكس قدرتها على التشكل والتكيف مع مختلف التغيرات الثقافية والعلمية على مر العصور.

ما الأرقام التي كتب بها العرب قديماً؟

قبل اختراع الأرقام كما نعرفها اليوم، استخدم العرب نظام الجُمل للتعبير عن الأرقام. هذا النظام يعتمد على قيم عددية مرتبطة بالأحرف الأبجدية. يتم تعيين قيمة عددية لكل حرف من الحروف العربية، على سبيل المثال ‘أ’ يمثل الرقم 1، ‘ب’ يمثل الرقم 2، وهكذا. كل حرف يمتلك قيمة محددة يمكن أن تستخدم لتمثيل أرقام معينة عند دمجها بطريقة مناسبة.

في نظام الجُمل، ليست هناك أرقام مكتوبة كما نعرفها اليوم، بل كل حرف يعبر عن قيمة رقمية معينة. يتم تجميع الأحرف معًا لتمثيل الأرقام الأكبر. مثال على ذلك هو الكلمة “مرغ” التي تمثل الرقم ١٢٤٠. للتحقق من ذلك، نلاحظ أن الميم تمثل الرقم 40، والراء تمثل الرقم 200، والغين تمثل الرقم ١٠٠٠. عند جمع هذه القيم معًا (٤٠ + ٢٠٠ + ١٠٠٠)، نحصل على الرقم ١٢٤٠.

يتيح هذا النظام القديم للعرب كتابة أرقام كبيرة ومعقدة باستخدام الحروف فقط. لقد كان نظام الجُمل ذا فعالية وأهمية كبيرة في تاريخ الثقافة والعلم العربي، حيث استخدمه العلماء والكتاب في مجالات متنوعة مثل الفلك والرياضيات والتمثيل العددي للنصوص الدينية والخطابات الرسمية.

هذا النظام يعتبر جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي العربي ويظهر الإبداع الكبير في الطرق التي ابتكرها العرب للتعامل مع الأرقام قبل ظهور النظام الرقمي الحديث. تجدر الإشارة إلى أن فهمنا لنظام الجُمل يمكن أن يعطي نظرة معمقة على تطور مفاهيمنا الرياضية عبر العصور وكيف تم توظيف الكتابة في خدمة المعرفة.

اقرأ أيضاً:  اللغة العربية: نشأتها وأقسامها، وهل هي أم اللغات السامية؟

دليل على استخدام نظام الجُمل: نقش النمارة

يُعد نقش النمارة من أبرز الأدلة التاريخية على استخدام نظام الجُمل في الكتابة المبكرة. يقع هذا النقش في سوريا، وقد تم اكتشافه في منطقة النمارة التي تقع على حافة الصحراء السورية. يعود تاريخ هذا النقش إلى القرن الرابع الميلادي، ويعتقد أنه نقش تذكاري لتحديد قبر ملك من ملوك العرب يُدعى امرؤ القيس.

يتميز نقش النمارة باستخدامه لنظام الجُمل بشكل واضح، مما يعزز من فربط النصوص والعبارات المكتوبة بطريقة تُحاكي النظام النحوي العربي المعروف اليوم. النقش مكتوب باللغة العربية الشمالية القديمة، والتي تُعتبر مهد اللغة العربية الفصحى. ويُظهر النقش التزامًا شديدًا بالقواعد النحوية والتركيب الجُملي، حيث استخدم الحروف والأرقام العربية في تنظيم نصه.

تعكس النقوش التاريخية الأخرى المكتشفة في المنطقة ذات الفترة الزمنية استخدامًا مشابهًا لنظام الجُمل. هذه النقوش، التي تشمل العديد من الصكوك القانونية والعقود التجارية، تُبرهن على انتشار واستخدام الأرقام العربية في وقت مبكر لتسهيل العمليات التجارية والإدارية.

من الجدير بالذكر أن استخدام نظام الجُمل والأرقام العربية لم يكن محصورًا فقط في النقوش الرسمية أو الملكية، بل انتشر أيضًا في المراسلات اليومية والتوثيق الشخصي بين الأفراد. تعكس هذه الشواهد الأثرية تطور اللغة العربية وتحولها إلى أداة فعالة للتعبير الكتابي والاتصال المجتمعي.

إن أهمية نقش النمارة تكمن في كونه يثبت أن العرب كانوا يستخدمون نظام الجُمل والأرقام بشكل مُنظم ومُدون قبل الإسلام بمدة طويلة. تعد هذه النقوش دليلاً دامغًا على أن الأرقام العربية ونظام الجُمل كان لهما دور بارز في تشكيل الهوية اللغوية والثقافية للعرب في هذه الفترة.

دليل آخر: نقش أبرهة الأشرم على سد مأرب

نقش أبرهة الأشرم على سد مأرب، يعتبر واحدًا من الأدلة الأثرية الهامة التي تسلط الضوء على تاريخ أنظمة العدد والحساب قبل ظهور الأرقام العربية الحديثة. هذا النقش، الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس الميلادي، يتواجد في موقع سد مأرب القديم، الذي كان يُعتبر واحدًا من أهم المنشآت الهندسية في العالم القديم. إن هذا النقش يُعد مرجعًا مهمًا لفهم كيفية استخدام الجُمل في التعبير عن الأرقام في تلك الفترات الزمنية.

يقع نقش أبرهة الأشرم في الجزء الشمالي من السد، ويحتوي على نصوص تشرح بشكل أساسي بناء السد وترميمه بأمر من الملك أبرهة الأشرم. لكن الأهمية الحقيقية لهذا النقش تكمن في الطريقة التي تم بها تدوين الأرقام والتواريخ. تتمثل إحدى النقاط المحورية في النقش في استخدام نظام الجُمل لتمثيل الأرقام، بدلاً من النظام العددي العشري الذي نستخدمه اليوم.

من خلال تحليل نقش أبرهة الأشرم، يمكننا أن ندرك أن النظام المستخدم في تلك الفترة كان يعتمد على الجمع بين الحروف والجُمل لتكوين أعداد تُستخدم في توثيق الأحداث والتواريخ. هذا النظام كان معقدًا بمقاييس العصر الحديث، ولكنه كان فعالاً في تلبية احتياجات المجتمع القديم. بالنسبة للباحثين والمؤرخين، يوفّر هذا النقش نظرة عميقة لكيفية تطور الأنظمة العددية عبر الزمن.

إن فهم كيفية استخدام الجُمل في تدوين الأرقام ليس فقط مهماً من الناحية التاريخية، بل يساعد أيضاً في توضيح كيفية تطور الفكر الرياضي والحسابي عند الشعوب القديمة. إن نقش أبرهة الأشرم هو دليل آخر يثبت أن العرب والقبائل الأخرى في المنطقة كانوا يمتلكون فهمًا متقدمًا لأنظمة العدد، قبل انتشار الأرقام العربية بشكلها المعروف اليوم. هذا النقش يُعتبر شاهداً حيًّا على عبقرية الهندسة المعمارية وفن التوثيق العددي في ذلك العصر.

اقرأ أيضاً:  أين يرسم تنوين النصب على الألف أم قبلها؟

هل استعمل العرب الأرقام الهندية؟

إن الأرقام التي استعملها العرب لم تكن الهندية صورة، بل إن الذي أخذه العرب من الهند هو الفكرة القائمة على النظام العشري المعروف.

على سبيل المثال، قام العرب باستخدام نظام الآحاد والعشرات والمئات، وهو النظام الذي تعلموه من العلماء الهنود وجلبوه إلى العالم العربي. هذا النظام العشري كان بمثابة ثورة في زمنه وسهل العمليات الحسابية بشكل كبير. استطاع العرب من خلاله تقنين العمليات الحسابية وتطوير علوم الجبر والهندسة بطرق كانت فريدة من نوعها في ذلك الوقت.

وقد ذكر البيروني أن الحروف الأبجدية والأرقام اختلفت لدى الهنود أنفسهم في إقليم ما عنه في إقليم آخر.

واستطاع خلال رحلاته المتعددة في الهند أن يتعرف إلى علومهم ولغتهم، وأن يشرح طريقة أخذ العرب للأرقام الهندية من غير أن يأخذوا عن الهنود شكل تلك الأرقام كما هي.

ومعنى ذلك أن شكل الرقم العربي ليس كشكل الرقم الهندي، وأن الذي أخذه العرب هو الفكرة القائمة على النظام العشري المعروف.

هل الهنود هم من اخترعوا النظام العشري؟

قيل إن النظام العشري الذي كتب به العرب والذي أخذوه من الهند لا يستبعد أن يكون الهنود قد أخذوه عن البابليين مثلما أخذه العرب.

وقيل إن الأرقام الهندية وصلت على مدارس الرهبان في وادي الرافدين عام ٦٢٢ للميلاد.

ولكن القدماء لم يشيروا إلى ذلك، بل ذهب معظمهم إلى أن الفكرة هندية.

وقيل إن الهنود استخدموا في بداية عهدهم بالأرقام نظاماً مشابهاً للنظام الصيني، واستمر ذلك حتى عام ٣٠٠ ق. م. حيث توصلوا إلى نظامهم الشهير، كما توصلوا إضافة إلى ذلك إلى نظام الخانات الذي كان مستعملاً من قبل البابليين.

لماذا سمى العرب الأرقام هندية؟

سمى العرب هذه الأرقام (هندية) تكريماً للهنود؛ لأنهم أخذوا النظام منهم. وسمى الغربيون الأرقام التي يكتبون بها الآن (عربية) لأن الغربيين أخذوها عن العرب الذين وضعوا أساسها.

ما سبب كتابة العرب بالأرقام؟

بسبب التطور الذي مر به العرب في ظل الإسلام، والذي دفعهم إلى التفكير بطريقة أخرى تكون أيسر من طريقة حساب الجمل.

من نقل الأرقام الهندية إلى العرب؟

قيل: إنه الفلكي (محمد بن إبراهيم الفزاري الكوفي) المتوفى نحو سنة ١٨٠ هـ (٧٩٦ م)، فقد ألف كتاب (السند هند الكبير) بأمر من الخليفة المنصور سنة ١٥٦ هـ مترجماً الكتاب الهندي (السند هند)، ونقل فكرة الأعداد من الهنود.

أما (أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي) فهو الذي شرح نظام الأعداد، ووضع لها الأشكال التي عليها هذه الأرقام، وقام بوضع نظامين هما: الأرقام الهندية والأرقام الغبارية.

فعلى هذا: الأرقام العربية سلسلتان: الأولى المستعملة في معظم البلاد العربية والإسلامية، وهي ما تعرف بالهندية، والثانية الغبارية التي استعملت في الأندلس والمغرب وأخذها الأوربيون.

اقرأ أيضاً:  صباح اللغات ومساء اللهجات

ما معنى الأرقام الغبارية؟

سميت الأرقام الغبارية بهذا الاسم؛ لأن أهل الهند كانوا يتخذون لوحا أسود اللون يمدون عليه الغبار وينقشون فيه ما شاءوا، ولذلك يسمى حساب الغبار.

ثم عدلت من قبل العرب حتى وصلت إلى هذا الشكل:

إن أول مصدر وصل إلينا، يحكي فيه مؤلفه شكل الأرقام الغبارية، هو كتاب (تلقيح الأفكار) لابن الياسمين، المتوفى سنة ٦٠١ هـ، فأورد مجموعتين للأرقام الغبارية:

وأضاف ابن الياسمين: (ولكن الناس عندنا على الوضع الأول)، قال الدكتور قاسم السامرائي: يريد أهل الحساب، أي إن غيرهم من العلماء والعامة على الوضع الآخر (المجموعة الثانية).

أصل أشكال الأرقام التي نكتب بها

ذهب بعض الباحثين إلى أن منشأ الأرقام العربية هو صور حروف الأبجدية العربية، وليس الأشكال والرموز التي كان الهنود يستخدمونها كما يزعم بعض الباحثين بلا دليل، وأنها لم تقم على تعداد الزوايا التي تحتويها صورة كل حرف.

وبذلك تسقط دعوى من ذهب إلى أن الأرقام الغبارية هي العربية الأصيلة، وأن الأرقام المألوفة الآن في البلاد العربية هندية الشكل.

أما ما أورده بعض الباحثين نقلاً عن المستشرق الفرنسي (Bernard Carra de Vaux) (برنارد كرا دي فو) المتوفى سنة ١٩٥٣م، من أن الأرقام الغبارية قامت على أساس الزوايا؛ حيث خصصت لكل رقم زوايا مناسبة لقيمته؛ فإن هذا الكلام لا يقوم على دليل، ومناقض ومتعذر في كل من الخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة.

وعلى فرض صحة إمكان ذلك مع تكلف، فإن الغرض من الأعداد الدلالة على معدوداتها لا على كمية الزوايا كما يقول الدكتور محمد السراج.

هل الأرقام المستعملة في الغرب هي نفسها العربية؟

ما يعرف الآن بالأرقام العربية والمستعملة في البلاد الأوربية ليس كالشكل الذي يعرف بالأرقام الغبارية، إنما حَدَثَ فيه بعض التغيير ليلائم الحرف الأجنبي، لذلك لا يمثل هذا التطور أصالة الرقم العربي الغباري.

كما أن الأرقام الغبارية لم تنتشر في المغرب العربي إلا بعد مئات السنين، ثم تسربت عن طريق الأندلس إلى بلاد الفرنجة وفيها انتهت إلى صورها الحاضرة.

ما الأرقام التي كتب بها العرب؟

ثبت أن الأرقام الهندية هي الأصل، وهي التي شاعت قديماً في المخطوطات العامة أو في مخطوطات الحساب، ومن الذين كتبوا بها: الخوارزمي، والإقليدسي، وابن الأثير، وابن حجر، وأحمد السنوسي، وابن أبي الضياف، وأحمد المقري وغيرهم.

لماذا انتشرت الأرقام الهندية في البلاد العربية ولم تنتشر الغبارية؟

قال سالم محمد الحميدة في كتاب الأرقام العربية: إن الخوارزمي أول من ألف كتبه بأرقام السلسلة الهندية، وإن شهرته وأهمية مؤلفاته كانا عاملاً مهماً في انتشارها في المشرق العربي؛ إذ إن مؤلفاته هي المعمول بها في الدولة العباسية خلال تلك المرحلة.

وهذا يعني أن الأرقام المستعملة الآن في العالم العربي هي الأشكال الأصلية وليست الغبارية.

ما الأرقام التي يجب أن نكتب بها؟

يجب علينا أن نكتب بالأرقام التي كتب بها أجدادنا، وهي الأرقام الهندية؛ لأن الأرقام الغبارية الحالية جرى عليها تحوير وتبديل من قبل الغربيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى