ما تعريف علم البديع وأقسامه
يعد علم البديع من علوم البلاغة العربية، وهو علم جمالي مهم يعتمد على جمالية اللفظ والمعنى، سنتعرف في هذه المقالة على بعض الأمور عن علم المعاني.
تعريف البديع لغة: هو المُخْتَرَعُ المُوجَدُ على غير مثال سابق. وهو مشتق من بَدَعَ الشيءَ؛ إذا أنشأه وبدأه. إذ تقول العرب: بَدَعَ الرَّكِيَّةَ؛ إذا استنبطها وأحدثها، والركية هي البئر، ويقال: رَكِيٌّ بديعٌ أي حديثة الحفر. ويأتي بمعنى (مُبْدِعٍ) كما في قوله سبحانه وتعالى: {بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون}، أي منشئها على غير مثال سابق.
ويُلْمَحُ في هذا الاستخدام القرآني معنى الإعجاب والإدهاش والإبهاج، فمن شأن إبداع السماوات والأرض على غير مثال أن يثير لدى الإنسان إحساس الجلال والجمال.
وفي الحديث الشريف ورد لفظ البديع بمعنى الجديد الطيب، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصف تِهامة: «إن تهامة كبديع العسل حلو أوله، حلو آخره».
كما وردت في الحديث بمعنى الجِدَّة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كيف أصنعُ بما أبدع عليَّ منها».
وسنجد هذين المعنيين يتفقان مع المعاني الأدبية والفنية التي أطلقت فيما بعد على بعض العبارات والصور الواردة في الشعر والنثر لجِدَّتهما وطرافتهما.
تعريف البديع اصطلاحاً: هو علم يُعْرَفُ فيه وجوه تحسين الكلام، بعد أن تراعي مطابقة مقتضى الحال ووضوح الدلالة على المعنى المراد.
والبديع مقصور على العرب، ومن أجله فاقت لغتنا كل لغة، وأربت على كل لسان.
من أول من سمى علم البديع بهذا الاسم؟
لئن صح ما زعم الرواة كان مسلم بن الوليد الشاعر هو أول من سمى هذا النوع بالبديع واللطيف، واستعمله في شعره، وتبعه طائفة من الشعراء أشهرهم أبو تمام.
ومع ذلك فلعل الجاحظ المتوفى سنة ٢٥٥ هجرية مِنْ أولِ مَنْ دَوَّنَ واستعمل هذه الكلمة استعمالاً نقدياً علماً، وإن لم يخرج بها في هذا الاستعمال عن معنى الجِدَّةِ والطرافة، وذلك عندما روى قول الأشهب بن رميلة:
هُمُ سَا عِدُ الدَّ هْرِ الَّذِ ي يُتَّقَى بِهِ * وَ مَا خَيرُ كَفٍّ لَا تَنُو ءُ بِسَا عِدِ
ثم فسره الجاحظ بقوله: هم ساعد الدهر، إنما هو مَثَلٌ، وهذا الذي تسميه الرواة البديع.
والبديع كثير في شعر العرب، وكما ذكرنا هو مقصور عليهم، والراعي كثير البديع في شعره، وبشار بن برد حسن البديع كذلك، وكلثوم بن عمرو العتَّابيُّ يذهب شعره في البديع.
ومعنى ذلك أمران:
الأول: أن الجاحظ لم يكن أول من أطلق هذا اللفظ (البديع) على هذه الفنون البيانية، وإنما نقل ذلك عن الرواة واستعملها فيما أَلَّفَ.
الثاني: أن هذا اللفظ أُطْلِقَ إطلاقاً على الجديد الطريف من هذه الصور والتعابير البلاغية، فقد أُطْلِقَ هنا على الاستعارة في قول الشاعر (ساعد الدهر).
وقد نبه الجاحظ مع ذلك إلى فنون بديعية أخرى، وإن لم يطلق عليها هذا اللفظ، منها: الاستعارة، والتشبيه، والاحتراس، وحسن التقسيم، والسجع، والكناية، والازدواج، والأسلوب الحكيم، والإيجاز، والإرصاد والتسهيم، والاقتباس، والمساواة.
ويَظهر أنه في عهد الجاحظ جرت كلمة (بديع) ومشتقاتها وما يقاربها في المعنى على ألسنة وأقلام الأدباء وصفاً للمعاني والصور الغريبة الطريفة أو الجيدة حتى صارت أشبه بالاصطلاح الذي يدل على الجديد المستحسن في البيان العربي.
وتبقى هذه الفنون الأدبية والبيانية تزداد وتطغى على الأساليب الشعرية والنثرية، ولكنها حائرة تبحث عمن يجمع شملها أو يضع عنوانها الأول في مؤلف خاص لعلها تجتمع حوله أو تحته؛ فتأخذ بذلك وضعها البلاغي أو النقدي الدقيق أو المقارب، وتعيش ذات اعتبار علمي فني، فإذا بأمير عباسي يحقق لها هذا الأمل ويضع اللبنة الأولى لهذا البيان البلاغي الذي اتسع ثم نُسِّقَ فصار علوم البلاغة العربية المعروفة، ذلك هو عبد الله بن المعتز المتوفى سنة ٢٩٦ هجرية صاحب كتاب البديع. وقد اعترف ابن المعتز بأن هذه التسمية ليست من ابتكاره وإنما هي من وضع المحدثين، ومن الخير أن نتركه لنبين أي حلقة هو في تاريخ هذه الكلمة (البديع) من الناحيتين العلمية والفنية.
والبديع عند ابن المعتز خمسة أنواع: الاستعارة، والتجنيس، والمطابقة، ورد أعجاز الكلام على ما تقدمها، والمذهب الكلامي، وبذلك كملت عنده أبواب البديع.
ثم يذكر بعض محاسن الكلام والشعر فيعد منها ثلاثة عشر نوعاً هي: الالتفات، والاعتراض، والرجوع، وحسن الخروج، وتأكيد المدح بما يشبه الذم، وتجاهل العارف، والهزل الذي يراد به الجد، وحسن التضمين، والتعريض والكناية، والإفراط في الصفة، وحسن التشبيه، وإعتاب المرء نفسه (لزوم ما لا يلزم) وحسن الابتداء، ولا مانع عنده أن تدخل هذه الأنواع تحت اسم البديع.
ومن ذلك نرى ما يأتي:
أولاً: أن ابن المعتز أول من ألف في هذا الفن.
ثانياً: أن ما ذكره يدخل الآن في علوم البلاغة وبخاصة البيان والبديع.
ثالثاً: أن هذا الاصطلاح (البديع) قد سبق إليه.
رابعاً: أن فنون البديع نفسها من الناحية الفنية قد صاحبت الشعر من أقدم عهوده وإن كثرت على عهد ابن المعتز، وصيغت عن وعي، وأن بعض الشعراء إلى عهده قد غلا في استعمالها، وأن بشاراً ومن تبعه كانوا يعتزون بأنهم أصحاب هذا المذهب الصناعي، فرد عليهم ابن المعتز بأن هذا البديع قديم لا فضل لهم في ابتكاره، وإن كانت لهم صفة إكثاره وتصنعه، وقد ألف كتابه هذا سنة ٢٧٤ هجرية.
وفي القرن الرابع الهجري صارت كلمة البديع مصطلحاً علمياً يدل على هذه الفنون الغريبة التي تُكْسِبُ الكلامَ حسناً وقوة وبياناً، وفي هذا العصر يتقدم قدامة بن جعفر المتوفى سنة ٣٣٧ هجرية ممن عاصروا ابن المعتز، فنجده يتقدم بمدلول هذا الاصطلاح فيوسع معناه ويضيف في كتابه (نقد الشعر) ثلاثة عشر نوعاً وهي التقسيم، والترصيع، والمقابلات، والتفسير، والمساواة، والإشارة: ائتلاف اللفظ مع الوزن، والتمثيل، والتوضيح، والإيغال: ائتلاف المعنى مع الوزن، وائتلاف القافية، والإرداف.
وبعد قدامة جاء أبو هلال العسكري المتوفى سنة ٣٩٥ هجرية، فقد أضاف إلى ما سبق سبعة أنواع هي: التشطير، والمجاورة، والتطريز، والمضاعفة، والاستشهاد، والتلطف، والمشتق.
ثم تتالى العلماء فوصلنا إلى ما نحن عليه من علم البديع وفنونه الكثيرة.
ماذا يدرس علم البديع؟ وما الفرق بينه وبين علمي البيان والمعاني؟
يتولى علم البديع دراسة المعنى أو اللفظ من حيث صياغتها على أنحاء خاصة تبهج العقل وتنعش النفس وتثير الحس الجمالي عند الإنسان؛ فهو يدرس جماليات الأداء أو الصياغة أو وجوه تحسين الكلام.
أما علم المعاني وعلم البيان فيبحث كل واحد منهما في صميم المعنى المراد؛ إذ يتناول علم المعاني المعنى من وجهة مطابقته لمقتضى الحال؛ أي من وجهة الأوضاع التي تجعل المعنى يظفر بأقصى درجات الموافقة للحال التي يقال فيها، والمخاطب الذي يوجَّه إليه الكلام. ويتناول علم البيان المعنى من وجهة توصيله للمتلقي على صور متفاوتة في وضوح دلالتها عليه.
ما أقسام المحسنات البديعية؟
أ –المحسنات المعنوية: وهي التي يكون التجميل بها راجعاً إلى المعنى أصلاً حتى وإن تبع ذلك تجميل للفظ عن غير قصد.
ومن هذه المحسنات المعنوية: الطباق، المقابلة، مراعاة النظير، التورية، الطي والنشر، تأكيد المدح بما يشبه الذم، القول بالموجب، وغيرها.
ب –المحسنات اللفظية: وهي التي يكون التجميل فيها راجعاً إلى اللفظ أصلاً حتى وإن تبع ذلك تجميل للمعنى عن غير قصد.
ومن هذه المحسنات اللفظية: الجناس، السجع، لزوم ما لا يلزم، تآلف الألفاظ وغيرها.
ولا ينبغي أن يغيب عن الذهن أن استخدام هذه المحسنات، بخاصة اللفظية منها، يحدده مطلبُ توصيل الفكرة وبيان المعنى وجاذبية الصورة الكلامية، كما لا ينبغي أن يُجعَل الإتيانُ بمثل هذه الجماليات هدفاً يرمي إليه المتكلم ويضعه نُصْبَ عينيه قبل كل هدف آخر.